الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

السياسة الاقتصادية الهندية.. حجر عثرة أمام عضوية الـ«أبيك»

وفاء هاني عمر *

نشر مركز (جيوبوليتيكيل مونيتور Geopolitical Monitor) مقالاً للكاتبين “مارك س. كوجان” و”أوبامانيو باسو” بتاريخ 17 تشرين الأول/ أكتوبر تناولا فيه تعثر حصول الهند على عضوية منتدى الـ«أبيك» «APEC» نتيجة لعدة أسباب، منها سياستها الاقتصادية المثيرة لمخاوف أعضاء المنتدى، طارحين تساؤلاً هل ستستأنف الهند جهودها مجدداً لنيل العضوية مع اقتراب موعد اجتماع قادة المنتدى في تايلاند؟.. نعرض من المقال ما يلي:

يشير الكاتبان في بداية المقال إلى قرب موعد اجتماع قادة بلدان منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (APEC) المزمع عقده فى تايلاند في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، الذى يتألف من 21 عضوًا ويعد موطنا لأكثر من 2.9 مليار شخص ويمثل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي نتيجة احتوائه لكبرى الدول الاقتصادية، مثل الولايات المتحدة والصين. ستدور مناقشات المنتدى هذا العام حول موضوعات محددة تتمثل في «الانفتاح، التواصل، التوازن»، أي فتح نافذة المنتدى أمام الفرص الجديدة، والتواصل من خلال جميع أشكال التجارة، وتحقيق التوازن في جميع جوانب شراكات منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي.

مع ذلك، يعتقد الكاتبان أنه يتعين على منتدى الـ”أبيك” أن يتطلع مجدداً نحو التوسع لتحقيق اثنين من بين هذه الموضوعات الثلاث على الأقل، فإنه يجب على منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ أن يتطلع مجدداً نحو التوسع، لأن آخر مرة ضمت فيها الكتلة أعضاء جدد كانت عام 1998 عندما انضمت روسيا وبيرو وفيتنام. لكن توقفت العضوية بعد أن استمرت حتى عام 2010، ومنذ ذلك الحين لم يتم قبول أي أعضاء جدد. لكن حاول البعض مثل الهند الانضمام، إذ بذلت الهند جهوداً منذ التسعينيات من أجل العضوية بدعم من إدارة أوباما ورئيس الوزراء الأسترالي لكن دون جدوى. يتساءل الكاتبان مع اقتراب موعد اجتماع المنتدى، إن كان من المناسب للهند إعادة النظر في فكرة العضوية؟ وإذا لم يكن الآن، فمتى؟

بينما تتطابق كل الشروط المطلوبة لعضوية الهند إلا أن هذا لا يمنع من وجود العديد من الحواجز التي تحول دون حصولها على هذه العضوية. من هذه الحواجز أنها تنتهج سياسة اقتصادية حمائية، أي أنها تبذل قصارى جهودها للحد من الاستيراد من الخارج وتشجيع المنتج الوطني. إن مبادرة «صنع في الهند» لرئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، والذى قطع أشواطاً كبيرة في تشجيع الشركات على تصنيع وتجميع المنتجات في الهند وجذب الاستثمار الأجنبي، لها بعض الجاذبية لأعضاء APEC. لكن أشار تقرير صدر عام 2019 عن مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة (USTR) إلى أن معدل التعريفة الجمركية المطبق في الهند بلغ 13.8 في المائة، وهو أعلى معدل في أي اقتصاد رئيسي.

سلط هذا التقرير أيضاً الضوء على الاختلافات الرئيسية بين الولايات المتحدة والهند في مجال التجارة، بما في ذلك التعريفات الجمركية الانتقامية المقدرة بنحو 10 إلى 50 في المائة على بعض المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة، والتي وصفها مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة بأنها رد على قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم. من ناحية ثانية ترى البلدان المتقدمة الأخرى أن برنامج الأمن الغذائي في الهند الذي يدعم المزارعين المحليين من أجل توفير الغذاء لفقراء الريف غير عادل وينتهك قواعد منظمة التجارة العالمية بشأن الدعم. أردف الكاتبان القول بأن الحمائية الهندية هي التي تجعل أعضاء أبيك يميلون للتفكير ملياً قبل منح العضوية، حيث يعتقد الكثيرون أن الهند ستؤثر بشكل سلبي على منتدى إقليمي يعمل بالإجماع.

