الاتحاد الاشتراكي العربي
الاقليم السوري
المؤتمــر العــام الرابـــع 1968
التـقــريــر العـــــام
الـقــســم الـــــــــــــــرابـــــــــــــع
( 4 )
لقــد استرسلنــا مع النقـد والنقـد الذاتي في الفصول السابقة مـن هـذا التقـريـر، لا لمجـرد النـقـد ولا لنتخلص بذلك من شعورنا بالتقصير ومـن نقائصنا، وإنمـا لنخـط طريقاً واضحة، ســواء من حيث التنظـيم أو مـن حيـث الالتــزام الفكــري والسـياسي أو من حيـث العمـــل و النضــال.. لقـــد كـان أمــام المؤتمر مهمة كــبرى، هـي وضـع مبادئ ميثـاق عمـل حـزبنــا وخـطـة عملـه واستراتيجيتـه العـامــة.
في أيار عام /65/ قدم الاتحاد منهاجه المرحلي ’’ كبرنامج عمل ثوري مرحلي للاتحاد في الاقليم السوري ‘‘ واليوم و على ضوء التجربة التي يمر بها الاتحاد، وعلى ضوء الوضع العربي الذي قـام في أعقـاب النكسة، بل وعلى ضوء ما كشفت عنـه النكسة، نحن مطالبـون بأن نعيد النظـر في هذا المنهــاج.. وأن الصفة المرحـليـة لهــذا المنهاج تقضي أساسـاً بتطـويره على ضوء التجربة والوقائع وتطورات الأحـداث، وأمتنا العربية اليوم في وضع خطير في حالة حرب مهما قيـل عن الحلول السياسية وامكـانيـاتهــا، وبالقيـاس إلى هـذا الوضـع لا بـد أن نجــدد أهدافنــا المرحليــة ونهـج عملنـا ونضالنـا.
في عام /64/ وعام /65/ كان أمام الاتحاد مهمة محددة وهدف مرحلي محدد، مهمة تعبئة القوى الوحدوية تحت قيادته بهدف اسقاط الانفصال وإعادة الوحدة.. ولقد رأينا خلال الاستعراض السابق، للعوامل التي لـم تُمكنه من القيام بمهمته ولا مـن تحقيـق ذلك الهدف.. ولكـن هـل مازالت تلك المهمة هـي مهمته وذلك الهــدف هـو هـدفــــه المرحلـي؟
الواقع أن الأمور قد تطورت وتغيرت كثيراً في الأعوام الثلاثة الماضية، مما يوجب بأن تُطرح الأمور في إطار جديد.. ليست الظروف وحدها التي تغيرت لتتكشف عن أشياء جديدة ومهمات جديدة، بل إن مواقعنا قد تغيرت، مواقـع الاتحاد الاشتراكي، ومواقع القوى الوحدوية أو الناصرية، كما تغيرت مواقع القوى الأخرى التي كانت تقف في وجهنا وتعترض سبيلنا.. وأمامنا اليوم هدف مرحلي محدد وخطير، هو ذلك الذي فرضته علينا النكسة و ظروف العدوان والحرب، هدف دحر العدوان وإزالة آثاره.. فعلى أساس هذا الهدف الذي يحمل جميع أبعاده الوطنية والقومية والدولية، لا بد أن ترتسم خطوات عملنا ومواقفنا، و أن تتحـدد استراتيجـيتنـا و منهـاج عملنـــــا.
هل يعني ذلك أن نتخلى عن هدف إعادة الوحدة، أو نعتبره هدفاً مؤجلاً لما بعد إزالة آثار العدوان، ونحن الذين رفعنا شعار ’’ الرد على النكسة بالوحدة ‘‘ ؟ إن الأمر ليس بهذه البساطة، لنأخذ بهدف و نتخلى عـن هدف.. ولكن هل نحن على طريق الوحدة وإعادة الوحدة فعلاً وجاء العدوان يخرجنا عنه ويسد طريقه ويضع أمامنا أهداف جديدة غير ما كنا نسعى إليـــه؟
لسنا بحاجة لإعادة ما نؤكده دوماً من تلازم أهداف نضالنا، ولكن نقد التجربة الماضية بيّن لنا بشكل واضح أننا لا بإمكاناتنا، ولا بخط سيرنا الذي انطلقنا منه في البدء، كنا على الطريق المؤدية لإعادة الوحدة.. ولقد جرت وقائع كثيرة في السنوات الثلاث الأخيرة لا بـد أن يُحسب حسابها، وإلا كنا لا واقعيين وكنا متخلفين عن مجرى الحوادث، ثم أن هذا الهدف المطروح أمامنا اليوم ’’ هدف إزالة آثار العدوان ‘‘ هذا الهدف المصيري الذي يتوقـف عليه اليوم كل شيء ولمرحلة طويلة من حياة أمتنا، هذا الهدف لا بد أن نطرح اليوم قضايانا كلها من خلاله.. إنه هو الذي يضع وحدتنا الوطنية على أرض المعركة كحاجة وضرورة لا بد منها، وهو يضع في الوقت ذاته وحدتنا القومية على أرض المعركة كضرورة أيضاً وكشيء ملازم للوحدة الوطنية ونابع منها ومستند إليها، ولكن هدف تحرير الوطن اليوم يضع الوحدة الوطنية في غير الإطار الذي كان قد وضعه الاتحاد الاشتراكي عند تأسيسه كوحـــدة للقـــوى النـاصـريـــــة.
ثم أن الصيغ المطروحة اليوم للعمل القومي في مواجهـة العـدوان، الصيـغ المطروحة للعمل العربي المـوحد، لوحدة النضال العربي للقاء القـوى التقدميـة والثوريــة لوحدة القوى الثورية هي غير الصيغة الي انطلقنا منها في البدء وبحسباننا أننا بدأنا في بناء الحـركة الثوريـة العربية الواحـدة.
لقد وضع الاتحاد الاشتراكي نفسه في البدايـة ضمن إطار قوى موحدة الأهداف والإرادات، ثم جاءت الأحداث لتثبت أن هذا غير صحيح، ولقـد خرجت من هذا الإطار قوى وابتعدت كـما أن قوى أخرى كانت خارجة عنه أو متعارضة معه قـد تحركت مع تطــور الأحــداث لتقتــرب منــا ومـن خطــوات ســــيرنا.
إن التقييــم الـذي فرزت على أساسه القـوى السياسية في المجتمع السوري في أعقاب 28 أيلول وقُسمت على أساسه تلك القوى بين وحدوية وانفصالية، هذا التقييم لا بد من إعادة النظر فيه على ضوء ما تكشفـت عنه الوقائع وما تطورت إليه القوى ومواقـف الفئات والأفــــراد.
