رلى موفّق *
بكثير من المرارة، يعتبر أستاذ القانون والمحامي الدولي شبلي ملاط أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري يشكل إخفاقاً فظيعاً للعدالة في تاريخ المحاكم الجزائية الدولية. وهو يحض أهالي الضحايا على استئناف الحكم، انطلاقاً من أن المحكمة، التي وثق بها اللبنانيون ومنهم هو وعملوا من أجل إنشائها، اقترفت خطأ جسيماً حين اعتبرت “أن الدافع ليس عنصراً في الجريمة! فالدافع هو أساس كل قصد، والجريمة بدون قصد أو دافع تكون حادثاً”.
ملاط يعوُّل اليوم على الثورة في لبنان. هو في عداد مجموعة واسعة أطلقت “تجمع مواكبة الثورة” الذي حدّد برنامجاً للتخلّص من النظام الساقط، يتضمّن سبع نقاط غير قابلة للتفاوض، لكنها غير تسلسلية، وتشمل تنحية رئيس الجمهورية واستقالة النواب وتشكيل حكومة انتقالية متماهية مع الثورة، ورفض أي تعاطٍ شعبي أو رسمي مع “حزب الله” قبل إعلانه التخلّي عن سلاحه، وتطبيق قانون النقاهة الذي يمنع مَن تولى مسؤولية سابقاً من تبوُّء مناصب سياسية لعشر سنوات على الأقل.
لكن ملاط بوصفه المنسّق المرحلي للتجمع يُبدي حرصاً على أن التجمع لا يمثل الثورة، بل يواكب المجتمع الثوري الأوسع الذي هو جزء منه. يواكب مسار الثورة المستمرة منذ 17 تشرين، والتي لم تنتهِ بعد ولم تنجح بعد، ويمكن أن تُخفق تماماً كما حصل عام 2005.
وهنا نص الحوار:
– بعد صدور حكم المحكمة الخاصة بلبنان المتعلق بجريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، قلت إن المحكمة خذلت اللبنانيين، كيف؟ وماذا كان يمكنها أن تفعل ولم تفعله؟
= الحديث في شوارع بيروت بين اللبنانيين، بعد سماعهم ملخص قرار القضاة هو: “ماذا فعلت المحكمة خلال 15 سنة… سليم عياش أجرى مكالمة!”. هذا ما انتهت إليه المحكمة بعد خمسة عشر عاماً من التحقيقات، وإنفاق نحو المليار دولار لتعمل على جلاء الحقيقة في مقتل الرئيس الحريري و21 شخصاً قضوا معه. انفجار دمّر جزءاً من بيروت وتبعته اغتيالات طالت ما يقارب الـ50 شخصاً من مروان حمادة في أول تشرين 2004 حيث كان للمحكمة صلاحية أن تنظر في محاولة اغتياله وصولاً إلى وسام الحسن الذي اغتيل عام 2012 وألبير داغر الذي اغتيل منذ شهرين.
فقبالة هذه الصلاحية الواسعة التي أعطى من خلالها اللبنانيون ثقتهم للمحكمة، ووُضعت في قالب معاهدة خاصة بالمحكمة وافقت عليها الحكومة اللبنانية كما الأمم المتحدة، كانت النتيجة أن “سليم عياش أجرى مكالمة!”
– تحدّثتم عن خطأ جسيم في الحكم بحسب معيار القانون الجزائي اللبناني والدولي نتيجة فصل الدافع عن الجريمة لأهميته في تكوينها؟ وقلت إن المحكمة استخدمت حجة خاطئة لتفسير سبب عدم قيام قيادة “حزب الله” والحكومة السورية بدور في الاغتيال؟
= أنا، كما العالم كله، استمعنا صوب الدقيقة العاشرة من كلمة رئيس المحكمة دايفيد راي “أن الدافع لا علاقة له بالجريمة،” وأن الدافع ليس عنصراً في الجريمة! هذا خطأ جسيم، لأن الدافع هو أساس كل قصد، والجريمة بدون قصد أو دافع تكون حادثاً. من السهل على قضاة ومحامين لهم شأن ومعرفة بالقانون أن يدركوا أن محكمة الدرجة الأولى ارتكبت خطأ جسيماً في القانون، كانت نتيجته أنها تغاضت عن مساءلة زعماء سياسيين في المنطقة كانوا يهددون الرئيس الحريري بالامتثال للتمديد للرئيس لحود وإلا “نهبّط البيت على رأسك!”. هل تم جلب هؤلاء قبل أن تتفضل المحكمة بالقول إن الدافع ليس مهماً وأنهم أبرياء من حديث التهديد الذي تبعه مقتل الرئيس الحريري؟ هذه بديهيات يعرفها حتى الولد القاصر.
