الاتحاد الاشتراكي العربي
الاقليم السوري
المؤتمــر العــام الرابـــع 1968
الــــتــــقـــــريــــــر الـــعـــــــــام
القــــــــــسم الــــثــــــــــانـــــــــــــــــــي
( 2 )
لم تكن الحـركة الوحــدوية الناصـرية في سورية مجـرد رد فعل على الانفصال، تولد منه وفي أعقــابـه، بل إن لهذه الحركة الجماهيرية الأصيلة جـذورها التاريخية في حـركة التحـرر الـوطني.. وقد أخذت أبعادها الثورية الكاملــة كحركة تحرر قومي واجتماعي وسياسي.. ولكن الموقف من الانفصال الذي جـاء كحركة رجعية مضادة تعترض المسيرة الثورية الوحدوية للجماهـير، هو الذي أعطى للحركة الناصـرية إطارها العـام وطابعهـا المحـدد، كحركة ترفض الانفصـال، وكحركة نضال في سبيل إعـادة الوحــدة تحت قيادة عبد الناصر.. ولكن الوحدة وعبد الناصر كانا يجسدان شيئاً كبيراً بالنسبة للجماهير ويحملان جميع آمال التحرر والتقدم والثورة.. والانفصال جـاء في أعقاب اجراءات تموز الاقتصادية التي وضعت دولة الوحـدة على طريق التحويل الاشتراكي، وجاء في إطار تحالف الطبقات الرجعية مع الاستعمار تواكبه بعض القوى المُـرتـدة والانتهازية، وأخذت الحركة الوحـدوية قاعدتها الجماهيرية من قـوى الكادحيـن والمحروميـن بالأساس ولـو أنـه سـار في تيارهــا قـوى أخـرى، ومن مصـادر طبقيـة متعــددة، تحمل تعلقـاً واعيـاً أو تعلقـاً عاطفيـاً بالوحـدة وعبد الناصـر.
لقد كانت القاعــدة الجماهـيريـة للحركة الوحــدوية، قاعـدة واحدة وذات أهداف عامة واحدة، وكانت تتطلـع جميعها إلى قيادة ثوريـة واحدة وهي قيـادة عبد الناصـر، ولكنهـا ما لبثت أن وجـدت على رأسها عدداً من القيادات، تدعوها كلها باسم الوحدة وعبد الناصر.. فمنها من سـار وراء تلك القيادات وتكتل من حولها في تنظيمات أو تجمعات، ومنها ما ظل مستقـلاً عنها يتحرك لوحـده في بعض الظروف والمناسبـات أو تكـتــل من حـول أفــراد… وظهـرت على ساحــة العمل الوحـدوي حـركــة الوحـدويين الاشتراكيين وحـركة القومييـن العرب والجبهـة الوحـدوية، وكتـلاً ومجموعات أخرى من عسكرية ومدنيـة وتلاقت قيـادات هـذه القـوى والكتـل وتعـاونت، حـاسبة أن الطـريق سهـلة وقصيرة، ولـم يكن بطش الانفصـال الرجـعي بهـا وعنفـه معهـا كافيـاً لأن يعمـق نضالهـا الثـوري أو لأن يفـرض عليها أن تتوحـد في منظمة واحـدة، ما دامت القـواعد الجمــاهيـرية التي تخاطبهـا واحـدة، والهـدف المباشر الذي تهـدف إليــه في إعــــادة الوحـدة واحـد أيضـــاً.
ولكن الأمـر لـم يعـد كذلك بعـد آذار عام 1963.. لقد ســقط الانفصـال الرجعي تحت ضربات الجماهـير الوحــدوية المناضــلة في الجيش وعلى المستوى الشعبي، وكشـفت القــوى الناصــرية عــن قواعدها الهائلة عندما نـزلت إلى الشارع في أعقاب حركة /8/ آذار لتنادي بعودة الوحدة، ولكنها كشفت في الوقت نفسه عن مقاتلهـا ونقاط ضعفها.. فالوحدة لم تعـد ولا يمكن أن تعـود إلا بعمل ثـوري موحـد ومنظــم، والقـلــة البعثيـة التي تسـربت لحركة /8/ آذار بل بالأحـرى الكــتلة العسكرية البعثية المنظمة استطــاعت أن تسـرق ثـورة آذار وأن تضـرب الحـركة الوحـدويــة وأن تقيـم حـكـم الإرهـــاب البعـثي والانفصـال الجـديـد.. وكانت المـذابــح التي أقامهـا الإرهــاب البعــثي في /18/ تمــوز خاتمـة مرحـلة من النضال الفاشـل للقوى الوحدوية، فاسـتُـشهد من استُـشهد وعُــذب من عـذب وهــرب من استـطــاع الهــرب وامتــلأت السجــون بالقيـادات العسكــريـة والمدنيــة للقـــوى الوحـدويـــــة.
ولكـن المحـاولات الفاشـلـة المتكـــررة منـذ آذار عام /62/ إلى تمـوز عام /63/ فتحـت أعيـن الجماهـير على كثير من الحقائـق.. فالانفصال أصبح واقعاً وله مقوماته وقواه في الداخل والخارج، والوحـدة لا تعـود بانقـلاب عسكري.. ثم لـو قام انقلاب ناجح باسم إعادة الوحدة، وحمل الى السلطة قيادة وحــدوية من تلك القيـادات القـائمـة أو مجموعـة متحالفــة من قيادات القـوى الوحـدوية، أوليس الاحتمال الأكـبر، وهـذه القيادات على ما هي عليه من انقسام وتبعثر، أن تقـع في أحابيـل الصراع على السلطــة كما وقــع البعــث، ويبـقــى الانفصــال ولا تعـــود الوحـــدة؟
وكــان لا بـد مـن طـريـق لتــوحـيد الطـاقـات في عمـل منظـم.. وطُــرحـت صـيغتـان للعمـل: الحـركة الواحـدة للقـوى الوحـدوية، أو جـبهة واحـدة ترص صفوفهــا.. هنـاك رأي صـائــب كان يقـول: صحيـح أن القاعـدة الجماهـيرية للقوى الوحدوية هي قاعـدة واحدة، وهي بالأصل قاعدة للقيادة الثورية، قيادة عبد الناصـر، ولكن قيادات العمل الناصري في سورية لا تشكل في فكرها وفي منابتها الحزبية والطبقيـة والايديولوجية القدر الكافي من الانسجام لتشكيل منظمة ثورية واحدة.. وهذا الرأي كان يطرح صيغة الجبهة الواحدة على المـدى القريـب وفي إطـار هـذه الجبهة يمكن أن تلتقي القيادات الثورية ذات الاتجـاه الواحـد ومن خلال التفاعل والنضـال المشترك، يمكن أن تُستخلص من هذه الجبهة على المدى الأبعـــد المنظمــة الثوريــة الصـحيحــة.
ولكــن القواعـد الوحدوية، من خلال إحساسها بوحدتها النضالية ومن خلال تطلعها كلها لقيادة عبد الناصـر واعتبارهـا أنهـا قيادتهـا الحقيقيـة، كانت تضغط وتُـلح في طلب قيام العمل الواحد.. كانت تعـرض الأمـور في بساطتـهـا.. أولـيس هناك في المتحـدة اتحـاداً اشـتراكياً لجميــع القـوى، أولـم ينــادي عبد الناصـر بضـرورة الحركـة العربيــة الواحــدة، فليقـــم الاتحـاد إذاً هـنا في سـورية ولتقـم الحـركــة الواحـدة.. بـل إن بعض هذه القواعـد راحت تنتظـم من نفسها تحـت اسـم الاتحـاد الاشتراكي أو الحـركـة العربيــة الواحـدة.. إن حركة حزبيـة منظمـة كحـركة القومييـن العـرب التي تجاوز إطار تنظيمها القطر الواحـد، وجـدت نفسهـا مُـلزمة بأن تخضـع لهذا الضغـط مـن قواعـدهــا، لأن القـواعـد التي انتظـمت في صفوفهـا داخـل الاقليـم السوري لم تنتظـم في غالبيتهـا إلا تحـت شعـار عبد الناصـر وعـودة الوحـدة.
وفـي حـزيـران عـام /64/ خرجـت بعض قيـادات القـوى الوحدوية من سورية، لتلتقي بأخرى موجودة في القاهـرة وبيـروت وكــــان الهـدف في البـدايــة من خروجهــا أن تعـود على رأس حـركــة انقلابية.. ولكن هذه الحركة لـم تقـم، بـل قـــام الاتحــاد الاشـتراكي ليغـطي ساحـة النضال الوحدوي في سـورية وكان الــمبدأ أن تندمـج جميــع القـوى والقيـادات الوحـدويـة في هـذا التنظيـم الواحـد.
وفي /18/ تموز عام /64/ أعلن الاتحاد الاشتراكي العربي في الاقليم السوري عن قيامه، بعد مؤتمـر تأسيسي عُقد في بيروت ضم ممثلين عن حركة القوميين العرب وحركة الوحدويين الاشتراكيين والجبهـة المتحـدة والوحــدوييـن المســتقلين.. وانتخــب هـذا المـؤتمــر ’’ مكتبـاً سـياسـيـاً ’’ تمثلت فيه هــذه المجموعـات، واعـتُـبـر قيـادة مركزيـة للاتحـاد، كانت تقيـم كلهــا خــارج الإقليــــم.