إن عوامل عديدة من عدم التبصر و الوعي أو من المصالح الشخصية والانتهازية أو من ردود الأفعال جعلت عناصر ومجموعات تلتحم بخط الانفصال وقوى الانفصال أو تلتصق بالخـط النـاصـري المُنادي بعـودة الوحـــــدة.
إن الموقف الانفصالي هو بالأساس موقف طبقي، موقف الطبقات الرجعية، موقف الاقطاع والرأسمالية، موقف الذين ضربت الوحدة مصالحهم عندما بدأت تنهج طريق التحويل الاشتراكي، والموقف الانفصالي هو موقف لا وطني، موقـف المتواطئ مع أعـداء الأمة، أعداء تحررها ووحدتها، موقف المرتبط بعمالته أو مصالحه مع الاستعمار.. والذين وقفوا مع الانفصال أو أيدوه أو سكتوا عنه ولم يناضلوا ضده لم يكونوا جميعاً من تلك الطبقات ولا مصالحهم أو تطلعاتهـم من مصالحهـا وتطلعاتهـــــا.
ومن الذين التصقوا بالخط الناصري وبالعمل الوحدوي بعـد الانــفصـال عناصر ومجموعات ساقها التيار الوحدوي معه ودفعها، فهي ما لبثت أن أخذت تنحسر عنه أو تُعطل خطوات سيره وذلك بمقدار ما كان يتأكد الخط الاشتراكي العلمي للحركة الناصرية، وبمقدار ما كان يتوضح أن لا وحدة بدون اشتراكية، إنها عناصر ومجموعات هي في مصالحها وعقليتها وانتماءاتها الطبقية تصبح اليوم أقرب إلى خط الانفصال منها إلى خط الوحدة مهما حاولت أن تتستر وراء الكلمات ووراء ولاءاتها السابقة للوحدة وعهد الوحدة.. وفي عدد من المواقف كانت تلك العناصر والمجموعات تُفصح عن طبقية تكوينها وولاءاتها الحقيقية، إذ كانت تبرر مواقف رجعية أو تواليها أو تنحاز لها تحت ستار مخاصمة الحكم الانفصالي أو الحكم البعثي.. إن بين الحركة الثوريـة الوحـدويــة وبيـن الحـركــات الرجعيـة خـط فاصـل وحـاسم، وأن موقف معـاداة الحكم البعثي الانفصالي ومعارضته أو الحكم الانفصالي الذي سبقه لا يكفي لوحـده لإعطـاء هوية وحدوية وناصرية لـذلك الموقـف، فليكـون وحـدوياً وناصـرياً لا بـد أن تنطلـق معارضتـه من مواقـع تقدميـة واشتراكيـة.
ثم إن هذه النكسة الكبرى قد جاءت وكشفـت عن كل شيء ووضعت جميع القوى أمام نقائصها وعجزها ووضعتها أمام الأخطاء التي تتهددنا كلنا وتتهدد مصائرنا وتتهدد جميع قضايانا، وإذا كان على الجميع أن يستفيدوا من عبر الماضي وتجاربه فلا يجوز أن نبقى على التقييمات التي أقمناها منذ ثلاث أو أربع سنوات أو خمس سنوات لمواقف القـوى والأشـخــاص.
ثم إننا أقمنا سياجاً من العصبية والتعصب حول أنفسنا كانت له انعكاساته لدى الآخرين فكأنما نحن، ولا سوانا، الوطنيون والتقدميون والاشتراكيون والوحدويون وأعداء الاستعمار، ووقفنا في صف المعارضة طويلاً منغلقين على أنفسنا تماماً كما وقف الحكم البعثي منغلقاً على نفسه وعصبياته وادعاءاته، نحن نختلف عن الحكم البعثي في كثير، ولكن من هذه الناحية كنا نعطيه رصيداً لعصبيته، وكنا نباعد بيننا وبين قوى كان من الممكن أن تسير معنا نحو أهدافنا.. لا شك أن مواقفنا من الآخرين كان لها ما يبررها من مواقف الآخرين منا؛ وعداءهم السافر لنا ولقياداتنا الثورية أن الكثيرين منهم تركوا الرجعية في أمان وتركوا الاستعمار وأصبح ديدنهم الهجوم على عبد الناصر وعلى الحركة الناصرية، ولكننا أصحاب قضية نعرف أن طريقنا هو طريق الجماهير وأنها لا تتحقق إلا بالإرادة الواعية من هذه الجماهير وبالتفافها من حولها وإجماعها عليها، وبعض تلك القوى التي خاصمتنا والتي تقف مثلنا على أرض التقدمية والاشتراكية كانـت تحجـب وراءها أقسام من الجماهير، بل والجماهير الكادحة منها، فما كان يجوز أن تكون مواقفنـا ردود أفعــال على مواقفهــا.
إن تلك القوى التقدمية والتي كانت تقف ضدنا مطالبة بأن تُراجع مواقفها وبعضها قد راجع مواقفه؛ إن مواقفها منا ومن قيادة عبد الناصر كانت ردود أفعال وكانت تنطلق من قناعات لا مبرر لها أو كانت تنطلـق من قُصر النظر والانتهاز.. فلتبرر موقفها في صف الانفصاليين راحت تلطخ قيادتنا الثورية بالتهم وتفتري الافتراءات، وفي ’’ دروس النكسة ‘‘ تحدثنا عن مزاوداتها حول قضية فلسطين.. واليوم أصبح كل شيء صريحاً وواضحاً يُـلزم الجميـع بمراجعـة مواقفهــــــم.
لا نريد الآن أن ننكأ الكثير من الجراح وما أصابنا من تلك القوى.. فلقد كانت معركتنا ضد الانفصال معركة عادلة وكذلك كان تشبثاً بعودة الوحدة.. ولكن الأمور تطورت كثيراً ومواقع القوى تبدلت وظروف العمل العربي الثوري أيضاً تطورت وتبدلت، وشعار ’’ إسقاط الانفصال وإعادة الوحدة ‘‘ في منهاجنا المرحلي السابق، لم يعد بالشعار الذي يتجاوب مع ضرورات المرحلة التي يمر بها نضالنا الوطني والقومي.. لا نعني من هذا أن شعار الوحدة بدءاً من إعادتها مع المتحدة قد أصبح شعاراً مؤجلاً أو في المرتبـة الثانية، كــلا، و لكـن الطريـق إلى تحـقيقــه قــد تغيـــرت.