– هذا الخطأ الجسيم طلبت أن يبني عليه المتضررون وأهالي الضحايا ليطعنوا بالحكم، برأيك ألا تعتقد أن قبول أهالي الضحايا سواء عائلة الحريري أو الضحايا الآخرين القبول بحكم المحكمة هو عملياً وكأنهم يقولون إننا نريد أن نطوي الصفحة؟
= سأتناول السؤال من جانب عملي. أظن أن هناك أكثر من 500 شخص بين قتيل وجريح في سياق عمليات الاغتيال، منذ مروان حمادة وحتى وسام الحسن، كلهم معادون للنظام في سوريا ولحكم وتركة إميل لحود ولـ”حزب الله” وحلفائه في الجمهورية اللبنانية. عندما أقترح على أهل الضحايا أن يستأنفوا هذا القرار، أتحدث عن الإمكانية المتاحة لهم إذا لم يروا في هذا القرار استجابة لطموحهم للعدالة. سمعنا الرئيس سعد الحريري بالأمس وسمعنا بهاء الحريري، كلاهما متضرر وكلاهما فقد أباه، كلامهما لم يكن على نفس المستوى، فالانطباع في ما قاله الرئيس الحريري أنه سيقبل بهذا القرار. بينما بهاء كان موقفه متميزاً عنه، إذ اعتبر أن هذا القرار قاصر وجزء من أمر أهم وأوسع في ما ينتظره من المحكمة، لذلك حتى داخل عائلة الحريري نفسها هناك تباين وهذا طبيعي.
عندما أقول إنني كلبناني أعطيت الثقة للمحكمة، بل كنت من أوائل من دعا إليها ونظّمها بوجه الأشخاص الذين كانوا لا يريدونها في الولايات المتحدة، وبوجه الأشخاص الذين كانوا يشككون بها في لبنان عام 2005 (وحتى قبله تهيئة لاغتيالات محتملة)، وطلبت الركون إلى العدالة الدولية، لأن العدالة اللبنانية للأسف كانت قاصرة، أعتبر أن هذا القرار يبعث على الخيبة التي تراودني بالنسبة للعدالة ولضحايا القتلة بشكل خاص. طرح خيار الاستئناف مجرد فتح باب للضحايا المباشرين في هذه العملية، بل العمليات، ليدرسوا إمكانية الاستئناف، والوقت قصير، 30 يوماً من النطق بالحكم.
– ماذا يمكن أن نتوقع من خطوات لاحقة بعد الحكم؟
= على الأقل يجب توقيف سليم عياش الذي صار اليوم مداناً من المحكمة الدولية وتسليمه. نحن نعرف أنه كمتهم طُلب تسليمه منذ أكثر من 6 أعوام وهذا لم يحصل، تأخرت المحكمة في الضغط عالمياً لتنفيذ قراراتها، ولإجبار الأشخاص الذين يحمون سليم عياش وغيره على تسليمه للعدالة. إحساسي أن هذا الواقع يستمرّ.
كيف يُسلّم عياش إلى العدالة؟ لا أدري، إنما هذا أقل مطلب. على المستوى الأوسع يأتي هذا القرار في جوّ من اللامسؤولية في لبنان، في الإفلات من العقاب الذي عشناه على أكثر من 20 عاماً، بل خمسين عاماً. وهو اليوم نقطة في بحر الغضب الذي يسود الشارع اللبناني تجاه رئيس الجمهورية ميشال عون وحلفائه جراء مجزرة المرفأ. الثورة قائمة لإحقاق الحق. وحسب خبرتي بتاريخ المحاكم الجزائية الدولية ستُعتبر المحكمة إخفاقاً فظيعاً في أداء العدالة، وخلال بضعة أيام يزول وقعها إلا في مرارة الناس الذين كانوا ينتظرون منها أداء أفضل.
