سعيد الشحات *
احترفت جماعة الإخوان صناعة الأكاذيب لتشويه معارضيها، وتعد مذكرات السيدة زينب الغزالي «أيام من حياتي» نموذجا في ذلك.. ولدت «الغزالي» في 2 يناير 1917، وكانت من قيادات «الجماعة»، وممن ساهموا بقوة في التنظيم الذى قاده سيد قطب، وتم الكشف عنه عام 1965، وكشفت التحقيقات مع قادته، أنها كانت توزع رسائل «قطب» من السجن على الإخوان، بعد أن تتسلمها من شقيقتيه حميدة وأمينة، وقضت المحكمة بالأشغال الشاقة المؤبدة ضدها، وأفرج عنها الرئيس السادات أواخر عام 1971 في صفقة مع الجماعة، حسبما يشير الدكتور محمود جامع في كتابه «عرفت السادات». صدر كتاب «أيام من حياتي» عام 1978، وكانت حملات الهجوم ضد «عبدالناصر» في عنفوانها، وتزعم «الغزالي» فيه تعرضها لتعذيب أثناء القبض عليها «يكفى نصف نساء مصر ويزيد»، بوصف اللواء فؤاد علام في كتابه «أنا والإخوان»، ومن بين ما تذكره: «جلدها 500 جلدة 6 مرات و250 جلدة مرة واحدة، وتعليقها على أعمدة حديد وقطع خشب 11 مرة، وضربها بالسياط مرات متفرقة 46 مرة، ووضعها في غرف الكلاب المسعورة 9 مرات، وتركها بلا طعام أو ماء 6 أيام متتالية، وإدخالها زنازين الماء 5 مرات وغرف النار 3 مرات، وإحضار وحوش بشرية حاولوا أن يفعلوا بها الفحشاء 3 مرات»، ويعلق علام: «مشكلتها الحقيقية هي خيالها الواسع، وتقمصها شخصية رابعة العدوية.. أسرفت في التزييف، وخلطت بين الوقائع والأحلام والحقائق والأكاذيب، ولو تعرضت لواحد في المليون من صور التعذيب التي تخيلتها للفظت أنفاسها الأخيرة فوراً». ويضيف علام: «نسبت لنفسها بطولات زائفة، وكأنها شهيدة الإسلام الأولى والأخيرة، وظلت تنضح في رماد التكفير، وتعبئ الحقد الأعمى بين نفوس الشباب، وقسمت المجتمع إلى كفرة وإخوان مسلمين، وكأن جمال عبدالناصر لم يقم بثورته إلا لتعذيبها ومطاردتها.. ادعت أنها تعرضت لتعذيب كان يكفى لقتل مائة رجل وليس امرأة واحدة، وأن مأساتها بدأت في 20 أغسطس عام 1965، عندما كانت في السجن الحربى ورأت شابا مصلوبا، فهتفت أمام السجان: «صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة».. وبخيالها الواسع في نسج القصص الخرافية، تذكر أيضا «أنهم أدخلوها غرفة مليئة بالكلاب المسعورة لمدة ثلاث ساعات، وظلت تنهش في جسدها ولم تترك أنيابها أي موضع، فروة الرأس، الكتف، الظهر، ثم أخرجوها فإذا الثياب بيضاء لم تتسخ». ظل كتاب «أيام من حياتي» ضمن برامج الجماعة لتزييف العقول، غير أنه وعملاً بالمثل «الكذب مالوش رجلين» افتضح الأمر في مقال «الكذب والسياسة: الإخوان نموذجاً» للدكتور محمد السعيد إدريس بجريدة الأهرام «1 إبريل 2014»، وينقل فيها شهادة قالها له المهندس أبو العلا ماضي، المنشق عن الإخوان في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومؤسس ورئيس حزب الوسط، وتبدأ الشهادة من مقالة مهمة لماضي بجريدة «العربي» لسان حال الحزب الناصري، بعنوان مثير هو «بيننا وبينكم الجنائز»، وحسب إدريس، فإن «ماضي» حرص على أن يشرح في مقدمة مقاله قصده بهذا العنوان الغريب والمثير وهو من مقولة مؤكدة للإمام أحمد بن حنبل، رضى الله عنه، وردت على لسانه في منازلته الفكرية مع خصومه وهى: «جنازة المرء شاهدٌ عليه»، يضيف إدريس: «استخدم أبو العلا هذا العنوان ليتحدث عن الزعيم جمال عبدالناصر الذى بدأ يراه على عكس الإخوان زعيماً وطنيا محترماً، وقال: «إذا أخذنا بمقولة ابن حنبل، فإن جنازة عبدالناصر التي لم ير التاريخ مثيلا لها تشهد للرجل، وأنها معيار مؤكد على مدى اقترابه من الله، ورضوان الله عليه». يؤكد «إدريس» أن أبو العلا أخبره في لقاء بينهما بمكتبه قبل ثورة 25 يناير 2011 بأقل من عام، أن «يوسف ندا» أحد أكبر قادة وممولي الإخوان، وحامل الجنسية الإيطالية ومؤسس بنك التقوى والمتهم في قضية اغتيال جمال عبدالناصر عام 1954، والهارب من مصر لسنوات طويلة، زاره في مكتبه، وكانت هذه المقالة محور مناقشة حادة بينهما، حيث وجه عتاباً لأبو العلا لدفاعه عن عبدالناصر، لكن أبو العلا رد عليه قائلاً: هل مقولة ابن حنبل صحيحة أم لا؟ فأجابه: صحيحة، فقال أبو العلا: ولماذا ننكر الأمر على جمال عبدالناصر، فجنازته وفقاً لمعيار ابن حنبل خير شاهد للرجل عند الله سبحانه تعالى؟ غضب «ندا»، وتحدث عن مسؤولية عبدالناصر عن تعذيب الإخوان في السجون، فسأله أبو العلا: «بالنسبة لروايات الإخوان تستطيع أن تقول إنها كانت صادقة بأي نسبة؟ ويا ريت تخصص الحديث عن الروايات الواردة في كتاب «أيام من حياتي»، فانفجر «ندا» ضاحكاً وقال: «أنا مؤلف هذا الكتاب».. يؤكد «إدريس»: «كانت صدمة أبو العلا هائلة.. حسب ما روى لي، ورد عليه: كيف تؤلف وأنت مقيم في سويسرا كتاباً يحتوى على كل هذه التلفيقات عن الرجل، وأنت بعيد عن تفاصيل أحداث 1965 التي تحدث عنها الكتاب؟ أليس هذا محرما دينيا؟ وجاءت الصدمة الثانية عندما رد يوسف ندا: «اللي تغلب بيه إلعب بيه».
* كاتب صحفي مصري
المصدر: اليوم السابع
التعليقات مغلقة.