مرّت منذ أيام قليلة ذكرى مجزرة كيماوي الغوطة الشرقية 2013 والتي راح ضحيتها ما يقارب 1400 شهيد، وسبقها في العام 2012 من الشهر نفسه وأعني شهر آب/أغسطس مجزرة داريا الشهيرة التي قدّر عدد ضحاياها ب 700 شهيد، ربما لا يكاد يخلو شهر من شهور السنة إلّا وشهد مجزرة على امتداد التراب السوري، وربما أيضًا لم يخل بيت سوري من أثر من آثار هذه المقتلة.
في الأحوال الطبيعية تكفي واحدة من هذه المجازر لعزل أي نظام دولياً، بل وربما التدخل عسكريًا للإطاحة به، أما في سورية فعلى الرغم من استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية 50 مرة بحسب تصريحات وزارة الخارجية الأميركية ( والرقم أكبر من ذلك بكثير)، وهي نفسها، أعني وزارة الخارجية التي أعلن رئيسها في العام 2003 كذبة عرفها كل العالم فيما بعد – واعترف بها كولن باول بعد ذلك – وهي امتلاك العراق للأسلحة الكيماوية، حيث كانت تلك الكذبة التهمه أو الشبهة لامتلاك الأسلحة الكيماوية كفيلة بحصار العراق، ومن ثم بتدخل عسكري أدى إلى الإطاحة بالرئيس العراقي وإعدامه بعد ذلك، بينما كانت عقوبة استخدام السلاح الكيماوي 300 مرة حسب أحد الدراسات الألمانية وليس امتلاكه فقط، هي مصادرة جزء من السلاح الكيماوي وليس كلّه، لأنه وكما نعلم جميعًا أعاد استخدامه مرات ومرات بعد تلك العقوبة، وكأن المجتمع الدولي لم يعاقبه على امتلاك السلاح أو استخدامه وإنما عاقبه على سوء الاستخدام أو ربما على انكشاف الاستخدام وتوثيقه، وكانت العقوبة أقرب لذر الرماد في العيون منها للعقوبة، وبمعنى ما كن حذراً في المرات القادمة، وقد التقط النظام تلك الإشارة أنه لا يوجد مناخ دولي ملائم للتخلي عنه وعن خدماته كنظام وظيفي، كما تم التخلي عن نظام مبارك وبن علي والقذافي وعلي عبد الله صالح والبشير، طبعاً هذا ليس تبرئة ذمة لهم، فجميعهم أدوا الأدوار المطلوبة منهم دولياً، لكن يبدو أن دور النظام الوظيفي لم ينته بعد ولعله كان يدرك ذلك منذ بداية الحراك الثوري ضده عندما أكد أن سورية غير تونس وغير مصر ثم بعد ذلك تهديده الشهير بزلزال يحرق المنطقة في مقابلة مع صحيفة ذي صنداي تلغراف البريطانية، ويبدو أنه قد فعل، فلهيب المحرقة السورية طال دول المنطقة كلها، كما طالت وعبثت من قبل مخابراته وأدواته بأمن دول المنطقة من قبل سواء في القضاء على المقاومة الوطنية الفلسطينية، واستبدالها بالمقاومة الطائفية، أو بتدريب الكثير من المليشيات الإرهابية كميليشيا حزب العمال الكردستاني، أو محاولات زعزعة الاستقرار في الأردن أو العراق.
لعل هذا يساعد في تفسير الرضى الدولي أو على الأقل السكوت الدولي عن التدخل الروسي لإنقاذ النظام والذي يكمل في هذا الشهر عامه السابع، وهذا أيضًا يساعد في فهم بعض أهم عوامل بقاء النظام إلى هذه اللحظة، وربما يفسر محاولات إعادة تدويره التي بدأت بالإمارات وتصريحات أردنية ومؤخراً تصريحات تركيا التي تحاول تجنيد كل امكانياتها في خدمة انتخابات 2023، والتي يبدو أنها اتخذت خطوات ولم تقتصر على التصريحات فقط.
المناخ الدولي ووضع البيض كله في سلة الآخرين سواء كانوا فاعلين دوليين أو إقليميين، لم ولن يساعد أو يجدي نفعاً، وليس من حل إلا أن نقتنع كسوريين أننا وحدنا من يهتم بقضيتنا، وأن الآخرين ربما يركبون معنا في قطارنا، ولكن إلى المحطة التي تناسبهم هم، وليس إلى المحطة التي تناسبنا نحن.
ولا يمكن بحال من الأحوال التعويل على معارضة سواء سياسية أو مسلحة تربط قدرها وأجندتها بأجندة أولئك الفاعلين، لأن هذا وكما أثبتت الوقائع لن ينتج حلاً.
طريقنا في هذه الثورة وعرٌ جداً ومليء بالمصاعب والهنّات، ولكن ثمة أمل دائماً بسواعد الأحرار وعقولهم النيرة، أولئك القابضين على الجمر، فتشكيل روابط الضحايا كرابطة مهجري زملكا ورابطة المهجرين الفلسطينيين ورابطة ضحايا الأسلحة الكيمائية. هو في أحد الجوانب خطوة في تأسيس مسار للعدالة الانتقالية، وهو في جانب آخر خطوة لتوحيد صفوف السوريين حول هدف عام كبير دون الدخول في متاهات الانتماءات الحزبية أو الولاءات العقائدية.
التعليقات مغلقة.