ميشيل كيلو *
واهم من يعتقد أن الديمقراطيين يستطيعون، بمفردهم، إسقاط النظام الأسدي السوري، والنظم الأسدية الأخرى في وطن العرب الفسيح. وأشد وهما من يخال إن الإسلاميين يستطيعون، من دون عونٍ من أي طرف آخر، إطاحة الأسدية السورية وشبيهاتها العربيات، أو أن العالم سيسمح لهم بالاستيلاء على سورية وإقامة نظام إسلامي، سيكون بالضرورة نظاما تعبوياً/ تحشيدياً، سيمثل، كالنظام الديمقراطي، خطرا على إسرائيل ونظم الخليج.
إذا كان هناك ما نتعلمه من تجربتنا السورية، فهو حتمية التخلي عن هذين الوهمين، وضرورة العمل لبناء ميزان قوى داخلي، يقنع العالم بخيار التغيير المطلوب لسورية، مع العلم أننا لن نمتلكه، إن اقتصر على الديمقراطيين من جهة والإسلاميين من جهةٍ أخرى، ولم يضمّهما توافق تاريخي يفتتح السوريون بواسطته مرحلة ميثاقية من وجود دولتهم ومجتمعهم، ويطووا صفحة التناحر الديمقراطي الإسلامي، الذي ألحق ضررا فادحا بشعبهم قبل ثورته وبعدها، وهي التي تلاشت أو كادت، بسبب ما ترتب من تباين وخلافاتٍ مضمرةٍ وصريحةٍ على رهاناتهما المتعارضة، فإنْ لم يسارعا إلى معالجتها بصراحة ومسؤولية، ويصلا إلى توافقاتٍ حقيقيةٍ وملزمةٍ تتكفل بإزالتها، ظلت الأسدية قادرةً على كسر شوكتهما في ظل استمرار الفرقة بينهما، التي تحبط سعي أيٍّ منهما لإسقاط الأسدية، وإزاحة غريمه من الساحة في آن معا، وهذا استحالة يصاب من يعمل لتخطيها بالفشل والخسران، ولنا في فشل بعض الرهانات المتأسلمة عليه ما يكفي من عِبر!
السؤال الآن: لماذا لا تسارع نخبنا الديمقراطية والإسلامية إلى الخروج من شرانقها الخانقة، فتضع خلافاتها جانبا، وتتوافق على رؤيةٍ مشتركةٍ تستهدف إخراجها من نومها السياسي الشتوى، وإمدادها بما تحتاج إليه من وعي تشاركي، وردود فاعلة وواقعية على استبداد قاتل، يتلاعب بما تُنتجه انقساماتها بينها، لطالما مكّنته من شطرها إلى فئاتٍ متناحرة، حالت دون خروجها من عجزها الذي ساهم بدوره في الحؤول دون بلورة خطط وبرامج تنهض، بواسطتها، قيادة ثورية مشتركة، يجمعها هدف التخلص من الأسدية خيارا استراتيجيا يؤجل ما بينها من تبايناتٍ حول نمط حكم سورية القادمة، ويكبح ما بدا من ميلٍ إلى تباين دربيهما، واتساع الهوة بينهما، التي تناقضت نتائجها أشد التناقض مع تضحيات الشعب والمستوى الثوري الفريد الذي أبداه خلال حرب النظام ضده من جهة، وافتقاره إلى قيادة موحدة من جهة أخرى، خدم غيابها العدو الأسدي، وأدّى إلى نقيض ما راهنت الثورة عليه، وانخراط نخبها في صراعاتٍ حلت تدريجيا محل تناقضها العدائي مع الأسدية، وساهمت من جانبها بتشتيت صفوفها وقدراتها، وتبديد فرص بلوغ الحرية هدفا جامعا للسوريين.
من دون توافق تاريخي بين التيارين الديمقراطي والإسلامي، سنستمر في خوض معاركنا بأفكارٍ وممارساتٍ أدى فشلها بالأمس غير البعيد إلى سقوط العرب تحت الاستعمار، وقاد تجدّدها، بعد انهيار الرهان القومي الوحدوي، إلى إقصاء البديل الديمقراطي، على الرغم من إعلان قطاعات واسعة من التيار الإسلامي أنه خيارها، لكنها تقفز عن استحالة إسقاط الأسدية بجهودها المنفردة، مثلما تقفز قطاعاتٌ من التيار الديمقراطي، بدورها، عن استحالة إسقاط الاستبداد بقواها الذاتية وحدها. ومع ذلك، يتجاهل الطرفان هذه الحقيقية التي تفقأ العين، ويغلّبان خلافاتهما على أولوية هدفٍ يزعمان أنه هدفهما، فلا عجب إن بدّد موقفهما المشترك، أحدهما من الآخر، قواهما، وأصابهما باليأس، وأسلمهما للتخبط والارتجال، ولعب دوره في تهاوي تمرّد ثوري كان قابلا للترقية إلى ثورة، بعملهما المشترك، وما يستند إليه من توافق تاريخي، ووحدة شعبية، وقيادة ثورية.
يقول الحكيم الصيني صن تسو: إذا لم تكن قادرا على هزيمة عدوك، يكون عليك منعه من هزيمتك. إلى متى نتخلّى عن تغليب ما يوحّدنا على ما يفرّقنا، وما من شأنه إنزال الهزيمة بعدونا، بدل مساعدته على إنزال الهزيمة بنا؟!
* كاتب ومحلل سياسي سوري
المصدر: العربي الجديد
التعليقات مغلقة.