الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

مقدّمات “أوكرانيّة”… في تايوان

سميح صعب

العلاقات الأميركية – الصينية إلى مزيد من التأزم، سياسياً وعسكرياً، ولا تلوح في الأفق مؤشرات إلى أن واشنطن وبكين في سبيلهما إلى احتواء التدهور الذي تسببت به زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايبه قبل أسبوعين.

تصعيد أميركي يقابله تصعيد صيني والعكس صحيح. وبعد المناورات العسكرية الصينية غير المسبوقة حول تايوان، واختراق عشرات المقاتلات منطقة تعريف الهوية في الأجواء التايوانية وإطلاق صواريخ بالستية فوق الجزيرة، ها هي البحرية الأميركية تستعد لعبور مضيق تايوان في استفزاز آخر للصين، بينما وصل وفد آخر من الكونغرس الأميركي إلى تايوان الأحد، إمعاناً في تحدي بكين، ولتأكيد أن واشنطن لن تتخلى عن الجزيرة، في مواجهة تهديدات الصين المتعاظمة.

كل ذلك يجعل المنطقة تمر بمرحلة هي الأكثر توتراً منذ عقود، ويفتح باب الاحتمالات على مصراعيه، من الاتجاه إلى مزيد من تردي العلاقات بين أقوى اقتصادين في العالم، إلى حصول صدام عسكري مباشر نتيجة حسابات خاطئة.

ما يجري حول تايوان لا يقل خطورة عن تلك المقدمات التي سبقت الحرب الروسية – الأوكرانية. وفي لحظة من اللحظات، لم يتوقع كثيرون أن تندلع الحرب رغم الحشود الروسية والتحذيرات التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين لكييف من مغبة المضي في مسار الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، كما تجاهل الغرب إعطاء موسكو ما طالبت به من ضمانات أمنية تتعلق بوقف زحف الأطلسي شرقاً أو إعطاء تعهدات بالنسبة إلى عدم نشر أنظمة صاروخية معينة في دول أوروبا الشرقية التي انضمت إلى الحلف منذ أواخر التسعينات. وضع التجاهل الغربي بوتين أمام خيار الذهاب إلى الحرب.

الرئيس الصيني شي جيبينغ يعاني من وضعية مشابهة لوضعية بوتين. وهو كان قد اعتبر في المكالمة الهاتفية مع الرئيس الأميركي جو بايدن الشهر الماضي، أن زيارة بيلوسي تايوان ستكون بمثابة “اللعب بالنار”. ذاك التحذير لم يحل دون إتمام الزيارة، فكان الرد الصيني الأولي عليها بإجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق وبوقف التعاون مع الولايات المتحدة في مجال الاتصالات بين العسكريين الصينيين ونظرائهم الأميركيين، فضلاً عن وقف التعاون في مجالات تجارية وبيئية.

ومن الآن فصاعداً، عدم الثقة بين بكين وواشنطن مرشح للاتساع إلى مستويات غير مسبوقة. وستكون انعكاسات التوتر المتصاعد بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، غاية في السلبية، سواء على الصين والولايات المتحدة أو على الدورة الاقتصادية العالمية.

إن التداخل الاقتصادي الأميركي – الصيني، يجعل من أي عقوبات متبادلة بمثابة تدمير متبادل للجانبين. والولايات المتحدة هي أكبر سوق للمنتجات الصينية، كما أن الصين هي أكبر سوق للمنتجات الأميركية، والكثير من الشركات الأميركية موجودة في الصين، والصين أكبر مشترٍ لسندات الدين الأميركية.

هذه العلاقة التكافلية في الاقتصاد، ليس من السهل تجاوزها من دون إلحاق أضرار بالغة السوء بالصين والولايات المتحدة على حد سواء.

ومن هذا المنظار، تنطوي أي مواجهة عسكرية صينية – أميركية حول تايوان، على مضاعفات اقتصادية تطاول معظم بلدان العالم، وربما تفوق بنتائجها خطورة الآثار المدمرة التي خلّفتها الحرب الروسية – الأوكرانية على قطاعي الغذاء والطاقة في بلدان مختلفة.

في مناخ التصعيد السائد في مضيق تايوان، فإن أي خطأ في الحسابات قد يقود إلى إشعال حرب واسعة النطاق أعتى بكثير في آثارها المدمرة من الحرب الروسية – الأوكرانية. والطريق الأقصر لتجنيب العالم حرباً أخرى، هي ذهاب الطرفين إلى الحوار الجدي.

مثل هذا الحوار لا يمكن أن يبدأ إذا ما استمر الجانبان في اللجوء إلى الخطوات التصعيدية المتبادلة.

المصدر: النهار العربي

التعليقات مغلقة.