ولقــد كان للاتحـاد منـذ قيامه، التزامه الكامل بالقيادة الثورية للمتحدة، ولكن هذه القيادة ولو أنها كانت تحض على وحدة العمل الوحـدوي في سورية، واستُشيرت في تأسيس الاتحاد وتشكيله، فإنها لم تتدخل في تكوين الاتحـاد كشـيء مرتبـط بهـا.. ولكن الاتحاد ظل طويلاً يعيش على أمل، وهو أن تأخذ القيادة الثورية للمتحـدة بيـده وأن تحتضنـه وتُغذيـه وأن تضمه لاتحـادهــا الاشـتراكي أو أن تلتقي بـه كجـزء من الحـركـة العربيـة الواحــدة التي نادت بضـرورة قيامهـا.. ولكن قيادة المتحدة لم تفعل ذلك، وتركت للاتحـاد أن يثبت وجـوده بــل أن يختـار طـريقـه بنفسه.. ولقد وضعته صراحةً أمام هـذا الاختيار عندما عـدلــت موقفهــا السـياسي العربي الرسمي، وانتهجت سياسة مؤتمـرات القمة، تلك السياسة التي أربكت خطــوات الاتحــاد الاشــتراكي وهـــو مـــازال في بدايــة تكوينــه.
وقيادات الاتحـاد، التي لـم تكن قـد حـددت لنفسها نهجـاً وفكراً واضحـاً، وطريقـاً مستقـلاً عن السياسة الرسمية للمتحــدة، وقعت في إحـراجـات مع قواعدها، وكانت تتوسل ألا تؤدي تلك السياسة إلى اعتـرافٍ رسمي من المتحـدة بالوضع السوري ’’ الانفصـالي ’’ وإلى تبادل التمثيل الدبلوماسي معهم.. وفي هذه المرحلة بررت فئة من الاتحاد لنفسها أن تُـفسر سياسة المتحدة وكأنها إيعازاً لها بمحاورة البعث الحــاكم فدخـلت في علاقات وديه معــه، وهكذا خــرجـت من الاتحـاد تـلك المجموعــة مـن الوحـدويين الاشـتراكيين التي استمرت على ذلك الطــريق إلى أن وصلت أخيــراً للاشــتراك في الحكومة البعثيـة.
ظلت قيادة الاتحــاد خـارج الاقلـيم، ولم تستطع أن تمارس فعلياً قيادة العمل في الداخل ولا أن تحقق عمليـة دمج القوى والمنظمات الوحدوية التي التزمت بالاندماج في الاتحـاد.. وفّـتَ من عضضهـا أن المتحـدة لـم تتبن الاتحاد كمنظمة وحيدة للقوى الناصرية في سورية، بل ظلت أجهزتها تغذي وتساند خطوطاً أخـرى في العمل ليست في خط الاتحـاد، بـل وكثيراً ما عملت ضــده.. وظلت قيادة ’’ المكتب السياسي ‘‘ قيـادة لا تؤلف بينها وحـدة رأي أو عمـل، وظلـت لا تمـارس قيادة مباشرة للقواعد الوحدوية في الداخل وأحيطــت بالجــو المقيت المتضـارب للاجئيــن السياسييــن مــن الوحدوييــن.
وقــامت الدعوة من جديد للمؤتمر التأسيسي للاتحاد، على أن يوسع وتضم له عناصر وحدوية جديـدة ويتحول إلى مؤتمـر عادي للاتحاد ودعي التنظيـم في الداخل للمشاركة في ذلك المؤتمر.. وكنا نعيش في جــو الحصــار البعــثي المشـدد، ولم يكن التنظيم في الداخل قد أخذ غير شكل التجمع لقيادات تمثل تعــدد اتجاهــات التنظيم أكثر مما تمثل اندماجـاً ووحـدة.. عندهــا وقُبيـل المؤتمـر، تـداعت بعض العناصر القياديـة في الداخل واجتمعت وتشاورت.. ودعت الى ما يشبه المؤتمـر في الداخـل، واتُخذت في هذا المؤتمــر قــرارات رُفعت للمكــتب ليطرحهــا على المؤتمر، كما سُميت قيادة مؤقتة لقيادة عملية الدمج والتنظيم في الداخل وكُـلفت هذه القيادة أيضاً بأن تتابع أعمال المؤتمر العام للاتحاد وأن تنقل له إرادة الاتحاد في الداخل، بأن تعطي لقياداته مسؤولياتها الكاملة في ممارسة العمل التنظيمي وفي متابعة النضال اليومي، تاركة لقيادة الاتحاد في الخارج مهمة التخطيط والربط والتنسيق والاتصال.. على أن تكون مؤتمـرات الاتحـاد في المستقبل منبثقـة عن ذلك التنظيـم وممثلة لـه وأن تُعقــد داخل الاقلــيم.
وفـي أيــار عـام /65/ عقـد ذلك المؤتمر ’’ الثاني ‘‘ للاتحاد في القاهرة، واستقال الأمين العام للاتحاد، وألغي المكتب السياسي، وأُقرت صيغة جديدة للتنظيم تقوم على وجود ’’ أمانة عامة ‘‘ للاتحاد تقع تحت اشــرافها ثلاث قيادات، منهـا قيادة التنظيم داخل الاقليم وانتخبت أمانة عامة للاتحاد مؤلفة من أمين عـام وأمينين مساعدين، يقيمون خارج الاقليم، وانتقل مركز قيادة الاتحاد من بيروت إلى القاهرة، وأقرت قيادة الاتحاد الجديدة- الممثلة بأمانتها العامة- المبــادرات التي قـررهـا مؤتمـر الــداخل، كمــا اعتُمدت القيــادة التي اختارهـا ذلك المؤتمـر، وأصدرت في أعقاب مؤتمر القاهرة نظام داخلي أسهم في وضـعه التنظيــم في الداخل، وهــو النظام الذي نطــرح تعديله اليـوم على هـذا المؤتمـر، وأضيفت إليه الأحكام الانتقالية الــتي قررهـا مؤتمـر القاهـرة.. كما صـدر أيضاً في أعقـاب المؤتمـر المنهاج المرحلي للاتحـاد، وهـو منهاج لا بد لهذا المؤتمر أن يعيد النظر فيه على ضوء ما تطورت إليه الظروف العربية وحـركة النضـال العـربي وعلى ضـوء ما تطـورت إليه أوضــاع الاتحــاد أيضــاً.
ولقـد نصت الاحكام الانتقالية ذلك الحين، على أن دعوة المؤتمر العام للاتحاد للانعقاد في مهلة ســتة أشـهر، وكــانت التوصية في أن يُعمل على عقد مؤتمر نظامي مُنتخب داخل الاقليم، أما إذا لم يتم ذلك فيـدعى المؤتمـر السـابق للاجتمــاع مـن جديــد.
وقامت قيادة التنظيم في الداخل، وتعهـــدت بإجراءات تنظيميــة وبعمليـات دمج سريعة لتُمهد لعقد مؤتمر تنظيمي منتخب، وعارضت أية دعوة لمؤتمـر يشكَـل من أعضاء يقيمون خارج الاقليم ولا صـلة لهـم بالعمـل الفعـلي وبالممارســة اليوميــة لمسؤوليــة العمـل في الاتحـاد.. واصطــدم العمـل في الداخــل بمشاكل تنظيميـة وبتناقضـــات.. وكان مصدرهـــــا اتجاهـــــان عــرقل كل واحـد منهما على طريقتــه عمليـة دمــج القواعد الوحـدوية وتنظيمها.. أمـــا الاتجاه الأول فكان يصدر عن عناصر قيادية فـرديـة لم تستوعـب مهمـات الاتحـاد، ولـم تستوعب صيغـــة التنظـيـم الثوري.. وكانت تسعى للحفــاظ على الوضع المائــع للتنظــيم وعلى الولاءات الشخصيـة والتكتــلات الفئـويـة ضمـاناً لبقــاء سلطتهـا وتسلطهــا على بعــض القواعــــد والعناصــر داخـــل الاتحـــــاد.. وأمــا الاتجــاه الثاني فكان مصــدره قيـادات القومييــن العـرب التي حافظـت سـراً على تنظيمها الحـزبي داخـل الاتحـاد، وأرادت أن تجـرى عمليات الدمــج لصالحها ولجـر القواعد وراء تنظيمها الخاص.. ومن هنا قام التناحر والتصادم وهذا التناحر والتصادم إذا ما أدى في النهاية لخروج الموالين لحركة القوميين العرب من الاتحـاد فإنـه عطل ولمــدة طويلة تخـلص الاتحــاد من العقلية الأخرى الــتي ظلت تعرقل مسيرته وتـوّقِـعــه في مشــاكــل يوميـة وتناقضـــات لا تنتهـي في كــل فرع وفي كــل خطـــوة أو عمـــل.
