الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

«الحركة الأسدية التخريبية» في ذكراها المشؤومة

عبد الباسط حمودة

خاص «الحرية أولاً»..

كانت لحظة استلام حزب البعث للسلطة في سورية عام 1963 تتويجاً لنهجٍ وخطط تآمرية، تمثلت هذه الخطط وذاك النهج في جزئه الرئيسي مع أعداء الشعب السوري والأمة لخدمة مصالحهم عبر “كوهين”، والجزء الآخر كان الكيد والتآمر فيما بينهم كأجنحة تمثل ما سمي باللجنة العسكرية التي شاركت بجريمة الانفصال وخططت لإسقاط وحدة 1958، وهكذا فقد اعتمدت لجنته العسكرية كلياً على حبك الدسائس بالتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية لتضمن استمرار تحكمها وعدم عودة الوحدة، وأولت ذلك للمخابرات كأداة لتعزيز التحكم والسيطرة وإبعاد واعتقال وتصفية القوى الحية بالمجتمع السوري وترسيخ قاعدتهم.

استمر ذلك وفق نهج “كوهين” بتدمير الكتلة الصلبة للجيش، وتعويضها بمن يخدم نهجهم الطائفي والخياني فضلاً عن التصفيات فيما بين تلك الأجنحة، حتى خلت الساحة لهذه المجاميع غير الوطنية والمتوحشة بمواجهة الشعب، وقد كانت تستخدم أقذع التعابير والتُّهم للوطنيين والوحدويين مع زعمهم إعادة الوحدة، وهي الهدف النبيل والغالي الذي كان له الأثر الكبير في نفوس غالبية الشعب السوري حينها، هذه المزاودة الرخيصة بالأهداف الكبرى جعلت التصفيات بينهم وضد الشعب تأخذ طابع دموي شديد، فكان ذلك خير مثال على تدجين الشعب والتخلص من بعضهم البعض عبر الحرس القومي، ومن ثم استقر الوضع للثنائي “جديد وحافظ”، ووصلت الأمور إبان عهد صلاح جديد في أواخر الستينيات أن اتبعت الأجهزة الأمنية أشد الوسائل لتطويع الشارع، حيث اتبع “عبد الكريم الجندي” (رئيس أجهزة الأمن ورئيس مكتب الأمن القومي للحزب آنذاك) سياسة الخطف والتعذيب لمعارضي الحزب والنظام المهزوم أمام العدو عبر تفريطه وتسليمه الجولان للصهاينة.

وإن تناسى البعض عملاء “جيش الشرق” فإننا لم ننسى تاريخه المشبوه ودور الاستعمار الفرنسي بإنشائه، ثم إعادة دمجه بالجيش السوري بعد الاستقلال، وتوظيفه التخريبي لكل الأدوار التي انبثقت عن الكثير من “ملاكاته” التي حفِظت واجب الوفاء لمن أنشأهُ، بنفس الطريقة التي حافظت فيها حركة حافظ أسد التخريبية على واجب الوفاء للصهيونية فضلاً عن وفائها لفرنسا وأمريكا وإنكلترا أصحاب الفضل على نظامه الفئوي والطائفي ولازالت.

وتمهيداً لاستيلاء “حافظ أسد” وحركته الانقلابية على أمجاد سورية التي يوافق ذكراها يومَ غدٍ، تلك الحركة الإجرامية التي تم التحضير لها قبل أيام من ذاك التاريخ والإعداد لها قبلهُ بسنوات كما فصّلنا أعلاه، فقد كان من الأحداث الفارقة بهذا الشأن الإجرامي لحركة حافظ أسد التخريبية بمثل هذا اليوم منذ 52 عاماً أي 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، إذ تم ذبح وقتل مجاميع ما يسمى الحرس القومي جميعهم وهم نيام في خيمهم المنتشرة بمنطقة “كفر قوق” التابعة لمنطقة “قطنا” بريف دمشق الغربي، ذلك لخشية حافظ أسد منهم لاعتقاده أنهم يهددون مشروع حركته، ولأن الجيش السوري لا فاعلية له ولا دور بعد إفراغه من جميع كفاءاته؛ إن ذلك الذبح والإجرام تم بقيادة “رفعت أسد” باستخدام المجاميع الطائفية التي أعدها مع شقيقه المجرم الأول ‘حافظ’، وقد كانت هذه المجاميع، فيما بعد، نواةً لسرايا الدفاع بألويتها القاتلة وجميع الأجهزة الأمنية وقادة الجند والجيش الأسدي المتنفذين.

ثم رسخ حافظ منذ استيلائه على السلطة في آذار/ مارس 1971، إثر انقلابه المعروف في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر1970، القبضة الأمنية الحديدية التي تحكمت بالحياة العامة في سورية أمنياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وحتى دينياً، وقد حولها إلى ذراع تسلط قوي تغلغل في الدولة والمجتمع والحياة العامة، لتصبح سورية مسلخ بشري رهيب، مستفيداً من خدعة تحرير الأرض الكاذبة في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 التحريكية، ذلك عبرَ كم الأفواه وارتكاب أبشع المجازر، فمن مجزرة إلى أخرى ومن نهب وفساد إلى نهبٍ وفسادٍ أكبر، فضلاً عن النهب والمجازر الخارجية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني في تل الزعتر وبيروت وطرابلس وزحلة لينتقل إلى حماه وحلب وإدلب ودير الزور.. إلخ، كل ذلك تحت أنظار ورضى جميع الدول التي وظفته وميليشياته لخدمة أغراضها، وفق خطة “حافظ- مورفي” بدخول لبنان والانطلاق بتدمير سورية حجراً حجراً، وأيُ تقصير بتبريراتهِ الديماغوجية كانت البروباغندا الأمريكية والصهيونية تكملهُ وتغطي عليه.