نحن لم نعترف بالانفصال، وظللنا نمشي على طريق وكأن عودة الوحدة قريبة وعاجلة، أو كأنها يمكن أن تأتي من نفسهـا بغتة أو بانقلاب أو حادث لا نعرف كُنههُ.. أما القيادة الثورية للمتحدة فقد نهجت نهجاً آخر.. لقد اعتبرت الانفصال أمراً واقعاً وطرحت في أعقاب الانفصال وفي ميثاق العمل الوطني طريقاً جديدة للوحدة والعمل الوحدوي.. ولقد برزت معالم هذا الطريق بشكل واضح على لسان عبد الناصر في محادثات الوحدة بعد انقلابي 8 شباط و 8 آذار عام 63.. سواء في المحادثات الثنائية بين المتحدة وسـورية أو بين المتحدة و العـراق أو في المحـادثــات الثــلاثيـــة.
لا وحـدة بدون اشتراكية، ولا وحـدة بدون حريـة، بدون إرادة حُــرة للجمـاهير، وبدون أن تلقى هذه الإرادة الحرة تعبيرها في تنظيم سياسي موحد.. ولكن الإطار الذي وُضع للتنظيم السياسي الموحد الذي يبدأ من جبهة بين القوى التي كانت تطالب بالوحدة في العراق وسورية، هذا الإطار لم يكن صحيحاً أو بالأحرى لم يكن مُستكّملاً شروطه؛ خـرق البعث هذا الإطــار ومـزقه هبــاء.
وبعدها طرح عبد الناصر شعار الحركة العربية الواحدة، وبعدها أعطى وضوحاً أكثر لاستراتيجية العمل الوحدوي، ولقد وقفنا كثيراً في نشراتنا عند هذه الاستراتيجية التي تفرض قبل كل شيء أن تقوم وحدة وطنية بين القوى التقدميـة في إطار كل قُـطــــر.
لقد كانت هناك شعارات أخرى، لقاء القوى الثورية، لقاء القوى التقدمية، وحدة القوى الثورية… ولقد جرت لقاءات ومؤتمرات تحت هذه الشعارات و لكنها لم تحقق شيئاً ولم تنجز شيئاً، إلى أن تكشف أن الذين ذهبوا إلى تلك اللقاءات والمؤتمرات ليسوا على طريق الوحدة، لا وحدة القوى الثورية ولا وحدة الدول العربية ذات الأنظمة التقدمية.. وذلك لسبب واحد مثاله الصارخ هنا في سورية، فالوحدة الوطنية غير قائمة، أي أن قاعدة الانطـلاق الأسـاسيـة غيــر مـوجــودة.
لقد كشفـت ظروف الحرب والنكسة كل شيء.. فكل ما قيل عن التعاون واللقاءات بين ’’ الأنظمة الثورية ‘‘ انكشـف أنه تافه وضئيل وهو أقرب إلى التباعـد والتضارب منـه إلى التلاقي والتعاون، حتى اتفاقات الدفاع المشترك لم تكن شيئاً ولم تُعطِ شيئاً.. وبعد النكسة وبعد كل مـا جرى وتكشّـف لم يتغيـر شيء، رغم ظروف الحرب والخطر بل ربما كان الوضع أسوأ من ذي قبــل بالنسبــة للعمـل الثـوري العــربي ووحـدتــــه.
نحن كنا نطالب قيادتنا الثورية، قيادة عبد الناصر من قبل النكسة بمدة طويلة، بأن تضعنا على طريق العمل الثوري العربي الموحد.. وأن تعمد إلى تنظيم التيار الواسع للقوى الجماهيرية التي تنادي بالحرية والاشتراكية والوحدة في منظمة ثورية واحدة.. وكأن القيادة الثورية لم تكن قانعة بهذا الطريق أو لم تكن تـرى أن مـن الممكـن المباشــــرة الآن.
والرد كان دائماً كما جاء في الميثاق أو كما جاء في خطب الرئيس ’’ اصنعوا وحدتكم الوطنية أولاً ‘‘ أو كما قال الرئيس ‘ بن بلة ‘ مرة ’’ للمكتب السياسي للاتحاد ‘‘ في ظروف مؤتمرات القمة الأولى: ’’ كفاكم إحراجاً لعبد الناصر أيها السوريون وأيها العراقيون، كفاكم تُلقون متاعبكم وأعباءكم على عبد الناصر، فليس عبد الناصر الذي سيصنع لكم ثورات في سورية والعراق، قوموا أنتم بثورتكم، حلوا مشاكلكم بنضالكم وجهودكم ثم تعـالــوا لعبد الناصـر …. ‘‘.
وجاء في الميثاق ’’ أن المتحدة ‘‘ لا بد لها أن تحرص على ألا تصبح طرفاً في المنازعات الحزبية المحلية في أي بلد عربي، إن ذلك يضع دعوة الوحدة ومبادئها في أقل من مكانها الصحيح.. وإذا كانت الجمهورية العربية المتحدة تشعر أن واجبها المؤكد يحتم عليها مساندة كل حركة وطنية شعبية فإن هذه المساندة يجب أن تظل في إطار المبادئ ’’ الأساسية ‘‘ تاركة مناورات الصراع ذاته للعناصر المحلية تجمع له الطاقات الوطنية وتدفعه إلى أهدافه وفق التطور المحلي وامكانياته.. وهذا بالضبط ما نطالب به أنفسنا اليوم.. أن نجمع الطاقـات الوطنية وفـق التطورات التي تعيشها سورية وامكانيات هذا التطور ومـن هنـا لا بـد أن نبـــدأ.
وجمع الطاقات الوطنية، إقامة الوحدة الوطنية داخل سورية هي مهمتنا الأولى اليوم، لقد حددنا في نشراتنا الأخيرة ’’ دروس النكسة ‘‘ معالم المرحلة التي يمر بها نضالنا القومي فهي مرحلة تحرر وطني قبل كل شيء وحالة الحرب التي مازالت قائمة بيننا وبين إسرائيل ومن وراء إسرائيل تدفع بهذه المرحلة إلى أوجهـا وإلى المفتــرق الحــاسـم.
ومنهاجنا المرحلي يجب أن تُعاد صياغته بدءاً من هنا، بدءاً من شعار ’’ إزالة آثار العدوان ‘‘ تحرير الأرض العربية، بدءاً من أن الصراع الأساسي في مجتمعنا العربي هو بين قوى التقدم والتحرر من جهة وبين قوى الاستعمار والصهيونية والقوى الرجعية المُحالفة للاستعمار من الجهة الثانية.. ومرحلية المنهاج تقوم بالأساس على ضرورة تطويره.. ولقـد كـان منهـاجنـا يشتمل في مُجمـلـه على مجمـوعتيـن مـن المبـادئ:
(1) – على مبادئ أساسية صنعتها حركة النضال العربي خلال أجيال، المبادئ التي تُحدد للحركة الثورية العربية أهدافها في الحرية والاشتراكية والوحدة، وهـذه المبادئ ليست عرضة للتغييــر والتبـديـل بـل هـي بحـاجــة إلى التعميــق والتفصيـــل.