لقـــد وقعت إذاً أزمة القومييـــن العـرب وخروجهــم من الاتحـاد وتأخرت دعوة المؤتمر العام للاتحــاد فلـم يُـعقـد إلا في أيلول عام /1966/ وانعقد بشكل استثنائي وبدعوة من الأمانة العامة إثر تلك الأزمة ولمعالجتها، وبعد أن خرج من الأمانة العامة عضو حركة القوميين العرب فيها.. ولم يكن ذلك المؤتمـر منتخبـاً بـل جـــاء يمثل القيــادات الفعليــة التي كانت تقــود العمل ذلك الحيـن أضيف لهم بعض العناصـر عن طريق الانتقــاء لتمثيـل بعض المجـالات العمالية والطلابيـة والفلاحيـة.. كـان المفروض أن يـأتي هذا المؤتمـر لينهــي الأوضاع الانتقالية للاتحـاد و ليضعــه على الطريــق الثابت، ولكنـه جـاء وأمامــه مهمـة مستعجلـة، هي معالجـة الأزمـة التي آثارهـا انشقـاق القوميين العرب، ووضع من جديد صيغـة انتقاليـة جديـدة حــدد مهلتهـا القصـوى ستة أشهر، وطالب بانتخابات خلال هذه المهلة وبمؤتمر منتخــب.. وإن ذلك المؤتمــر باعتبار الصورة التي جـاء عليها لم يجد أن من حقه مناقشة وضع الأمانة العامــة و اكتفى أن صـوت إجماعياً بالثقة بالأمين العام والأمين المساعد لشؤون التنظيم خارج الاقليم.. وأقــر المؤتمــر الاستمرار بالعمل وفقـاً لأهـداف المنهاج المرحلي للاتحـاد، وانتخب لجنة مركزية من تسعة أعضاء وفوضها بإضافة أعضاء جدد إليها بعد الرجوع للأمانة العامة في إقرار ذلك، كما فوضها أيضاً بتعديــل النظام الداخلي على أن تُـقَـر صيغته النهائية في المؤتمر الثاني المنتخب الذي حُددت مهلة الاعداد له ودعوتـه بستة أشهر، كما أوصى ذلك المؤتمر، بالانفتاح الكامل على القوى الوحدوية لدمجها في الاتحــاد على أن يجـري بشكل اصـطفــاء وبصورة افـرادية ولا يُقبل انتساب المجموعات المنتسبة لتنظيمات سياسية سابقــة كمجموعــات.. واستثنى من ذلك المجموعـات المشـكلة من تجمعـات ناصـرية محليــة لها طـابع تجمــع أفــــراد، ’’ وليتــه لــم يستـثــنِ ‘‘.
كمــا كـــان هناك تأكــيد من المؤتمـر على العمل لضمـان الارتبـاط، لا المبدئي فحسـب، وإنما التنظيمي أيضاً بالتنظيم السياسي للمتحــدة.. وكانت اتصـالات الأمانة العــامة ذلك الحين بالقيادة الثورية للمتحـدة تبشر بإمكانية ذلك الارتبـاط.. وكانت تلك القيادة قد ألغـت قبل ذلك بمدة جميع المكاتب وجميع الاتصالات الأخرى التي كانت تتغذى منها عناصـر أو مجموعات سورية من غير الاتحاد، وأبقت على مكتب الاتحاد وحده في القاهـرة على اعتباره ’’ يمثل السوريين لديهـا ‘‘.. واجتمعت اللجنة المركزية، وضـمت أعضاء آخــرين لهـا وانتخبت قيادة جديدة للداخـل من ثلاثة أعضـاء أسمتهم أمنـاء مساعدين، ورفعـت أعمال المؤتمـر مـع اجـراءات اللجنـة المركزية ومقترحاتها للأمين العـام ومساعده، فكانت لهم اعتراضــات على بعض صيـغ العمـل.. كان رأي الأمانـة العامة وبسبب الظروف الخاصة للاتحاد ذلك الحيـن، والشكـل الذي جاءت به اللجنة المركزية، أن من الضروري أن يكون للأمانة العامة سلطة فوق سلطــة هــذه اللجنة المركزيـة، وإلى أن تنتهي الظروف الانتقاليـة ويـأتي المؤتمـر المنتخب.. وقررت تعـديل اجــراءات اللجنـة المركزيـة على هـذا الأساس.. وأن يكـون التعديـل بإضـافة عضو من الداخـل للأمانة العامة تـنتخبه اللجنـة المركزية ويصبـح رئيساً لمكتب الأمانة العامة في الداخل، وتصبح القيادة العليا للاتحاد مشكلة من الأمين العام وأمينيـن مساعدين، أما أعضاء مكتب الأمانة في الداخل فلا تعطى لهـم مرتبـة الأميـن المساعد.. ولقــد وافقـت اللجنة المركزية بالإجماع على قرارات الأمانة العامة هـذه.
إننا نؤكــد على هذه الواقعة لعلاقتها بأزمة الاتحاد الأخيرة التي جاء هذا المؤتمر في أعقابها، وننقل لكم بهذا المعرض، هذا النص عن الضبط الرسمي للجلسة التي عقدتها اللجنة المركزية في 21/10/1966:
1 – اسـتمعت اللجنة المركزية إلـى تقرير من الأخ جمال الأتاسي حول مقترحات الأمين العام بشأن تعديل بعض أحكــام النظام الداخلي فيما يتعلق بتوزيـع السلطات بين اللجنة المركزية والأمانة العامة ومكتبها في الداخــل، على ضــوء الضــرورات الاستثنائية التي تقتضيهـا طبيعـة المرحلة وقررت بالاستناد إلى التفويض المخــول لهــا من المؤتمــــر:
أ – تشـكيل الأمانـة العامـة للاتحـاد من الأمين العام ومـن أمينيـن مساعديـن أحدهمــا في الداخـل، ويــرأس مكتــب الأمانــة العامـــة فيـــه.
ب – تفــوض الأمانـة العامــة مكتبهــا في الداخــل ليتخــذ مـن المقـــررات مـا تقضــي الضـرورة اتخـــــاذه، تأمينـــاً لحـركـــة التنظيـم الدائمــة فيمـا لا يتعــارض مـــع:
– خطـــة العمــل التي تعتمــدها الأمـانــة العامــة.
– المقررات المحـددة الواضحـة التي تتخذهــا الأمانــة العامــة بخصوص أي مـوضــوع كــان.
– توصـيـات اللجنـة المركزيـة التي تقــررها في اجتماعاتهــا وتوافــق عليهـا الأمانــة العامـة.
2 – انتخـبت اللجنــة الأخ جمال الأتاسي بالإجمـاع أمينـاً مساعـداً يـرأس مكـــتب الأمـانـة فــي الداخـــل.
إن الفئة التي انشـقت عام /67/ عن الاتحاد، حاولت تناسي مقررات اللجنة المركزية هـذه والتي صوت لها عدد من عناصر هـذه الفئة كانوا في اللجنة المركزية، بل وكذَبت حين كذّبت وجود هذه الصلاحيات العليا للأمانة العامة، إن هذه الفئة رغم لفظ قواعد الاتحاد لها، راحت تدعي المشروعية لنفسها ولقيادتها للاتحاد وكـأن الاتحـاد سلعة تتناقلها القيادات التي تشاء، وخرجت تلك الفئة على قرارات الأمانة العامة عندما تدخـلت لحل الأزمـة التي فجــرت اللجنـة المركـزيـة وفجرت مكتب الأمانة في الداخل ورفضت الالتــزام بالقيـادة المؤقتـة للاتحـاد التي سمتهـا الأمانـة العامة، ممارسـة صلاحياتها بهذه التسمية بعد حل اللجنــة المركـزيـــة ومكتــب الأمــانــة العــامـــة فــي الداخـــــــــل.
إن الأســباب التي دعــت الأمانـة العامـة منــذ عـام ونيــف للتمسـك بتـلك الصلاحيات، تــلك الأســـباب التــي بُسـطت يومهـا أمـام اللجنــة المركــزيـة تعـود إلى أمــريــن:
1 – الأمـر الأول هـو أن الأمانـة العامـــة كانت على قناعــة بأن قيــادات الاتحــاد لـم تصـل بعــد إلى الانسـجام الكـافي وإلى الوحـدة الضرورية في الفكر والرأي والتنظيم وهذه القيادات لم تستطع بعد أن تصل بالتنظــيم إلى حالة مسـتقرة وثابتة تقــوم على قــواعد الديمقراطية المركــزية تأخــذ فيــه القيادات مشروعيتهـا من موافقـة القواعد عليها ومن التطبيـق الحـازم للنظام الداخلي.. وأن الأمانـة العامة كانت تــرى أن قيـادات الاتحـاد فـي الداخل مازالت عرضة للخلاف والانقسام فلا بد من سلطة عليا تحكم في هــذه الخلافات إذا وقعـت وتحـافظ على الاتجـاه المبدئي السـليم للاتحـاد والسلطة العليا المشروعة التي مازالت تحتفـظ بمهمتهـا الموكـــلة إليهــا مــن المؤتمـر التأسـيسي هـي الأمانــة العامــة.
