د. أيمن محمد عيد *
كانت مخاوف الأمريكيين إزاء دولة إسرائيل غداة قيامها، مشوبة بآمال جديدة، وتوجز مذكرة سرية وجهها وزير الدفاع إلى مجلس الأمن القومي في 16 مايو 1949م، تحت عنوان ”المصالح الاستراتيجية الأمريكية في إسرائيل ” هذه المخاوف وتلك الآمال ، ومن جملة المخاوف التي تعددها المذكرة نجد إمكان تحقيق اختراق شيوعي عبر الهجرة اليهودية وسياسة إسرائيل الرسمية وتتمثل في الحياد في الحرب البارد ة، غير أن المذكرة تلطف مخاوفها حين تبي أن إسرائيل لها علاقات مع الولايات المتحدة نتيجة وجود أقلية يهودية أمريكية كبيرة وقوية النفوذ(1).
غير أن القيمة الاستراتيجية المعزوة إلى الدولة الجديدة هي مما ينبغي أن يسترعي انتباهنا ومرد أهمية إسرائيل الاستراتيجية في نظر المذكرة السالفة الذكر هو “موقعها المركزي في منطقة شرق المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط(2)، وعلى الرغم من بعض الترددات ذات الطابع التقني التي تبديها المذكرة بشأن التسهيلات العسكرية التي يمكن أن توفرها إسرائيل، فإنها تعتبر أن المنشآت الجوية أكثر إفادة في قطع خطوط المواصلات بين الاتحاد السوفيتي وموارد الشرق الأوسط النفطية، بواسطة طائرات متوسطة المدى أو قصيرة المدى . والمذكرة تضفي قيمة ايجابية على القوات المسلحة الإسرائيلية : “فإذا ما تحالفت إسرائيل مع الديمقراطيات الدولية في حالة نشوب حرب مع الاتحاد، فإننا نستطيع الإفادة، كامل الإفادة، من مواقعها الدفاعية ومن قواتها، للد فاع عن منطقة القاهرة –السويس، ومن أجل العمليات البرية التي تهدف إلى الدفاع عن منشآت الشرق الأوسط النفطية “. والمذكرة ترى “أن إسرائيل يمكن أن تصبح خطراً أو رصيداً استراتيجياً بحسب طبيعة علاقاتها العتيدة المقبلة بالسوفييت والديمقراطيات الغربية(3).
وأخيراً فإن المذكرة توصي بالحيلولة دون أية سيطرة سوفيتية على إسرائيل، وبتوثيق العلاقات الأنجلو -إسرائيلية بما يتيح مقاربة عسكرية أنجلو -أمريكية مشتركة ، فيما يخص الأهداف المتعلقة بإسرائيل وحل الخلافات الإسرائيلية – العربية “على الأقل بحيث تعمل إسرائيل والدول العربية مع ا لمواجهة عدوان سوفيتي”، وضم إسرائيل والدول العربية إلى حلف على شاكلة حلف شمال الأطلسي، إذا ما أُنْشئَ حلف كهذا، “شريطة ألا تصبح مشاركة العربية السعودية وإيران مستحيلة بسبب مثل هذا العمل(4).
ما هي الدلالة التي ينبغي إيلاؤها إلى هذه المذكرة من حيث المنزلة الاستراتيجية المنسوبة إلى إسرائيل؟
تبدو الوثيقة كأنها ترسي أسس المذهب الاستراتيجي الأمريكي للفترة الواقعة بين عامي 1949-1956م ، وأن تبين أن بعض توصياتها عديم الفائدة.
ويمكن النظر إلى هذا المذهب، الذي توضحه وثائق أخرى صدرت في الحقبة نفسها، من خلال وجهة نظر مز دوجة : المساهمة الإسرائيلية المباشرة في المعركة ضد السوفييت، وانعكاسات البيئة الإقليمية العربية على المساهمة الاستراتيجية الإسرائيلية. لنلاحظ أنه في اللحظة التي راح المذهب الاستراتيجي الأمريكي يتكون على أساس إقامة الحواجز والمنشآت العسكرية الأساسية لكبح التوسع، كان المسئولون العسكريون الأمريكيون يرون في إسرائيل رصيداً ملحقاً. فهم لا ينظرون من هذه الزاوية إلى الأراضي الإسرائيلية فحسب، بل أيضاً إلى القوات المسلحة الإسرائيلية، إذ كانوا ينظرون إليها كقوات يفترض فيها أن تخضع للقيادة الغربية في حال وقوع نزاع مسلح مع السوفييت في الشرق الأوسط(5).
