الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ماذا بعد فشل بايدن في ردع بوتين؟

محمد المنشاوي *

تبادل الرئيسان، الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، خلال الأيام الماضية، إطلاق تصريحات نارية تؤكد عدم وجود حاجة لإجراء محادثات مباشرة مع بعضهما البعض.

سيتواجد الرئيسان الشهر القادم في قمة دول الـ20 في إندونيسيا، ولا توجد أي خطط لعقد لقاء بينهما حتى الآن. إلا أن عدم انعقاد قمة بين الرئيسين يحمل مخاطر جديدة للأمن العالمي خاصة مع تهديد موسكو بإمكانية اللجوء للسلاح النووي للحفاظ على وحدة التراب الروسي. كان الرئيس الروسي قد أشار إلى أن الولايات المتحدة خَلقتْ «سابقة» باستخدام الأسلحة النووية ضد اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية؛ ثم هدد بوتين بعدها، وفي نفس الخطاب، باستخدام كل الوسائل المتاحة له لحماية الأراضي الروسية. لتجنب السيناريو الكارثي النووي، يجب على إدارة بايدن ردع موسكو عن التفكير في استخدام الأسلحة النووية على أي مستوى في الصراع الأوكراني، طالما يتم إغلاق النافذة الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو.

                                                                          *          *          *

زادت تهديدات الخيار النووي في وقت تبدو فيه روسيا غير قادرة على تحقيق انتصار واضح في حربها على أوكرانيا على الرغم من مرور أكثر من ثمانية أشهر على بدء القتال.

منذ عدة أشهر يحذر مسؤولون أمريكيون من أن روسيا قد تلجأ إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل، إذا عانت من انتكاسات في ساحة المعركة. ويأمل الرئيس الروسي، وكبار مستشاريه، في أن يؤدي التهديد باللجوء للأسلحة النووية التكتيكية إلى تحطيم عزم الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، لدعم أوكرانيا؛ ومراجعة حجم مخاطر الاقتراب من مواجهة روسية مباشرة مع دول حلف الناتو.

إذا خضعت واشنطن لتهديدات موسكو، سيكون ذلك تراجعاً كبيراً من الموقف الأمريكي الحالي، وقد يفتح الباب أمام المزيد من الابتزاز النووي الروسي. في الوقت ذاته، سيؤدي اضطرار الولايات المتحدة للرد على أي هجوم نووي روسي إلى دفع حلف الناتو إلى مواجهة نووية مفتوحة، وهو ما تجنبه العالم على مدى العقود السبعة الماضية.

                                                                          *          *          *

يلقي الكثير من الخبراء الأمريكيين باللوم على الرئيس بايدن لفشله في ردع الرئيس الروسي، وهو ما جعله يتمادى في عدوانه ليصل لدرجة التهديد بالخيار النووي. إن عملية الردع أكثر تعقيدا مما تبدو عليه، ويُشترط للردع أن يقتنع أطرافه بجدية مواقف الأطراف الأخرى.

لم تحقق جهود إدارة بايدن لردع روسيا نجاحاً يذكر خلال الفترة من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وحتى عبور القوات الروسية الحدود الأوكرانية يوم 24 شباط/ فبراير 2022. ولم تنجح إدارة بايدن في ردع روسيا عن ضمها لأربعة أقاليم أوكرانية في الدونباس. أخيراً لم ينجح بايدن في ردع بوتين فيما يتعلق بالخيار النووي، مما سهل من مهمة بوتين بالتهديد الجاد بالخيار النووي خلال الأسابيع الأخيرة.