2 – والأمــر الثاني، هـو أن الاتحـاد داخـل في صلات واتصالات مع القيادة الثورية للمتحدة وهــو يلتــزم بهـذه القيادة، كما وأنـه في طريقـه إلى إيجـاد صيغة للتعاون بشكل الارتباط التنظيمي مع التنظيم السـياسي للمتحــدة.. والأمانة العامة هـي التي تمثل الاتحـاد في تلك الاتصالات ولا بد أن تكون متمتعة بصلاحيـات كــبرى وأن تمـلأ مكانتهـا القيادية الكاملة للاتحاد لتقـرر في ذلك وتنفـذ ولتلتـزم وتُـلـزم.
أما الأمـر الأول فهـو إذا مـا دل فإنمـا يـدل على تبصر الأمـانة العامة في واقع التكـوين القيادي للاتحاد ذلك الحين، بما في ذلك اللجنـة المركزية.. إذاً كان جلياً لهـا أن ذلك التكوين لا يحمل الانسجام ولا الكـفاءات الفكرية والثورية الكافية لتجعل من الاتحـاد تلك المنظمة الثورية القادرة على تأدية الرسالة التي تضطلــع بهـا، وأنـه عُــرضة للانقسـام عند طـرح أية مهمات جدية عليه.. ولقد انصب هم الأمانة العامـة على أن تخرج بالاتحـاد من تكوينـه التجمعي الأول، لتجـعل منــه منظمـة حـزبيـة ثـوريـة حقيقية بقواعـده وقياداته، وأن تصـل به إلى المشروعية التنظيمية التي تستند فيها القيادات إلى الإرادة الحقيقية والمبــاشــرة للقواعـد الثوريـة الملتزمـة والمنظمـة.. وكانت الأمانة تدفـع دائماً نحو التعجيل في إقرار الوضع التنظيمي النهائي والمستقر للاتحاد، وكانت تؤكد على ضرورة حصر إطار الاتحاد بالمناضلين الملتزميـن كــل الالتـزام بخـط الاتجــاه الثوري، والواعيـن كــل الـــوعي لسياستـــه وقضيتـــــه.
ولكــن إرادة الأمانـة العامـة هـذه كانت تصطدم دومــاً بالمشكلة المزمنة للاتحــاد، مشكلة عـدم انسجـام قياداته، ووجود بعض القوى المعوقة والمتخلفة في عقليتها داخل هذه القيادات، تلك القوى التي لا تقـوم بينهـا روابــط حزبيـة أو ثوريـة، بل تقـوم تكتلاتهـا وعلاقاتهـا ببعضها وبأنصارها على أساس الروابط الشخصية والفئويـة التي تعبر عن عقلية انتهازية محضة.. ووجود هذه العقلية كان عقبة كبرى في طريق تحويل الاتحاد فكـراً وعمـلاً إلى منظمة حزبية ثورية.. وإذ أن سيادة النظام ومبادئ التنظيم والاحتكــام للقواعد المنظمة، كان يشكـل بالضرورة خطـراً على تلك القيادات والعناصر، فلقد كـان من الطبيعي أن تقف دومــاً، وبشكل أو آخـر ضـد العمل التنظـيمي الجـدي وضـد الاحتكام للقواعد وكانت تفتعــل في كــل يوم مشكـلة وتُشغل الاتحاد بمشاغل عقيمة تافهة لتوقف مسيرته التنظيمية.. والواقع أن الأزمة الأخيرة للاتحـاد مع الفئة المُـنشقـة، ما انفجـرت إلا عندما كان هناك إصرار من العناصر القيادية الممثلة فعلاً لإرادة القواعد الثورية في الاتحاد أن تسود الديمقراطية الحزبية وأن يُحتكم للقواعد لتنتخب مؤتمرها وقادتها، وعندمــا أردنا أن نضع حــداً للمتاهــة التي وضعت فيهـا تلك العقليـات الاتحاد وأن ننهـي بشكـل حاسـم عهـد المناقشــات العقيمـة مع عناصـر تلك الفئــة في الدوائـر المغلقـة لقيـادة لا تملك وحــدة الفكــر ولا وحــدة الإرادة.
إن الأزمـة الأخــيرة للاتحــاد تحمل في جذورهــا بـذور الخطــأ التي قام عليها التكــوين الأولي للاتحـاد، عندما أخذ ذلك الشكل من التجمع في القيادات، تجمعاً قـد يصلح لإقامة عمل جبهوي، ولكن لا يصلــح بأي حـال من الأحـوال لتنظيم موحـد يحمل مهمـات ثوريـة وعندما ضم في صلب قياداته الأولى الاتجاهات المتباينة والمتناقضات التي تصطرع دوماً ببعضها بعضاً.. هــذه ناحية سنعود إليها بعد قليل.
ولكــننا هنــا بصــدد موقف الأمانـة العامة من الأزمة الأخيرة، تلك الأزمة التي أخذت في الظاهر شكل خلافات حادة حول مسائل تنظيميــة فرعيـة، بينما كــانت تحمل في مضامينهـا خلافات جدية في الفكر والعقلية وفي السـياسة وفي مفهـوم العمل والتنظـيم والتي أدت كما تعلمـون إلى انقسام اللجنة المركزية وانقسام مكتب الأمانة العامة وتعطل عملها نهائياً.. إن تفاصـيل تلك الأزمـة تعرفون أكـثرها إما مباشرة وإمـا عن طريق النشرات والتعميمات الداخليـة ولا حاجـة لإغراق المؤتمـر في تفاصيلها اللا مجـديـة.
لقـد تقدمـت الأمـانة العامـة وحمّـلت مسؤولياتها ومارست صلاحياتها وحلت القيادات المنقسمة، وسمت قيادة مؤقتة للاتحــاد حمّلتهـا مهمة العمل لعقد هــذا المؤتمر والوصول إليه عن طريق تنظيمي تمثل فيه أكــبر قـدر ممكــن من ديمقراطية العمل الحـزبي ضـمن الظـروف التي يعــيش فيهــا الاتحــاد.
لـقد عـاش الاتحـاد حتى اليوم على أحكام انتقالية في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات وتسمية المراتب وما كــان الاتحـاد ينتهي مـن مرحـلة انتقالية إلا ليدخـل في مرحلة انتقالية جديدة.. وإذ أن هذا المؤتمر هـو أول مؤتمـر للاتحاد ينبثق عن قواعد التنظيم ولا يُسمى من فوق فسيكون عليه قبل أي شيء أن ينهي عهود المراحل الانتقالية، كان من المفروض أن يُعقد هذا المؤتمر في نيسان الماضي وكان في طـريق ذلك عقبـات، وأرجـئ المؤتمـر لمهلـة قصـيرة، إذ أرادت الأمانة العامـة أن يأتي مؤتمـراً نظامياً وجـدياً ويُهيــأ بصـورة جديـة أيضـاً.. ثـم كـانت ظروف العـدوان والنكسـة وبعــدها مباشــرة قـامــت أزمتنــا مـع الفئــة المنشقــة.
كــان من المفروض أن تتمثل الأمانـة العامـة في هـذا المؤتمـر الذي سيكـون من مهماته الأولى بعـد اقرار النظــام الداخلي، انتخـاب أمانـة عامـة جديـدة للاتحـاد.. وكــان من المفروض أن يقــدم هــذا التقريـر باسمهــا، لا باسم القيادة المؤقتــة التي لم تـأت أكـثريـة أعضائهـا لممارسة مثل هذه المسؤوليات القياديــة إلا في هـذه المـرحلة الأخيرة التالية للأزمــة.. ولكـــن الأمانة العامـة، وعندمـا أصـبحنـا على عتبــة دعــوة المؤتمـر، اسـتقالــت، ونقلــت جميــع صلاحيــاتهــا للداخــل وسـلمتهــا للقيادة المؤقتـــة، واعتبـرت تنظيمها خارج الاقليـم وخاصة في القاهـرة مرتبطــاً بتنظيــم الداخل وبقيادتــه المؤقتــة.
لا شـك أن العامـل الأول، أي المشـاكــل الداخليـة للاتحـاد كـان لهـا أثرها الكبير بالنسبة للأمانة العامـة عندما وجدت أن أكثريتها خارج الاقليم وغير قادرة على التحرك والتصرف مباشرة في العمل، ولقـد عرضنا الضرورات التي قضت بأن تبقى الأمانة العامة على الشكل الذي كانت عليه وأن تمارس صلاحياتها الكاملة بعـد حـل اللجنة المركـزية وفي حالة قيام المؤتمر العام، ولكن هذه الممارسة لم تـدم طويلاً.. منذ ظروف الاتحاد كان هناك الأمر الثاني أو العامل الثاني لبقائها، ويتعلق بصلات الاتحاد في المتحــدة.. وهنا أيضـاً، وضمن الظـروف التي تمـر بها المتحـدة اليوم، وجدت الأمانة العامة أنه لم يعد بمقدورهــا أن تــؤدي دوراً كـبيراً، ولهــذا قــررت وقبل انعقـاد المؤتمــر، أن مهمتهـا كـقيــادة خــارج الاقـليــم قــد انتهــت.