ويوضح تقرير داخلي صدر عن رئيس الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي صادر في نوفمبر 1952م، أن إسرائيل تستطيع أن تقدم خلال ثلاثة أعوام فرقتين من التسع عشرة فرقة التي يحتاج الغرب إليها لصد هجوم سوفيتي في الشرق الأوسط . أما الفرق الباقية فتقدمها تركيا عشر فرق، وبريطانيا فرقتان، والعراق فرقتان ، فضلاً عن ذلك، فإن الأمريكيين اعتبروا أن مساهمة سلاح الجو الإسرائيلي يمكن أن تصل إلى ثمانين طائرة، في حين قدروا مساهمة تركيا بخمس وسبعين طائرة(6)، وينبغي أن نشير هنا كذلك إلى مساهمة أخرى فورية لا افتراضية، في الجهود المبذولة ضد الاتحاد، ألا وهي التعاون بين دوائر الاستخبارات بين البلدين، وذلك بفضل شبكات الهاغانا القديمة في دول الشرق الأوروبي والاتحاد السوفيتي ، والمعلومات التي يستطيع المهاجرون اليهود الوافدون من هذه الدول تقديمها. ويبدو أنه جرى عقد اتفاق بهذا المعنى في أكتوبر 1951م، وهذا التعاون المستور، حمل الاستخبارات الأمريكية على أن تكون في نهاية المطاف أكثر من وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع البنتاجون) تعاطفاً مع إسرائيل.(7)
عملية شامليون:
وكانت وكالة الاستخبارات الأمريكية “السي.آي.أيه” قد واصلت محاولاتها للجمع بين الحكومة الإسرائيلية وحكومة الثورة الجديدة في مصر بزعامة عبد الناصر، للتفاوض حول اتفاقية سلام، وكان ذلك قبل أقل من سنة من حرب السويس1956 م، كانت تحاول التوسط حول صفقة يتم من خلالها تزويد إسرائيل، للمرة الأولى، بمساعدات عسكرية رسمية أمريكية مقابل القبول بسلام دائم مع مصر، وقد وصف “شاريت” المحاولات “بعملية شامليون “، ففي أكتوبر1955م، حين كان في جولة لجمع التبرعات في نيويورك أجرى مفاوضات مع رجال السي. آي. إيه حول الموضوع . إن الأمر الذي لم يكن معروفاً للأمريكيين أن الإسرائيليين أنفسهم كانوا يفكرون في اللجوء إلى الروس للحصول على الأسلحة، إذ لم يلقوا قبولاً من الولايات المتحدة وكان رجال الموساد قد نصحوا بن غوريون برفض عملية شامليون لأنهم لا يثقون بعبد الناصر في حين كان دالاس يلح على شاريت بقبول العملية، وقد اقتر ح رجال الموساد الموافقة على الدخول في عملية شامليون شريطة أن يكون هناك تعهد صريح من الغرب بتزويد إسرائيل بأسلحة دفاعية، وبخاصة سلاح الجو(8).
ونجحت الخطة ففيما أسماها شاريت “بعملية سياسية “، أعطت الولايات المتحدة إذناً لفرنسا في 24 فبراير 1956م لبيع اثنتي عشرة قاذفة مقاتلة لإسرائيل، كانت مخصصة للناتو، وتلاشت إمكانية تحول إسرائيل إلى الكتلة الشرقية للحصول على دعم عسكري(9).
المحاولات الإسرائيلية التحالف مع أمريكا:
ترأس شاريت حكومة إسرائيل خلفاً لبن غوريون منذ يناير 1954م ، وقررت حكومة شاريت أن تتحرى إمكان الحصول على ضمانة أمنية من واشنطن، أي على حماية دولية. ثم تقدمت بطلب رسمي في هذا المعنى في 11 أبريل1955م(10). وقد كان جواب دالاس وزير الخارجية الأمريكي إلى الحكومة الإسرائيلية، أن أمريكا تقبل بهذه الفكرة مبدئياً ولكن مع شروط منها أن تبدي إسرائيل مرونة في موضوع اللاجئين وتحقيق تقدم في حل النزاع العربي الإسرائيلي فوجدت إسرائيل أن تكلفة الضمانة الأمريكية باهظة جداً غير أن أحداث الشرق الأوسط، بلغت ذروتها مع أزمة السويس، ستغير كثيراً من الفرضيات الأمريكية المتعلقة بالمنطقة وإسرائيل . ومن هذه الأحداث سباق التسلح بصورة خاصة، حيث عقدت مصر في نهاية سبتمبر 1955م اتفاقاً بشأن صفقة سلاح تشيكوسلوفاكية-مصرية، ولا يبدو أن إسرائيل اشترت أو تلقت سلاحاً ثقيلاً من الولايات المتحدة بين عامي 1952م-1955م ، على الرغم من الاتفاق الأمريكي الإسرائيلي بشأن معونة الدفاع المتبادل الموقع في 23 يوليو 1952م(11).