(2) – ويشتمل المنهاج على مبادئ مرحلية تقوم عـلى أساسهـــا استراتيجيــة الاتحـــاد وخطــوات عمـله ونضــالــــه.
وهـذه المبادئ قابلة للتعديل والتطوير على ضوء التجربة وحسب تطورات الظـروف.
ولقد أكدنا في تقريرنا هذا على عدد من النقاط التي لا بد أن يقوم على أساسهــا تعديل المنهاج.. منها ما يتعلق بطبيعة تكوين منظمتنا والتأكيد على صفتهـا الحزبيــة وطابعهــا الثوري المتميز.. ومنها ما يتعلق بطبيعـة علاقاتنـا بالقوى الأخرى داخل سورية، وعلاقتنا بالمتحدة وقيادتهــا الثورية.. ومنهــا ما يتعلق بطريقــة سيرنا نحو أهـدافنــا وبخاصة طريقنـا إلى الوحدة.
– الواقع أن اتحــادنا الاشتراكي ومنذ أكثر من عام قد تجاوز في بياناته ونشراته الكثير من المبـادئ المرحليـة التي قـام عليها المنهـاج.. ولـم يكن هـذا التجــاوز انحرافـاً، بل كان التخلف والانحـراف في الوقوف عند مبـادئ تجاوزتهــا تطـورات الأحـداث والوقـائــع أو فرضت تعديلهـا وتغييرهـــا.
وهنــــا لا بـــد لنا أن نقــــرر عــــدداً مـن المنطــلقـــات:
(1) – أن المنظمـة الثورية تصنع نفسها وإطار تنظيمها ومناضليها من خـلال عقيدتها، أي من خلال أيديولوجيتها والأهداف الكبرى التي تقوم من أجل تحقيقها.. ولكن هذه المنظمـة تقوم على أرض الواقع، وضمن إطار ظروف وطنية وقومية ودولية محددة، وفي مرحلة معينة من تطور المجتمع ومن تطور الصراع الطبقي، وهي لا بد أن تنخرط في هذا الواقع وأن تتفاعل معه فيه، فهي تصنع خطوات عملها ونضالها من خلال المرحـلة المباشرة التي يمر بها المجتمع الذي تعيش فيه.. إن الاتحــاد الاشـتراكي يقــوم في سبيــل تحقيق المجتمع العربي المتحرر والاشتراكي والموحد، ويناضل تحت لواء شعارات الحرية والاشتراكية والوحدة، فلا بـد أن يصنع الاتحـاد على هــذا الأساس هــذه الأهــــداف.
نحن نقول بالحرية والديمقراطية الشعبية، فلا بد أن يكون منطلق تكوين منظمتنــا ونظامها الداخلي من هذا المبدأ، الالتزام الحر، النقد والنقد الذاتي، جماعية القيادة وخضـوع الأقلية لرأي الأكثرية، وأن تكون القيادة مـعبرة فعلاً عن الإرادة الحرة للقواعد… الخ.. ولا بد بالمقـابـل مـن أن تكـون منظمتنــا منفتحــة كـل الانفتــاح على الجمـاهير….
نحن نقول بالاشتراكية العلمية فلا بد أن تكون البنيـة الاجتمـاعية والطبقيـة لمنظمتنـا على هـذا الأساس.. فالاشتراكيـة العلميـة تقـوم على التقسيم الطبقي للمجتمع وعلى واقـع الصراع الطبقي الذي يأخذ أشكالاً متعددة من صراع المصالح و الأفكار.. والقواعد التي قام عليها منهاجنا المــرحـلي السابـق في تحـديد مقـومات هـذه الاشتراكية، قـواعد صحيحة وثابتة، إلا أن بنية منظمتنا يجب أن تكون منسجمة معها، أي لا بد أن يكون القوام الأساسي لحزبنا الطلائع الثورية للعمال والفلاحين بخاصة والطلبة والمثقفيـن الثوريين الذين ربطـوا مصيرهــم بمصير الطبقــات الكادحــة، فــلا مكان في منظمتنا لمن يحملون أفكـار اليمين والوسط، ولا المُستغلين ولا للمتذبذبين في أفكـارهم ولا في ولاءاتهـم الطبقية.
ونحن نقول بالوحدة أي بالإطار القومي للثورة، فلا بد أن يكون الإطار القومي إطار الوطن العـربي كله لا إطار الاقليم والقطر، إطار عمل ونشاط حزبنا، وإذا ما فرضت علينا ظروف نشأة الاتحاد ومهماته المرحلية التي وضعها عند نشأته أن ينحصر في إطار الاقليم السوري فلا بد له من إيجاد الصيغة العلمية التي تمكنه مـن الخروج من هذا الإطار.. هذه هي الحدود الي تضع فيها منظمتنا نفسها من خلال تطلعها إلى أهدافها الكبرى.. ولكن هذه المنظمة إنما هي مزروعة على أرض اجتماعية معينة ومن ظروف معينة ولا بد لها أن تتفاعل معها وأن تؤثر فيها.. فمن خلال التأكيد الذي كررناه مراراً من أن المرحلة التي يمر بها وطننا العربي هي مرحلة تحرر وطني لا بد أن يوضع تحقيق أهدافها الكبرى على هذه الأرض، وفي إطار هذه المرحلة لا بـد أن نصـل إليهـــا من خــلال معـركة التحـرر الوطني، أي قوة تسير معنـا في هـذه المـرحـلـة، وقـد لا تسير معنا في المرحـلة التي تليهـا، نتعاون معها مرحلياً ونؤلف بين جهدها وجهدنا ولا نقيم صراعاً بينا وبينها منذ الآن أو نضربها ونقول أنها لا تلتقي مع أهدافنا كلها أو لا تلتقي في نهايتها، نحن نستطيع أن ندفعها لخدمة أهدافنا مادامت تعمل معنا الآن لأهدافنا الوطنية المرحلية.. وحزبنا يقوم على أنه الحزب الطلائعي الـذي يقود تحالف قوى الشعب العاملة وهذا التحالف هو الذي يضعه إطاراً للوحدة الوطنية ولبناء الدولة في المرحلة الراهنة من تطورنا الاجتماعي.. والحدود الطبقية لهذا التحالف غير متميزة كل التميز.. إنها تُـخرج منها تحالف الاقطاع ورأس المال الُمُستغـل، وتُخرج القوى الرجعية المعادية لمسيرة التحرر والاشـتراكية والمتحالفـة مع الاسـتعمار.. ولكن إطار التحالف الذي يريد أن يحل الصراع الطبقي بالطرق السلمية في إطار الوحدة الوطنية لا بد أن يكــون الحـل دوماً لصالـح صعـود الطبقــة الكـادحـة لتكـون طلائعهــا الثـوريــة هـي السـائــدة والقـائـــدة.
