- بداية نهاية مصر عربياً كانت في كامب ديفيد ونهاية النهاية في حرب العراق.
- شرط تقدم مصر والعرب والعالم الإسلامي شنق آخر جماعة إسلامية بأمعاء آخر إسرائيلي في فلسطين.
- جمال عبد الناصر أول و آخر حاكم يعرف جغرافيا مصر السياسية، وأن الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون.
- كل حاكم بعد عبد الناصر لا يملك أن يخرج على الناصرية، ولو أراد إلا وخرج عن المصرية أي كان خائناً، لأن الناصرية قدر مصر الذي لا يملك مصري الهروب منه.
- مصر منذ اتفاقية كامب ديفيد لم تعد مستقلة ذات سيادة وإنما هي محمية أمريكية تحت الوصاية الإسرائيلية، أو العكس محمية إسرائيلية تحت الوصاية الامريكية.
تلقي الأوراق الخاصة بالمفكر المصري الراحل جمال حمدان أضواء على آرائه في قضايا مازالت ساخنة، منها علاقة بلاده بإسرائيل والعالم العربي وجماعات الإسلام السياسي؛ ولكنه بدا متشائماً حتى سجل أن “مستقبل مصر أسود” وأن الخيار أمام البلاد لم يعد بين السيء والأسوأ بل بين الاسوأ والاكثر سوءاً.
ويسجل الكاتب الذي رحل في ظروف غامضة في أبريل/ نيسان 1993 في أوراقه الخاصة، أن مصر فقدت زعامتها في العالم العربي وليس لها وريث “لأن وراثة مصر كانت أكبر من أي دولة عربية أخرى منافسة” وكانت النتيجة هي تقسيم وراثة مصر؛ فانتقل الثقل الاقتصادي إلى الخليج، والسياسي إلى العراق، الذي انتهى دوره منذ حرب الخليج 1991.
وبإيجاز يرى أن “بداية نهاية مصر عربياً كانت في كامب ديفيد ونهاية النهاية في حرب العراق” في إشارة إلى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1978، وبموجبها وقع الجانبان معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. أما حرب العراق، فيعني بها ما سمي بحرب تحرير الكويت بعد احتلال العراق لها في أغسطس/ اب 1990.
وأعد عبد الحميد صالح حمدان الاوراق الخاصة بشقيقه جمال حمدان، وتصدُر في ذكرى رحيله هذا الاسبوع عن (عالم الكتب) في القاهرة في كتاب (العلامة الدكتور جمال حمدان ولمحات من مذكراته الخاصة)، يضم 72 صفحة كبيرة القطع.
وقال محرر الكتاب في مقدمته أن شقيقه كتب مسودات تضم أفكاره وآراءه متفاعلاً مع الاحداث تمهيداً “لإدراجها في عمل كبير كان ينوي إخراجه عن العالم الإسلامي في الاستراتيجية العالمية” .
ولكنه نبه إلى أن هناك أشياء حجبها “مراعاة لحرمتها واحتراماً لذكرى كاتبها” الذي مات في حريق شب في بيته قبل 17 عاماً ومازال موته لغزاً. و’حمدان‘ الذي ولد عام 1928، اختار أن يعيش في عزلة فلم يختلط بأحد، أو يستقبل زائرين في بيته، الذي عاش فيه وحيداً.
ومازال ’حمدان‘ يحظى باحترام كبير في الأوساط العلمية والثقافية؛ وله نحو 20 كتاباً منها (دراسات في العالم العربي) ، و(دراسة في جغرافيا المدن)، و(المدينة العربية)، و(بترول العرب)، و(الاستعمار والتحرير في العالم العربي)، و(أفريقيا الجديدة)، و(استراتيجية الاستعمار والتحرير)، و(اليهود أنثروبولوجيا)، و(6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية)، وهو قراءة لما بعد حرب أكتوبر تشرين الاول 1973، التي تمكن فيها الجيش المصري من عبور قناة السويس، واستعادة شريط موازِ لها في شبه جزيرة سيناء، التي احتلتها اسرائيل في حرب حزيران/ يونيو 1967.
