الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

تغيرات في السياسة الخارجية والداخلية لتركيا

توران قشلاقجي *

عززت تركيا نفوذها على صعيد السياسة الخارجية بصفتها جهة فاعلة تحافظ على السلام والاستقرار في منطقتها وتغير الموازين في العديد من المناطق التي توجد فيها، لاسيما في السنوات الأخيرة. فمن حيث السياسة الإقليمية والعالمية، أصبحت تركيا لاعبا لا يمكن تجاهله، وعلى هذا الأساس بات من المهم أن نناقش الأفكار المتعلقة بطبيعة السياسة المستقبلية التي ستتبعها تركيا في منطقتها وعلى مستوى العالم.

شهدت السياسة الداخلية والخارجية لتركيا تطورا يقوم على المجال الأمني، باعتباره ضرورة، خاصة في الفترة التي أعقبت محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016. وتعمل تركيا الآن على تطوير هذه السياسة القائمة على الاستراتيجية من خلال إفساح المجال أمام المزيد من المبادرات المختلفة. ويشير الرئيس رجب طيب أردوغان إلى استراتيجية تركيا الجديدة في جميع القمم الدولية التي يحضرها، ولكن لم تنشر حتى اليوم وثيقة مفهوم استراتيجي يحدد غايات وأهداف تركيا، ويرصد فرصها وتحدياتها وتهديداتها على غرار وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، ووثيقة المفهوم الاستراتيجي لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

على الرغم من عدم نشر أي وثيقة حول سياسة تركيا الجديدة، إلا أن الرئيس أردوغان يكشف مسار السياسة الجديدة في خطاباته، وقد برزت خمس قضايا في تصريحات أردوغان الصحافية على هامش قمة براغ التي عقدت في جمهورية التشيك الأسبوع الماضي:

1- تركيا لا تنظر إلى المجموعة السياسية الأوروبية كبديل لعملية الانضمام للاتحاد الأوروبي.

2- أنقرة مستعدة للتطبيع مع يريفان دون أي شروط مسبقة، طالما تم اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل السلام بين أذربيجان وأرمينيا.

3- أردوغان يمكن أن يلتقي الأسد عندما يحين الوقت المناسب.

4 – لا يوجد تطور في عملية انضمام السويد إلى الناتو في حين أعطي الضوء الأخضر من أجل فنلندا.

5- عبارة «قد نأتي بغتة ذات ليلة» الموجهة لليونان ليست خدعة، وإنما كانت عبارة عن تحذير جاد.

وتُظهر هذه التصريحات أن هناك تطورات جديدة محتملة بشأن التطبيع مع أرمينيا وسوريا، في حين أن التوترات مع اليونان مستمرة. يجب على أثينا وقف الاستفزازات، واتخاذ خطوات إيجابية ملموسة من أجل تخفيف التوتر الحالي في الأشهر المقبلة، التي سيدخل فيها البلدان مرحلة الانتخابات؛ مثل نزع السلام في الجزر التي تتمتع بوضع غير عسكري. في خضم هذه التطورات على صعيد السياسة الخارجية، هناك خطوات جديدة بدأت تتخذ في العديد من المجالات في السياسة الداخلية أيضا. أولها هو بداية عاصفة سياسة هوية جديدة تماما مع انفتاح الحكومة على العلويين. وقد أشرف الرئيس أردوغان يوم الجمعة الماضي على افتتاح 4 «بيوت جمع» ووضع حجر الأساس لبناء 7 «بيوت جمع» أخرى في خطوة انفتاح مهمة للغاية. وأعلن أردوغان عن تأسيس رئاسة شؤون الثقافة وبيوت الجمع في إطار وزارة الثقافة والسياحة لتشرف على إدارة جميع بيوت الجمع في تركيا، وقال إنه سيتم تخصص كوادر لقادة العلوية – البكداشية في حال طلبوا ذلك. وسيساهم هذا القرار في حل مشاكل بيوت الجمع المتعلقة بخطط الإعمار من خلال تلبية مصاريف الإضاءة والمياه والصيانة والعناية فيها. ويمكن القول إن هذه الخطوات تعني إعطاء مكانة إدارية وثقافية لبيوت الجمع. وبهذه يكون حزب العدالة والتنمية الحاكم قد اتخذ خطوة مهمة حيال مشاكل العلوية في إطار سياسة الانفتاح التي أطلقها تماشيًا مع مطالب أبناء الطائفة المتشكلة من جماعات مختلفة. وأصبحت بيوت الجمع الآن تتمتع بدعم وهيكل إداري ومالي محكم. لكن من الواضح أن هذه الصيغة المطروحة مختلفة عن مطالب الجماعات العلوية التي تريد منح صفة دار العبادة لبيوت الجمع.

خلاصة الكلام؛ تتخذ تركيا خطوات جديدة في سياستها الداخلية والخارجية، وتسعى إلى تأسيس سياسة جديدة قوية للتعامل مع التوازنات العالمية المتغيرة بسرعة. وتعتبر تركيا عنصرا لا غنى عنه لكل من الشرق والغرب نظرا للمنطقة التي تقع فيها. وبالمثل، لا يمكن لتركيا الاستغناء لا عن آسيا ولا عن أوروبا. وبالتوازي مع انتمائها إلى التحالف الغربي عبر حلف الناتو، يمكن لتركيا أن تشارك في منظمات أخرى مثل مجموعة بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون، وأن تعمل على تقييمها كخيارات بديلة.

* كاتب تركي

المصدر: القدس العربي

التعليقات مغلقة.