حاوره: مايك سافاج * وترجم الحوار: زينب عبد المطلب **
في 8 تموز/ يوليو 2015 أجرى “مايك سافاج” مقابلة مع “توماس بيكيتي” حول عمله وكتابه المؤثر “رأس المال في القرن الحادي والعشرين” Capital in the Twenty-First Century (يشار إليه بـ “الكتاب” في المقابلة). نُسخت المقابلة من تسجيل صوتي؛ وننشر أدناه نسخة منقحة من المقابلة، وسينشر المعهد الدولي لعدم المساواة التابع لكلية لندن للاقتصاد نسخة كاملة من المقابلة كورقة عمل.
يركز الجزء الأول من المقابلة على تصورات بيكيتي للقضايا الناشئة عن كتابه حول الاتجاهات المستقبلية المحتملة لتوسيع مشروعه؛ ويركز الجزءان الثاني والثالث على الأطر المنهجية والمفاهيمية الأساسية في بحثه وكتابته.
◉
مايك سافاج: سنجري حوار حول بعض القضايا في كتابك. أعلم أن الكتاب كان مادة جدلية على مدار العام ونصف الماضيين، ولكن ما هي المجالات البحثية الجديدة التي تريد خوض غمارها؟ ما هي القضايا الرئيسية التي لم تتمكن من طرحها في الكتاب، والتي تريد معالجتها في السنوات القليلة المقبلة؟
توماس بيكيتي: ربما كان الأثر الأهم للجدل الدائر حول الكتاب هو إتاحة المزيد من البيانات حول البلدان الناشئة. في عدد من البلدان في آسيا وأمريكا اللاتينية، أصبح من السهل الآن الوصول إلى بعض البيانات التاريخية والمالية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى نشر الكتاب والمناقشات التي دارت حوله، فقد أصبح هناك ضغط أقوى على الحكومة في البرازيل، وكوريا، وتايوان، والمكسيك، وتشيلي، وتساءل النقاد لماذا لم تكن البرازيل في قاعدة البيانات؟ كما أننا نحقق تقدمًا في كرواتيا ودول أوروبا الشرقية الأخرى. لذلك في العديد من البلدان -عدا عن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأساسية- أصبح بإمكاننا الآن الوصول إلى البيانات، وهو ما لم نكن نفعله من قبل. هذا مجال مهم، أحاول الآن توسيع قاعدة البيانات؛ لكن مع روسيا والصين، لا يزال الأمر صعبًا للغاية: يبدو أن الحكومات هناك تخشى الشفافية بشأن عدم المساواة في الدخل والثروة أكثر من غيرها.
سافاج: إذن ستحافظ على نفس النماذج والأساليب ولكن مع توسيع النطاق؟ هل تتوقع أن تتوصل إلى نتائج أخرى؟
بيكيتي: كما تعلم، أنا لا أنساق بالنموذج. أعتقد أن تاريخ عدم المساواة له خصوصيته في كل بلد، إنها حقًا طريقة لإعادة معالجة القضايا الأساسية حول التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي لكل بلد. أعتقد أن كل دولة تحاول التعامل مع عدم المساواة بطريقتها الخاصة ومعالجة المشكلة الأساسية للمساواة الاجتماعية وفقاً لخصوصياتها. تاريخ عدم المساواة في جنوب إفريقيا ليس كما هو في فرنسا، ويختلف عن البرازيل حيث كان ثلث السكان في حالة من العبودية منذ قرن مضى، قبل 120 عامًا. لذلك من الواضح تمامًا أنه لا يوجد نموذج عالمي. بشكل عام، أريد أن أمضي قدماً في اتجاه هذا النهج متعدد الأبعاد للملكية وعدم المساواة، والذي أصفه في مقالتي في المجلة البريطانية لعلم الاجتماع. هذا حقًا ما أحاول القيام به بالفعل في هذا الكتاب، وربما لا يكون كافيًا لأنه من الصعب معالجة كل هذه المشكلات في كتاب واحد، ولكن على الأقل هذا هو هدفي.
سافاج: مما فكرت به أثناء قراءة كتابك مرة أخرى سريعة خلال الأسبوع الماضي، بما يتعلق بالفصل الخاص بالميراث، والمبني بشكل أساسي على البيانات الفرنسية، ولكن بطريقة تدفعك أكثر نحو المزيد من النقاشات الاجتماعية والأنثروبولوجية حول الميراث، أن هناك الكثير من القضايا التي سيكون من المثير للاهتمام النظر إليها من منظور مقارن، هل تنوي القيام بذلك.
