الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

أمن تايوان.. كلمة السر لحماية استقرار الصناعات الأمريكية

وفاء هاني عمر *

نشرت مجلة The Atlantic مقالا للكاتب “جيسون ماثني” بتاريخ 3 تشرين الأول/ أكتوبر تناول فيه مخاطر احتكار تايوان لمجال صناعة الرقائق الدقيقة في ظل التهديدات الصينية لها، وتأثير ذلك على صناعات العالم، بخاصة الولايات المتحدة، مقترحاً حلاً للولايات المتحدة لتعزيز أمن تايوان والرقائق في آن واحد… نعرض من المقال ما يلي:

كانت تعد هيمنة تايوان على صناعة الرقائق الدقيقة نعمة للاقتصاد العالمي، لكنها تمثل الآن تحدياً وأزمة. تحتكر تايوان تقريباً صناعة الرقائق الدقيقة على مستوى العالم، والتي هي عملياً تدخل في صناعة كل شيء: السيارات، صانعات القهوة، الآلات الزراعية. يعاني العالم بأسره من أزمة نقص مكونات إلكترونية دقيقة، بما في ذلك نحو 92 في المائة من جميع الرقائق الدقيقة المتقدمة المصنوعة بشكل كبير في جزيرة تايوان التي تواجه في الوقت ذاته تهديدات صينية.

تعّتبِر الصين تايوان منطقة انفصالية وتعهدت بإعادتها تحت سيطرتها. إذا استولت الصين على تايوان، فقد يحدث أحد الشيئين لإمدادات الرقائق: إما أن ينتهي الأمر إلى أن تسيطر الصين على مصانع الرقائق الدقيقة، أو تدميرها في الصراع العسكري. في كلتا الحالتين، سيترتب على ذلك كارثة اقتصادية عالمية. في السيناريو الأول، يمكن أن تقرر الصين الحد من وصول الولايات المتحدة وحلفائها إلى الرقائق المتقدمة، مما يقلل بشكل كبير من المزايا التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية. ولكن إذا حدث السيناريو الثانى، فقد يشهد العالم أزمة اقتصادية لم نشهد مثلها منذ الكساد الكبير.

لحسن الحظ، تراقب وتتعلم تايوان الآن من الأزمة الروسية الأوكرانية. والدروس التي تستخلصها تايوان من هذا الصراع تشير إلى كيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد تايبيه- وهي نفسها- على تجنب تلك النتائج الوخيمة المذكورة آنفاً.

                                                                         *            *            *

أردف الكاتب القول بأن واحدة من الشركات المصنعة الرئيسية في الجزيرة التايوانية هي شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات المحدودة، وهي تصنع العديد من الرقائق الدقيقة الأكثر أهمية في العالم لشركات Nvidia وQualcomm وApple وآلاف الشركات الأخرى. قبل خمسة وثلاثين عاماً، عندما كانت المسابك المعدنية لشركة TSMC (شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات المحدودة) قد بدأت للتو، كانت شركة Intel الأمريكية قد صنعت نحو 65 بالمائة من الرقائق المتقدمة في العالم. لكن الوضع قد تغير الآن، حيث تسيطر إنتل فقط على أقل من 10 في المائة، بينما تبلغ حصة TSMC 53 في المائة.

تكمن أهمية حماية استقرار صناعة الرقائق في مجال صناعة السيارات الأمريكية، التي توقعت خسارة إيرادات تقدر بنحو 210 مليارات دولار العام الماضي بعد أن أدى تباطؤ المصانع الناجم عن الجائحة إلى نقص في سلسلة التوريد لرقائق السيارات. إذ نشب صراع مع الصين، فإن تدمير تصنيع الرقائق الدقيقة في تايوان لن يعني تباطؤاً وحسب، بل وقف مفاجئ وكامل لما يقرب من ثلثى إمدادات العالم للصناعات التي تعتمد عليها. تتمثل الخطورة الحقيقية في شبه احتكار تايوان لصناعة الرقائق الدقيقة، لذلك فإن أفضل طريقة للخروج من هذه الكارثة المحتملة هي زيادة الإنتاج في أماكن أخرى، بما في ذلك في الولايات المتحدة. ولعل قانون صناعة الرقائق الذى تم تمريره أخيراً بدعم من الحزب الجمهوري والديمقراطي خطوة جيدة لمحاولة السيطرة على هذا الاحتكار، الذي بموجبه سيتم تمويل برامج صناعة الرقائق بقيمة 53 مليار دولار. إن تطوير التصنيع المحلى لأشباه الموصلات أمر بالغ الأهمية للتنافسية والأمن القومي للولايات المتحدة.