وإن كانت إسرائيل قد جوبهت فعلاً بالرفض من جانب الإدارة الأمريكية في موضوع الحماية والسلاح الثقيل، فذلك لأن واشنطن كانت تعتبر أن مصر ستمنى بهزيمة حاسمة في حال وقوع حرب بينها وبين إسرائيل(12). ولابد من الملاحظة أن واشنطن وإدارة آيزنهاور كانت تقدم لإسرائيل كل ما يلزمها من السلاح بطرق غير مباشرة عن طريق دول أخرى دون أن تظهر في الصورة، حفاظاً على علاقاتها مع الدول العربية، خوفاً من تضرر مصالحها النفطية، حيث إن إسرائيل كانت تتزود بالسلاح، من فرنسا وكندا من دون أي اعتراض من واشنطن ، بل إن ذلك كان يحظى بموافقتها وتشجيعها وهكذا كان موقف دالاس يرفض أن تزود واشنطن إسرائيل بالسلاح مباشرة، في حين يؤيد أن تزود دول أخرى إسرائيل بالسلاح(13)، ومن بين الأسلحة التي وصلت إسرائيل الطائرات “إف 86، و24 الكندية الصنع التي كانت أصلاً مخصصة للجيش الأمريكي ثم خصصت لإسرائيل، وكذلك قررت واشنطن التنازل عن أولوية الناتو “حلف الأطلسي ” في الحصول على طائرات “ميستير” الفرنسية، لمصلحة إسرائيل(14).
عملية المخزون الاحتياطي:
في عام 1956م أخذت الإدارة الأمريكية بالتخطيط لمواجهة كل الاحتمالات في الشرق الأوسط. ولعل قصة “عملية المخزون الاحتياطي” أفضل مثال للمأزق الذي كانت تواجهه الإدارة الأمريكية، فمع حلول شهر سبتمبر 1956م كان قد اتضح لمسئولي الاستخبارات العسكرية والمدنية الأمريكية، أن البريطانيين والفرنسيين والإسرائيليين كانوا يستعدون لشن حرب على إحدى الدول العربية أو على أكثر من واحدة، أي على مصر فيما يختص ببريطانيا وفرنسا، وعلى الأردن أو مصر فيما يختص بإسرائيل ، وخلق هذا الأمر بعض المشكلات للإدارة الأمريكية، وكان له علاقة بالبيان الثلاثي الذي صدر في 25 مايو 1950م ، والذي هو حجر الزاوية في نهج الولايات المتحدة العسكري والسياسي في المنطقة(15).
في أبريل 1956م كان فريق الخطط الاستراتيجية المشترك، التابع لهيئة الأركان المشتركة، وقد أصدر مذكرة بشأن “التخطيط المشترك بموجب البيان الثلاثي لعام 1950م” تتضمن رأي الاستخبارات في أرجح السبل التي قد يرجح فيها القتال ، وتنبأت هيئة الأركان المشتركة، استناداً إلى مشاوراتها مع رؤساء الأركان البريطانيين، أن عدواناً مصرياً هو السبيل الأرجح لبدء الحرب، وأن هذا الهجوم قد يقع على الأغلب ضد إسرائيل في البدء (16).
