محمد حجيري *
على أبواب الذكرى الأولى لانتفاضة/ ثورة 17 تشرين، ونزول الحشود اللبنانية إلى الشوارع والساحات والنواصي، والهتاف ضد “أقطاب” السلطة على الملأ، وسقوط الحكومة واحتضار السياسة، ثم تبدُّل المشهد والأحداث، بين مشنقة الدولار وشبح الكورونا ورعب انفجار مرفأ بيروت… في خضم هذا كله، يُطرح السؤال: أين أصبحت الانتفاضة/ الثورة في ذكراها… “المدن” تحاور الدكتور شبلي الملاط، المنسق لتجمع مواكبة الثورة TMT، ليتحدث عن هواجس الثورة ودوافعها وناسها وأزمة السلطة ووهنها في الاستمرار…
– كيف تقيّم انتفاضة 17 تشرين في ذكراها الأولى، ما لها وما عليها، أين نجحت؟ وأين أخفقت؟ ما هو أفقها المستقبلي؟ وهل جمهورها مصاب باليأس؟
أفَضّل كلمة ثورة بطموحها واستقلاليتها وعراقتها. لكلمة انتفاضة سيرتها الخاصة التي لا مجال لسردها الأن، وأفقها ضيق. الثورة في المقابل تطمح الى التخلص من نظام مخلوع، بائد، سابق Ancien Régime. قد تنجح الثورة أو لا تنجح، لكن طموحها استبدال نظام سابق بنظام جديد. الثورة اللبنانية قائمة، قد تنجح أو تخفق. واضح أنها نجحت في معلَمين خاصين بها: اللا عنف وريادة نسائها، وأنها أخفقت، إلى اليوم، في إزالة النظام البائد، ولو قوضته بشكل لافت، فتخبّطُهُ واضح وهو يلهث وراء شرعية فقدها.
– هل كانت الانتفاضة موحدة وذات أهداف واضحة، أم أن لكل مجموعة أجندة خاصة؟
دأبها دأب كل ثورة تضم شرائح واسعة من الناس، هي موحدة بغضبها على النظام في أشخاصه ومجموعته الفاسدة: الأشخاص هم الرموز في السلطة، عون وبري كرؤساء، والمجموعة هي الطاقم السياسي الأوسع، نصرالله وجعجع وجنبلاط والحريري الخ، يعني شعار “كلن يعني كلن”. وغضبها على النظام ما وراء الرموز والسياسيين واضح في رفضها للطائفية. طبعاً ليست موحدة بقيادة رسمية، ولو أنه بات ضرورياً أن نلحظ عمل تجمع مواكبة الثورة TMT-في هذا المجال، وأعود إليه لاحقاً.
– لوحظ من خلال مشهدية انتفاضة 17 تشرين أن هناك مأزقاً في إيجاد قيادة بارزة تدير الدفة، ثمة من قال إن غياب القيادة التقليدية للانتفاضة يعتبر عنصر قوة لها، وثمة من رأى أن مسيرتها بلا قيادة موحدة ومنبثقة عنها يجعلها تضيّع البوصلة… هذا إلى جانب أن بعض المبادرات السياسة من بعض مجموعة حراك 17 تشرين، تعرض للتكفير إذا جاز التعبير، أو الهجوم الحاد في وسائل التواصل الاجتماعي.
الثورة مسار طويل ومعقد بسبب روافدها العديدة، وبسبب التغيير السريع الملازم للأفراد والمجموعات المشتركة فيها. وفي لبنان خاصتان تعيقان توحيد الثورة العملي: انهيار جميع الأحزاب السياسة السابقة، مما يتطلب العمل من الصفر، وتفشي الكورونا، بما لا يشجع التجمعات الشعبية في الشارع. وطبعاً عنصر التكفير و”الإيغو” مهم، وهذا دأب كل مجتمع ثائر لأن الشخص يجد نفسه فجأة في قلب التاريخ، ويظن أنه وحده مؤهل لصقله. لكن الثورة قائمة بخوف السلطة الملموس منها.
عامل الوقت دائماً أساسي في الثورات، والمثل مجدداً في الثورة الفرنسية، والتي بعد سنة من اندلاعها العام 1789 كانت لا تزال مفتقدة للقيادة. لم يظهر دانتون وروبسبير قائدين إلا في العام 1792. نشهد توقاً للتوحيد في لبنان، أكثره فعالية تجمع مواكبة الثورة بهيكلية ترفض منطق الزعيم-القائد (المنسق او المنسقة يشرف على العمل في tmt مداورة، شهرياً).