بيكيتي: نعم، أود أن أفعل ذلك الآن. أحيانًا يكون الحصول على البيانات المتعلقة بالميراث أكثر صعوبة من الحصول على بيانات الدخل، لكن نمط الميراث يتضمن حقًا بنية أسرية أعمق وتمثيلًا لأدوار الأسرة وأدوار الجنسين، المهور في الهند اليوم ليست مثل المهور في الهند منذ قرون، أو في فرنسا في زمن بلزاك كما هو الحال اليوم، أود دراسة هذه القضايا من منظور دولي مقارن.
سافاج: حسنًا، مما يثير دهشتي، في السياق البريطاني، أننا لا نعرف الكثير عن الميراث في المملكة المتحدة. يعطينا بحثك بعض الأنماط لكن أعتقد أن إحدى القضايا التي أثارها الكتاب هو أنك تصف الأنماط بشكل جيد في العالم، ولكن كيف يفهم الناس أنفسهم هذه القضايا مهم أيضًا. أعتقد أن الأرقام التي تطرحها عن أعداد الأشخاص الذين يتوقعون أن يرثوا الكثير عالية جدًا، ولكن ماذا عما إذا كان الناس أنفسهم يعون حقيقة الأمر. يعتقد الكثير من الناس في الواقع أن الميراث يُنفق على رعاية كبار السن وقد لا يعود عليهم بالنفع. لذلك يبدو لي أن محاولة ربط الوعي الذاتي لدى الناس معًا، أو التفكير في هذه القضايا من خلال الأنماط التي تصفها يمكن أن تكون زاوية مهمة حقًا للنظر إلى الأمر.
بيكيتي: نعم، أوافقك الرأي. أعتقد أيضًا أن هناك عائدًا مزدوجًا للميراث، إنه شكل من أشكال انتقال الثروة، والذي نربطه بالعصور القديمة والذي أعتقد أنه جزء من المستقبل جنبًا إلى جنب مع أشكال أكثر حداثة من عدم المساواة وعدم المساواة في الوصول إلى المهارات، الجامعات وما إلى ذلك. لذا فإن المستقبل يتكون من مزيج من هذه الأشكال القديمة من عدم المساواة مع أشكال جديدة من عدم المساواة، وهي مختلفة فعائد الميراث اليوم ينطوي على مجموعة أكبر وأوسع من الميراث المتوسط، وعوائد وراثية متوسطة إلى عالية ومجموعة أصغر من الميراث المرتفع جدًا. لذلك بالطبع يوجد مجموعة ذات ميراث عالي جدًا لكنها نادرة. لكن يوجد مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين لا يرثون ما يكفي ليتوقفوا عن العمل وربما لا يريدون التوقف عن العمل لأنهم يريدون إظهار مزاياهم، لكنهم على أي حال لا يرثون ما يكفي حتى يتمكنوا من فعل ذلك. لكنهم ما زالوا يرثون بحيث يحصلون من خلال عائدات الميراث على ما يحصل عليه نصف السكان من خلال دخلهم من العمل طوال حياتهم. إذن هذا شكل من أشكال عدم المساواة، والذي يختلف عن نوع المجتمع التقليدي حيث ترث مجموعة صغيرة من السكان ما يكفي للتوقف عن العمل تمامًا. الآن الأمر مختلف، إنه مزيج، الآن عادةً ما ترث 500000 جنيه إسترليني، وهذا لا يكفي للتوقف عن العمل لأنك ما زلت ترغب في الحصول على شهادة جيدة ووظيفة عالية الأجر، ولكن هذا أكثر مما سيحصل عليه نصف السكان في حياتهم كلها على الحد الأدنى للأجور.
سافاج: لذلك نحن بحاجة إلى تجاوز نسبة الواحد في المائة نحو النسبة الأكبر من…
بيكيتي: نعم بالضبط، نحتاج إلى النظر إلى هذه المجموعات الواسعة، وبطريقة يصعب تنظيمها كثيرًا لأنه مع واحد في المائة يبدو لك أنه يمكنك التخلص منها بشكل أساسي، وهو ما كانت عليه الطبقة الأرستقراطية في فرنسا التي شكلت واحد في المائة من السكان. الآن عندما يكون هناك عدم مساواة بين 10٪ من السكان و 50٪ فإنك لن تقطع رأس 10٪ من السكان.