من هنا، وفي مايو1956م، و تنفيذاً لأوامر البيت الأبيض، باشرت وزارة الدفاع ”عملية المخزون الاحتياطي “، وهي خطة سرية جداً تهدف إلى توفير عتاد عسكري متطور من نوع معين لضحية العدوان إذا بدا أن القتال أصبح وشيكاً في الشرق الأوسط . وصدرت الأوامر إلى سلاح الجو في التخطيط الأولي لإرسال 24 طائرة من طراز “إف 86 من الوحدات الأمريكية العاملة في أوروبا إلى مطارات في إسرائيل، وذلك ضمن مهلة زمنية قصير ة. وبالإضافة إلى الطائرات كان من ضمن المخطط أن تزود إسرائيل بمدافع هاوتزر وبنادق مثبتة لا ترتد وقواذف صواريخ ومدافع مورتر وألغام ضد الدبابات والأشخاص، ومؤونة من الذخيرة لهذه الأسلحة تكفي لثلاثين يوماً، والمذكرة التي أنشأت هذا المخزون الاحتياطي أشارت أيضاً إلى أن وزارة الخارجية هي التي سوف تعالج موضوع حقوق القاعدة والترانزيت لهذه الأسلحة، التي سوف تعتبر “ظاهرياً” أنها “مخزون احتياطي عادي للقوات الأمريكية في أوروبا والبحر المتوسط .كذلك فإن التعليمات الصادرة إلى المسئولين في سلاح الجو أشارت إلى ما يلي : “نلفت الانتباه إلى طبيعة هذه العملية الحساسة، وإلى ضرورة اتخاذ احتياطات أمنية غير عادية لمنع حدوث أي تسرب معلومات محتمل . إن من شأن أي إفشاء مبكر لأي من تفاصيل هذه العملية أن يعرض العملية بكاملها للخطر، وأن يتسبب بمضاعفات دولية خطرة، لذا، فإن هذا الموضوع سوف يعالج على أساس الحاجة إلى المعرفة فقط(17).
وعلى الرغم من الاحتياطات كافة، فقد كان هناك احتمال بأن تتسرب أنباء العملية بطريقة أو بأخرى، فأصدر وزير الخارجية دالاس تعليمات إلى أحد مساعديه لتحضير بيان يستعمل في حالة كهذه، وتم تحضير مواد أخرى لاستعمالها من جانب الدول العربية، ولهذا الهدف جرى تخزين هذه المواد على متن سفن الأسطول السادس في البحر المتوسط.
لكن المشكلة هي أنه مع حلول شهر سبتمبر ، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وتأميم قناة السويس، والتآمر بين بريطانيا وفرنسا وهما الدولتان اللتان وقعتا البيان الثلاثي مع الولايات المتحدة وإسرائيل للهجوم على مصر، أصبح مجرد التفكير في توفير أسلحة للعرب أمراً سخيفاً جداً، وفي 28 سبتمبر 1956م، أرسل دالاس إلى الرئيس مذكرة يشير فيها إلى ما يلي : “إني أميل إلى الموافقة على رأي وزارة الدفاع في أنه من غير المحتمل الآن أننا قد نمنح العرب مساعدة عسكرية ، وأميل أيضاً إلى الموافقة أن تنهي وزارة الدفاع هذا القسم من العملية، هل توافق؟، ووافق الرئيس، وألغيت عملية المخزون الاحتياطي(18).
أما الدور العسكري الأمريكي أثناء الحرب ، فوجئت إدارة آيزنهاور بالعدوان الثلاثي على مصر دون استشارتها أو إحاطتها علماً مسبقاً بالحرب، وقد مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً كبيراً على بريطانيا وفرنسا وعلى إسرائيل بصورة خاصة بتحقيق انسحاب سريع من منطقة قناة السويس وسيناء(19).
يروي أبا إيبان “سفير إسرائيل في واشنطن ” أن آيزنهاور ألح خلال اجتماع جرى بينه وبين الزعيم اليهودي أبا هيلل سيلفر في 30 أكتوبر 1956م، وكان الهدف منه نقل فحواه إلى بن غوريون، على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي، ثم حذر من أنه إذا كان هناك حالياً تلاق في المصالح بين إسرائيل وبين بريطانيا وفرنسا، “فإن قدرة إسرائيل ومستقبلها مرتبطان بالولايات المتحدة(20). وكانت الدولة العبرية تحتل على الرغم من كل شيء، منزلة خاصة جداً في أمريكا، والحفاظ على هذه المنزلة هو الذي جعل بن غوريون يفاوض في النهاية بشأن الانسحاب؛ ثم إن الولايات المتحدة لم تستخدم التهديد وحده في هذه المفاوضات؛ إذ وفقاً لإيسرهرئيل، رئيس الموساد يومها، عمدت الإدارة الأمريكية في أيام أزمة السويس إلى استخدام قنوات الاتصال بين استخبارات البلدين بديلاً عن القنوات السياسية والدبلوماسية(21).
