الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الاختيار الثوري في المغرب (7/7)

المهدي بن بركة *

( الحرية أولاً ) ينشر على حلقات كتاب «الاختيار الثوري في المغرب» للشهيد ’’المهدي بن بركة‘‘.. وهذه الحلقة السابعـة

    الأداة:

    حاولتُ فيما تقدم أن أسطر الخطوط العريضة للمهام الأساسية التي يجب أن نستعد للقيام بها لكي نستجيب استجابة أفضل لمطامح الشعب المغربي. وبقي علينا أن نحدد الأداة التي سنتمكن بها من القيام بمهامنا. وتلك أهم مسألة توضيحية.

    1- الحزب ومشكلة الكوادر (الإطارات):

    هذه الأداة يجب أن نسهر عليها بكل عناية لترجمة قراراتنا للواقع، وهي الحزب، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

    لقد قلنا عند تأسيس منظمتنا إنها ليست حزبا كالأحزاب. وقد أثارت بحق كثيرا من المخاوف في نفوس الذين ترعبهم أمال الشعب التي نحمل مسؤولية إنجازها. ولم تمر ثلاثة أشهر على تأسيس حزبنا، وبينما كان إخواننا يشغلون نصف المناصب الوزارية، انطلقت ضدنا أجهزة القمع الاستعمارية لشل قيادة الاتحاد الوطني وإبعاد عدد من مسيريه المركزيين والإقليميين من المسرح السياسي، وذلك أما بالالتجاء إلى المحاكمات بدعوى اتهامنا بمؤامرات خيالية ضد القصر، واما باستعمال نفس الأساليب الإرهابية التي عرفت في عهد «طروخيليوا» بأمريكا اللاتينية.

    وبالرغم من ذلك فإن ذلك فإن منظمتنا ما تزال حية في عنفوان قوتها، مستعدة لتعبئة الجماهير الشعبية ولقيادتها في سبيل التحرر والتقدم.

    والسر في صمودنا؟ إنه يكمن في أننا ورثنا تقاليد شعبنا الثورية على مر العصور وأننا واعون بالرسالة التي حملها إيانا أولئك الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم عبر تاريخنا المجيد في سبيل إسعاد شعبنا. إنه يكمن في اننا جزء لا يتجزأ من الحركة الثورية الجبارة ضد الاستعمار، ومن ورائها سائر القوى الديموقراطية في العالم.

    وفي الوقت الذي سوف نخرج فيه من مؤتمرنا المقبل برؤية ثورية واضحة، يجب علينا كذلك أن نجعل من حزبنا هذه الأداة الثورية التي سنحقق – بها أهدافنا. وأمامنا نوعان من المشاكل المتعلقة بتطوير الحزب إلى أن يصبح فعلا أداة – بعضها يتعلق بالتنظيم والبعض الآخر بالأيديولوجية.

    فيما يخص التنظيم ستعرض على المؤتمر مشاريع لتحوير قوانين الحزب ونظامه الداخلي. فعلينا أن ندرسها واضعين في الاعتبار اختيارنا الثوري، وحرصنا الخاص على تحديد دور المناضلين بالنسبة لجمهور العاطفين على الحزب، ومع ضمان المركزية والديموقراطية في الحزب بالنسبة للظروف الراهنة.

    وتستجيب التغيرات المقترحة لهذه الاعتبارات إذ إنها تتناول مشاركة القاعدة ومراجعة الأجهزة المركزية. ولتشريك القاعدة في المسؤوليات تقترح التعديلات أن يساهم المناضلون مساهمة فعلية في وضع خطة الاتحاد وفي مراقبة الجهاز المركزي والإقليمي للحزب. ولكي تكون هذه المساهمة حقيقية وذات فاعلية يجب أن نسهر بكيفية منتظمة على تأسيس وتسيير خلايا القاعدة في الأحياء والقرى وكذلك في المؤسسات الصناعية والفلاحية.

    وهذا الاعتبار هو الذي أوصى باقتراح يقضي بأن تتم المصادقة من طرف المؤتمر على السكرتارية العامة الجماعية المنتخبة من اللجنة الإدارية الوطنية التي ينتخبها المؤتمر نفسه. وهناك كذلك اقتراح بتأسيس جهاز مركزي جديد، هو اللجنة المركزية المؤلفة من أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية ومن مندوبي الأقاليم الذين تنتخبهم مجالسهم الإدارية، وسيضمن هذا الجهاز التماسك ووحدة النظر بين سائر المسؤولين في الحزب على الصعيد المركزي وفي مستوى الأقاليم.