يرى بعض الاستراتيجيين الأمريكيين أن عدم ردع العدوان الروسي يمثل أحد أكثر الإخفاقات تكلفة في السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات الأخيرة. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن تفهم الخطأ الذي حدث، وكيف يمكن تجنب أخطاء مماثلة في جهودها الدبلوماسية القادمة؟

                                                                          *          *          *

عن قصد وبدون قصد، أرسلت إدارة بايدن رسائل مختلطة إلى روسيا العام الماضي، فمن ناحية، رتبت إدارة بايدن لتنسيق رد فعل غربي متحد واسع النطاق للغزو الروسي المحتمل حينذاك؛ حيث انضم الأوروبيون إلى الأمريكيين في التهديد بفرض عقوبات صارمة، وهو ما كان. كما بادر مسؤولو إدارة بايدن برفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية الحساسة المتعلقة بخطط واستعدادات موسكو لغزو أوكرانيا، ونشرها بطرق تقوض بشكل كبير التصريحات الرسمية والدعاية الروسية. وقد ساعدت هذه المعلومات الاستخباراتية في بناء الوحدة الغربية في مواجهة الهجوم الروسي، وبالفعل كانت حملة فعالة، وإن كانت غير تقليدية. إلا أنه في الوقت ذاته، بالغت أو أخطأت، إدارة بايدن في تقديرها للقوة العسكرية الروسية وكفاءتها، ومع تأكد الأمريكيين من اقتراب روسيا من غزو أوكرانيا، أمرت واشنطن دبلوماسييها بمغادرة كييف على الفور، وعرضوا على رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي طائرة للفرار.

لم تكن هذه رسالة ردع بل مجموعة رسائل دعمت من يقين بوتين بنجاح الغزو. وكان الخطأ الكبير المتكرر من جانب بايدن وكبار مسؤولي إدارته ممثلاً في طمأنة الروس بأن القوات الأمريكية لن تقاتل من أجل دولة غير عضو بحلف الناتو، ومن هنا لم يكن الرئيس بوتين بحاجة إلى القلق بشأن أي رد عسكري أمريكي قوي أو فوري.

                                                                          *          *          *

تدرك روسيا تردد الولايات المتحدة وألمانيا في تقديم أسلحة أكثر تقدماً لأوكرانيا يمكن أن تصل مقذوفاتها إلى داخل العمق الروسي، خوفاً من ردة الفعل الروسية المتوقعة. من هنا يرى نفس هؤلاء الاستراتيجيين أن على واشنطن أن تبعث برسالة واضحة لروسيا مفادها أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تم استخدام الأسلحة النووية التكتيكية الروسية، والتي يمكن أن تكون قدرتها التدميرية بسيطة جداً مقارنة بقنابل مدينتي هيروشيما وناجازاكي. إذ يمكن للأسلحة النووية التكتيكية أن تنفجر في السماء أو تحت سطح البحر بحيث لا تقتل أحداً، أو في قرية صغيرة أو قاعدة عسكرية أوكرانية، بحيث تقتل مئات فقط لكن تبقى مشكلة الإشعاع النووي الذي تحركه الرياح.

وبعد التقدم الأوكراني المتمثل في استعادة مئات الكيلومترات التي سبق وسيطرت عليها القوات الروسية، لجأ الرئيس بوتين لاتباع نظرية الابتزاز النووي، ويبدو أن تحركه قد سُمع جيداً في واشنطن وبقية العواصم الغربية.

ومع ذلك، يبدو أنه لا توجد إلا طريقة واحدة لردع الرئيس الروسي لكن لم يلجأ إليها الرئيس بايدن بعد، وهي التأكيد على أن عواقب إدخال السلاح النووي في الحرب الأوكرانية سيكون من نتائجها تدمير الجيش الروسي والقضاء على حكم الرئيس بوتين نفسه.

                                                                          *          *          *

في الوقت الذي يؤمن فيه الأمريكيون أن خطر الصين هو التهديد الأكبر على الهيمنة الأمريكية على الشؤون العالمية، إلا أنهم يرون في مواجهة روسيا درساً تبعثه واشنطن للصين لردعها عن السعي لضم تايوان بالطرق العسكرية.

في النهاية لا يعني ردع دولة ما إذلالها، كما أكد الرئيس السابق جون كينيدي إبَّان أزمة الصواريخ الكوبية، يجب أن يعمل الردع ليدعم ويكمل الدبلوماسية. كلما كان الردع أكثر فعالية، كلما أصبح الحل الدبلوماسي أكثر مرونة وقابلية للحدوث.

* كاتب صحفي مصري متخصص في الشؤون الأمريكية

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.