نبيل السهلي *
يُعتبر المؤرخون الفلسطينيون للقضية الفلسطينية ومراحلها المختلفة؛ حرّاساً حقيقيين للرواية الفلسطينية والهوية الوطنية؛ وتالياً تعزيزها وترسيخها وصيرورتها، لمواجهة زيف الدعاية الصهيونية؛ وقد برزت قامات ورموز من المؤرخين في مجالات التاريخ المكتوب والشفوي؛ ونستحضر هنا سيرة مؤرخين فلسطينيين؛ هما ماهر الشريف وأحمد خليل العقاد.
الدكتور ماهر الشريف:
يعتبر المؤرخ الفلسطيني ماهر الشريف من أهم المؤرخين الفلسطينيين ؛ ويحمل الشريف شهادة دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة السوربون في باريس ؛ من مواليد دمشق عام 1950لأب فلسطيني وأم سورية.
وهو باحث متفرغ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت؛ وشغل أستاذ التاريخ العربي في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في دمشق وبيروت ؛ كما أشرف على إصدار مؤلفات جماعية عن التراث الثقافي الفلسطيني والطبقة العاملة الفلسطينية، وعن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، ومن أهم مؤلفاته: “رهانات النهضة في الفكر العربي”، “عن بعض مظاهر الماركسية: مراجعة نقدية”، “الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين 1919 ـ 1948”، “فلسطين في الأرشيف السري للكومنترن” وهي الأممية الثالثة أو الشيوعية الدولية، “حي الميدان في العصر العثماني”، “تطور مفهوم الجهاد في الفكر الإسلامي”، “تاريخ فلسطين الاقتصادي ـ الاجتماعي”، “الشيوعية والمسألة القومية في فلسطين”، و“المثقف الفلسطيني ورهانات الحداثة (1908 – 1948) ” الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت عام 2020 .
ومن أهم مؤلفاته من وجهة نظر شخصية “قرن على الصراع العربي ـ الصهيوني: هل هناك أفق للسلام؟” وقد صدر عن دار المدى في دمشق عام 2011، حيث أكد خلاله على أهمية الدعم الأمريكي بكافة المستويات العسكرية والدبلوماسية لإسرائيل بغرض استمرارها على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه الوحيد فلسطين.
واللافت أنه عند كتابة التاريخ كان الدكتور المؤرخ ماهر الشريف يطرح أسئلة متشعبة حول إمكانية كتابة تاريخ محلي بالاستقلال عن المناهج الغربية، من ضمنها المناهج الاستعمارية في الفترة ما بعد النكبة، فضلاً عن النزعة العربية التي طغت على كتابة التاريخ الفلسطيني في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.
وقد شارك الدكتور ماهر الشريف بعدد كبير من المؤتمرات والندوات حول القضية الفلسطينية، فضلاً عن كتاباته المقالات السياسية الدائمة حول مسارات القضية الفلسطينية المختلفة.
أحمد خليل العقاد:
ولد المؤرخ والصحافي الراحل أحمد العقاد في مدينة يافا أرض البرتقال الحزين خلال عام 1916، وتوفي عام 1977في لجوئه الأخير في مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية دمشق.
وقد تلقى الراحل علومه في يافا ثم أتمّها في الكلية الإسلامية في بيروت، وقد صدر كتابه تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في عمان عام 1966، وترأس تحرير إحدى الصحف الفلسطينية في يافا وهي “الرأي العام” منذ تأسيسها في يافا عام 1946.
وواظب على إصدارها حتى بعد النكبة، فقد انتقل إلى بيروت لاجئاً وهناك تابع إصدارها، وفي أواخر عام 1949 انتقل إلى الأردن وأقام في القدس وواصل إصدارها حتى صدور قرار بإلغاء امتياز عدد من الصحف والمجلات وكانت الرأي العام من بينها فتوقفت عن الصدور؛ مع الاشارة أن الراحل العقاد لجأ وعائلته بعد النكبة 1948، والمؤلفة من زوجته وبناته الثلاث إلى الأردن، وهناك أصيب بالشلل سنة 1960، ليرحل بعد ذلك الى مخيم اليرموك في سوريا، ويتوفي هناك ويدفن في مقبرة الدحداح وسط العاصمة دمشق عام 1977، وهي مقبرة كان يدفن فيها أضرحة قادة عسكريين وسياسيين سوريين ورؤساء سابقين.
واللافت أن الراحل أحمد العقاد ؛ كان متعدد المهارات والمهن، حيث عمل في مهنة نجارة الموبيليا عدة سنوات، وفي سنة 1935 عين معلما في مدرسة (سلمة) الأميرية ؛ الواقعة في الشرق من مدينة يافا مسقط رأسه ، لكنه استقال من وظيفته هذه بعد سنة واحدة ليعمل محرراً صحافياً في يومية الجامعة الإسلامية التي كان يملكها الشيخ سليمان التاجي الفاروقي، ثم انتقل للعمل العقاد في جريدة “فلسطين” التي كانت ذائعة الصيت والتي كان مالكها ورئيس تحريرها الراحل رجا العبسى، ثم غادرها إلى يومية “الدفاع” التي كانت مملوكة لإبراهيم الشنطي الذي ترأس تحريرها أيضا؛ وبقي العقاد فيها حتى عام 1936؛ إضافة إلى عمله كصحافي وإعلامي بارع ، ثمة إصدارات للراحل أحمد العقاد؛ ومنها ديوان الشعر الشعبي الوطني في فلسطين في بيروت عام 1939.
في عام 1946، صدر في يافا بفلسطين كتاب بعنوان (من هو) يعرف برجالات فلسطين ويقدمهم لأبناء الأمة.
وقد قدم صاحب الكتاب أحمد خليل العقاد في كتابه زهاء أربعمئة ترجمة لشخصيات فلسطينية عاملة في مختلف الميادين من علم وصناعة وتجارة وسياسة وما إلى ذلك، في أثناء حياتهم، بقصد إرشاد الناس إلى بعضهم ، وإقامة المعاملات والمنافع المتبادلة على أساس التعارف، فضلاً عن كتاب تاريخ الصحافة العربية في فلسطين؛ وهو ثمرة جهد وبحث متواصلين داما عشرين سنة، جمع فيه أسماء الذين عملوا في الصحافة منذ نشأتها من كتاب ومحررين ومراسلين في كافة المدن والأقضية الفلسطينية.
طبع الكتاب مرتين في دمشق الأول عام 1966 والثانية عام 1967 ، والكتاب يتألف من مئتي صفحة؛ مترجمة حول أعلام الصحافيين الفلسطينيين ممن عمل في فلسطين والبلاد العربية، كما أنه أرخ للصحف والمجلات التي صدرت في فلسطين قبل نكبة عام 1948 ، وكذلك الحال بالنسبة لصحف أصدرها فلسطينيون في دول عربية مختلفة ؛ ومن رموز الصحافة الذين ترجم لهم أو ذكرهم الراحل العقاد ؛ الأستاذ عيسى العيسى، ونجيب نصار، وفهمي الحسيني ، وسليمان التاجي الفاروقي، والشيخ عبد الله القلقيلي، وبولس شحادة، وعادل جبر، وإبراهيم الشنطي، وعيسى البندك وعارف العارف، كما ذكر العقاد (251) رمزاً وقامة من الكتاب والأدباء الذين عملوا في الصحافة الفلسطينية، ورتبهم حسب حروف المعجم مع ذكر المدن التي عملوا فيها، وقد يكون بذلك الأهم في إطار سيرة الراحل الإعلامية التوثيقية.
* كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي
التعليقات مغلقة.