(2) – إن أي مطلب أساسي أو شعار كبير لا يأخذ تطبيقه الصحيح ما لم يكن التطور الاجتماعي والتطور النضالي قد أنضجا ظروف تحقيق هذا المطلب أو الشعار.. إن الفكر الثوري يستبق ولا شك الواقع الراهن ليرسم أهداف المستقبل القريب منها والبعيد، وتلك الأهداف والأفكار تدخل بذاتها كقوة محركة ودافعة، وتلك الأفكار والأهداف لا ترتسم من خلال تصورات مثالية وطوباوية، بل من خلال فهم متعمق لحركة التاريخ ولحركة الصراع الطبقي في المجتمع، والحركة الثورية تدخل كأداة فعل ووعي ونضـال لإنضـاج التطـور التاريخي والـوصول بـه إلى مرحلة التبديـل الثــوري الحــاسـم.
ويمكن للحركة الثورية، في بعض ظروف الانـدفـاع الثـوري والتأجـج لـدى الجمــاهير، أن تحرق بعض المراحـل وأن تنتقـل بشعـاراتهـا المرحليـة أو بإنجـازاتهـا الثوريـة إلى مرحـلة متقدمة، على أن تُـثبّـت أقدامها على المرحلة الجديدة، وأن تصفي بنجاح مقـومـات المراحل المتخلفـة عنهـا، ولكن حرق المراحل هو شيء آخـر مختـلف كـل الاختـلاف عـن المزاودة بالتقدمية وعن القفز المغامر فوق المراحل من غير أن تكون الظروف قد نضجت لها أو أن يكون أداة التبديل أي الحركة السياسية التي تقوم بالتبديل مؤهلة لذلك.. فالتقـدم بالشعـارات المرحلية إلى مرحلة لم يُستكمل الإعـداد لهــا ولم تُصَّفِ تـركـة سـابقـاتهـا، هـذا ما يسمى بالهروب إلى الأمام وهو يحمل روح المغامرة والانتهازية في آن واحد، فهـذا الهـارب إلى الأمام يعجز عن مواجهة المصاعـب التي تعتـرض طريقـه ويعجـز عن مواجهـة مقـاومـات الـواقـع المباشر فيقفـز من فوقها على غير هدى.
إن إقامـة الحركة العـربيـة الـواحـدة هـو عمـلٌ ثوري له مراحلـه ومقوماتـه وأكبر إنجاز ثوري وأكبر مهمة ثوريـة للمناضليـن العرب هو تحقيق الـوحـــدة العـربيـــــة.
ولقد رأينا أن إقامة الحـركـة العربيـة الواحـدة يـرتسم على طـريـق، وكـذلك تحقيق الوحدة العربية وكذلك أيضاً الطريق إلى الاشتراكية وخطوات التحويـل الاشتراكي.. فوحدة عام 1958 كانت خطوة ثورية كبرى قامت في ظروف من التأجج الثوري الـواعي لدى الجماهير فحرقـت مراحل وخطوات وحققـت مرحلة متقدمة، ولو أنها كانت بالنسبة لقيادة حزب البعث نوعاً من المخرج لها من مصاعب وأزمات أي نـوع من الهروب إلى الأمـام، وهذا ما أوجب عندها أن ينحل حزب البعث لصالح قيادة ثورية تقدمت عليه هي قيادة عبد الناصر، ولأن حزب البعث لم يتجاوب مع ضرورات تلك المرحلة تحولت قوى منه إلى حركة مضادة للثورة، بينما انضوت الكثير من قواعده وراء عبد الناصر، ولأن قيادة عبد الناصر لم تُـصَّـفِ تركة الظروف، التجزئة والقيادات الرجعية، انحسر المــد الـوحــدوي واستطــاع التـآمــر الانفصــالي أن يـوقــع ضـربتـــه.
لقـد كانت حركـة البعث العـربي حركة متقدمـة في المشرق العربي ولكنها منذ الوحدة و بخاصة منذ إجراءات التأميم عام 1961 أصبحت حركة متخلفة عن قيادة عبد الناصر، فكانت تصرفاتها منذ ذلك الحين، وكانت شعاراتها وخطواتها، مزايدة على عبد الناصر وهروباً إلى الأمام، كذلك كانت مواقفها من الوحدة الوطنية ومن الوحدة القوميـة، وكذلك كانت مواقفها من خطوات التحويل الاشتراكي؛ وأكبر نموذج مـن حياة حزب البعث للهـروب إلى الأمـام هو سـياسـة هـذا الحكــم القــائـــم في سـورية اليــــوم.
والاتحاد الاشتراكي العربي في الاقليم السوري كان يتأرجح أيضاً في سياسته بين الارتداد إلى الوراء أو الهروب إلى الأمام.. لقد اعتبر تنظيمه قائم بالفعل على وحدة وطنيـة لتحالف قوى الشعب العامل، واعتبر أنه نواة للحركة الثورية العربيـة الواحدة، واعتبـر أنــه منّتظم مع المتحدة ومرتبط بهـا، ومشى وكأن هذه الأمور كلها حاصلة ومُستكّملة شروطهــا ومشى يطـالب بعـودة الوحــدة عـلى هــــذا الأســاس.
واليـوم نعـرف أن الوحدة الوطنية غير قائمة ولا بد أن نصنعها من جديد.. واليوم نعرف أن لا أحـداً يسير فعـلاً على طريق التنظيم الثـوري الموحـد في الوطن العربي ولا على طريق وحدة القوى الثورية، والذين يهربون إلى شعار الوحدة العاجلة وإلى المناداة بالوحدة أو باللقاءات الثورية، كما يفعل حكام البعث الآن، هــم أبعـد مــا يكـونـوا عـن هــذا الطريق، بل هم أداروا ظهورهم له، وكل سلوكهم هـروب ومنـاقض لخـط السـير الطبيـعي للحـركـة الثـوريـة العـربيـة.
