مكاسب عديدة تسعى حكومة دمشق لتحقيقها، من افتتاح أول مركز “تسوية” لها في مدينة خان شيخون، جنوبي إدلب (شمالي سوريا)، سواء كانت سياسية من خلال بعثها رسائل نحو الخارج، بصلاحية مناطقها لعودة النازحين/اللاجئين، أو مادية عبر الاستفادة من أجواء عودة السوريين، وما ستخلفه من نشاط اقتصادي ودعم المنظمات الإنسانية.
مركز “التسوية” الجديد (المصالحة)، الذي أُعلن عن افتتاحه مطلع الشهر الجاري، جاء بعد التصريحات التركية الأخيرة المتعلقة بإمكانية عودة العلاقات مع دمشق، وهو ما يثير التساؤلات حول ارتباط توقيت افتتاح هذا المركز بمقاربة التطبيع بين أنقرة ودمشق.
قطار التسويات وصل إلى إدلب، مع افتتاح حكومة دمشق مركزا في مدينة خان شيخون، لإفساح المجال أمام الراغبين بتسوية أوضاعهم، بحسب تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، حيث حضر الافتتاح، شخصيات أمنية وعسكرية تابعة للحكومة السورية، على رأسها اللواء حسام لوقا، مدير إدارة “المخابرات العامة” و المسؤول عن ملف المصالحات.
دمشق، يهمها أن يعود الأهالي في تلك المناطق إلى قراهم ومنازلهم، وفق تصريح محافظ إدلب، ثائر سلهب، لـ “الوطن” المحلية، حيث أن الأولوية، هي لتسوية أوضاع المتخلفين عن خدمة العلم والفارين منها، وقد تجاوز عدد من تمت تسوية أوضاعهم الثلاثين شخصا، ومنذ صدور العفو الرئاسي الأخير، قدم الكثير من الأشخاص والعائلات عبر التهريب إلى مناطق سيطرة الحكومة في إدلب للعيش فيها، وفق سلهب.
سياسة ممنهجة
مراكز “التسوية” في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق، يعد افتتاحها سياسة ممنهجة تتبعها الأخيرة، في كل منطقة على حدة، بعد العمل على تقسيم الجغرافيا السورية إلى مناطق، بهدف الترويج إلى ما تطلق عليه “المصالحات”؛ وافتتاح أول مركز من هذا النوع في إدلب مؤخرا، يندرج تحت هذا السياق، بحسب حديث، المحلل السياسي، فراس علاوي، لـ”الحل نت”.
هناك جانب يتعلق بالشق الإعلامي المصاحب لافتتاح مركز “التسوية”، ويأتي في معرض تحقيق مكاسب سياسية، فدمشق تريد الإيحاء بوجود تقارب ما مع أنقرة من جهة، ومن جهة أخرى ترسل رسالة سياسية بوجود عودة للنازحين المقيمين في منطقتي شرق وغرب نهر الفرات، إلى مناطقها، بحسب علاوي.
الفصائل المعارضة، سمحت بدورها للمئات من النازحين في منطقتي ريف حلب وإدلب بالدخول إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، في حلب شمال غربي سوريا، خلال الأيام القليلة الماضية، وفقا لتقارير صحفية.
الهدف من افتتاح المركز، بطبيعة الحال، وفق علاوي، إرسال رسائل مزدوجة للخارج، بأن مناطق حكومة دمشق صالحة لاستقبال النازحين، وللداخل أي إلى أنصار الحكومة، بأنها تمسك بزمام الأمور وتسيطر على كامل المنطقة بشكل جيد، أمنيا وعسكريا، وأن هؤلاء الذين خرجوا ضد الحكومة، يعودون إلى المناطق التي تسيطر عليها الآن.
مركز “التسويات”، يخدم فكرة إغراء سكان مناطق المعارضة الذين يعانون من انعدم الأمن والفوضى، ممن لم ينخرطوا في أية أحداث ضد حكومة دمشق، حيث تسعى الأخيرة إلى ترغيب هذه الفئة من السكان، بالعودة إلى قراهم ومدنهم من خلال مراكز “التسوية”، وهذه الخطوة تؤمن تحقيق مكاسب مادية للحكومة، لما ينجم عنها من انتعاش اقتصادي.