    ولن يجدينا نفعا أن نكتفي بمراجعة القوانين إذا نحن لم نباشر تطبيقها بأساليب ثورية جديدة.

    إن حزبنا الذي نريده واضحا في آفاقه، ومتماسكا في تنظيمه، ينبغي له أن يستخلص النتيجة المنطقية لاتجاهه الثوري. ولذلك وجب علينا أن نوجه عناية خاصة للتربية الإيديولوجية في الحزب، التي بدونها سوف تبقى اختياراتنا في حيز الآمال ومن قبيل التمنيات العاطفية.

    إن هذا التكوين الإيديولوجي يجب أن يقوم على أساس دراسة القوانين العلمية لتطور المجتمع وقد أثرتها تجارب الثورات الاشتراكية والتحررية ضد الاستعمار. كما يجب أن تمتد جذوره إلى أعماق ثقافتنا العربية الإسلامية، وأن تستمد قوتها من تراثنا القومي الزاخر بالقيم التقدمية والإنسانية.

    ولن يكون حزبنا في مستوى مهامه إلاّ إذا وجه عنايته القصوى لتكوين الكوادر (الإطارات) ولا جدوى من التشكي من فقدان الإطارات لأن ذلك كون منشأه ضعف التكوين الإيديولوجي نفسه. ومهما يكن فإنه لا معنى لإعلان الاختيار الثوري بدون إطارات مسلحة بأيديولوجية ثورية.

    على أنه لا ينبغي أن يغرب عن بالنا أن أفضل مدرسة للإطارات وأحسن طريق لتدريب المناضلين على الكفاح والتضحية في سبيل الشعب، هو في العمل اليومي الذي يباشره المناضلون حتى في أداء المهام البسيطة. إن على كل مناضل منا بوصفه مواطنا أن يؤدي العمل المنوط به بمنتهى الكفاءة والضمير المهني. فإن كان عاملا ميكانيكيا أو طبيبا أو ممرضا وجب عليه أن يتقن عمله خير إتقان. وان كان مرشدا أو مهندسا فلاحيا وجب أن يهيئ نفسه ليكون ركيزة الإصلاح الزراعي، وان كان أستاذا أو معلما وجب عليه أن يكون متضلعا في الأساليب البيداغوجية الطليعية. علينا أن نكون خميرة المجتمع التقدمي المزدهر الجديد الذي ننشده في غدنا القريب.

    إن المناضلين يكتسبون قوتهم الإيديولوجية وصلابتهم الخلقية عن طريق نضالهم وسط الشعب، سواء داخل الحزب نفسه أو عن طريق المنظمات الجماهيرية، أو في المعمل والمنجم والجامعة أو الحقل. ولذا يتعين تحديد دور الحزب في الأمة حتى يكون الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بحق طليعة الكفاح الوطني التي تقود معها جبهة عريضة لفئات مجتمعنا الثورية.

    2- الحزب والأمة:

    إن المحتوى الاجتماعي للحزب يستمد تركيبه من اختياراتنا الإيديولوجية ومن أفقنا الثوري، كما يبنى على ما استخلصناه من نتائج في تحليلنا للمواقف الأساسية لمختلف فئات المجتمع تجاه قضايا التحرر الكامل السياسي والاقتصادي ومشاكل بناء المجتمع الاشتراكي. فلا غرو أن نكون عن جدارة حزب الجماهير الكادحة الحضرية والقروية الذي يتجسد فيه التحالف بين العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين. فنحن حزب الشعب المغربي باستثناء الطبقات المستغلة من إقطاعيين وبورجوازيين طفيليين حلفاء الاستعمار الجديد وركائزه.

    وفي هذا التعريف تنتصب المشاكل التي يجب أن نواجهها لكي يكون الحزب قادرا على تحريك الجماهير، من داخله وعن طريق المنظمات الجماهيرية الخاصة بكل فئة من المجتمع، سواء أكانت منظمات مهنية أو حركات شباب ونساء.

    أما توجيه هذا التحريك فإنه لابد أن يتم داخل خلايا الحزب في الأحياء والقرى والمؤسسات، وهي المدارس الدائمة للمناضلين في الحزب.