– المحكمة أدانت قيادياً في “حزب الله” بالبعد القانوني، هل يمكن أن يذهب مجلس الأمن إلى ترجمة سياسية لهذا القرار؟
= مجلس الأمن بإمكانه القيام بما يريد، هو لا ينتظر المحكمة. اليوم “حزب الله” ينقض 20 قراراً أولهم القرار 1559 الذي يطلب منه تسليم سلاحه، لأن سلاحه غير شرعي، ويمكن لمجلس الأمن أن يقوم بما يريد في هذا الموضوع. من الناحية التقنية والقانونية الأمر التنفيذي موجود حسب القرار الذي أنشأ المحكمة ولا يحتاج الى قرار إضافي من مجلس الامن. إنما مجلس الأمن اليوم تُسيطر عليه روسيا والصين، من خلال حق الفيتو، ولا أرى الرئيس الصيني أو الرئيس الروسي يتماشيان مع حركة إضافية لمجلس الأمن في موضوع ليس بذات أهمية لهما ويمكن أن يخلق سابقة على حكمهما الاستبدادي. في الأمس أشرف بوتين على تسميم المعارض الروسي اليكسي نافالني الذي تمّ على الأرجح من الأجهزة الروسية. هل تنتظرون من بوتين أن يمتثل للعدالة الدولية لمعاقبة الفاعلينّ وهو ليس مستعداً للامتثال في روسيا إلى جرائم لا تحصى، من الشاشان إلى نافالني؟!
للتبسيط: المطلوب أن يُسلَّم سليم عياش. إذا لم يُسلّمه حزب الله، فماذا سيفعل مجلس الأمن ما دام “حزب الله” لا يعترف بالقرارات كلها من الأساس؟ وطالما قال السيد حسن نصر الله إن المحكمة لا تعنيه. دعينا نرى. الشكّ قاضٍ على الحال.
– بعد التجربة مع المحكمة الدولية، هل برأيك تجدي نفعاً المطالبة بلجنة تحقيق دولية لكشف حقيقة ما جرى في انفجار بيروت في 4 آب؟
= لا أحد اليوم في لبنان يؤمن بشجاعة القضاة اللبنانيين في إجلاء الحقيقة حول ما حصل في بيروت في الرابع من آب/أغسطس. لذا يتّجهون إلى المطالبة بلجنة دولية. أنا مع لجنة تحقيق من المريخ إذا كان تحقيقها يكشف حقيقة ما حدث. رأي “تجمع مواكبة الثورة” وهي المجموعة التي أعمل معها، أن لا بأس من وجود لجنة دولية. إنما هذا المطلب ثانوي بعد ما سمعناه بلسان رئيس الجمهورية live حين رد على سؤال لأحد الصحافيين بأنه كان يعرف بأمر الأمونيوم، وبأن رسالة ملحة وصلته من جهاز أمني في لبنان تفيد بأن هناك مواد خطرة في المرفأ، والأنكى أنه قال: “عملت اللازم”.
على ضوء هكذا اعتراف، المطلب واضح. عرف عون ودياب ووزيران على الأقل في 20 تموز بالخطر الداهم. عمل عون “اللازم” وحصل الانفجار. يتم توقيف حسن قريطم وعشرين آخرين، والمسؤول الأول، الذي جهر بأنه عرف بالخطر على الأقل أسبوعين قبل الانفجار، لا يزال على عرشه. ما هذا العمى الذي يحاولون تصويره أمام عقولنا. شيء لا يُصدَّق! يقول ميشال عون بالحرف: “كنت أعرف وعملت اللازم”. انفجرت المستودعات بعد أسبوعين ودمَّرت بيروت، ويبقى جالساً في كرسيه وموزعاً المسؤوليات والحبس على من أعلموه بالخطر؟
– تعوّل على الثورة، ولكن هناك الكثير من اللبنانيين الذين يعتبرون أن ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر خذلتهم أيضاً، المشهد الذي رأيناه منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر إلى 22 تشرين الثاني/نوفمبر يوم الاحتفال بعيد الاستقلال كان مشرّفاً وأعطى الأمل، وفجأة تلاشت تلك الثورة ولم تعد موجودة… هل (مقاطعاً)
= كيف تقولين إنها تلاشت؟! هل تعرفين ثورة في العالم ينزل ناسها طوال النهار إلى الطرقات بهذا الاندفاع؟ الثورة مسار عظيم لا يحدث في يوم أو يومين. ويمكن أن تُخفق الثورة. والثورة لم تنجح بعد، إنما سجّلت انتصارين أساسيين هما إسقاط حكومتيّن من عهد عون. سجلت انتصاراً في وجه أشخاص متسلطين كانوا يمسكون بهما ولم يستطيعوا مقاومة المدّ الثوري الذي حصل. لم تنتهِ الثورة، فهي لم تُقصِ عون بعد، ولم تُعدْ نبيه بري (رئيس مجلس النواب) المستمر في اختطاف المجلس منذ 28 عاماً إلى المنزل.
