فيصل عكلة *
“أبكي لأني عاجز عن إطعام أخوتي” بهذه الكلمات المؤثرة برر محمد سبب بكائه بعد أن شاهد دمعات أمه السخية التي كانت ترافق ردودها على أسئلة الإعلامي المتمحورة حول حالهم ومتطلباتهم في هذا المخيم.
محمد ابن العشر سنين نزح قبل عدة سنوات من الغوطة وسكن مخيمات الشمال إلى جانب مئات الآلاف ممن هُجّروا وسكنوا الخيم، محمد هو الكبير بين أخوته ويحمل همومهم بعد رحيل الأب وعجز الأم عن تأمين حاجيات أبنائها في ظل ندرة الدعم وغلاء الأسعار، الخيمة التي يسكنونها خالية من كل شيء سوى بعض الصحون والطناجر وطُراحات النوم البالية، الجيران أحضروا لهم (طنجرة) صغيرة فيها الفاصولياء المطبوخة ولم يجدوا سوى الخبز(المقطِّن) زادًا معها، تقول أم محمد وسط الدموع : إن دكاكين المخيم أوقفوا بيعي بالدين بعد تأخري عن تسديد الديون المتراكبة كما أن الجيران رفضوا منحي أي مبلغ على سبيل الدَين وأنا الآن عاجزة عن فعل أي شيء!
الإعلامي الذي أجرى اللقاء شاركهم بزرف الدموع بعد أن شاهد وسمع الحال الذي وصلوا إليه، حالهم كحال الآلاف ممن جاورهم ممن أرغمتهم قوات الأسد وآلة القتل الروسية على ترك بيوتهم وأرزاقهم.
خيمة بالية، جوع وقهر وخذلان، دموع أم وبكاء ابنها محمد، دموع الإعلامي وتأثره الواضح، كل ذلك تجمع أمام المشاهد للحالة التي نشرت وتم التفاعل معها بشكل واسع وتحولت إلى “تريند” لتحصل ملايين المشاهدات ولتنهال الاتصالات على الإعلامي تطلب منه طريقة مساعدة العائلة.
محمد ظهر بعد أيام قليلة من نشر المقابلة ووصول المساعدات لهم بشكل مختلف عن ظهوره الأول والبسمة تغطي وجهه وباللباس الجديد وقال:
“تم تأميننا من كل ما يلزمنا وأغراضنا كلها جديدة وعدنا إلى المدرسة وأشكر كل من ساعدنا وأن يعوضه الله، كما أذكرهم أن الكثير من جيراننا بحاجة إلى المساعدة وأتمنى مساعدتهم”.
صحيفة إشراق سألت الإعلامي “محمد بلعاس” الذي أجرى المقابلة مع محمد وسألته عن طريقة عثوره على الحالات التي يصورها مثل حالة محمد فأجاب:
“سمعت من الناس أن هناك عائلة من الغوطة لا تجد ما تقتات به فذهبت إليها، نحن نبحث عن القصص من خلال تجوالنا في المدن والمخيمات أوعن طريق الصدفة أو بالتنسيق مع أحد أقرباء الحالة أو جيرانها، وأغلب الحالات التي يتم تسليط الضوء عليها. وعن سؤالنا حول استفادة الحالة التي تصل إلى الإعلام قال:
“ما تصل إلى الإعلام من حالات المرض والفقر إعلاميًا تستفيد، وتبقى نسبة قليلة لا تلقى تجاوبًا، وفي حال تحول الحالة إلى (تريند) كما في حالة محمد تنهال المساعدات من كل الجهات مما يزيد عن حاجة العائلة وعليه ينبغي على المنظمات وأهل الخير البحث عن الحالات المشابهة ومساعدة من لم يستطع توصيل شكواه، فحالة محمد يمكن تعميمها على كثير من الجوار”.
