عادل السنهوري *
مع كل فيضانات للنيل ومع كل موجة جفاف وتصحر نتذكر السد العالي ونترحم على جمال عبد الناصر ونلعن الاخوان وكل من قاد هجمات التشويه والتزييف والتزوير ضد السد والزعيم الراحل منذ السبعينات والثمانينات وحتى الآن وفى المقدمة منهم هذه الجماعة الارهابية.
هي قصة خيانة دائمة للوطن على مر الزمن منذ نهاية العشرينات من القرن العشرين مع تأسيس الجماعة التي تآمرت طوال الوقت لتدمير مصر واغراقها فتحالفوا مع أعداءها في الخمسينات ضد ثورة يوليو وتأمروا لتدمير القناطر الخيرية والجسور والكباري ومحطات الكهرباء وعدد من المنشآت الحيوية في أغسطس عام 1965 فيما عرف “بتنظيم 65″بقيادة القيادي الأخواني سيد قطب.
صلوا وسجدوا شكرا لله على هزيمة مصر في يونيو رغم دماء آلاف الشهداء التي خضبت أرض سيناء ورغم الحزن الذى ساد كل بيت مصري.
مع تولى السادات أفرج عن عمر التلمساني المرشد العام الثالث للإخوان والمئات من أعضاء الجماعة بوساطة وترتيب من العاهل السعودي فيصل وبرغبة من السادات نفسه وسمح لهم بالحركة والنشاط خصوصا في الجامعات لمواجهه التيار الناصري واليساري بشكل عام الذى شكل ازعاجا سياسيا للسادات وتم إعادة إصدار بعض مجلاتهم ومطبوعاتهم، وتم إعادتهم إلى وظائفهم. جاءت الفرصة الذهبية للانتقام من مصر وعبد الناصر وانجازاته وصدرت عشرات الكتب والمذكرات التي حاولت تشويه الرجل وتزامن معها أيضا مئات المقالات من أعداء الرجل من كبار الملاك والاقطاعيين الذين عادوا للحياة السياسية مرة أخرى في بداية السبعينات ومرحلة الردة على ناصر ونهجه وعصره.
كان الإخوان في المقدمة وجيشوا إصدارتهم وأقلامهم للثأر من الرجل في قبره بكل الغل والحقد الدفين في نفوسهم وقلوبهم المريضة وأطلقوا لخيالهم المريض العنان في نسج الروايات الكاذبة والأساطير الوهمية عن عبد الناصر حتى بلغ الفجر في الخصام والعداوة أن يكتب كبيرهم الذى علمهم خيانة الوطن عمر التلمساني في كتابه ” قال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر” وهو “ يطالب بهدم السد العالي أحد أهم انجازات عبد الناصر وأعظم بناء هندسي في القرن العشرين . وقال “الأهوال المريعة والخسائر الفادحة التي سببها وسيسببها هذا السد الأنكد، نسأل الله أن يهيئ لمصر من يكون له من الحزم والحسم ما يقضي به على هذا السد المشؤوم ويهدمه قبل أن تحل بنا أخطاره المحققة الماحقة».
وزعم التلمساني الحاقد “لقد كان هذا السد سببا في فقد الكثير من آثارنا القديمة التي يأتي الناس من أطراف الأرض لمشاهدتها وما فيها من فن وإبداع وإعجاز. لقد أصبحت الجسور والقناطر المقامة على النيل عرضة للانهيار، وما يسببه الانهيار من خسائر في الأموال والأرواح”.
ويستمر في بث سمومه وضغينته في الكتاب قائلاً “لم يبق شر من الشرور لم يجلبه علينا هذا السد البغيض الذي لم يقم لمصلحة مصر، ولكن إرضاءً لغرور أجوف ملأ جوانب حاكم لم يؤت من العلم والرحمة والوفاء للوطن والتقدير للعقيدة، لا قليلاً ولا كثيراً… أهدموا السد قبل فوات الأوان”..!!
واستمر الهجوم الحاقد حتى جاءت كوارث الجفاف والمجاعات التي أصابت أفريقيا ودول حوض النيل في بداية الثمانينات وحمى السد العالي مصر من هذه الكوارث حيث تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة السد العالي لتعويض العجز السنوي في الإيراد الطبيعي لنهر النيل.