والاتحـاد الاشتراكي العربي قد نادى طويلاً بالوحدة الوطنية وكان يرتفع صوته أكثر وأكثر كلما تحركت المخاطر وتحرك العدوان؛ ولكنه لم يتحرك على الطريق التي تؤدي لهذه الوحدة.. لقـد كان جناح اليمين هو المُعرقل والمعطل، واليوم نحن نتحرك على هذا الطريق ولقد طرحنا شعار الجبهة الوطنية طريقاً إلى الوحدة الوطنية وإلى مواجهة هذا الحكم المتسلط وإلى مواجهة ظروف العدوان، والتقـريـر الأساسي لهـذا المـؤتمر سيعالج هذا الموضوع بالدرجة الأولى.
(3) – إن أي تحديد لطبيعـة القوى السياســية الموجـودة في المجتمـع على اختلاف انتماءاتها الطبقية، وإن تقسيمها إلى قوى تقدمية أو صاعدة، وإلى قوى رجعية أو معرقلة لا بد أن يوضع على أساس المرحلة التي يمر بها نضالنا القومي التحرري، وعلى أسـاس المعـركة التي نواجههـا.
فنحن اليوم نعيش ظروف حرب وخطر، نعيش صداماً مباشراً وعلى أوسع نطاق مع الصهيونيـة والامبريالية وشعار إزالة آثار العـدوان، هذا الشعار المرحلي المقدم على جميع الشعارات الأخرى إنما يطرح نفسه بالضرورة كشعار قتال، كشعار حرب تحريرية لا بد أن تُعبّـأ لهـا جميع القـوى و الطــاقــــات.
فالعـدوان ضرب الحركة الثورية العربيـة وأراد اسقـاط قيادتهـا، وإن الصمود في وجهه، وأن دحره والانتصار عليه إنما هو انتصار للحــركـة الثـوريـة العـربيــة وانتصـار لأهـدافها وخطوة أساسية وحاسمة على طريق هذه الأهداف.. والقوى التقـدميـة اليـوم هي القوى الوطنية التي تتقدم للنضال وراء هذا الشعار أياً كانت انتماءاتها الطبقية ومواقفهــا السـياسية السـابقــــة.
وإذا كانت الوحـدة الوطنية في المتحـدة إطارها الاتحـاد الاشتراكي فإن الوحـدة الوطنيـة هنا في سورية لا يمكن أن تكون إلا على أساس جبهة مكونة من قـوى ومنظمـات متعددة يوحد بينها ميثاق عمل مشترك.. ولا بـد أن تُـفّـرض الوحدة الوطنية أسـاساً للتعـاون بين البلاد العربية والمتحررة منها بوجهٍ خاص، إن سياسة اللقاءات الرسمية بين الحكومات العربية المتحررة وإن سياسة الإيجـابيـة التي انتهجتها المتحدة مع الحكم البعثي في سورية أو مع غيره من الحكومات العربية المتحـررة وأن سياسـة مؤتمـرات القمـة في سبيل عمل عـربي موحد، هذه السياسات لها جميع المبررات والمقومات.. ولكننا نرفض أن يعتبر لقـاء المتحدة مع البعث الحاكم في سورية لقاءً ثورياً، ولقد رفضنـاه من قبـل، ولـو أننــا لـم نرفـع صوتنا عالياً في ذلك.. فلد ثبُـتَ أن هــذه اللقـاءات لا تـؤدي إلى وحدة قـوى ثوريـة ولا إلى وحدة عمـل ثوري ولا إلى وحدة جيـوش في ساحة المعـركة.. فثـوريـة هـذه اللقـاءات تبقى مصطنعـة وتبقى مُخـادعة للجمــاهير ما لم يكن وراءهـا وحـدة وطنية بالفعـل.. وعلى هذا الأسـاس فإننا نعتبر الشعار الذي يطرحـه حزب البعث الحـاكم في سـورية لمؤتمـر شـعبي عربي للقوى والمنظمات الثورية شعاراً مصطنعـاً وزائفاً، إذ أن مؤتمر من هذا النوع لن يكون إلا تركيزاً للأوضاع القائمـة في سـورية والجزائـر والعـراق والتي لا تقوم بالأصل على وحدة وطنية.. فالمنظمات الشعبية لن تكون هنـا القـوى الثـوريـة الفعليـة بـل ستكـون منظمة الحكم والانتهازيين السـائرين في ركـابهــا.
إننا نعتقد بأن المتحدة قد ذهبت إلى أكثر مما يجب أن تذهب مع الحكم البعثي في سورية.. حين أعطته من صفات التقدمية والوطنية ما لا يُحمل، وهذا ما جرها إلى ورطات لم تستطع حتى الآن أن تتخلص منهـا، كما أن لتلك المواقف انعكاساتهـا على الجمــاهير في سـورية وخلقــت لنـا مصـاعـب وأزمــات.
(4) – لا بد للمنهاج المرحلي من أن يُحدد أبعاد عملنا السياسي في مستوياتـه الداخلية والعـربية والدوليـة بالانطلاق من الأهداف المرحلية التي حددناها تحت شعار إزالة آثار العدوان صعوداً بهـا نحو أهـداف نضالنا القومي التي تؤكـد أصالتـهــا كمـا جـاءت في منهـاجنـا السـابــق.
لقـد أخـذت الكثيـر من الحـركات التقدميـة في الـوطن العـربي بنـوع مـن المنهـج الماركسي في التفكير.. إنهم في تفكيرهم وفي معالجتهم لواقعنا ومشاكلنا، ينطلقون أولاً من الإطار العالمي، أو مما يسميه بعضهم- أرضية الصراع العالمي- لكي لا يروا في قضايانا العربية وصراعاتنا إلا انعكاسات للصراع العالمي.. أما نحن فإننا ننطلق من منطلق قومي ونلتقي بالعالـم من خلال هـذا الإطــــار.