تتمثل الثورة في أنها مسار طويل، والمسار يتطلب وقتاً. هناك مناسبات مختلفة دخلت على هذا المسار، منها الكوفيد-19، ومنها القمع الوحشي الذي مارسته أجهزة الأمن ضد شباب الثورة ونسائها، وانفجار بيروت، هذه عوامل إضافية كل منها له منطقه ووقعه، إنما المسار واضح، المسار هو ثورة عارمة ومستمرة منذ 17 تشرين، وبالتالي لم تنتهِ بعد ولم تنجح بعد. وكما حصل عام 2005/2006 يمكن أن تُخفق تماماً.
– جرى في 12 آب/أغسطس إعلان تجمع مواكبة الثورة، وحضرتك منسقه العام، هذا التجمع قدّم برنامجاً يُشكّل تحدياً كبيراً ويمكن أن يكون نقطة تحوّل؟
= أنا المنسق العام حتى أيلول، يخلفني غيري أفضل منّي. الفكرة كانت أن هناك زخماً كبيراً ، فالثورة عبارة عن بركان، وأنها باتت تحتاج إلى شيء من التنظيم. خلال إنشاء تجمع مواكبة الثورة (الـTMT بالأحرف الغربية. ويمكن متابعته والانضمام إليه كما مساندته بأشكال شتى من العمل اللاعنفي من خلال الموقع tmtlebanon.com) كنا حريصين على عدم الادعاء بأننا نمثل الثورة، لاحظوا رجاء أن تجمّع مواكبة الثورة يُواكب ولا يُمثّل. والنص الذي صدر في 12 آب/أغسطس وقرأه الرئيس القاضي شكري صادر مع الأستاذة سوسن سريبه والأستاذة نوال المعوشي في المرفأ الجريح هو النص التأسيسي للتجمّع. والأستاذة نوال تعرف الناس عليها طاقة هائلة، والأستاذة سوسن ناشطة غير معروفة كفاية بعد، إنما من هؤلاء الأشخاص في الثورة الذين عندهم موهبة في تجميع الناس، وعملت مع نشطاء مميزين أمثال الأستاذ ماجد فتال والأستاذ فريد فخر الدين والدكتور جورج غانم على تنظيم أكثر من 300 مجموعة بأحجام مختلفة في إطار هرمي يدعى Pyramid. ومنذ ولادة الـTMT في 12 آب/أغسطس، يوحي الاستقبال للتجمّع حتى اليوم بأننا أنجزنا بعض التقدّم.
– التجمع التقى وكيل وزارة الخارجية الأمريكية دايفيد هيل، ماذا سمع منه؟
= لا أريد قول ماذا قال نائب الوزير هيل للوفد، أستطيع قول ماذا قلنا له. عرضنا له النقاط السبع للنص التأسيسي وسألناه فكيف يستطيع مساعدتنا في كل منها.
– النقاط السبع إذا نفّذت كخارطة الطريق تجعلنا أقرب إلى جمهورية أفلاطون إن نفذت؟
= برنامج أفلاطوني؟ اعتقادي النظرة الأفلاطونية لا تلائمنا سياسياً بالمعنى الدقيق لها. طلب العدالة والحرية دأب جميع الثورات، إنما في عنوان ثورتنا – وأيضاً الثورة العربية منذ 2011 مع نجاحاتها وإخفاقاتها – هناك طموح يشبك الناس جميعاً، وهو المطالبة بالدولة المدنية، دولة لا يحكمها العسكر، ولا يحكمها الدين بالمعنى النظامي والسياسي. طبعاً هذا هدف طويل الأمد، ولا يكفي أن نُعلن اليوم أننا قررنا أن تكون دولتنا مدنية حتى تكون مدنية قي غضون 24 ساعة بالمستوى الذي نطمح إليه.