’’ وبيـن يـدي أعضــــاء المـؤتمـر صـــورة عـــن كــــتاب الأمانــة العامــة للقيــادة المؤقتـــــة وتُـعـّلمهــا فيــه باستقالتهــا وأسبابهــا، وتُسلمهــا فيه الصلاحيــات ‘‘.
إن الأمــانة العامــة لم تكن سفارة لاتحـادنا لدى المتحـدة بل إنها كانت ومن خلال الالتزام التام للاتحـاد بالقيادة الثورية للمتحـدة فكـراً وعمـــلاً ومن خـلال تقديـم الاتحاد لمطلب عودة الوحدة على كل مطــلب آخــر.. كانت الأمـانة العامـة تطمح فعـلاً إلى إيجـاد ارتبـاط تنظيمي وعقـائـدي بين منظمتهـا والتنظـيم السياسي للمتحـدة.. وفـوق ذلك، وإذا لم تكن قيادات الداخل تُشكَــل بعد، فإن الارتباط بالمتحـدة والتأكــيد الدائـم على الالتـزام بقيادتهــا الثورية كان يشكـل الضمان الأول للقواعد وعنصراً أساسياً من عناصـر رص الصفـوف وراء قيـادة عبد الناصـر، ثم كـان لوجـود الأمانـة العامة خارج الاقليم مبررات أخـرى تقتضـيهــا ظروف العمـل الثوري ضـد سلطـة مسـتبدة، وأكـثر القيادات الوحـدوية مكـشـوفة لها وتسـتطيــع ضربهــا في كـل لحظـــة.
ولكـن الأمانـة العامة تقول لنا اليوم، وهي على حق، كل الحق فيما تقول.. إن على الاتحاد أن يعتمد اعتمـاداً كـليـاً على ذاته، فقد آن له أن ينضج ويكبر وأن يسير لوحده دون سند وأن يستوي على ساقين قويتيـن، سيما وأن المتحدة وفي ظروف ما بعد النكسة منصرفة كل الانصراف لمعالجة مشاكلها وتعزيـز منعتهـا وليس بمقدورهــا أن تتحول خارج حدودها ولا يجوز أن نطالبها بذلك، ولا بد لنا، وكــما هو مبـدأنا دائمــاً، أن نحـرص على سلامتهـا ومنعتهـا قبـل كـل شــيءٍ آخـــر.
والآن، وبعـد أن اسـتعرضنا جوانب من تطـور علاقة الاتحاد بالمتحدة، أوليس من الضروري أن نناقش طبيعة هـذه العلاقـة، وأن نسـأل أنفسـنا هـل كنـا نمشـي على طريـق صحيحة أو أننا كنا نعلق الآمال على أشياء غير واقعيـة، أو بالأحـرى على أشياء لم تنضج بعـد؟، وقبل النكسة بعدة أشهر رفعت اللجنـة المركـزية في تقريـر مفصـل إلى الأمانـة العامـة إلحــاح قواعـد الاتحـاد على الارتبــاط التنظيمي بالمتحـدة والصـورة التي يراهـا التنظيم في الداخل للعمل الثوري العربي الواحد وعبرت الأمانة العامة للقيادة الثورية في المتحـدة عـن تلك الصـورة والإرادة وكـان الجـواب، كـيف يمكـن أن نُقـيّـم مثل هـذه العلاقة التنظيمية، والقيـادة في المتحـدة تمـر بمـرحلــة من إعادة النظـر في التكويـن القيـادي والأجهزة القيادية والتنظيمية للاتحاد الاشتراكي العربي بالمتحدة؟.. لم يكن هذا وحده هو المبرر ولا شك، وكان لا بد لنا أن نفهم، لو أردنا التبصر، أنه لا العمل التنظيمي السياسي الثوري في المتحدة قد نضج إلى هذه المرحلــة ولا الاتحـاد الاشـتراكي العربي في الاقليــم السوري قــد احتل مكانه كمنظمة ثورية تستوعب طاقات نضاليــة واسعـة ومنظمـة وتقــوى على أن تواجه لوحدها مسؤولية قيادة مثل هذه العملية، وأن تتصدى لجميع القوى والمعوقـات التي ستقوم ضدها وتعترض سبيلها، والواقع أن الاتحاد، في العلاقة التي كان يريدهـا مع المتحـدة أو ينـادي بها لـم يكـن ينطلـق من عوامـل موضوعيـة، بـل وكثيراً ما كان يتعلــق بأوهــام وبأمـور غيـر واقعيــة.. والاتحــاد الاشـتراكي شـأنه شأن من سبقـه من المجموعات والمنظمات الناصـرية، كان يأوي إلى المتحـدة ويدّعي تبنيها له هروباً من مواجهة المسائل التي يفرضها عليه واقــع الصراع في هذا الاقلـيم وفي الوطن العربي، ولشعـور قياداته بأنها لا تحظى بالقـدر الكافي من ثقـة الجماهـير بهـا والتزامها، فليس لها إلا أن تُـلقي كل الأعبـاء على عبد الناصر وبأن تتبارى في المـزاودة على بعضها بالناصـرية والولاء لعبد الناصر.. ولكن الكلمة التي كان يرددها عبد الناصر في كل المناسبات ’’ أنا لـيس لي تنظـيم في سورية ‘‘ كانت كلمـة حـق وتنسجـم مع أسلـوب العمل النضـالي العربي الذي كان يســير عليـه عبد الناصـر، وإذا كان الاتحــاد قـد اعتـرض أكــثر مـن مــرة على هـذا الأسـلوب، ونادى القيادة الثورية للمتحـدة بأن تمارس قيادتهـا للعمل الثوري العربي بشكل منظمة واحدة فالواقــع إن هذا الطــريق لم يختــط بعـد والقيادة الثوريـة مازالت غير قانعـة بأن ظروف العمل العربي أصبحت مواتيــة لــه.. وأن عـدم استيعـاب الكـثير من قـادة الاتحـاد لهذه الحقيقة، أو تجاهلهم لها بدوافع انتهازيـة، وأن عـدم انصـراف هــؤلاء القـادة لتكــوين منظمتهـم كمنظمــة مستقلـة عن المتحـدة وتعتمد كــل الاعتمــاد على نفسها كـان من العـوامل التي أعطـت للاتحـاد طابعـاً مائعـاً متردداً سواء من الناحية التنظيميــة أو فـي عــدد مـن المــواقف السـياسـيـــة.
وإن تكـوين الاتحاد كمنظمة حزبية قائمة بذاتها أو كشيء مرتبط بالمتحدة، ثم أن طبيعة العلاقة مع المتحـدة كانت محور صـراع ونقـاش دائمين في قيادات الاتحاد بين اتجاهين، بين الاتجاه الذي يريد أن يكون الاتحاد منظمة حزبية ثورية معتمدة على ذاتها في التفكـير والتخطيط والعمـل، ’’ وأن يكون التزامها بالمتحـدة وريثما تنضـج ظروف العمل الثوري العربي الموحد، التزام بقيادتها الثورية وبالنهج الفكري والنضالي العام الذي تختطه هذه القيادة ‘‘.
وبين اتجـاه كان يفرض الاسـتمرار في الخط الفوضوي والعاطفي الذي كان يندفع عليه العمل الوحـدوي في سورية، والذي كــثيراً ما كـان يتحـول إلى عمـل انتهـازي صـرف وإلى محاولـة تجميـع الناس وكسـب الجماهـير الناصـرية تحت سـتار تأييـد المتحـدة لهـذا الشـخص أو مناصـرتهـا لتلك الفئة.
لقــد قـام هذا الجـدال والنقاش حين بدايـة العمل في تنظيم الاتحـاد واسـتمر التشبث واستمرت المغالطـات رغـم ما كانت تأتي به الأحـداث والتطـورات والوقائـع.. لقــد كـنا في مسيرتنا نحـو إقـامـة منظمتنا الثورية نصطدم بعقلية متخلفة لفئة، ولا نريد أن نطلق عليها اسم فئة يمينية بالمفهوم الاجتماعي والطـبقي والسـياسي السـائـد لتلك التسميـة، بل نسميهـا فئـة متخلفــة في عقليتهـا عـن إدارات المهمـات الأسـاسية والتكوين الصحيـح للمنظمـة الحزبية الثورية، إنها ليست من اليمين في المجتمع، إذ هي تتبنى ولو بشكل عام أهداف النضال العربي والتقدم بل وكثيراً ما سُجنت واضطُهدت في سبيل ذلك ولكنها في الواقـع كانت فئـة يمينيـة داخل الاتحاد لأنها كانت الفئة التي تجر إلى الوراء ولا تستوعب احتياجات النضال العربي وما يتطور اليه هذا النضال، ثم أنها لم تستوعب مواقف المتحدة ذاتها ولا استراتيجيتها ومفاهيمهـا للعمل العـربي الثـوري كـما جـاء في الميثـــاق، ثـم فـي مباحثـات الوحـدة بعد /8/ آذار عـام /1963/ ومن ثم في خطب الرئيس وكلماتـه وبخاصة تلك التي حدد بها صيغة العمل الثوري العربي الموحـد كــخطابه في مؤتمـر المحاميـن العـرب.. إن البحث في طبيعة الروابـط التي تربطنـا بالمتحـدة وقيادتهـا الثورية والبحـث في علاقتنـا مع المتحـدة وما كـانت عليه وما يجـب أن تكـون اليوم، هـو مـن الموضوعـات التي لا بـد أن نقـف عندهـا في هـذا التقريـر، عنـد تحديد منطلقاتنا ونهجنا العملي.. ولكننا الآن بمعرض البحث في موقف تلك الفئـة التي انشقـت مؤخـراً عن الاتحــاد، ومـازالت تدعي الانتساب إليـه، بل ومازالت تدعي مشروعية قيادتها له، فلقد كان لعدد من عناصر هذه الفئة، دور ثابت ومستمر في خلق أكـثر أزمات الاتحـاد ومشاكـله التنظيمية التي لم تتوقف والتي عطلت حركته و نشاطه وأبقته دائماً في دوامة مشاكله الداخليـة.. والنقـد الذاتي يقضي بأن نعترف بأن القياديين الآخريـن الذين وقفـــوا في وجـه هـذه الفئـة لم يكن وقوفهـم حاسمـاً إلا في المرحلة الأخـيرة، فلقـد أمهلــوا هـذه الفئـة طــويـلاً وتماهلــوا كــثيراً قبـل إخراجهــا وعزلهــا عن الاتحـــاد.