ولم يَحدْ الابن المجرم عن نهج أبيه القاتل فبقيت الأجهزة تنتهج كافة السياسات التي تجهد لربط حركة المواطنين في المجتمع والدولة بمحدداتها الأمنية والرقابية، هذه الأجهزة الأمنية العديدة التي كانت بالإضافة للمؤسسة العسكرية خط الدفاع الأول والأخير عن النظام الفئوي الحاكم، بحكم الضبط المُحكم والهندسة العملياتية لتركيبة وبنية الجيش السوري الطائفية، والتي يسيطر على مراكز القيادة فيها طائفة محددة وممن يدينون بالولاء المطلق للنظام، وحين يضعف الولاء يقوم بإعادة هيكلة الجيش والأمن وضبط التفاعلات الأمنية، وفق محددات تتعلق بتثبيت الحكم وتقويض كافة التحركات وأشكال الرفض لنظامه “الظاهرة والكامنة” مع تطور العلوم والتكنولوجيا التي انعكست في سورية بوقائع تقشعر لها الأبدان، في التعذيب والإذلال والتجويع والبهيمية والقتل في كل الجحيم الأسدي.

إن الشعب السوري لم يقبل يوماً بحافظ وحركته التخريبية ولم يقبل بتوريثه لابنه المعتوه، فالاحتجاجات والانتفاضات بوجهه لم تتوقف بعد 1970 فضلاً عن الانتفاضات العديدة بعد 1961، فقد ثار الشعب مثلاً في 1971 احتجاجاً على بعض مواد الدستور، ونصرة للمخيمات الفلسطينية في لبنان ولوقف مجازر النظام بعد 1976، وصولاً للانتفاضة الوطنية للتغيير الديمقراطي عام 1979 عبر النقابات المهنية والعلمية وصولاً لجموع الشعب وإعلان “التجمع الوطني الديمقراطي” ببيانه إلى الشعب بالعصيان المدني والتظاهر في عام 1980 ضد النظام، وصولاً لاستدعائه متشددي “الأخوان المسلمين” الجاهزين للتخريب، الأمر الذي دفع النظام لمحاصرة المدن والقرى أمنياً وعسكرياً، بنصب الحواجز للاعتقال والتعذيب، وعد أنفاس الناس وإفراغ المجتمع من أي فعل ودور سياسي وصولاً للمجازر المتنقلة من حماه إلى باقي المدن والمناطق السورية؛ ففي الزمن الطائفي للمجرم السادي حافظ كان الضحايا بعشرات الآلاف، أما في الزمن الطائفي العنصري للمجرم الفاشي بشار أسد فكانت الضحايا بمئات الآلاف وتشريد وتجويع الملايين، والحبل على الجرار! فإنه مع ثورة 2011 تطورت النزعة الأسدية الإبادية من سجن “تدمر” الرهيب إلى سجن “صيدنايا” الأرهب، فإلى جميع مراكز الاعتقال والسجون السورية بإشرافٍ إيراني روسي مشترك، حتى استخدام “الكيماوي” بأشكالٍ مختلفة في أربع أنحاء سورية.

والخطير في الإبادة كـ“إنجازات أسدية قاتلة ممتدة” أن أجيالاً كاملة من الأطفال السوريين الذين ولِدوا أو حتى هربوا من سورية بأعمارٍ صغيرة، تعتمد على أحاديث أهاليهم عن القتل والتدمير والنهب والوحشية والمخدرات القاتلة الأسدية، أحاديثٌ هي قصص وتجارب للحظاتٍ ثقيلة وطويلة تحولت لتكون أياماً وشهوراً وسنوات، منذ ابتليت سورية بحزب البعث وآل أسد الجواسيس، تجارب ولحظات تركت الإنسان عاجزاً أمام مواجهة القوة العارية لهمجية السلطة المستبدة الأقوى منه، بسطوة الآلة العسكرية وقدرتها؛ هذا العنف الأعمى المُشرَع على المجهول منذ 1970، وبشكل أعنف بعد انطلاق الثورة بداية 2011، ترك وراءه آلاف الآلاف من المعتقلين والشهداء وذويهم من الأيتام والأرامل، ودفع بالعائلات إلى الهروب والنزوح والهجرة، فتفرق شملها، ما جعل أكثرهم تحت تأثير الصدمات النفسية، وشكّلَ إنذاراً لنا جميعاً بأنه بعد النصر ونهاية النظام، سيطول التخلص من تلكم الصدمات النفسية وآثار العصابة الأسدية المتحكمة وزوال تداعياتها، وبدون العدالة الانتقالية ومحاسبة القتلة والمجرمين لن تهدأ سورية كلها، ويرتاح أبناءها المكلومين!

التعليقات مغلقة.