الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

شهرزاد و باولو كويللو.. خيمياء الحكايات

نجم الدين سمَّان *

لم تُفارِق ألف ليلة وليلة مكانها بجانب سريري، ما زلتُ.. أقرؤها منذ طبعتها المُختصرة على ورقٍ أصفر، ثمَّ.. بطبعةٍ لبنانيةٍ تجارية، حتى حصلتُ على نسخة أصلية منها: “طبعة بولاق” لم تطلها الرقابات.

كيف يقرأ أحدٌ كتاباً.. للمرَّة الألف؟!.

وأيُّ كتابٍ يُقرأُ.. للمرة الألف؟!

أعتقد أنه.. “ألف ليلة وليلة” حيث تنفتح حكاياته على دلالاتٍ جديدة في كلِّ مرَّة، وأكادُ أُحِسُّ بأنها طازجةٌ وجديدةٌ في كلِّ مرَّة. وأعتقد أيضاً.. بأنها تختصر حكاية السرد في الشرق كلِّه، بل هي.. خُلاصَتُه. فكيف لا يتمُّ تدريسها في مدارسنا وجامعاتنا، وبخاصةٍ.. في كليات الآداب والعلوم الإنسانية؟!.

ومن المفارقة أن تتحوَّل ألف ليلة وليلة في ذاكرة الأجيال إلى مُجرَّد زركشةٍ في.. فوازير رمضان!.

بعد ألف عامٍ و ليلةٍ.. من كتابة ألف ليلة وليلة بشكلٍ جماعيّ، حيثُ لا كاتبَ لها بعينه.. صدرت رواية الروائي باولو كويللو وحققت له شهرةً عالمية كاسحة، فلمَّا قرأتُ روايته “الخيميائي” مُترجمةً لأول مرَّةٍ إلى العربية.. قلتُ: هذه بضاعتنا.. رُدَّت إلينا!.

أسَّسَ باولو كويللو روايته على حكايةٍ من حكايات ألف ليلة وليلة.. روتها شهرزادنا ذات ليلة؛ وهي: ” التاجر البغدادي واللِصّ ” مُستبدلاً التاجرَ براعي أغنامٍ أندلسي، ومُستبدلاً بغداد.. بإسبانيا، ثم جعل الراعي يرحل إلى القاهرة وراء حُلمٍ.. رآه؛ حيث رأى في منامه كنزاً تحت جدار جامع.

وفي ألف ليلة وليلة.. يرحل التاجر البغدادي الذي أفلسَ تماماً في قافلةٍ إلى القاهرة.. وراء ما رآه في المنام؛ وعند جدار الجامع القاهريّ حيثُ دُفِنَ الكنز؛ يروي له حَمّاَلٌ مصريٌّ يتّقِي الحرَّ مع حمَّالين سواه بظلِّ الجدار.. أنه رأى حلماً عن كنزٍ في بيتٍ بغداديّ؛ ويتمنَّى المُضِيِّ وراء حلمه للحصول على ما رآه؛ وحين يَصِفُ الحمَّال للتاجر ذاك البيتَ وصفاً دقيقاً كما قد رآه في المنام، وأين يُوجد الكنز في باحة الدار .. يتأكّد التاجر المُفلِسُ بأنَّ الحَمَّال يَصِفُ.. بيته يالذات!.

ألسنا نركضُ خلفَ أحلامنا؛ و خلف أوهامنا أيضاً.. في هذه الحياة؟!

ونركض من مكاننا إلى أيَّةِ أمكنةٍ، فإذا بالحُلمِ بين يدينا وفي بيوتنا.. لكنّا لا نُدرِكُهُ ولا نراه.. ثمّ أننا نُضيّع الكنوز التي بين أيدينا؛ ونركض خلف السراب؛ كما نستورد من الأخرين.. كلّ شيءٍ من الإبرة.. إلى الروايات؛ حتى أننا نُدهَشٌ حين يُعاد إلينا شيءٌ كنّا أبدعناه.. ونسيناه في غبار المكتبات.

أقترحُ على الروائيّ باولو كويللو.. أن يُحَوِّلَ كلَّ رصيدٍ أتاهُ من روايته “الخيميائيّ” إلى الحِسِاب القصصيِّ الجاري… لشهرزاد!!.

* كاتب وروائي وقصصي سوري

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل

التعليقات مغلقة.