ويشير أندرو كوكبيرن وليسلي كوكبيرن إلى إمكان أن تكون إسرائيل قد حصلت، في جملة ما حصلت عليه من عوض عن انسحابها من سيناء، على الترخيص الصريح باختلاس اليورانيوم الثري من مصنع أبلو في بنسلفانيا لاستخدامه في برنامجها النووي الذي كانت حينذاك تعده مع فرنسا(22). أما من وجهة نظر العوض الدبلوماسي، فلابد من الإشارة إلى الضمانة التي قدمتها واشنطن لتل أبيب بصدد حق مرور سفنها في خليج العقبة بعد الانسحاب من سيناء . فقد رفضت واشنطن، على الرغم من الإلحاح الإسرائيلي، أن تذهب إلى أبعد من إعطاء صيغة تدرج في رسائل متبادلة، وتعلن الولايات المتحدة فيها أن خليج العقبة يشتمل على مياه دولية، وأنه ليس لأية دولة الحق في منع المرور الحر السلمي عبر الخليج ؛ ثم تضيف بأنها مستعدة للانضمام على أطراف أخرى لتأمين الاعتراف العام بهذا الحق(23).
ولكن هذا بعيد جداً عن تقديم ضمانة مطلقة، مثل معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة، وهي أي الضمانة، أمر كان آيزنهاور يدرك أنه هدف إسرائيل الحقيقي ؛ غير أن مصدراً آخر سيلاحظ أنه عندما انفجرت أزمة خليج العقبة بعد ذلك، أعطيت تل أبيب ضمانة سرية عام 1957م(24).
الدور الأمريكي بعد انتهاء الحرب:
كان لحرب السويس آثاراً ونتائج بالنسبة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فقد اعتبر الأمريكيون أن الفشل السياسي البريطاني /الفرنسي أنشأ فراغاً يمكن أن يملأه الاتحاد، الذي بات يستطيع الآن الاعتماد على خيارات مفتوحة من دول المنطقة مثل مصر وسوريا. وكانت واشنطن تزداد اعتقاداً أن للقومية العربية أثراً مزعزعاً لاستقرار الأنظمة الموالية للغرب، وتشتمل على كثير من الأهداف التي تتفق وأهداف الاتحاد(25).
ثم بدأت محاربة النفوذ ومكافحة توسع الناصرية، كل ذلك أدى إلى دمج لعبة التحالفات والنزاعات الإقليمية الداخلية داخل نزاع الشرق والغرب، أي أنها أدرجت إسرائيل والدول العربية المحافظة المهتمة باستمرار الوضع القائم ضمن المعسكر الأمريكي بينما صنفت في المعسكر المعادي، الاتحاد وكل القوى الإقليمية الميالة إلى تغيير الأوضاع القائمة، وفي مقدمتها الناصرية غير أن هذا لا يعني أن السياسة الأمريكية كانت طوال فترة ما بعد حرب السويس موجهة ضد الناصرية بصورة ثابتة، بل أنها عملت على تحييد القوى التصحيحية في السياسة الناصرية الشرق أوسطية، محاولة احتوائها في بعض الأحيان ومحاربتها في غالب الأحيان(26). والسؤال الذي يطرح نفسه هو : أين يقع البعد الإسرائيلي في إعادة التصنيف هذه وكيف؟
أولاً إن مبدأ آيزنهاور الذي أعلن في يناير 1957م يعد بمساعدة كل بلد شرق أوسطي يقع ضحية لعدوان خارجي أو تخريب داخلي، مدرجاً إسرائيل للمرة الأولى، وخلافاً للمشاريع الأمريكية السابقة، في الترتيبات الأمنية الإقليمية(27)، وستبدأ أمريكا من الآن وصاعداً بحمل مخاوف الدولة العبرية على محمل أكثر جدية نظراً إلى أن إسرائيل برهنت عن أن في وسعها ترجمة مخاوفها إلى انتصارات عسكرية . غير أن ما هو أكثر إيجابية بالنسبة على إسرائيل هو أن قوتها العسكرية وتوجهها الموالي للغرب سيبرزان في السياسة الأمريكية الإقليمية وتشير مذكرة صادرة عن مجلس الأمن القومي الأمريكي في يناير1958م إلى أن معارضتنا للقومية العربية المتطرفة هي دعم إسرائيل بصفتها القوة الوحيدة الباقية من القوى الموالية للغرب في الشرق الأدنى(28).