ولقـد كــان هناك تصميم في النهايـة على مواجهـة هـذه العقليـة وعـزلهـا عـن طريق الاحتكام للقواعــد في اختيـار قياداتهــا، وعندما لجـأ أصحـاب هـذه العقلية إلى التكتـل، و لحسن الحظ أنهم تكتلوا ليخّلص الاتحــاد منهم دفعـة واحـدة.. لقـد اكتفـت الأمانة العامة بممارسة صلاحياتها في اجراء تنظيمي، سمت به قيادة مؤقتـة أبعدت عنهـا عناصر الأزمـة، ليكون للمؤتمـر العـام المنبثق من القواعد أن يمارس حقـه في إعلان موقف الاتحـاد من عناصر تلك الأزمـة.
ولكــن تلك الفئـة خرجت على الاتحاد وواجهت اجراءات الأمانة العامة بادعاءات باطلة حول شرعيتهـا ومشروعيتها، بـل وراحت تشـكو أمرهـا للقاهـرة وتُزوّر الوقائع والمواقف، وتطالب قيادة المتحدة بأن تكون حكماً في المشكلة، ولكنها تعرف أن القيادة الثورية للمتحدة لا تتدخل ولم تتدخل يوماً في مثل هذه المشاكل، وهي تعرف أنها لن تتلقى جواباً من القاهـرة، ولكنها تريد أن تستغل هذه النتيجة بمنطق أعـوج يقـول بأن القاهـرة إذا لـم تتدخـل فهـذا يعني أنهـا لا تؤيـد اجراءات الأمانـة العامـة.. ولقد حاولت هـذه الفئة كـما حاولت فئـات أخـرى من قبل أن تحـتال على قـواعـد الاتحاد وأن تجـر قسمـاً من التنظـيم وراءهـا بالمخادعة وبادعاء عطف القاهرة عليها أو تأييدها له.. إنها لأحابيل تافهة وإنه لمنطقٌ أعـوج فـات أوانـه وفقـد جــدواه.. ثم إن الخلاف بيننا وبين هذه الفئة ليس مجرد خلاف تنظيمي بل هو خلاف جـذري ومبـدئي، وهـو خـلاف بالأسـاس حول مفهـوم العمل الثوري ولقد كـنا على خطأ عندما تأخــرنا في المواجهة الحاسمـة الفاصلة لهـذه الفئـة، لقد كنا نباعد الأزمة ونخفف من حدتها لقناعتنا بأن عقلية هذه الفكـرة وأساليبها، لا تلقى صدى لدى القواعد المناضلة للاتحاد، ولاعتقادنا بأن تطبيق النظام وأحكـام المركزية الديمقراطية سيعزل هذه الفئة وسيُجمد تأثيراتها السلبية على نشاط الاتحاد ومواقفه.
واليــوم لا بـد لنـا من القـول أننـا كــنا على خطــأ في هـذا التقـديــر لسببيــن:
1 – لأن هـذه الفئـة استطـاعت أن تتسلق إلى قمة تنظيم الاتحـاد داخل الاقليم، وساعدهم في هذا التسلق أزمتنا السابقة مع حركة القوميين العرب، وردود الفعل داخل الاتحاد على مزاودات عناصر تلك الحـركة علينـا باليساريـة والثوريـة، وعندما خـرجت العناصـر القياديـة الملتزمة بحـركة القومييـن العرب من الاتحـاد احتلت هـذه الفئة بعض مواقعها فيه، ولوجودها في قمة التنظيم أصبحت تملك القدرة على تعطيـل أيـة محاولـة لوضـع الاتحـاد على طريقـه الصحيحــة كـحــزب ثـوري.
2 – إن تغطيــة المنظمـة الثوريـة لأزماتهـا القياديـة وحجبهـا عن قواعدهـا، وعدم مكاشفة القواعد بطبيعة تلك الأزمات وعواملها، وإن عدم الكشف لتلك العقليات وعدم تعريتنا لمواقفها وأفكارهـا أمام القواعـد، يقتل حيويـة المنظمة الثورية، ويعطلهـا عن القدرة على التطـور والتقـدم وعلى التحــرر من الخطــأ والانحـراف قبـل أن يستفحــل أمــره.
لقـد جـاء في المادة الخامســة مـن الباب الخــامس لميثـاق العمـل الوطني فـي المتحـدة، فـي مجـال بحـث الديمقراطيـة السليمـة، أن الثورة بالطبيعـة عمـلٌ شعبي تقدمي، ما نصه: ’’ إن النقد والنقد الذاتي من أهم الضمانات للحــرية.. ولقـد كان أخطـر ما يعرقـل حــرية النقـد والنقد الذاتي في المنظمات السياسية هو تســلل العناصــر الرجعيــة إليهــا ‘‘.
والواقــع أن تسلل مثل هـذه العناصر إلى قيادات منظمتنـا، لـم يعرقل تلك الحـرية فحسب، بل قتلها، فقد خلفـت جــواً من الإرهـاب الفكـري في القيادات عن طريـق القيادات المصـطنعـة بالناصــرية، وعندمــا حوصرت أخيــراً في مواقعها المتخلفــة وكُشـفت وعُـزلت راحـت تلجـأ إلى عمليات الدس والافتراء والتشهير خارج القيـادات وخـارج التنظيـم أيضـاً.. وكان أخطر تسلل للاتحاد، ذاك الذي جاء عن طريق من كانت تسمي نفسهـا التنظــيـم الناصـري، لقد خدعتنا في البدء بما أظهرت من استعداد للالتزام التام والاندماج غير المشروط بالاتحـاد، وما كـان لنا أن نُخدع بها، فلقد تركنا لعناصر منها أن تقفز مباشرة ومن غــير تمهيــد إلى أخطـر المراكــز القيادية في الاتحاد ’’ إلى اللجنة المركزية ومكتب الأمانة ولجنة التنظيم والإدارة ولجنة العمال ولجنة التوعية… إلى قيادة فـرع دمشـق ‘‘.. ثم إذا بها تكشف عن نفسها كفئـة غريبـة التكوين، شخصيـة الارتباطـات، متعصبـة طائفيـة، منغلقـة على عقلية محلية وانتهازية، ودخلت الاتحـاد ولديهـا مخـطط خبيث مرسوم للاستيـلاء على أكثر ما يمكنهـا الاستيـلاء عليه من مراكز القيادة والتوجيه للاتحـاد في دمشق، لتجر الاتحاد إلى مواقعها الانتهازية وإلى فكرها المتخلف والمبهم والذي تسميـه في غيـر اسـتحياء ’’ بالتفكير الناصري وبالعقيدة الناصرية ‘‘…. وعندما انكـشف أمرها لقواعد الاتحـاد في دمشق من خلال ما كانت تخلقه من مشاكل وأزمات أو ما تطرحه من أفكار أو تثيره من دسـائس وافتـراءات، وأخـذت تلك القـواعـد تقاوم تسربهـا وتعـارض عقليتهـا وأساليبهـا، تفجـرت الأزمـة.. وكـان من الممكن أن تقـف عند حدود استبعـاد هـذه الفئة الطفيلية من الاتحاد، ولكن هذه الفئة سـرعان ما تحـولت إلى مصيـدة لبقية الانتهازيين والمتخلِّفة عقولهم وأفكارهم… فكان ذلك التكتل الذي قسم اللجنة المركزية على نفسها وقسم مكتب الأمانة…. ومهما كان من آثار تلك الأزمة وما خلفته من تشـويش حول الاتحـاد ومن كشـف لقيادته، فإننـا نعتقد اليوم أن ما جرى في النهاية كان لصالح الاتحاد، وليخلص مـرة واحـدة ودفعـة واحدة من جناح اليمين ومـن جميع القوى المتخلفة والمعوقة، وليصبح الاتحـاد بحق اشتراكيـاً وثوريـاً في فكـره وتنظيمـه ونهـج عملــه.