– من أحبط الانتفاضة؟
لا أرى إحباطاً بالمعنى القاتل للثورة أو المُنهي لها. نعيش مرحلة انتقالية، مع تخبط متفاوت من الطرفين. من ناحية السلطة، أزمة الحكم عميقة، والإحساس واضح بأن العجوزين في السلطة نسخة لبنانية من جزائر بورقيبة او الفترة البريجنيفية في الاتحاد السوفياتي البائد، ومن ناحية الثورة عدم نجاحها في إسقاط جميع رموز الحكم، ولو نجحت في تعريتهم من أي شرعية وإسقاط حكومتي الحريري ودياب.
– هل تعتقد أن التغيير في لبنان شبه مستحيل في ظل نظام طوائفي أخطبوطي! يضاف إليه السلاح غير الشرعي؟! والعامل الاقتصادي؟
التغيير صعب طبعاً فالنظام فاسد وراسخ. لو كان النظام قابلاً للتحسين لما قامت الثورة أصلاً. التغيير حاصل، وهو أمام مفترقات. يمكن للثورة أن تتسلح مثلاً، فتنتحر. ويمكن تصوّر نوع من الانقلاب قوامه العسكر، وهذا أيضاً كارثي. وفي المقابل، يمكن أن ننجح في فرض حكومة من أهل الثورة، تكون مؤلفة من شرفاء أعلام، كل في حقله، أي وزير متمرس في العدل، أو في الاقتصاد، الخ. هذا ما يطلبه TMT. وللتجمع، نقاط سبع في برنامج واضح، تنجح الثورة عندما تُنجز جميعاً.
– هل كانت المشاركة الثقافية فاعلة في الانتفاضة؟
لا بأس بالشعارات ونكاتها الظريفة خلال الأسابيع الأولى، لكن مجزرة المرفأ تجعل المزاح الثوري مرّاً. بعض الأغاني مميز، أعظمها عندي “الثورة هوارة”. والكليبات بعضها خلاق وفاعل، وصدر أخيراً كتاب بالفرنسية لشريف مجدلاني، لكني لم أطلع عليه بعد. قد يأتي الأفضل ثقافياً مع الوقت، إذا نجحت الثورة. ولا بأس بتطوير نوعية الخطاب السياسي من قبل الثوار.
– ما الذي تحتاجه الانتفاضة ليعود نبضها؟
كنت أتمنى شخصياً صدارة أكبر للشباب، فهي ثورتهم قبل غيرهم. وفي غياب تنظيم لهم بعد أشهر عديدة، رأينا التحرك في البيانين الماروني والوطني، وانتقل العمل نوعياً في TMT. انشالله يتطور في الاتجاه المرجو. في أي حال، تجمُّعنا ليس آخر المطاف بل أوّله، ونشجع الناس على السير قدماً، معنا أو من دوننا، واتصالنا بروافد الثورة أشخاصاً وجماعات حقيقة ملموسة.
– شعار “كلن يعني كلن” ألا ينطبق على بعض جمهور انتفاضة 17 تشرين، فهؤلاء كانوا قبل مدة مناصرين لشخصيات سياسية فاسدة وعارفين بالفساد وصامتين أو مستفيدين إلى حين؟
صحيح وأنا منهم، بمعنى صداقات مع الكثيرين من الطاقم القديم، وكان لي هذا الأسبوع حديث قاس تجاه سعد الحريري بسبب وقاحة طلبه العودة الى الحكم، ولو أن عندي مودة تجاه الرجل لأنه لا يحمل ذرة من الشر. نعيش في لبنان وليس في المريخ.
المشكلة ليست فقط في سعد الحريري. فبناء على قناعاتي بأن الطاقم الحاكم كله إلى زوال، لا أرى أن يكون رئيس الحكومة الانتقالية- والحكومة المقبلة انتقالية لما أصاب رئاستي الجمهورية ومجلس النواب من اهتراء معنوي وفعلي- ولا أرى أن يكون رئيس الحكومة العتيدة بالضرورة سنّياً.
* رئيس القسم الثقافي في المدن
المصدر: المدن
التعليقات مغلقة.