وبوضوح أكبر، كما يذكر ج ورج بول “قرر دالاس أن إسرائيل قوية تستطيع أن تحد من قدرة عبد الناصر على الحركة، وذلك بتجميدها معظم القوات المسلحة المصرية (29). ويؤكد إيبان ذلك وهو يتحدث عن نشوء عادة تشاور وثيق بين واشنطن وتل أبيب، ويقول بات من الجلي أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر إسرائيل عبئاً يجب دعمه بروح التعاطف بل رصيداً استراتيجياً في التوازن الشامل والأيديولوجي(30)، ويرى الكاتب جانسين أن قرار دالاس و آيزنهاور عام 1957م بتزويد إسرائيل بالسلاح، هو واحد من أهم القرارات الأمريكية حول فلسطين(31).
قائمة الهوامش و المصادر:
(1)Department of states, foreign relations of united states, 1949, Vol. VI, Pt. 2 (Washington, D.C,: United States Government printing office, 1976), PP. 1009-1012.
(2)Janice Terry: 1973 U.S. press coverage on the Middle .East, Journal of Palestine studies, Vol. 4, No. 1 (Autumn 1974), PP. 129-130.
(3) كميل منصور ، الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، العروة الأوثق، ترجمة : نصير مروة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، بيروت، 1996م، ص 94.
(4)Department of states, foreign relations of united states, Op cit, Vol. VI, P. 1013.
(5)كميل منصور ، مرجع سابق، ص95.
(6) مرجع نفسه، ص96.
(7)Peter Grose, Israel in the Midne of America ,New York, Knopf, 1983, P.302.
(8)أندرو وليسلي كوكبيرن ، علاقات خطرة، القصة الخفية للعلاقات السرية الأمريكية لإسرائيلية، ترجمة : محمود برهوم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط19921م، ص55
(9) المرجع نفسه.
(10)silver burg, Op. cit, P. 507.
(11) كميل منصور ، مرجع سابق، ص 101 .
(13) أندرو وليسلي كوكبيرن ، مرجع سابق، ص 55 .
(14) كميل منصور، مرجع سابق، ص102.
(15) أندرو وليسلي كوكبيرن ، مرجع سابق، ص55.
(16)ستيفن جرين ، الانحياز-علاقات أمريكا السرية بإسرائيل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية،
نيقوسيا، قبرص، ط1 ،1985م، ص121.
(17) كميل منصور ، مرجع سابق، ص 103.
(18) ستيفن جرين ، مرجع سابق، ص125.
(19) مرجع نفسه، ص 122.
(20) نفسه.
(21)Abba Eban, Voice of Israel, New York 1958 , P.217 .
(22) أندرو وليسلي كوكبيرن ، علاقات خطرة، مرجع سابق، ص61
(23) مرجع نفسه، ص ص 67-68.
(24)Bernard Reich, Quest for Peace: United States –Israel Relations and the Arab-Israeli conjtict (New Brunswick: Transaction Books/Tel-Aviv, The Shiloh Center for Middle Eastern and African Studies, Tel-Aviv University, 1977 ,P.33
(25)Elmer Berger, Memoirs of an anti-Zionist Jew, The institute for Palestine studies,. Beirut, 1978, P. 41.
(26) محمد حسنين هيكل ملفات السويس، حرب الثلاثين سنة ، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1986م، ملحق الوثائق، وثيقة رقم 222 ، ص 900 ، وثيقة رقم 227 ، ص 906 وثيقة رقم 240 ، ص 914 ، وعدد آخر من الوثائق في صفحات متفرقة تشير كلها إلى إثبات هذا التوجه للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
(27)كميل منصور، مرجع سابق، ص106.
(28)المرجع نفسه.
(39) ستيفن جرين، مرجع سابق، ص125.
(30)Reich, OP. Cit. P.37 ;Aba Eban, Op.Cit. P. 263.
(31) مايكل جانسن ، القرارات الأمريكية الرئيسة الثلاثة حول فلسطين، شؤون فلسطينية، عدد15، 1972م، ص 173.
* باحث تاريخ حديث ومعاصر جامعة بنى سويف– أخصائي توثيق وأرشفة بمكتبة الإسكندرية
المصدر: المركز الديمقراطي العربي
التعليقات مغلقة.