وبين لنا ‘البلعاس’ الرسائل التي أراد توصيلها من خلال نشر مثل هذه المقابلات مع الأطفال الفقراء والمرضى: ” نظهر للناس أهم المشاكل الاجتماعية، حالة محمد مثلاً استطعت تسليط الضوء على عدة أمور أولها هو التعليم وكيف أن هناك أطفال لا يستطيعون دفع قسط التعليم الرمزي في المدارس العامة، وثانيهما هو وضع سكان المخيمات المأساوي” وأضاف ‘البلعاس’:
“فور نشر الفيديو بدأت الاتصالات تردني وتطلب عنوان الحالة وبقيت لمدة ست ساعات متواصلة وأنا أرد على المكالمات حتى تعبت وعرفت أن حالة محمد وأهله كفلت وفعلًا بعد يومين فقط من نشر الحالة ذهبت إليهم لأجدهم في أفضل حال، من مأكل وملبس ومسكن، وبسمة عريضة حلت محل الدمعة ، كما عادوا إلى مقاعد الدراسة بعد دفع الأقساط للمدرسية وتأمين كل ما يلزمهم، محمد أرسل رسالة للعالم أن هناك أطفالًا جوعى في المخيمات، وبلا تعليم ويحملون هموم أهلهم وهم دون سن التكليف.” وعن باقي الحالات المشابهة لحالة محمد ولم تنشر، ما العمل لمساعدتهم حسب رأي ‘البلعاس’: “نحن في كل مقابلاتنا ننوه إلى أن الكثير من الحالات المشابهة للحالة المعروضة، وعلى المنظمات والجمعيات البحث عنها وتغطيتها، ولا يمكنني إلا أن أشكر كل من ساهم في مساعدة الفقراء”.
ليس كل الحالات التي تنشر على الإعلام تلقى تجاوبًا، فحالة الطفل علي الذي تجاوز عمره اثني عشر عامًا والذي يشكو من مرض خطير، لم يجد أدنى تجاوب مع حالته بعد نشر قصته على الإعلام حسب والده الذي أوضح لنا أن استجابة المنظمات لا تتبع الأهمية بل تتجه نحو العاطفة حسب رأيه.
هل التريند حل لمشاكل الفقر والمرض في المخيمات أم ينبغي البحث عن طرق أوسع؟ ذلك كان سؤالنا للإعلامي “أحمد العكلة” ، فأجاب:
“عندما تصور طفل يحتاج لعمل جراحي فإن ما يرسل له يحل مشكلته فقط، وهناك كما هو معلوم مئات القصص المشابهة لها، والحل حسب ما أراه توزيع الأموال التي تفيض عن تغطية الحالة المنشورة على عدد من الحالات المشابهة بعد حصرها وجدولتها حسب الحاجة، وذلك يحتاج إلى تضافر جهود المنظمات والتنسيق فيما بينها بالتعاون مع الجمعيات الخيرية”.
“أحمد السعيد” إعلامي في منظمة تكافل الشام التي تستجيب لمثل هذه الحالات، علل سبب تجاوبهم السريع مع الحالة بالقول: “بالنسبة لمنظمتنا وباقي المنظمات الإنسانية عندنا أقسام خاصة بإدارة الحالة وهي تبحث وتعمل على تخديم الحالات من خلال التشبيك أومن خلال مشاريع خاصة اسمها إدارة الحالة”.
وعلل ‘السعيد’ دور الجمعيات الخيرية بتخديم هذه الحالات بأنها لا تمتلك أقسام إدارة حالة وتعمل على تخديم الحالات التي تواجهها أو التي تعرض على الإعلام إضافة إلى أنها تعمل على تخديم حالات لم تظهر للعلن وبدون أي ظهور إعلامي.
كما علل ‘السعيد’ مسارعة المنظمات لتخديم الحالات بعد ظهورها في الإعلام بسببين:
“أولهما أن أعداد المخيمات كبيرة كما أن عدد الحالات يُعدّ بالآلاف إن لم يكن أكثر، ولا يمكن النظر في جميعها أو تخديمها فمعظم الجمعيات والمنظمات توجهت للتخديم المجتمعي( مخيمات، قرى، مدن، مشاريع كبيرة ومتوسطة وحتى سبل عيش) وثانيهما أن تفاعل الناس مع الحالة هو من يحرك الجمعيات والمنظمات من خلال تبرعات الجهات المانحة لإرسالها عن طريقهم إلى تلك الحالة وهذا هو سبب ظهور الجمعيات والمنظمات مع ظهور الحالة للعلن”.
حالات الفقر والمرض هي بالآلاف والتي تنتشر في مخيمات الشمال السوري تنظر إلى الإعلام بأنه حبل الإنقاذ الأسرع وذلك بعد مشاهدتهم لحالات ظهرت على الإعلام وتبدلت حياتهم نحو الأفضل، وهم يعيشون ذات ظروف الفقر والغلاء وسط عجز المنظمات والجمعيات الخيرية عن تغطية تلك الحالات.
* كاتب سوري
المصدر: إشراق
التعليقات مغلقة.