محمد المنشاوي *
مع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا شهرها الثامن دون ظهور أي بوادر على إيقافها في المستقبل القريب، يزداد قلق الشعب الأمريكي من خطر تورط بلادهم في حرب لا يرون أنها تخدم مصالحهم المباشرة.
وشهدت الأيام الأخيرة تطورات دراماتيكية بدأت مع التراجع الروسي المفاجئ وتقدم القوات الأوكرانية لمناطق سيطرت عليها روسيا منذ أيام القتال الأولى في نهاية شباط/ فبراير الماضي. وأعقب ذلك إعلان الرئيس فلاديمير بوتين الدعوة لتعبئة جزئية لمئات الآلاف من المقاتلين الروس، ثم مطالبته للعالم بأخذ تهديداته باللجوء للسلاح النووي على محمل الجد. وبعد انتهاء استفتاء مقاطعات إقليم الدونباس الذى تشكل أراضيه 15% من إجمالي الأراضي الأوكرانية بالموافقة شبه الجماعية على الانضمام للاتحاد الروسي، ورفض المجتمع الدولي لهذه الخطوة، لا يُنتظر أن تشهد جبهات القتال هدوءاً فى المستقبل القريب.
في الوقت ذاته تستمر واشنطن في لعب أحد أهم الأدوار غير المباشرة والخطرة في حرب أوكرانيا. فبعدما حذرت واشنطن من غزو وشيك منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لم تتوقف إدارة الرئيس جو بايدن عن إمداد الجانب الأوكراني بالكثير من المعلومات الاستخباراتية، ناهينا عن أسلحة ومساعدات تخطت قيمتها 17 مليار دولار، مع تعهد متكرر بتقديم المزيد.
وحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من أن العقوبات الأمريكية على روسيا قد تضر بالاقتصاد الأمريكي، لكنه أكد أن دعم أوكرانيا والدفاع عنها يستحق التكلفة، حيث صاغ الحرب على أنها معركة بين الديمقراطية والاستبداد.
* * *
تلقت القوات المسلحة الأوكرانية العديد من حزم الأسلحة من الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، وهي حزم شملت صواريخ مضادة للدبابات، وأنظمة دفاع جوي، ومدفعية صاروخية بعيدة المدى سمحت للقوات الأوكرانية ليس فقط بوقف التقدم الروسي، بل وحتى دفع القوات الروسية إلى الوراء.
إلا أن استطلاعات الرأي ترصد تردد الشعب الأمريكي تجاه «توريط» بلاده في القتال بصورة مباشرة في أوكرانيا، في الوقت ذاته يرتفع صوت تيار معارض لتقديم المساعدات الواسعة لكييف، ومن المتوقع أن يتسع هذا التيار قوة في حال فاز الحزب الجمهوري بانتخابات الكونجرس في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وعلى الرغم من عدم وجود تأثير كبير للقضايا الخارجية في انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، إلا أن أي تغيير في توازن القوى داخله، وحتى إذا ذهبت أغلبية أحد المجلسين فقط إلى الحزب الجمهوري فلن يكون تقديم المساعدات بالسهولة التي تقدمها واشنطن حالياً نظراً لتحفظ الكثير من أنصار التيار اليميني بالحزب الجمهوري على تقديم هذا القدر من المساعدات لأوكرانيا.
ويندد الرئيس السابق دونالد ترامب بتقديم مساعدات لأوكرانيا، وقال إن «الديمقراطيون يرسلون 40 مليار دولار أخرى إلى أوكرانيا، ومع ذلك فإن بعض العائلات الأمريكية تكافح حتى لإطعام أطفالها».
ومن المفترض أن تستمر المساعدات لأوكرانيا حتى نهاية السنة المالية بنهاية أيلول/ سبتمبر 2022، لكن من الصعب تصور تقديم أي مساعدات إضافية قبل انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر.
* * *
هدف إدارة جو بايدن من الحرب غير واضح، فبعدما اهتمت واشنطن بدعم أوكرانيا للدفاع عن أراضيها، ترتفع أصوات مطالبة بضرورة «هزيمة روسيا وانتصار أوكرانيا». ومن غير الواضح بعد كيف يمكن لواشنطن العمل على هزيمة روسيا دون تجنب صراع مباشر بين أمريكا ومن ورائها حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبين روسيا المسلحة نوويا.
تتمتع أوكرانيا بدعم سياسي كبير من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، إلا أن غياب أي مسار لحل دبلوماسي يوتر البعض في واشنطن. ويرفض هؤلاء فكرة أن هناك حلاً عسكرياً للصراع يتضمن هزيمة روسيا، ويحبذون رؤية جهود دبلوماسية لإنهاء الحرب إذا كان للمساعدات أن تستمر.
وفقاً لاستطلاع للرأي أجراه معهد كوينسي، فإن 57٪ من الناخبات والناخبين الأمريكيين يؤيدون سعي الولايات المتحدة إلى إجراء مفاوضات دبلوماسية في أقرب وقت ممكن لإنهاء الحرب في أوكرانيا، حتى لو تطلب الأمر من أوكرانيا تقديم تنازلات لروسيا. 32٪ فقط ممن شملهم الاستطلاع عارضوا ذلك بشدة أو إلى حد ما.
يدرك الشعب الأمريكي ما لا يدركه الكثيرون داخل إدارة الرئيس جو بايدن من أنه من المرجح أن تنتهى حرب روسيا في أوكرانيا على طاولة المفاوضات أكثر من ساحات القتال. وهناك شكوك تتزايد نحو التشكيك في نهج واشنطن تجاه هذه الحرب خاصة مع استمرار تأثر المواطنة والمواطن الأمريكي بارتفاع الأسعار من حوله.
فما يجري الآن ليس استراتيجية أمريكية واضحة المعالم والأهداف، على العكس فهي وصفة لسنوات من الحرب الكارثية التي تُبعد الغرب أكثر عن هدف تأمين أوكرانيا مزدهرة ومستقلة وديمقراطية كما يدعي. حان الوقت للرئيس بايدن أن يشرح للشعب الأمريكي كيف يخطط لاستخدام نفوذ واشنطن السياسي والدبلوماسي الكبير لإنهاء هذه الحرب.
وفي حين ساعد الدعم الأمريكي الجهود الحربية الدفاعية الأوكرانية، يظهر أن هناك مخاوف متزايدة بشأن ما يمكن أن يعنيه المزيد من الدعم بدون دبلوماسية واستمرار هذا الصراع الوحشي ليس فقط بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، ولكن بالنسبة لدول أخرى أيضاً.
من المحبط عدم وجود ما يشير إلى أن واشنطن تستكشف الفرص للبحث عن تسوية تضمن استقلال أوكرانيا وتحافظ على صورة ومكانة روسيا في الوقت ذاته.
* كاتب صحفي مصري متخصص في الشؤون الأمريكية
المصدر: الشروق
التعليقات مغلقة.