النقاط الـ7 ليست تسلسلية بالضرورة، لكنها غير قابلة للتفاوض، بمعنى أن أي شخص يريد أن نعمل معه أو يعمل معنا عليه أن يقبل بها. بياننا ليس خارطة طريق، بالمعنى التسلسلي لها، لأننا لا نعرف كيف سيتعاون أو سيمتثل أو يحارب أعداء الثورة مطالبنا. اليوم إذا نزل الوحي على الرئيس ميشال عون، وقالت له “الستّ” (لأنني أراها أحسن من باقي العيلة لتواضعها ورفضها الظهور على الاعلام): “يا ميشال صار عمرك 85 سنة، أنا تعبت ولم أعد أستطيع أن تُشتمَ والدة صهري، ولم أعد أحتمل أن يُعتدى على حفيدي في المدرسة، خلص أنت لعبت دورك في التاريخ دعنا نعود إلى المنزل ونرتاح. هذا حقي وحقك”… إذا ترك ميشال عون اليوم تكون النقطة الأولى قد أُنجزت. ونتعامل إذاً مع الوضع الجديد. الأسبوع الماضي في خضم الثورة استقال نحو عشرة نواب، إذن امتثلوا إلى مطلبنا، تركوا مجلس النواب لأنه لا يمثل شيئاً. اليوم إذا استقال أربعون نائباً ماذا يحصل؟ إذا استقالوا قبل استقالة عون ماذا يحدث؟ علينا أن نستدرك الأمور بنوع من التواضع. نحن لا ملكة لنا في استباق التاريخ، ولا نعرف ماذا سيحدث غداً: مَن كان يستطيع التحسّب لانفجار بيروت عدا عون الذي عمل “اللازم”؟ المستقبل عصيّ على إدراك الإنسان.
– من أين نبدأ؟
= عودة النواب إلى بيوتهم واستقالة ميشال عون مهمة، ولكن هناك في النقاط ما يمكن إنجازه قبل أو بعد حدوث انهيار عون أو انهيار مجلس النواب. مثلاً حكومة انتقالية يرأسها امرأة أو رجل من قلب الثورة وتضم أشخاصاً مشهود لهم بقدراتهم ونزاهتهم، وطبعاً هذا مرتبط مباشرة بالتزام هؤلاء الأشخاص بالثورة ومطالبها. هذا بات ممكناً.
النقطة المهمة الأخرى في هذا الموضوع، ومن وحي بياننا، أننا لا نرضى بحكومة أقطاب، ولا نرضى بحكومة محاصصة جديدة، ولا نرضى بحكومة تُسمى حيادية، لا معنى للحياد هنا، يجب أن يكون رئيس الحكومة من الثورة، ولا نرضى بمن سيأتي به عون وجماعته في الأيام المقبلة. كل يوم اسم جديد، اليوم سعد الحريري وغداً دياب مجدداً، وبعده تمّام سلام أو فؤاد مخزومي، وبعده غيرهم. لا نريد أسماء تطلق عناناً، نريد رئيساً للحكومة من الثورة، ملتزماً ببياننا. والجديد الثوري في مطلبنا أننا لا نحدّد طائفته.
– هل نحن مهيؤون لتجاوز الطائفية في الحكم؟
= هذه ثورة وكل شيء ممكن فيها اذا استمرت في سلميّتها. ولا يدّعيِ أحد أننا غير مهيئين، كل ثائر معنا مؤهل ألف مرة ليكون على رأس هذه الوزارة. ولا مانع أن يكون رئيس الوزراء وُلِد سنياً، أنا لا أعيش في الخيال، إنما عليه أن يأتي من قلب الثورة.
– تقولون إن سعد الحريري إذا طُرح كرئيس للحكومة اليوم ليس مقبولاً من الثورة؟
= سعد الحريري شخصية طيّبة إنما اليوم لا نريده لأنه مرتبط بطاقم سياسي مهترئ أوصلنا إلى هنا. مَن أتانا بعون إلى الرئاسة؟
– في برنامجكم هناك بند المساءلة، التي يدخل من ضمنها “قانون النقاهة”، هل هذا ممكن التطبيق؟
= هناك قوانين طوّرتها الثورات العالمية الناجحة معروفة بـ”قوانين النقاهة” lustration laws، يعني بغض النظر عن محاسبة أو محاكمة مَن أجرم، نريد من كل شخص كان نائباً أم وزيراً أم مسؤولاً رفيعاً في الطاقم القديم أن يدخل فترة نقاهة لمدة عشر سنوات مينيموم، يعني ألا يتبوّأ أي مركز سياسي مُنتخب أو مُعين لفترة 10 سنوات. بمعنى أنه إذا كان نائباً طوال هذه الفترة ويُريد الترشح من جديد للانتخابات النيابية سنقول له: “عفواً خذ فترة 10 سنوات نقاهة فاليوم لا مكان لك في السلطة”. هذا القانون موجود في عدد من البلدان الراقية بعد الثورات والأحداث الكبرى، مثلاً في فرنسا بعد اندحار حكومة فيشي. وهذا قانون محقّ علينا أن ننظمّه بشكل يلائم الثورة اللبنانية. وعندما نقول “كلّهم يعني كلهم” فهذا الشعار يصبح جديّاً بمثل هذا القانون.