أما العمل الموسوعي لـ’حمدان‘ فهو (شخصية مصر، دراسة في عبقرية المكان)، ونشر لأول مرة ككتاب عام 1967، ثم تحول الى موسوعة في أربعة مجلدات، لا تخص الجغرافيا وحدها وإنما قراءة لماضي البلاد ومستقبلها، إذ يسجل في المقدمة فيما يشبه الرثاء، أن مصر تحولت من “أول أمة في التاريخ، إلى أول دولة إلى أول امبراطورية، إلى أطول مستعمرة في التاريخ” قبل أن تتخلى عن مكانتها ودورها، كما يقول في أوراقه.
ويرى بعض المؤرخين أن الحدود الحالية لمصر لا تختلف كثيراً عن تلك التي رسمها الملك ’’مينا‘‘ قبل أكثر من 5100 عام للدولة، حين أسس الأسرة الفرعونية الأولى، على طبقات من خبرات متنوعة، أثمرت بناء الأهرام وغيرها من “المعجزات” والعجائب، في مراحل تالية.
ومنذ عام 2600 قبل الميلاد أقيم أول نظام إداري مركزي في التاريخ في العاصمة “منف”.
ويبدي ’حمدان‘ في (مذكراته الخاصة) خوفه من تراجع مساحة الزراعة التي تعني الحياة للبلاد، ومن غير الزراعة ستتحول مصر “إلى مقبرة بحجم الدولة”، لأن مصر بيئة جغرافية
مرهفة وهشة، لا تحتمل العبث، “ولا تصلح بطبيعتها للرأسمالية المسعورة الجامحة الجانحة.
الرأسمالية الهوجاء مقتل مصر الطبيعية. ويقول أن مصر تتحول “لأول مرة من تعبير جغرافي إلى تعبير تاريخي”، بعد أن ضاقت أمامها الخيارات؛ ليس بين السيء والأسوأ، وإنما بين الأسوأ والأكثر سوءاً. ويصف بقاءها واستمرارها بأنه نوع من القصور الذاتي.
ويرى أن مصر “تهرب من المستقبل الأسود” “بل من الحاضر البشع” إلى
الماضي التليد.
لأول مرة في التاريخ يتغير مكان مصر في العالم ومكانتها إلى الأسفل؛ فتجد نفسها لأول مرة في “وضع من العالم لم يسبق من قبل، وهو أنها كيان منكمش في عالم متمدد، أنها كيان متقلص في عالم متوسع” .
لكنه يستبعد ما يصفه بمشاريع إسرائيل والصهيونية والغرب، لتفتيت مصر ويعتبر هذا نوعاً من السفه والجنون.
ويعزو ذلك “لأن مصر أقدم وأعرق دولة في الجغرافيا السياسية للعالم غير قابلة للقسمة على اثنين”.
مصر السياسية هي ببساطة من خلق الجغرافيا الطبيعية، “إنها نبت طبيعي بحت” والفرق بين مصر وبعض الدول المحيطة، أن الأخيرة أصبح عندها فائض قوة أما مصر فلديها “فائض أزمة تغرق بها داخل حدودها”. مضيفا أنه بقيام اسرائيل عام 1948، فقدت مصر ربع دورها التاريخي ، ثم فقدت نصف وزنها “بهزيمة 1967، ثم فقدت بقية وزنها جميعا في كامب ديفيد.
“مصر الآن خشبة محنطة، مومياء سياسية، كمومياواتها الفرعونية القديمة، ولا عزاء للخونة”.
ويرى أن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر “أول وللأسف آخر” حاكم يعرف جغرافيا مصر السياسية، وأن “الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون؛ أنت مصري إذن أنت ناصري، حتى لو انفصلنا عنه (عبد الناصر) أو رفضناه كشخص أو كإنجاز.
“وكل حاكم بعد عبد الناصر لا يملك أن يخرج على الناصرية، ولو أراد إلا وخرج عن المصرية أي كان خائنا”، لأن الناصرية في رأيه، قدر مصر الذي لا يملك مصري الهروب منه.
ويقول أن الناصرية “بوصلة مصر الطبيعية” مع احتفاظ كل مصري بحقه المطلق في رفض عبد الناصر، لأن المصري “ناصري قبل الناصرية وبعدها وبدونها”.
ويرى أن كامب ديفيد كانت تعني “إطلاق يد إسرائيل مقابل إطلاق يد مصر في سيناء”، وأن مصر منذ الاتفاقية “لم تعد مستقلة ذات سيادة وإنما هي محمية أمريكية تحت الوصاية الإسرائيلية، أو العكس محمية إسرائيلية تحت الوصاية الامريكية”.
