ميشيل كيلو*
شهد الأسبوع الفائت حدثاً استثنائياً وخطيراً في الشأن السوري، من شأن توظيفه أن ينتج أثراً لا يقلّ عمّا ترتّب على صور قيصر من آثار دولية مهمة. بما أن المعارضة “الرسمية” لم توله ما يستحقه من اهتمام، والإفادة منه واجب وطني، فإن القانونيين السوريين الذين وقفوا وراء الحدث الجلل مطالبون بوضع خطة عمل دولية، للإفادة من شهادة المسؤول عن دفن ضحايا كورونا، والذي أدلى بشهادته المرعبة أمام محكمة كوبلنز في ألمانيا، وهتك أسرار الإبادة الجماعية التي مارسها الأسد وعصاباته ضد المواطنين السوريين، فإنْ وظف القانونيون الوطنيون ما لديهم من خبرة وصلات، ترك نشاطهم بصمته على مواقف الدول المنخرطة في الصراع على وطننا، وخصوصاً منها روسيا التي قرّرت إلحاق الهزيمة بشعبنا، وعبّرت عن تصميمها على هدفها خلال زيارة وفدين رسميين، قاد أحدهما وزير خارجيتها الذي طمأن “اللجنة الدستورية” إلى أن بشار الأسد سيُنتخب رئيساً في العام المقبل، وأخبرها بأن “ملهاة التفاوض” العبثية ستستمر إلى سنوات كثيرة مقبلة.
سرد شاهد كوبلنز المقنّع وقائع تقشعر لها الأبدان، تتخطّى فظاعتها كل ما عرفه تاريخ العالم الحديث من جرائم، وتؤكد أن سياسات الأسدية تجاه كورونا ليست غير إحدى تنويعات خطة الإبادة الشاملة التي وضعها حافظ الأسد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وطوّرتها دولته العميقة باضطراد، وطبّقتها بعد الثورة التزاماً بما كان قد أورده أمام قيادة حزبه القُطرية، وملخصه أن رد فعل الأجهزة والجيش على أي تمرّد شعبي لا بد أن يفضي إلى إخماد أنفاس السوريين فترة مئتي عام. وقد أكدت شهادة المقنّع هذا بما أورده من معلوماتٍ عن عمليات دفنٍ شارك فيها، طاولت عدداً لا حصر له من السوريين، يثبت وقوعها وجود الخطة الأسدية التي استخدمت جائحة كورونا لإبادة من نجوا من القتل قصفاً وتعذيباً وتجويعاً في مناطقها، امتثالاً لأمر مؤسّس نظامها الذي أقامه على مبدأ “إما نحن أو هم”، ولا سبيل إلى صيغة أخرى للوجود معاً، ما دامت “نحن” تعني انتفاء حق السوريين في الوجود السياسي والإنساني، وفي وجودهم الجسدي أفراداً وجماعات، إن هم تمرّدوا، فإن نالوا هذا الحق، كان هدفهم القضاء على وجودنا، وهدفنا الدفاع عن نظامنا بالوسائل الكفيلة بإبادتهم التي وصف الشاهد تفاصيل عنها تسلب النوم من أعين أعتى البشر وأبعدهم عن الإنسانية والآدمية، وقدّم لنا، في ما قدمه، عن وعي أو غير وعي، مادة أولية، أرجو من أساتذتنا القانونيين الإفادة منها دولياً، وإيصال وقائعها مترجمةً ومسجلةً إلى رموز عالمنا الثقافية والفكرية والدينية والسياسية والفنية والرياضية والمدنية.. إلخ، ومحاورتها بعد حين حول عقد محكمة دولية إنسانية للنظام الأسدي المجرم وقادته، لمقاضاته بمساعدة قضاة محترفين، بسبب ما ارتكبه من جرائم طاولت الأحياء والأموات، الذين طمروا بالآلاف في قبور جماعية مساحة كل منها خمسة آلاف متر مربع وعمقه عشرة أمتار.
لئن كانت صور قيصر قد أدت إلى فرض عقوبات اقتصادية على النظام، فإن شهادة المقنّع لا بد أن تُفضي إلى محاكمة قادته دولياً، من رموز مدنية وإنسانية ذات احترام كبير في عالمنا، بحيث يقطع ما يصدر عنها من أحكام موثقة صلة المجرم بالعالم، ويدين أي طرفٍ يعمل لإنقاذه في موسكو وطهران.
هذه المحكمة الإنسانية ستكون بديل محكمة الجنايات الدولية التي تعطّل موسكو انعقادها، ولا تعمل واشنطن له، وستحول مجرياتها وأحكامها دون إنكار جرائم الأسدية، أو تسويغها بحجة “الحرب على الإرهاب” التي حولت المجرم إلى مدافع عن الإنسانية، والملايين من ضحاياه إلى مجرمين يستحقون القتل، بينما العالم صامت أو مصفّق.
* كاتب وباحث ومحلل سياسي سوري
المصدر: العربي الجديد
التعليقات مغلقة.