نحن لا نُغفل الوضع الـعالمي، ولا نقبل بالتعامي عنه وكأن قضايانا تقوم بمعزل عنـه، أو كـأن قضـايانا التحـررية مفصـولة عن قضيـة التحـرر الكبرى من الامبريالية في العالـم.. ولا شك بأن قضية التحرر في العالم مترابطة ببعضها، وأن معـركتنا الراهنة مع الصهيونية والامبريالية جزء من معركة كـبرى تخوضهـا الشعوب، وهي جزء منها، تأخذ منها وتعطيها.. الصراع بين القوى الكبرى والمعسكرات، الانقسام في المعسكر الاشتراكي وصـراع موسكـو وبكـين، ظروف الحـرب الباردة في المـاضي والساخنـة اليوم في فيتنام والمشرق العربي، سياسة التعايش السلمي التي قادتهـا موسكو وما كان لها من آثار صعـود الإمبريالية الأمريكية الغازية وتهديدهـا الشرس لجميـع حـركات التحرر في العالـم، ودفعها بالظروف العالمية إلى أقصى درجات التــأزم.. السياسة الـديغوليـة كسياسـة استقــلالية عن النفوذ الأمريكي ضمن إطار المعسكر الرأسمالي…. كل هذا لا بد وأن نأخذه بعين الاعتبار عند تحديد استراتيجيتنا الوطنية والقومية، ولكننا نعتبر أننا كأمة عربية لها ظروفها الخاصة أيضاً وقضاياها الخاصة وأوضاعها.. إننا نقع مباشرةً تحت تأثير الظروف الدولية وبخاصة في معركتنـا القائمـة اليــوم مع اسرائيل، ولكن ظروفنـا ليست ولا يجـوز أن تكون مجرد مرتسم للظروف الدولية ورد فعــــل.
ومن هنـا فإننـا قوميـون نجعل الإطـار القـومي أولاً، لا الإطـار الأممي أساسـاً لمنطلقاتنـا في التفكير والنضال والعـمـل، عقيدتنـا هي عقيـدة القوميـة العربيـة لا المذهبيـة الماركسية اللينينية، إنها النزعة التاريخية للأمة العربية وإرادة الشعب العربي في أن يُشكل وحدة ودولـة واحدة.. ولكن هذه النزعة قد تمثلت روح العصر، وجميع أبعاد التحرر، فهي تسير بالفعل على طريق الثورة منـذ أن تـجسدت هـذه النزعـة القوميـة في إرادة الجمــاهير الكادحة، وهي تناضل متطلعة من خـلال تحـررهـا الوطني ووحـدتهـا القـوميـة إلى التحـرر الكلي، أي منـذ أخـذت بالثـورة الاشتراكية طريقـاً إلى وحدتهـــا القوميــة.
نحـن لسنا ضد الماركسية ولا نرفض الفكـر الماركسي ونُـجـافيه بل نأخـذ منه ونعتبره من المصادر الأساسية للفكر الثوري الانساني ولكننا نختلفُ عنه في أن مُنطلقنا قومي النزعة والإطار، ومنطلق الفكر الماركسي منطلقٌ أممي ومـن هنا كـان الاختلاف الأساسي بيننا وبين الحركات الأساسية التي تأخذ بالماركسية كعقيدة لها، والفكر الماركسي ولا شك هو أغنى فكر ثوري في هذا العصر ومنه تغذت ثورات وحركات ثورية كبرى، ولكن هذا الفكر قد تعددت مدارسه ومذاهبه وتطبيقاته ونحن ننفتح بفكرنا عليها ونتغذى منها وذلك من حيث تطابقها مع واقعنا القومي ومع حاجات نضالنا.. نحن نأخـذ بالاشتراكية العلمية ونعطي للعوامل الاقتصادية والصراع الطبقي دورهما الأساسي في المجتمع ونـؤمن بأن تحرر الإنسان العربي لا يكون تحرراً كلياً ما لم يُـزل في المجتمـع العـربي الاستغـلال الاقتصادي، ومـا لـم تصبـح ملكية وسـائل الانتـاج ملكيـة جماعيـة، ومـا لـم تصعد الطبقات الكادحة لتكون هي السائـدة وهي الموجهـة للـدولة.. ونـؤمن بحتمية الحل الاشتراكي كشيء نابع من الحركة التاريخية لتقـدم المجتمعات وتحـررها، ومن تفتـح وعي الطبقـات الكادحـة وتقـدم نضالهــا.. فالتحويل الاشتراكي القـائـم على التخـطيط الشـامل هـو الطـريق الوحيـد للنهوض بمجتمعنا العربي من تخلفه.. ولكن ثورتنا الاشتراكية تقوم في إطار عربي لا في إطار أممي، ونحن نتعاون مع القوى والمنظمات التي تأخذ بالماركسية بل وبالشيوعية ما دامت تسير على طريق تحررنا الوطني وعلى طريق وحدتنا القومية.
وإذا كان موقف الحياد الايجابي هو الـذي يحدد سياستنا على الصعيد العالمي، وإذا كـان هـذا الحيـاد يقضي بعـدم الدخـول في صراع المعسكـرات الدولية ومناطـق النفوذ فهـو يقضي أيضاً بالموقف الحـاسم ضد الامبرياليـة وبالتعاون الوثيـق مع قـوى التحـرر والتقـدم في العالم.. كما أنـه لا بــد لنـا وأن نـدفـع سياستنـا دائمـاً في طـريق تعـاون أوثـق مع الدول الاشـتراكية وبخاصة الاتحاد السوفيتـي.. الـدول التي تناصـر قضايا التحـرر في العالم و تناصر قضية تحررنا القومي وتؤيد نضالنا وتساعدنا في نهضتنا وفي بناء اقتصادنا وتقدمنا وهـذا التعاون لا يجوز أن يكون مجرد تعاون مصلحي أو تكتيكي بل هو تعاون استراتيجي يقتضيـه ترابـط قضيـة التحـرر في العالـم وضرورة العمل المشترك لجميـع قـوى التقـدم والتحــرر والاشتراكيـة وتصفيـة الاستعمــار الامبـريـالي مـن العـالـــــم.
(5) – إن المنطلق الأساسي الذي يميـز حـزبنـا في نهــج عمـله وسـياسته هــو المنطلـق الوحدوي وتطلعاته إلى الجمهورية العربية المتحدة والتزامه بقيادتها الثورية، قيادة عبد الناصر.. ولقد وقفنا كثيراً في نشراتنا التي صدرت خلال هذا العام على تحديد مقومات استراتيجيتنا الوحدوية وطريقنا إلى الوحدة.. طريق الوحـدة الوطنيـة، طـريق وحـدة الثـورة العربيـة ووحدة أداتهـا الثورية، الطريق الاشتراكي العلمي، الطريق الـديمقــراطي الشعـبي إلى الــــوحـــــدة.