  • • •

كانت القيود المحلية التي تواجهها الهند فيما يتعلق بالشروع في إصلاحات سياسية رئيسية علامة كبيرة على سبب وجود تصور سلبي لأعضاء منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي لترشيح الهند للعضوية. ومع ذلك، هناك أسباب لإعادة النظر في هذا الأمر. لأن الهند التي تُعد الآن خامس أكبر اقتصاد في العالم من المقرر، بالنظر إلى معدل نموها الحالي، أن تتفوق على ألمانيا في عام 2027 واليابان في عام 2029 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم. ومن ثم، يتعين على منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ- الذي أنشئ في عام 1989 كمحفل إقليمي- رغم قلقه بشأن الحمائية المعوقة أن يتبنى أيضاً خطوة التغيير وأن يعترف بالحقائق الجيوسياسية التي غيرت خارطة ومفهوم منطقة آسيا والمحيط الهادئ. إن تقدم الهند كقوة اقتصادية وبحرية في المنطقة سيضيف قيمة للكتلة.

بالنسبة لمبدأ التواصل فإن مشاريع البنية التحتية الهندية، مثل شبكة الطرق السريعة الرباعية الذهبية، والطريق السريع الثلاثي بين الهند وتايلاند وميانمار، وشبكة النقل بين بنجلاديش وبوتان والهند ونيبال توفر جميعها اتصالاً إضافياً باقتصادات جنوب آسيا الأخرى. علاوة على ذلك، فإن تحرير التجارة، بدلاً من الحمائية ذات الدوافع السياسية، هو الخيار الوحيد للحفاظ على معدل نمو سنوي يبلغ حالياً 7 في المائة.

  • • •

لفت الكاتبان الانتباه إلى محاولات الهند اليائسة للإصلاح نظراً لما جلبه وباء كوفيدــ19 من أزمة اقتصادية وأوجه الضعف الأخيرة في سلاسل التوريد الإقليمية. لذلك صرفت الهند النظر لصالح التنمية البشرية داخلياً، وأطلقت مبادرات استخدام الكربون المنخفض من أجل جذب المستثمرين الأجانب. ومع ذلك، فإن تلك التنمية الداخلية لن تذيب الفجوة بين أعضاء منتدى «أبيك» والهند. قد يؤدي التحرك في الاتجاه الصحيح، لا سيما بشأن الشراكات التجارية الإقليمية مثل «RCEP» إلى دفع المناقشات إلى الأمام. في واقع الأمر، لم تكن الهند تحارب من أجل العضوية بلا دعم، لأن الإدارة السابقة لأستراليا وضعت بين أولوياتها إدراج الهند في المنتدى، لكن منذ أن قررت نيودلهي في النهاية عدم الانضمام توقفت المفاوضات.

اختتم الكاتبان المقال مشيرين إلى أن عدد أصدقاء نيودلهي داخل «أبيك» ليس كافياً لجعل الإدماج واقعاً على المدى القريب. مع الأخذ في الاعتبار أن وعود إدارة أوباما تبخرت في السحاب مع نهاية ولايته، وفي ظل الأوضاع الراهنة أصبحت مبادرات موسكو وبكين سراباً. كذلك تخيم التوترات بين الصين والهند على إعادة النظر في العضوية. من ناحية أخرى لم تعط إدارة بايدن الأولوية لاجتماع هذا العام حيث تخطى الرئيس الحدث رفيع المستوى لأسباب شخصية، وسيرسل نائبته كامالا هاريس لتمثيله في المنتدى. من المرجح أن تضطر الهند إلى الانتظار أكثر في الصف لا سيما عندما تستضيف الولايات المتحدة الاجتماع في عام 2023 نظراً لما يشهده العالم من توترات بين القوى الكبرى.

……………….

النص الأصلي:

https://www.geopoliticalmonitor.com/revisiting-indias-inclusion-in-apec/

ـــــــــــــــــــــ

* كاتبة ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.