– عندما تتحدثون بلغة “كلن يعني كلن”، ألا تستفزون شوارع قوى المعارضة التي يمكن ان تكون في صفوفكم؟
= ربما، ولكن للعمل سوياً، عليهم أن يقبلوا بالنقاط التي طرحناها. ومنها “قانون النقاهة، هذه فرصة لهم ليأخذوا نفساً ويراجعوا أخطاءهم وما فعلوه بالبلد. إذاً جوابنا: أهلاً وسهلاً قي صفوفنا، على شرط العمل بجميع مطالبنا دون استثناء، بما فيها مطلبنا الأساسي في المحاسبة وبالتحديد قانون النقاهة.
– تدعون إلى رفض أي تعاطٍ شعبي أو رسمي مع “حزب الله” قبل إعلانه التخلّي عن سلاحه، هل طرحكم هذا واقعي؟
= قلنا إننا لا نقبل بدخول “حزب الله” إلى الحكومة بأي شكل من الأشكال، لا بشكل رسمي ولا مقنّع، مثل وزير الصحة مثلاً في الحكومة المخلوعة، إذا لم يعلن “حزب الله” التخلي عن سلاحه. هذه نقطة ليس فيها إشكال، اليوم المطلب واضح وتمّ تفسيره في البيان بأنه مرتبط بماهية أي دولة في العالم. عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر قال في محاضرة عام 1918 إن تحديد مفهوم الدولة هو “حصر العنف بين يديها”. سؤال بسيط: هل يسمحون في إيران لحزب مثل “حزب الله” أن يكون، اسمياً أولاً بما يوحي أن المواطن الإيراني من خارجه ليس من حزب ربنا، وهل تسمح الحكومة الإيرانية بأي سلاح خارج عن سيطرة الدولة؟
لا يوجد بلد في العالم يقبل أن تكون هناك مجموعة عندها سلاح خارج سيطرة الدولة. إضافة إلى ذلك هناك القرارات الدولية التي لم تُطبّق. نحن لا نستطيع ولا نريد الذهاب إلى المناطق التي يسيطر عليها “حزب الله” لنزع سلاحه بالقوة، هذا يكون ربما دور للجيش، نحن لا عندنا الإمكانية ولا النية، لكن لن نقبل أن يدخل “حزب الله” إلى الحكومة مقنعاً أو مباشرة قبل تسليم سلاحه.
– شاهدنا حركة دولية تجاه لبنان، كيف قرأتها؟
= الحركة الدولية طبعاً متعددة الأوجه، لأنها شهدت مجيء وزير الخارجية الإيراني، ونائب وزير الخارجية الأمريكي، والرئيس الفرنسي، دعيني أقول لكِ إن أكبر أهمية للتحرّك الدولي أنه أوقف قليلاً انهيار الليرة، وإلا كان الدولار اليوم بالـ20 ألف. هذا أهم أمر أَنتجه التحرّك الدولي.
– هل تتوقع “اختراقاً ما” لبنانياً أم أننا سنبقى في حالة الاهتراء إلى ما بعد تبلور معالم الانتخابات الأمريكية؟
= كرجل قانون ومؤرخ غير محترف ومحلل سياسي، كل هذا لا يضيف شيئاً إلى جوابي السابق، لأنه تحليل إضافي إلى التحاليل الموجودة.
اليوم أتحدث كمنسق مرحلي عام لتجمع مواكبة الثورة. أسير مع أصدقائي فيها بقناعة اللاعنف وبانفتاح على الجميع، وعندنا مطالب واضحة وعملية، وأي مطلب يتحقق يكون انتصاراً، وأي مطلب يُخذل يكون تراجعاً. أنا لا أتوقع. أنا أمشي كما وصف أبو العلاء المعرّي “مشية سائح”، وأتمنى أن هذا السير إلى الأمام يوافق التاريخ عليه ويوفّقه.
* كاتبة صحفية لبنانية
المصدر: القدس العربي
التعليقات مغلقة.