ونؤكـد هنـا على الناحية الاشـتراكية والثوريـة، لأن الخلاف مع هذه الفئة كان بالأساس خلافاً مبدئيـاً حول الاشـتراكـية وحـول التقـدم ومفهـوم العمـل الثـوري.
لقــد عرضنا من قبل، كيف تجمع أفـراد واجتمعـوا وعقـدوا ما يشبـه المؤتمـر في الداخل قُبيل انعقاد المؤتمـر العام الثاني في القــاهرة.. في ذلك الاجتماع طرح أحد الأخوة موضوع الوحدة الفكرية ووحدة المنطلق في الاتحاد وقال: ’’ لا بد لنا قبل أن نسير في خطوات عملنا التنظيمي من أن نقرر ما إذا كـنا نشكل مجموعة قيادية منسجمة في فكـرها وإرادتهـا، فـأنا أؤمن بالاشتراكية العلمية مثلاً ولا بد من أن نقـرر مـا إذا كـنا جميعاً ننطلق من قناعة واحدة حول هذه القضية وغيرهـا مـن القضايا الأساسية ‘‘، وهنـا وجـدنا أنفسنا وفي تلك المجموعـة التي انتقيـت انتقـاءً لتُمثل المجموعـات والقـوى المندمجـة في الاتحـاد، وجـدنا أنفسنا أمـام اتجاهات متضـاربة، فبعضـهم أراد إغلاق باب البحث مباشرة وكأن قضايا الفكـر والانسجـام الفكـري لا تعنيهم في شـيء، واكتفـوا بالقول إننا جميعـاً وحدويون ناصريون وقيادة عبد الناصـر قيادتنا وميثـاق المتحدة ميثاقنــا، وتحـدث أحـدهم عن اشـتراكية إســلاميــــــة وآخــر عن اشتراكيـة عربيـة لا وجـه لها ولا قالب.. وأُسـكت النقاش على أسـاس ’’ مطـــــالبـة المكتب السياسي ‘‘ بـأن يخـرج المؤتمر العـام بمنهاج أو ميثــاق للعمـل في الاتحـاد، يرسـم الخـط الفكـري وأهـداف العمـل المرحـلي والبعيـد في الاتحـاد ويكـون دليــلاً للعمـل والنضـــال.
والمنهـاج المرحلي صاغتـه لجنة بتكليـف من مؤتمـر القاهـرة، وأرسلته الأمانة العامة ذلك الحين لقيادة الداخــل لمناقشتـه وإقــراره، ورددنـاه للأمانة العامة مع الموافقة من غير طرحه للنقاش لئلا تُعطِل تلك العقـول المتخلفـة صـدور ذلك المنهـاج أو تشـوه وجهـه الاشـتراكــي العلمــي.
وفي المؤتمر الذي عقـد في الداخـل بعد خروج القوميين العرب قُـدم تقرير عن خطة العمل في الاتحـاد بجوانبهـا التنظيميـة والفكريـة والنضاليـة ومـا أن تُـلي جزء من هذا التقرير حتى وقف بعض الأعضاء يطالبون بعدم اتمام التلاوة- لضيق الوقت- وكـأن شؤون الفكـر لا تعنيهـم مطلقــاً، وكــأن المؤتمر لـم يجتمع إلا لانتخاب قيـادة…. بـل ووقف أحد أئمة تلك العقلية المتخلفة ووقف آخرون غيره يعترضون على صيغة ’’ الاشـتراكية العلميـة ‘‘ التي وردت في التقريـر ونـددوا بالفكر الماركسي، ولم يتراجعوا عن اعتراضـهم إلا بعـد الرد عليهم بأنها هي الصيغـة الواردة في ميثاق المتحـدة وفي منهاجنا المرحلي.. وكانت عقولهم متخلفة عن الميثاق وعن المنهاج وهكذا كانوا قوة تعطيل وجر إلى الوراء.
وخـرجنا من ذلك المؤتمر ببيان عن أعماله يحدد التزامات الاتحاد العامة في الفكر والسياسة، وجـاء ’’ التنظيم الناصري ‘‘ إلى الاتحاد على أساس الانسجام مع الاتحاد في تلك الالتزامات وقالوا في البداية أنهم يكتفون بالتوافـق مع الاتحاد من حيث الالتزامات ولا يريدون قيادات وليست لهم مطالب أو مطامــح شخصية ثم أخـذوا يطالبـون ويساومـون، وعللـوا ذلك بحرصـهم على تغذيـة الاتحـاد بكفاءات قيادية محّشـودة عندهـم ومُـربّـاة، ويريـدون الاندماج بكل طاقاتهم، وجاءت تلك ’’ الطاقات ‘‘ وأخذت مكانها في التنظيم.. ولم تمضِ فترة قصيرة على اندماجهم حتى أخذوا يثيرون مسائل غريبة في التنظيم، لقد كانت هناك ردود فعل طبيعية في فـرع دمشق تجاه هذا التسرب من فوق إلى قيادات الاتحاد، فأجابوا على ذلك بحملة مركــزة ضـد بعض العناصـر القياديـة الفعالـة وزعمـوا أن هناك تكتـلاً يوالي القوميين العرب داخــل الاتحـاد وراحــوا يفتعــلون المشـاكل ويُضخمون مسـائل صغيرة ويفتـرون الافتـراءات لإزاحـة تلك العناصر القيادية واحتلال مواقعها.. ثم أخذوا يثيرون مواضيع دينية داخل الاتحاد، فإذا بهم طائفيـون يفهمـون الاتحـاد على أنه ينحصر بطائفـة معينـة، أو لا بــد من حصـر قياداتـه على الأقل بهذه الطائفــة، ثم أثاروا العديـد من مسائل المفاضلة بين الوحـدة والاشـتراكية وكـأنهم شيئان منفصلان، فإذا بغالبيتهم ليسوا اشـتراكيين في شـيء ولا تشـغلهم مشـكلة الاشـتراكية أصـــلاً.
لقــد كـان خطيئة كـبرى قبول هـذه الفئة في صفوف الاتحاد وما كان من الممكن أن تُقّبل أو أن يكون لها مكاناً وأثراً في الاتحاد، لو كان الاتحاد بالأصل سليماً وواضح الحدود والمعالم بشكلٍ حاسم.
وكنا نعاني منهم ومن عقليتهم في مكتب الأمانة الشيء الكثير، كانوا يعترضون على استعمال كـلمة الطبقة والصـراع الطبقي في كتابات الاتحـاد ومنشـوراته ويقولـون أنها تعابير ماركسية، وإذ لم يكـونوا يحملون الفكر الاشـتراكي في ثقافتهم وتكوينهم الاجتماعي، فلقد كان النقاش معهم عقيماً سرعان ما يتحول إلى مهاتـرة.. ولم يكـن من طريق للإقنـاع إلا الاحتكـام لميثاق المتحـدة ونصوصه الصريحة بهذا الشأن، بشأن تبني الاشتراكية العلمية، وبشأن صيغة الصراع الطبقي كحقيقة اجتماعية يلجأ الاتحاد الاشـتراكي إلى حلها بطريق سـلمي من غير صـدام مـادام حكـم الثورة والاشـتراكية قد قــام.. لقد كانوا يزعمون الالتزام بالميثاق، ولهذا كـانوا يُسلمون في النهاية.. ولكـن احتياجنا دائماً للاحتكـام للميثـاق في هــذه القضـايا المبدئيـة كان دليـلاً على الخـلاف في اتجاهاتنـا الفكـريــة معهــم من الأســـاس.
وهنــاك فارق كــبير بين أن يُســلم العضـو بالاشـتراكية، وبالنهـج العلمـي في تجديد مفاهيمها وتطبيقاتها، لمجرد أنها وردت في الميثاق أو قال بها عبد الناصـر، وبين أن يكـون هذا العضو اشتراكياً حقاً في تكـوينه الفكـري وفي قناعته التامـة وفي خُـلقه وتطلعاتـه وما يهدف إليه.. فكيف إذاً قدمنا هذا العضو ليكون مناضـلاً ومبشـراً بالاشتراكية، بـل وكـيف إذا كـان قائـداً من قادة الاتحـاد وموجهيـــه؟.
ثــم مـا هــو الميثــاق ومــا هــو منهاجنا المرحلــــي؟
إنهما دليل العمل، ومحـك العمل والتجربة هـو البرهان على ما في الدليل من صحة و سلامة، وفي الميثـاق مبادئ أسـاسية صنعتها التجـربة التاريخية لنضال جماهير أمتنا العربية كلها، وفيه تجربة المتحـدة ذاتها، وفيـه أحكـام مرحلية قابلة للتغــيير والتطــوير، وكذلك منهاجنـا المرحلي، ولكننا رأينا أصحاب تلك العقلية المتخلفة، يتمسكون بما هو مرحلي وعارض على أنه الأصل ويُسمون هذا التمسك والتشــدد ناصــرية والتــزام بعبد الناصـــر.