أول تصريح، يخص المصالحة بين دمشق والمعارضة، وصفه جمهور المعارضة بالصادم، صدر عن وزير الخارجية التركية، مولود تشاووش أوغلو في آب/أغسطس الفائت، أفاد فيه، بوجوب المصالحة بين حكومة دمشق والمعارضة السورية، وإلا فلن يكون هناك سلام دائم في سوريا.
تشاووش أوغلو، كشف أيضا أنه تحادث مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في أول لقاء من نوعه منذ بداية الاحتجاجات السورية في العام 2011، وقال “أجريت محادثة قصيرة مع المقداد، على هامش اجتماع دول عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلغراد، في نهاية العام الماضي (2021)”.
توافق مع التصريحات التركية
لا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي، أحمد مظهر سعدو، خلال حديثه لـ “الحل نت” أن يكون هناك علاقة بين ما أُعلن عنه من فكرة المصالحة ومن ثم الاشتغال التركي الروسي على موضوع تطبيع معين بين أنقرة ودمشق، وما سمي بافتتاح مركز لتسوية أوضاع السوريين في إدلب.
ويمكن اعتبار الخطوة محاولة من دمشق للتماهي الظاهري مع المبادرات والوساطات الروسية سواء مع تركيا أو غيرها، لكنها ليست مبادرة جادة، وفق سعدو، فالروس لم يكونوا جادين ولا صادقين في كل مايقولون عن أن لديهم مبادرات أو خطوات للحل، وهم مشغولون جدا هذه الأيام، في الوحل الذي دخلوه في أوكرانيا وهو الهم الأساسي لهم، ولا يعنيهم أي تحريك للوضع السوري، ولا يسمحوا بأي تغيير قد يستفيد منه الغرب كما يقولون.
الحكومة السورية لطالما عملت على الإيحاء للداخل والخارج، بأنها معنية في عودة السوريين إلى “تحت سقف الوطن كما تسميها”، وهي بذلك تستمر في سياساتها المكررة والتكتيكية لإغراق الناس والمجتمع الدولي بترهاتها وادعاءاتها المتواصلة لإعمال الإصلاح، والمصالحة الداخلية، وهي أبعد ما تكون عنها، بحسب سعدو، بدلالة أن اللجنة الدستورية وبعد ثماني جولات متتابعة لم تخطو أي خطوة جدية باتجاه الأمام، حتى توقفت بأمر من الحكومة، ومن الروس كذلك وإيران.
لا تتسم مراكز “التسويات” التي تطلقها حكومة دمشق بسمعة حسنة؛ و يواجه بعض العائدين نحو مناطق سيطرة الأخيرة، مخاطر كبيرة، أبزرها إقدام الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة، على اعتقالهم أو سجنهم بالرغم من خضوعهم لإجراءات عملية التسوية، وهذا ما حدث مؤخرا مع عدد كبير من الأشخاص في محافظات عدة، بحسب مصادر “الحل نت”.
دمشق تحاول التأكيد على أنها جادة في توجهها نحو مصالحة ما، بحسب سعدو، وبالتالي تسوية كل الأوضاع للسوريين في إدلب وسواها، وهو نوع من الترويج المستخدم لإعادة تحسين صورة الحكومة الخارجية.
“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ذكرت في تقريرها الصادر في شهر تموز/يوليو الماضي، أن قوات الحكومة السورية تستمر في ملاحقة واعتقال أشخاص أجروا تسوية لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها وأن وقعت اتفاقات تسوية. وتركزت في محافظات ريف دمشق ودرعا والرقة ودير الزور. حصلت معظم الاعتقالات في إطار مداهمات واعتقالات جماعية وعلى نقاط التفتيش، ووثّق التقرير عمليات اعتقال استهدفت بعض العائدين من اللاجئين والنازحين بعد وصولهم إلى مناطق الحكومة السورية وفي أثناء دخولهم إلى سوريا عبر المعابر غير الشرعية.
المصدر: الحل نت
التعليقات مغلقة.