وليكن واضحاً أن هـذا هـو خـط استراتيجي، تـؤكـده الحاجـة والضـرورة ومسيـرة نضالنا العربي، ولكـن هـذه الخطوات ليست شروطـاً على الوحـدة، فنحن ليس لنـا شروطـاً للوحدة وإعادة الوحدة.. ومهمتنا الكبرى أن ندفع على طريقها.. ولكن لا بـد لنا أن نتعظ من دروس الماضي، ومن الكوارث التي وقعت بسبب المحاولات الفاشلة والتي تسـتعجل العمل الوحدوي من غير أن نملك طاقات إنجاحه.. ثم إننا نفضل استعمال تعبيـر ’’ تجديد الوحدة مع المتحـدة ‘‘ بـدلاً من ’’ إعادة الوحدة ‘‘، لأن الإعادة تعني التكـرار والـرجـوع إلى حـالة مضت.. ونحـن نريد أن نعيـد وحـدة الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها خطوة أولى إلى الوحدة العربية المتكاملة.. نريد أن نعيد ذلك الإطار ولكن مضمون تلك الوحدة قد تغير عما كان عليه عام 1958، المتحدة تغيرت وسورية تغيرت والظروف العربية كلها تغيرت، وتجديد الوحدة يعني بناءها من جديد على ضوء التجربة التي اغتنى بهـا نضال شعبنا طـــوال هــــذه السنــوات الـعشــر.
إن الـذين يخاصمون الاتحـاد ويعـادونـه في سورية كالحكـم البعـثي القائـم او الذين يحاورونه ويطلبون التعاون معه في عمل جبهوي ينظرون إلى الاتحاد على أنـه يمثل الخط الناصري المتقدم للجماهير الوحدوية في الداخل ويمثل الالتزام بالمتحدة بقيادة عبد الناصر.
ولا بد لنا من أن نحدد معنى هذا الالتزام، إذ كان ومازال لا طريـق تلاقينـا مع الآخرين وسبيل علاقتنا مع المتحدة فحسب، بل وسبيلاً من سبل نشر دعوتنا بين الجماهير.
يجب أن نعرف وأن نؤكد أننا منظمة حزبية قائمة بذاتها وأن التزامنا بالمتحدة ليس ارتباطاً تنظيمياً وليس مجرد ولاء عاطفي ولا تبعية، بل هو التزام بالخط القومي الثوري الذي تخّتطُه قيادة عبد الناصر.
نحن نؤمن أن قيادة عبد الناصر هي قيادة متقدمة على جميع القيادات السياسية في الوطن العربي وهي وحدها المؤهـلة لأن تـقـود النضــال العـربي وأن تـوحـد طاقاته وقواه، ونحن نتطلع دومـاً إلى هـذه القيادة ونلتزم بالاستراتيجية التي تسير عليها في الإطـار العام لهـذه الاستراتيجية ونعمل دائمـاً على التوفيق بين استراتيجيتنا وخط سـيرنا ومواقفنا، وبين استراتيجية القيــادة الثورية، ولكننا ننطلق إلى هــذا كله من خـلال الالتزام الحـر لا المقـيد والمشروط، ما دامت خطوة توحيد العمل الثـوري وراء هـذه القيادة لم تقم بعـد.. ونحن لنـا ظروف عملنا، هنا فـي سورية، وهذه لا بـد أن نتحمل مسؤوليتها كاملة بأنفسـنا، وخيـرُ مـا نقدمه للنضال العربي وللمتحدة وقيادتها الثورية، هو أن نكون تلك المنظمة الثورية القـومية القائمة بذاتها، والتي لها قواعدها الثابتة وجذورهــا القويـة على أرضهـــــــــا.
(6) – نحـن نبني حـزبنا ونطـوره، نضـع قوتنـا ونضالنـا على أسـاس أهـدافنـا الكبرى ووفق استراتيجية مرحلية، وحددنا شعار المرحلة بالنضال لدحر العدوان وتحرير الأرض… ولكن هـذه القـوة التي نبنيهـا ونصنعهـا، أيـن وكيف نضعهـا في المعركة؟ وفي ظروف الخطر والحرب التي نعيشها، ما هي طريقـة فعلنا وتأثيـرنا في الأحـــداث؟؟.
إن الحكم البعثي القـائم يسد الطريق أمـام اشتراكنـا المبـاشر في هـذه المعـركة، والتأثيـر فيها، بل ويسـد أيضاً الطريق أمام جميع القـوى الوطنية الأخـرى، ويطـرح أطـر مصطنعة للعمل الوطني ويطرح شعارات للكفاح لا يحمل رصيدها ولا بنيتهـا.
إن الإطـار الذي نريد أن نعمل فيـه وأن ننـاضل، هو إطار الجبهة الوطنية، ولهـذا فقد طرحنا شعار العمل الجبهوي، و نحن نسير على هـذا الطــريـق.
إن هذا العمل سيصطدم ولا شك بالسلطة، ولكنـه لا يطرح شـعار اسقاط الحكم، أو ’’ إسقاط البعث ‘‘ بل يطرح شعار تغيير القيادة السياسية، لتكون قيادة الجبهة الوطنية لا قيـادة حــزب من الأحــزاب.
فالجبهة ستكون أداة ضغط على السلطة، بل وأداة تغيير إن لم تنزل السلطة لإطار الجبهة.. وفي هذا الإطار نريد أن نحل مشكلة تحكم البيروقراطية العسكرية، ونريد أن نحل مشكلة الصراع على السلطة في إطار كتـل القيـادات العسكـرية و التي تعيشهـا سـورية منـذ سنوات وهـي التي جرّت إلى تدمير وحدتها الوطنية ومازالت كذلك في هذا الظرف الخطير بالـــــذات.
إن الجـيش مـن الشعب وهـو القـوة التي تُضّرب بها يد الإرادة الشعبية، ولا نريد أن نعزله أو نحاصره كخصم، وإنما أن نجعله جيشاً وطنياً بالفعل لا جيش سلطة وحكم.. وليس من رادع لتسـلط الأقلـيــة على الحكـم و لســيطـرة نـزعة الســــيطرة على السـلطة لــدى البيروقراطية العسكرية، إلا سيادة إرادة الجمـاهير المنظمة.. وليس من منظمـة سياسيـة في سورية ولا مـن حزب يستطيع أن يقـول أنه قائد هـذه الجمـاهير أو يُمثـل إرادتها الجماعية، أو يجنـد وراءه قـوة كبيرة وغالبــة بين الجمــاهيـــر.
فـلا بـد من حـث الخُطى على طريق العمل الجبهـوي الذي سيحـدده ميثـاق وطـني مشترك.. وإذا كان العمل الجبهوي الوطني الواسع الإطار، ضرورة ملحة تقتضيها ظروف الخطر التي نعيشهـا فإنه سيظل الإطار العام الملائـم للانفتـاح على القـوى التقدمية الأخـرى التي تختلف عنا في قليلٍ أو في كثير.. وسيكون إطار التعاون الإيجابي والنضال المشترك مجالاً لتفاعل الأفكار، ليلتقي في النهاية أصحاب الاتجاه الواحد في العمل الثوري الواحــد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
يتبع..
التعليقات مغلقة.