إن الميثاق متطور متقدم وهم متخلفون، إن عبد الناصر قائد ثوري يقود حركة نضال الجماهير في تقدم دائم إلى الأمام، وهم طفيليـون انتهازيـون يتمسكون بكلمات ونصوص مبتورة، يتمسكون بالحد الأدنى والأصـغر من الميثاق، وللحــد الأعلى تكــون تطلعــات الثـــوري إذ هــي التعبير عن قناعاتـه، ونحــوهــا يندفــع بثوريتـــه.
وربمـا كــانت وقفتنـا عنـد هـذه التفاصيل طويلــة بعض الشـيء، ولكــن هـذه الوقفـة باعتقادنا كانت أمــراً ضـرورياً، نعــم لقد خرجـت تلك الفئة المتكتلة حول أشخاص وحول مفاهيم متخلفة للنضال الوحدوي الناصـري.. لقد خرجت من الاتحـاد وانتهى أمـرها، ولكنهـا خلفـت تشويشـاً من حول الاتحاد وخلفـت بعض الرواسـب في داخـله ولا يمكـن للاتحـاد أن يكـون وفيـاً لأهداف الثورة العربيـة، أهداف الجماهـير الكادحة المتطلعة للحريـة و الاشتراكيـة والوحـدة، ما لم يستوعب من خلال النقد الذاتي جميع تلك السلبيات التي عششت فيه وعطلته، ما لم ينعتق مرة واحدة ونهائية من تلك العقليات وما لم يطهر صفوفـه بشكل صـارم من جميـع العناصـر الانتهازيـة والمتخلفـة، ومـن الفكـر البرجـوازي المسـاوم وأخـلاق البرجوازية الفردية والمصلحية، وما لم يرسم طريقه واضحة لا لُبس فيها ولا إغماض في أية ناحية من نواحيها، ولعلكــم تتساءلــون كيف سُمـح لهـذه العقليات وهذه النماذج من البشر والأفكار أن تتسرب للاتحـاد وأن تسـتوطـن فيه طـوال هـذه الفتـرة وأن تعمـل فيـه تعطيــلاً وتمزيقـــاً؟.
وفكــر الاتحـاد والتزاماتـه من الأمـور الواضحة في خطها العـام، واضحة في بيانه التأسيسي وفـي منهاجـه المرحلي، وكـذلك فإن ميثاق المتحدة يحدد طريقاً واضحة، وكذلك منهج القيادة الثورية، قيــادة عبد الناصــر.
ولكــن العـلة كـانت كـما أسلفنــا في إطـار البداية التي أقـام عليهـا الاتحـاد تنظيمه فهـو بـدأ من مجموعـات مكونة مـن قبل ولم يقم على الانتقاء والاصطفاء.. وأتينا لهذا العمل، ولم يكن لنا خيار، ومشينا في الاتحاد وهو يجمع كل هذه السلبيات في داخله ودخلنا منذ البداية في صراع مع هذه السلبيات والقــوى المُـعطلــة، فأشغلتنـا وبـددت الكــثير من الجهــود والطـاقات بمشـاكـلهـــا.
وبعـد أن قـام الاتحـاد ليكون الإطار الوحيد للنضال الوحدوي في سورية وبعد أن أصبح نجاح تنظـيم الاتحـاد أمـلاً للجماهـير الوحدويـة، مـا عاد أمامنا إلا أن نصب الجهد لنجعل منه المنظمة الثورية المؤهلة لأداء مهماتها النضالية الصعبة القاسية.. وإن ثقتنا بالقواعد الثورية الجماهيرية المتطلعة بآمالها إلى الاتحاد، كشيء لا ينفصل عن التزامها بقيادة عبد الناصـر وبالنضـال في سبيل إعـادة الوحدة، وإن ثقتنا بسلامة هذه القواعد وصحة اتجاهاتها وانتماءاتها للطبقة الكادحة الثورية، كل ذلك ألزمنا بالعمل وبتقبـل هـذا العنـاء، رغـم جميـع تلك السلبيـــات.
ولكـن الاتحاد ظل حتى اليوم يصطـرع مع هـذه السلبيات، ولقد عانى بسببها من أزمات كادت تدمــره لولا عاملين، أولهـا، حاجة عميقة لدى الجماهير لوجود منظمة وحدوية ثورية والاتحاد جاء يسد هذا الفراغ، وثانيهمــا، عزيمـة بعض المناضلين العاملين في قواعـد الاتحـاد وقياداته واستمرارهم في العمل ودأبهـم على تطوير تنظيم الاتحـاد بحيث يصبح وحدة منسجمة وعلى الوقوف في وجه السلبيات والانحرافــات.. وبهـذه العزيمـة استطـاع الاتحـاد أن يثبت نفسـه ويسـتمر، فرغـم جميع تلك السـلبيات نستطيـع اليوم أن نقـول: أن الاتحاد الاشتراكي هو من بين جميع التنظيمات والتجمعات التي تشكلت في الماضي أو ما زالت قائمة في الحاضـر تحت اسـم الناصـرية أو الوحـدويـة، هـو وحده الذي خـط لنفسـه طريقـاً واضحـة ومميـزة له، سواء في نشراته وكتاباته أو في مواقفه وسياسته وهو لوحده الذي يمثل اليوم الخط الوحدوي الناصـري الواضح الاتجـاه والالتزام والإطار وهذا الخط أصبح معروفاً ومميزاً من جميــع الناس، حتى أن البيانـات التي صـدرت عن مجموعـات أخرى تحت اسـم الاتحاد، والنشرات التي أصدرتهـا أجهـزة السلطة باسم الاتحاد وباسم قواعده، مُندسة على الاتحاد وللتخريب فيه، كانت لا قواعــدنا وحـدها تميزهــا بـل أكـثر الناس يميزونهـا ويعرفـون أنها ليسـت لنـا ومدسوسـة علينــا.
ولكـن هذا وحده لا يكفي والاتحاد لا بد أن يؤدي دوره الكامل كحزب ثوري، ولقد آن الأوان لنقول لأنفسنا كـفى تماهـلاً وكـفانا ما عانينا من سلبيات الماضي، بل لقد تأخرنا كثيراً لنقول هذه الكلمة، واليـوم يأتي هـذا المؤتمر ليقولهـا بقـوة وصراحـة وليقولهـا بعزم وتصميم، ليقولها بإصرار وبالتزام مطلـق، في أن يجعـل من الاتحاد ما أرادتـه الجماهير الكادحة لهذا الاتحاد، منظمة وحدوية حقاً وثورية حقاً واشتراكية حقـاً، منظمـة مناضلـة موحـدة الفكــر والإرادة قـادرة على مواجهـة مسؤولياتهـا وعلى تحمـل أعبــاء العمل والنضال في الظروف القاسـية التي يمـر بهـا وطننـا العربي، ولقد قلنا من قبل، ونكررها ونؤكد أننا لسـنا قادرين على هـذا كله ما لم ندلل هنا ومن خلال مواجهتنا لأنفسنا ومسؤولياتنا مواجهة كل واحد لنفسـه ومحاسـبتها، ومواجهـة إخوانـه ومحاسـبتهـم، ما لم نـدلل أننا اسـتوعبنا فعــلاً نقائــص عملنـا وأخـطـائنـا.. إن هــذا وحـــده هـو الــذي يـدل على قـدرتنــا على التغـلب عليهــا وعلى تجــاوزهـــا نهائيـــاً.
ثم أن وضوح الفكـر والمـواقف، وأن صلابة التنظـيم والالتزام التام بأحكام نظام داخلي متين منسجم مع طبيعة تكوين منظمتنا كمنظمة حزبية وثورية ثم إن ممارسة العمل اليومي والنضال الدائب في صـف الجماهير وممارسـة الديمقراطية وأحكـامهـا على مختلف مستويات التنظـيم وجماعية القيادة فـي التقـريـر والتصميـم بالإضافـة إلى تحديـد المسـؤوليــات و المهمــات التنفيذيـة بالنسبــة لكـل عضـو ومسـؤول، كل ذلك يضع سـداً في وجه الانحراف ويحرر المنظمة من عناصر الانتهاز واليمين ومن العقـــول المتخلفـــة.
نحن الآن أمام مشروع معدل للنظام الداخلي، يُنهي عهود ومراحل الانتقال ويؤكد على صيغة الحـزب ومركـزيـة التنظــيم وديمقراطيتـه في وقـتٍ واحــــد.
ومن خلال اسـتعراضنا السابق أكدنا على جانب آخر وهام، هو أن الاتحاد يجب أن ننظر إليه كمنظمة حزبية قائمـة بذاتهـا وتتحمل مسؤولياتهـا لوحدها في اتخاذ مواقفهـا، وإن ارتباطهـا بالمتحــدة، هـو ارتباط بالنهج القومي التحرري الاشتراكي الذي تختطه قيادتها الثورية، لا ارتباطاً تنظيمياً في شيء ’’ وســنعود إلى توضيح هـذه الفكــرة عنــد البحـث في نهــج العمــل الوحــدوي ‘‘.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع..
التعليقات مغلقة.