عبد الله النجار*
في الحادي والثلاثين من آب/ أغسطس الماضي، أُعلن من موسكو الاتفاق على مذكرة تفاهم، بين “مجلس سوريا الديمقراطية” و ”حزب الإرادة الشعبية” المنضوي تحت منصة موسكو، وقد شكلت المذكرة اختراقًا لحالة المقاطعة السياسية التي يعانيها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD والمنظمات التابعة له، على المستوى الوطني السوري، منذ إعلان العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية عام 2014 الذي رفضته هيئة التنسيق الوطنية، وأدى إلى تجميد عضويته فيها.
ومنذ ذلك الحين، يدور الحزب وماكينته السياسية في حلقة مفرغة لم يستطع الخروج منها، على الرغم من الندوات الكثيرة التي عقدها في الخارج للترويج لإدارته الذاتية والدفاع عنها، ذلك أنه لدى السوريين عمومًا حساسية كبيرة تجاه أي مشروع انفصالي قد يؤدي إلى تقسيم البلاد، وهو ما يمكن ملاحظته في الفقرة الأولى من مذكرة التفاهم التي ركزت على التمييز بين اختصاصات المركز السيادية وصلاحيات الأطراف المحلية، في ما يمكن تسميته باللامركزية الإدارية الموسعة، ولذلك فإن الحزب لم يستطع تجاوز حالة المقاطعة هذه إلا بالتنازل عن الإدارة الذاتية، كإطار سياسي وإداري نمّ عنه اعتبار الإدارة الذاتية التي أقامها الحزب في الجزيرة السورية حالة موضوعية مؤقتة ارتبطت بظروف البلاد التي أنتجتها الأزمة الراهنة، ويبقى موضوع الاستفادة منها مرهونًا بالتوافق بين السوريين، وفق الفقرة الرابعة من مذكرة التفاهم.
وقد استتبع التنازل عن “الإدارة الذاتية”، كمفهوم سياسي وإداري، التنازل أيضًا عن أي خصوصية لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، من خلال حصر عملية حمل السلاح بالجيش الوطني السوري، وهو ما يطرح تساؤلات محقة حول أسباب فشل الحوار بين النظام والإدارة الذاتية، بما أن الأخيرة مستعدة للتنازل عن الشرطين اللذين طالما شكّلا سببًا مبدئيًا لفشل أي حوار، واعتبرهما مسؤولوها خارج إطار التفاوض.
يأتي الاعلان عن مذكرة التفاهم هذه بعد أربعة أيام فقط على الصدام الذي وقع بين دورية أميركية وأخرى روسية، في منطقة المالكية، وأدى إلى جرح جنديين أميركيين، كما يأتي بعد أسبوعين فقط من اللقاء التشاوري الذي عقده الروس في قاعدة حميميم، وشاركت فيه شخصيات كردية، بهدف منح الأكراد السوريين الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية ومشاركتهم في الحكومة السورية بدمشق، مقابل دعمهم للمشروع الروسي والتحالف معه، وفق ما نشر موقع (باسنيوز)، ولذلك لا يمكن اعتبار المذكرة نتاج تفاهم بين الطرفين الموقعين عليها فقط.
وبالرغم من الرائحة القوية لـ “مشروع دستور سورية” الذي أعدته روسيا، ونشرته وكالة (ريانوفوستي) عام 2017، لا يمكن تجاهل الإرادة الأميركية المسيطرة شرقي الفرات أيضًا، التي ترعى منذ أشهر حوارًا كرديًا-كرديًا، لا بدّ من التساؤل عن مصيره بعد التوقيع على مذكرة التفاهم.
“مجلس سوريا الديمقراطية” الذي أرسل منذ أشهر مندوبًا عنه إلى القاهرة، في محاولة للعودة إلى صفوف منصتها، ظهر أخيرًا من موسكو، وهذا يشير إلى توافقات روسية-أميركية على الخطوة الأخيرة، اقترنت بصمت النظام الذي يبدو أنه موافق عليها.
يأمل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD و ”مجلس سوريا الديمقراطية” الانضمامَ إلى اللجنة الدستورية، والمشاركة في العملية السياسية عبر موسكو، وهذا يعني أن على وفد المعارضة أن يستعدّ لاستقبال ممثل عنه في صفوفه، وأن يتحول ممثلو الثورة السورية إلى أقليّة، وسط أكثرية باتت تسيطر عليها المنصات التي تعتبر مواقفها أقرب إلى موقف النظام منه إلى المعارضة.
لماذا تنازل مجلس “مسد” في موسكو، ولم يتنازل في دمشق؟! سؤال يُخفي خلفه طبخةً جديدة تفرض على ممثلي الثورة الانزياح مرةً أخرى لصالح ممثلين ليس لهم من المعارضة إلا اسمها، ولم يدّخروا جهدًا في تدمير الثورة وإجهاضها.
وعلى الرغم من أن ما جرى يشير إلى توافقات روسية-أميركية جديدة بشأن العملية السياسية، وربما يشير إلى تسريعها أيضًا، فرضها قانون قيصر وصفقة النفط مع شركة “دلتا” الأميركية، ورغبة موسكو الملحّة في الخروج من الوحول السورية والبدء بقطف ثمار الاتفاقات التي أبرمتها مع النظام، فإن ذلك يجب ألا يغفلنا عن حقيقة مفادها أن الأهداف التي قامت من أجلها الثورة السورية باتت اليوم في خطر أكثر من أي وقتٍ مضى، وأنّ على الحراك الثوري أن يعيد تنظيم صفوفه سريعًا، ويطرح نفسه كمكون أساسي لا يمكن تجاهله، وأن يشكل بيضة القبان التي عليها ترجيح كفة الأهداف التي قامت
من أجلها الثورة على أية أهداف أخرى قد تعيد إنتاج النظام.
* كاتب وضابط أمن سياسي سوري منشق، يحمل إجازة في الحقوق
المصدر: حرمون
التعليقات مغلقة.