    علينا أن نعير اهتماماً خاصاً لنشاطنا في وسط الفلاحين، وأن نقيم منظمات جماهيرية فلاحية طالما اتخذنا قرارات بشأنها. ونحن في حاجة إلى قيامها لتعزيز عمل فروعنا القروية المنتشرة على مجموع خريطة البلاد.

    وعملنا كذلك في الميدان النسوي يجب أن يتقوى بتأسيس منظمة جماهيرية تساعدنا على اكتشاف الكوادر النسوية، وعلى تعميق الوعي الثوري لدى الفتيات والنساء اللواتي يشكلن إحدى الدعامتين لبناء المجتمع الجديد.

    وإن على خلايا الطلاب والشباب أن تدخل في مهامها مزيدا من العمل على توحيد الشباب ضمن منظمتهم الخاصة، لكي تصبح قادرة على القيام بدور التحريك والتأطير.

    أمّا نشاطات الحزب كمنظمة سياسية وسط العمال وفي المؤسسات فإنها بالغة الأهمية، لأنها هي الضمان لامتزاج النضال السياسي بالنضال النقابي. وفي هذا السبيل يجب علينا ألاّ نغفل أي عامل من العوامل التي يمكنها أن تؤثر على تحقيق هذا الامتزاج، سواء العوامل المتعلقة بضعف التكوين الإيديولوجي، وسوء تقدير الظروف الراهنة، أو العوامل الداخلية المتعلقة بالبطالة ووسائل الضغط والإفساد التي يملكها النظام، وحتى المتصلة بالتركيب النقابي نفسه.

    علينا أن نحلل سائر هذه العوامل حتى نسلط كل الأضواء على المشاكل التي تحدث في العلاقات الدقيقة بين النقابات المهنية والحركات الثورية. يجب أن يكون واضحا في الأذهان أهمية النضال النقابي، وكذلك ضيق أفقه، إذا هو لم ينفتح على المطالب السياسية والأهداف الثورية.

    يجب أن نظل يقظين أمام سياسة النظام القائم في الميدان النقابي على أنها تدخل في نطاق أوسع، هو خطة الاستعمار الجديد على مستوى القارة الأفريقية، وغرضها تشجيع التيارات الإصلاحية اللاسياسية في الأوساط النقابية العمالية وفصل النضال السياسي والوطني عن المعركة الاقتصادية المحدودة الإطار.

    وتلك ظاهرة يجب أن نعيها وندركها بكل اهتمام بالنسبة لنا وبالنسبة لمجموع القارة الأفريقية. يجب أن نضع في إطارها السليم مشاكل الارتباط المتين بين المهام النقابية الخاصة وبين مسؤوليات حركة التحرر الوطني التي تجند سائر فئات المجتمع، وإلاّ، إذا نحن أهملنا وضع هذه المشاكل وضعا سليما وعجزنا عن مواجهتها بكل شجاعة وبدون تعصب، فإن القوى الثورية المفضلة التي هي الطبقة العاملة، سوف تصبح معرضة للانصراف ولو إلى حين عن مهمتها الطبيعية.

    ينتج عن هذه الملاحظة أن خطتنا فيما يرجع لعلاقات الحزب بالمنظمات الجماهيرية خطة منظمة واضحة بحكم دور الحزب كمحرك، ودور كل منظمة حسب نوعيتها وضمن حدود استقلالها الذاتي.

    فالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بوصفه الأداة الثورية، هو وحده الذي يستطيع أن يقوم بالدور القيادي في نضال سائر فئات المجتمع الثورية. وتلك إنما هي نتيجة منطقية لتحديد معنى الاختيار الثوري الذي قلنا عنه انه يجب أن يكون ملبيا لحاجات الأمة بأسرها. ومعنى هذا أن الحزب وحده يحق له أن يحمل بوصلة النضال السياسي، وان يدرس ويحدد خطة العمل لمجموع الحركة الثورية في البلاد. وأن دور كوادرنا ومناضلينا داخل المنظمات الجماهيرية، والتي لها أهدافها ومهامها الخاصة بها، يجب أن يكون هو صهر معاركهم الخاصة في الأفق الشامل الذي سطره الحزب كأداة سياسية مفضلة.

    وبذلك نضمن الوحدة الإيديولوجية للقوى الشعبية، كما نضمن حركيتها وتماسكها وسيرها المنسجم بخطى ثابتة نحو غايتنا الأساسية.