وكان مصطفى الفقي، قال لصحيفة المصري اليوم في كانون الثاني/ يناير الماضي، أن الرئيس القادم لمصر “يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض اسرائيل”.
وأثارت تصريحاته جدلاً واسعاً في ضوء عدم وجود نائب للرئيس حسني مبارك (82 عاماً)، الذي يحكم مصر منذ عام 1981، ولم يعلن عما إذا كان سيرشح نفسه لفترة جديدة في الانتخابات الرئاسية العام القادم؛ وفي حالة عدم ترشحه فإن كثيراً من المصريين يعتقدون أنه سيسعى إلى تسليم السلطة لابنه جمال، رغم نفي الأب والابن.
ويقول حمدان في أوراقه أن مصر “تم دفنها في كامب ديفيد؛ وفي كامب ديفيد ماتت فلسطين وتم دفنها في مدريد وواشنطن” في إشارة الى مؤتمر مدريد للسلام! الذي عقد عام 1991.
ويرى أن إسرائيل “تدرك أن الحل السلمي إذا تحقق وأسفر عن دولة فلسطينية مستقلة، فان هذا لن يكون نهاية المطاف أو نهاية الصراع، بل نهاية اسرائيل”.
ويشدد على أن “كل عربي أو مسلم يقبل بإسرائيل فهو خائن قومياً وكافر دينيا”.
وفي فصل عنوانه (دنيا العالم الإسلامي) يقول ’حمدان‘ الذي كان عاشقاً لعلوم الجغرافيا، أن العالم الإسلامي حقيقة جغرافية، ولكنه خرافة سياسية، وأن المسلمين أصبحوا “عبئاً على الإسلام بعد أن كان الإسلام عوناً للمسلمين” ، وأن الإسلام السياسي تعبير عن مرض نفسي وعقلي؛ “فلو كان لدى الإسلام السياسي ذرة إحساس بالواقع المتدني المتحجر لانتحر”، موضحاً أن الجماعات المتشددة وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي، اذ يحدث التشنج لعجز الجسم عن المقاومة.
ولا يجد ’حمدان‘ تناقضاً بين العلمانية والدين، لأن “كل الأديان علمانية أي دنيوية”. الدين في خدمة الدنيا لا الدنيا في خدمة الدين.
هدف الإسلاميين الإرهابيين هو حكم الجهل للعلم، “مضيفاً أن منطقهم بسيط وواضح فلأنهم في قاع المجتمع ليس لديهم ما يخسرونه؛ فإما أن يضعهم المجتمع في مكانة مقبولة، أو فليذهب الجميع إلى الجحيم تحت ستار الدين”.
ويقول أن “الإسلام هو العلمانية. لا إسلام بلا علمانية وإن كان هناك علمانية بلا إسلام“.
ويضيف أن العلمانية هي “ترشيد التدين؛ التدين بلا هستيريا وبلا تطرف. العمل فوق العبادة، والعلم فوق الدين، أصول إسلامية مقررة”.
الفتنة الطائفية والتطرف الاسلامي في مصر، كلاهما نتيجة مباشرة للاعتراف بإسرائيل، ثم نتيجة غير مباشرة لكل تداعيات هذا الاعتراف. “هذا الاعتراف هو نوع مستتر من الانتحار الوطني” مضيفاً أن تصفية الجماعات الإسلامية المتشددة والأنظمة الحاكمة، “شرط حتمي لأي مواجهة مع العدو الخارجي”.
ويرى أن “مشكلة الإسلام والمسلمين أنهم يواجهون العالم الخارجي من مركب نقص، حضاري وطني قومي مادي، وليس ذلك وحسب، بل ومن مركب عظمة ديني. هذه بالدقة آفة الإسلام تحديداً أكثر من أي دين آخر.
“بالتخلف الحضاري والفكري، تحول الإسلام كسلاح ذي حدين من الموجب إلى السالب”.
ويصف ’حمدان‘ الأحزاب الدينية بالعصابات الطائفية التي هي “مافيا الإسلام”، ويشترط لتقدم مصر والعرب والعالم الإسلامي “شنق آخر الجماعات الإسلامية بأمعاء آخر إسرائيلي في فلسطين”.
ـــــــــــــــــ
المصدر: (رويترز) الإثنين 19 نيسان/ أبريل 2010 & القدس العربي الثلاثاء 20 نيسان/ أبريل 2010
التعليقات مغلقة.