لكن هذا القانون لن يوفر الحماية للصناعات الأمريكية من التهديدات الصينية، إن فكرة استبدال واردات الرقائق الدقيقة من تايوان بمنتجات أمريكية الصنع تغض النظر عن المدة التي استغرقتها تايوان حتى تصبح الجزيرة القادرة على المنافسة عالمياً. لذا، من المحتمل أن تحتاج الولايات المتحدة إلى عدة عقود على الأقل من الاستثمارات الإضافية قبل أن تتمكن من تصنيع معظم الرقائق الدقيقة التي تتطلبها محلياً.

إضافة إلى ذلك، أن شركة TSMC لها ميزات يصعب تخيلها تتكرر في مكان آخر. على سبيل المثال، قسم الأبحاث المتقدمة الخاص بالشركة لديه مهندسون يعملون في ثلاث نوبات للتمكن من العمل 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع؛ ولهذا يعرفون على أنهم «درع السيليكون» في تايوان.

                                                                         *            *            *

يشير الكاتب إلى مشكلة أخرى ألا وهي المشكلة الزمنية، أي قد يكون الأوان فات عند تحرك أمريكا للدفاع عن تايوان والرقائق الدقيقة. بالتالي، سيكون العالم بالفعل في طريقه إلى السقوط في الهاوية الاقتصادية.

أما بالنسبة لموقف تايوان العسكري، فيرى كاتب المقال أن أفضل طريقة للرد على غزو الصين هي تحرك الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان. شارك الرئيس جو بايدن نفس الرأي عندما سئل في مقابلة أجريت معه أخيراً في برنامج 60 دقيقة، عما إذا كانت القوات الأمريكية ستدافع عن الجزيرة. قال: «نعم، إذا كان هناك هجوم غير مسبوق».

لكن لدى الولايات المتحدة خياراً ثالثاً هو أن تجعل غزو الصين لتايوان مكلفا للغاية من خلال تمكين تايوان الدفاع عن نفسها. في وقت سابق من هذا الشهر، طلبت إدارة بايدن، ومن المتوقع أن يوافق الكونجرس، على بيع أسلحة بقيمة 1.1 مليار دولار لتايوان تضمنت صواريخ مضادة للسفن وصواريخ جو- جو، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 665 مليون دولار لدعم برنامج رادار المراقبة في تايوان. لكن ربما تحتاج تايوان إلى مزيد من الدعم لردع الغزو الصيني.

للأسف، تتمتع تايوان بتاريخ مؤسف في سياسة الإنفاق العسكري، أي تنفق تايوان الكثير على أسلحة باهظة لا يحتمل أن ينجو أي منها في الأيام الأولى من الحرب مع الصين. على الصعيد الآخر، لفت الكاتب الانتباه إلى أن بعض أنواع الأسلحة التي وافقت الولايات المتحدة على بيعها لتايوان يستخدمها الأوكرانيون حالياً في حربهم الدفاعية ضد روسيا.

ختاماً، تعد إحدى عقبات عملية تسليح تايوان بالسرعة التي تريدها أمريكا هي الأزمة التي تمر بها عملية تصنيع الأسلحة الأمريكية الناجمة عن نقص الرقائق الدقيقة على حد قول الكاتب، لكن تلك المشكلة مؤقتة. إن هذه الأزمة تؤكد على ضرورة تعزيز الولايات المتحدة أنظمة تايوان الدفاعية للحفاظ على أمن واستقرار الصناعة الأمريكية.

………………….

 النص الأصلي:

https://www.theatlantic.com/international/archive/2022/10/taiwan-microchip-supply-chain-china/671615/

ــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.