                         ————————————

    الخُــــلاصــة:

    إننا نلمس في نهاية هذا التقرير أن المهمة الرئيسية التي تتوقف عليها سائر المهام هي تقوية الحزب في ميدان التنظيم، وفي التعميق الإيديولوجي لكوادره ومناضليه، لكي تتلاءم الأداة مع الأهداف الثورية.

    وسوف نتغلب على كل الصعاب ونجتاز أشد العقبات، وعند تأديتنا لهذه المهام، إذا استحضرنا المهمة التاريخية المنوطة بحزبنا، هذا الحزب الذي تمتد جذوره البعيدة إلى صفحات تاريخ نضال شعبنا المجيد على مر العصور ضد الاستبداد وفي سبيل التقدم. ولا أدل على ذلك من أن يكون في طليعة سير حزبنا بعض من أبلوا البلاء الحسن ضد الاستعمار، منذ عهد الاحتلال الاستعماري في أوائل القرن، وكذلك قادة المقاومة وجيش التحرير الذين خاضوا المعارك الأخيرة. ولسنا نذكر مراجعنا المجيدة لمجرد الفخر بها. بل لنؤكد الأمانة التي يضعها هذا الانتماء البطولي في عنق حزبنا سواء أمام الشعب المغربي أو بالنسبة لمجموع الحركة الثورية في العالم. وفي ذلك أيضا عربون لنجاحنا.

    إن قيام حركة التحرر الوطني في المغرب، وتطورها مع الزمن على اختلاف أسمائها عبر المراحل التاريخية قد سجلا نجاحات ساطعة تخللها الكثير من الصعاب.

    إن وجودنا في حد ذاته ونشاطنا المتزايد ما فتئا يشكلان خطرا قاتلا على أعداء شعبنا سواء جاءوا من الخارج أو كانوا يعيشون كالطفيليات بين ظهرانيه. وإذا نحن قد اكتسبنا شعبنا ولظروف نضاله، فقد ارتكبنا بعض الأخطاء وسجلنا بعض الفشل مما زاد في إثراء تجربتنا.

    ومنذ أن حملنا الاسم المطابق لحقيقتنا، وهو اسم «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» استطعنا أن نعبئ القوة الحية في البلاد، ونقود أغلب فئات مجتمعنا التقدمية في نضال مشترك من أجل حماية مكاسب شعبنا، وتحقيق مطالبه العميقة في التحرر والتقدم والرفاهية والسلام.

    وإذا كان المؤتمر الثاني لحزبنا سوف يمكننا من إعطاء مضمون دقيق لاختياراتنا السياسية لاجتياز مراحل نضالنا في إطار أفقنا الثوري، فإن عليه كذلك أن يخلق الظروف الملائمة لتعاون وثيق مع المنظمات الجماهيرية التي تشاركنا في أهدافنا.

    وفي نفس الوقت الذي سنسهر فيه على تحسين أساليب عملنا داخل الحزب وتقوية هذه الأداة التي صهرتها حتى الآن كثير من المحن والتضحيات، فإن علينا ألاّ ننسى أبدا أننا في النهاية لسنا في خدمة الحزب بل في خدمة مجموع الجماهير العربية، ولسنا سوى طليعتها. كما علينا ألاّ ننسى أننا نقف كذلك في طليعة الحركة الدولية للتحرر الوطني والتقدم.

    ولذا فإن علينا أن نعتبر كواجب مقدس المحافظة على وحدة صفوفنا داخل الحزب، وعلى ارتباطنا المتين بشعبنا، وعلى تضامننا غير المشروط بسائر الشعوب المناضلة من أجل كرامتها وحقوقها.

    وسنجد في هذا السلوك سر قوتنا وضمانا أكيدا لانتصارنا.

                   فاتح أيار/ ماي 1962                          المهدي بن بركة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مناضل وسياسي مغربي، وقومي عربي، كان قبل اختطافه واغتياله عام 1965 قائداً للمعارضة المغربية ومدافعاً عن قضايا الحرية والسلام في العالم.

……………………

رابط الكتاب كاملاً مع ملاحقه وأقسامه:

https://ia801805.us.archive.org/18/items/20201106_20201106_0725/الاختيار%20الثوري%20في%20المغرب.pdf

ــــــــــــــــــــــــ

انتهى..

التعليقات مغلقة.