حمى السد العالي مصر من أخطار الفيضانات العالية التي حدثت في الفترة من 1964 إلي 2002، فلولا وجود السد العالي لهلك الحرث والنسل ولتكبدت الدولة نفقات طائلة في مقاومة هذه الفيضانات وإزالة آثارها المدمرة علاوة على دوره في إعادة هندسة الحياه المصرية والتنمية الزراعية والصناعية- كمال قال الخبير العالمي المصري الدكتور رشدي سعيد- كما يحميها الآن من هذه الفيضانات المدمرة التي يتعرض لها السودان الشقيق والتي لم تحدث منذ 100 عام تقريباً أي منذ فيضانات 1902 ولولا عناية الله والسد العالي لامتدت آثار تلك الفيضانات إلى محافظات ومدن مصر المحروسة كما كان يحدث قبل بناء السد وترويض النهر وتوفير مياهه في بحيرة ناصر ومفيض توشكى.
ومع سنوات الجفاف والتصحر والمجاعة في الثمانينات رد الله مُكر وحقد الحاقدين والمتآمرين على الوطن ومنجزاته إلى نحورهم ووقف السد العالي شامخاً في صمت كحائط صد ضد أية مجاعة أو فيضان وأخرس ألسنة الكذبة والخونة.
أتذكر في تلك السنوات وفى ظل الهجوم على السد وعلى عبد الناصر، ثم صمت الخرفان عن بث شروره.. تنطلق كلمات جبرتي الصحافة المصرية الكاتب العظيم الراحل أحمد بهاء الدين في عموده الشهير بصحيفة الاهرام العريقة “يوميات” في 26 يونيو 1987.. تنطلق كالشهب الحارق والسيف الباتر ضد كل من هاجم السد وعبد الناصر.. تحت عنوان مازال هو الأكثر شهرة واستخداما في الصحافة المصرية “موتوا بغيظكم”.. قال فيه:
“سنذهب جميعاً إلى القبور، وسيأخذ كل رجل من رجال تاريخنا حجمه الطبيعي بعد أن تختفى أجيالنا التي تحركها الأهواء والأحقاد والميول المتباينة في شتى الجهات: وسيبقى اسم جمال عبدالناصر علامة في تاريخ مصر والأمة العربية وثلاث قارات من قارات العالم الخمس.. علامة لم يسبقه إليها عربي مصري ولا عربي منذ قرون!.. وستبقى ثورة ٢٣ يوليو بخيرها وشرها، ككل ثورة علامة ناصعة في تاريخ كل المستضعفين في الأرض شعوباً ودولاً!. قولوا ألف مرة أن عبدالناصر كافر وأنه زنديق! وأنه عسكري زنيم وأن اليهود تولوا تربيته في حي السكاكيني صبياً وأجروا له غسيل مخ في الفالوجا ضابطاً وأن الامريكان تسلموه من إسرائيل ليحكم مصر باسمهم! نعم، هذا بنص «التاريخ» الذى يُكتب هذه الأيام.. سنذهب جميعاً ويأخذ كل واحد حجمه الحقيقي بعد سنة وبعد مائة سنة!. الذين يكتبون عن ٥ يونيو بابتهاج شديد! يذرفون دموع التماسيح على القتلى والجرحى، ذلك أنهم شربوا شمبانيا يوم غزو الإنجليز لمصر سنة ١٩٥٦ ثم خاب ظنهم حتى حققت ٦٧ لهم الأمل.. وهم يعتبرونه انتصاراً لهم.. الذين يتاجرون بدم الشهداء ويكذبون على الأموات ويستعملون المجانين! إنهم لا يرون مأساة تناقضاتهم التي يسخر منها أبسط الناس”.
ويختم بهاء الصحافة العربية مقاله الشهير “عبدالناصر لم يترك لكم أهرامات، ومعابد، تبقى بلا بشر إنما ترك لكم سداً عالياً وكهرباء ومصانع كلها «كائنات حية» تحتاج إلى مجهود بشرى متواصل ورعاية تحدد وتوسع.. تركها لكم ومات منذ ١٧ سنة فهو ليس مسؤولاً عن الإهمال والهدم والتسيب بل والتدمير المتعمد الذى أوصلنا إلى هذا الحال!. ترك مصر في حالة حرب ولكنها تبنى مجمع الألومنيوم في نفس الوقت وديونها أقل من ألف مليون دولار. بعد 17 سنة من وفاته وصلت الديون الى اربعين ألف مليون ..! أخذ من القادر وأعطى غير القادر .الأن يأخذ القادر ملايين الدولارات ويهرب مكرما الى أوروبا”.
حمى الله مصر بسدهــا وشعبهـا… ورحم الله عبد النـاصر وأحمد بهاء الدين، وقاتلَ الخونة والمتآمرين..!
* كاتب وصحفي مصري
المصدر: اليوم السابع
التعليقات مغلقة.