الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

إسرائيل كسبت فى قطر أيضًا!!

عماد الدين حسين *

هل انتصر الفلسطينيون ومعهم بقية العرب على الإسرائيليين فعلا في مدرجات الملاعب والشوارع القطرية على هامش مونديال كأس العالم في الدوحة كما قلنا هنا بالأمس، أم أن النتيجة الفعلية لم تكن كذلك، كما يرى البعض في إسرائيل، وفي دوائر عربية أيضاً؟!

الكثير من العرب هتفوا ضد إسرائيل في مدرجات الملاعب، ولم يُظهروا أي ود تجاه الإسرائيليين في شوارع قطر، لكن هناك وجهة نظر مختلفة وصادمة تقول إن الإسرائيليين أحرزوا العديد من الأهداف في قطر وحصلوا على مكاسب جديدة.

منطق هؤلاء يقول الآتي:

قطر كانت طوال السنوات الماضية خصوصا بعد ثورات الربيع العربي عام ٢٠١١ ترفع لواء مقاطعة إسرائيل والانتصار لفلسطين خصوصاً لحركة حماس في غزة مدفوعة في ذلك بالعديد من العوامل أهمها التحالف مع جماعة الإخوان.

لكن الذي حدث في كأس العالم أن قطر وافقت على تقديم العديد من المكاسب لإسرائيل لم تكن تتمتع بها قبل كأس العالم.

أولاً: هي سمحت باستقبال طائرات إسرائيلية مباشرة تقلع من تل أبيب وتهبط فى الدوحة لنقل المشجعين من مطار بن جوريون إلى مطار حمد الدولي في الدوحة. وطبقاً لبيان الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا فقد تم توفير خدمات قنصلية لمساعدة الزوار الإسرائيليين في قطر. وهبطت أول طائرة إسرائيلية في الدوحة يوم ٢٠ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي مزينة بألوان العلمين الإسرائيلي والقطري. والتقديرات أن ١٥ ألف إسرائيلي قد دخلوا قطر لمشاهدة مباريات المونديال أو استغلال المناسبة لدخول قطر.

والمعروف أن قطر هي أول دولة خليجية أقامت علاقات تجارية مع إسرائيل عام ١٩٩٦، عقب خلع الأمير السابق للبلاد حمد بن خليفة لوالده من الحكم. لكن هذا المكتب أغلق عام ٢٠٠٠ بسبب العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.

النقطة الثانية والمهمة لدى من يرى أن إسرائيل هي التي كسبت جاءت على لسان المعلق الإعلامي الإسرائيلي المعروف “إيدي كوهين” الذى علق على هتافات الجماهير العربية التي حضرت مباراة قطر وهولندا وقالت: «بالروح بالدم نفديك يا فلسطين»، ‘كوهين’ قال: «عرفتم لماذا أنا لست خائفاً من كل ما يقال؟! لأن العرب ظاهرة صوتية، وأنا مستعد أن أهتف معهم نفس الهتاف، مادام هتافاً فقط».

كلام كوهين يحتاج إلى مناقشة موضوعية وتمحيص ودراسة، وليس فقط السب والشتم.

في تقديري أنه من المهم جداً أن تعبر الجماهير العربية بكل الطرق السلمية الممكنة عن رفضها للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، حتى تعود الحقوق العربية وفي مقدمتها القدس الشريف. لكن أن يعتقد الكثيرون منا أن هذا وحده هو الذى سيحرر فلسطين، فهنا تقع المأساة الكبرى والتي صار الإسرائيليون يعرفونها جيداً ولا يخشونها بالمرة.

السؤال: مرة ثانية تعبير العرب في المدرجات والشوارع القطرية تضامنا مع فلسطين مهم للغاية، ويكشف أن الوعى العربي لايزال نقياً وبريئاً وعروبياً، لكن الوقائع على الأرض تتغير، ولكي نتقدم فلا بد أن ندرس الأمر كما هو، وبالتالي فالحقائق على الأرض مؤسفة جداً.

فإسرائيل تتعملق كل يوم والعرب يزدادون تراجعاً، هي ترفض إعادة الحقوق العربية لأصحابها، وفي المقابل فإن كثيرين من العرب أقاموا معها علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية، من دون أن يقترن ذلك حتى بتحسين حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال. وحتى الفلسطينيون لا يزالون منقسمين بين فتح وحماس.

العرب رددوا هتافات ضد إسرائيل في الدوحة لكن القليل جداً منهم هو من دعم الفلسطينيين على أرض الواقع، وحتى قطر التي ترفع شعارات التضامن مع الفلسطينيين، استقبلت الإسرائيليين وجعلتهم يتجولون في شوارعها ويأكلون في مطاعمها ويمشون في أسواقها، وبالتالي فإنهم حصلوا على مكاسب جديدة لم يكونوا يملكونها من قبل، حتى لو صاحبتها هتافات معادية.

إذا كان التحليل السابق صحيحاً، فإننا نكرر السؤال الذي بدأنا به وهو: هل صحيح أن إسرائيل انهزمت في الدوحة؟!

الاجابة من وجهة نظري أن العواطف والمشاعر مهمة، لكن بشرط ألا تنسينا الواقع المرير، وأن يكون لدينا فهم صحيح لما يجري، وخطوات عملية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وليس فقط الهتافات ضده والدعاء عليه!!!.

*  كاتب صحفي مصري

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.