سافاج: هذا أحد الأشياء بالطبع، التي طرحها عملك بقوة شديدة وكان مقنعًا للغاية، كان هذا المنحنى على شكل حرف U ويمثل عودة المجتمع الوراثي. هذا ملهم جدًا بالنسبة لي بصفتي عالِم اجتماع، لأن السؤال الذي أعتقد أننا بحاجة إلى طرحه: هو ما نوع النخب الجديدة التي تتشكل، وما مدى تشابهها أو اختلافها عن النخب الأرستقراطية القديمة؟ هل نشهد تشكيل أرستقراطية جديدة أو ما يشبه الأرستقراطية، أم أنها نوع مختلف من النخب الثرية؟ أعني أن إحدى الاختلافات المهمة بين النخبة القديمة في العهد الجميل Belle Époque والنخبة الجديدة هي الطريقة التي تعمل بها ديناميكيات الأسرة، حيث كان من الممكن أن يهيمن الذكور على النخبة القديمة، لا تعمل النساء، كان من الممكن أن يمر الميراث عبر خط الذكور. أعتقد أن أحد الاختلافات الكبيرة الآن هو أنها ديناميكية مختلفة تمامًا، أدوار العائلات، غالبًا ما تعمل النساء، وغالبًا ما يشغلن وظائف رفيعة المستوى. ولذا أعتقد أنه سيكون من المثير للاهتمام أن نعرف أفكارك حول الأمر، فإن ديناميكيات الميراث وديناميكيات التكاثر ستكون مختلفة عما وجدته في أوائل القرن العشرين، أم لا؟
بيكيتي: أعتقد أن أحد الاختلافات الرئيسية بين النخبة الجديدة والنخبة القديمة هو أن النخبة الجديدة يريدون الحصول على كل شيء، يريدون امتلاك الثروة والجدارة، ويريدون الحصول على كامل الثروة وسقف الفضيلة. أعتقد أن الأغنياء كانوا دائمًا يبحثون عن الفضيلة، لكنني أعتقد أن النخبة الجديدة غير منضبطة، وتبالغ في اعتقادها بأنهم على ما هم عليه لأنهم بالأساس يتمتعون بالجدارة، والفقراء على ما هم عليه لأنهم منخفضو الإنتاجية والجدارة ويبذلون القليل من الجهد. وهذه بعض الأشياء التي تسمعها أحيانًا على المستوى الدولي كما هو الأمر مع اليونانيين الكسالى والألمان الذين يعملون بجد، أو غيرها من القوالب الجاهزة، لكن هذا ينطبق أيضا داخل الدولة الواحدة. فهو مرتبط جزئيًا بما قلته سابقًا، هو أنك إذا لم ترث ما يكفي للتوقف عن العمل، فأنت بحاجة إلى الجمع بين الأجر المرتفع والميراث المرتفع. لكني أعتقد أن هناك أكثر من ذلك، هناك خطاب مثير للاهتمام أقتبسه في كتابي في الفصل 13 لمؤسس جامعة Science Po، وكان ذلك بعد اتساع المجتمع، والذي كان كارثيًا -على الأقل بالنسبة للنخبة- كانت تجربة كارثية لإعادة التوزيع في فرنسا. لديه طريقة واضحة جدًا للشرح، الآن بعد أن حصلنا على حق الاقتراع العام، هناك خطر يتمثل في أن الفقراء وأغلبية السكان سيحاولون مصادرة أملاك النخبة. علينا أن نظهر مزايانا ومقاماتنا الخاصة حتى يكون التخلص منا فكرة مجنونة تمامًا. لذا بطريقة ما يبدو الأمر كما لو تم اختراع خطاب الجدارة الحديث كوسيلة لحماية النخبة من الديمقراطية بشكل أساسي، من حق الاقتراع العام. وهو أمر مثير للاهتمام، لأنه في الوقت نفسه، فإن Science Po مؤسسة خاصة ذات رسوم دراسية عالية جدًا حيث يصعب الوصول إليها إذا لم تكن من النخبة. لذلك في النهاية، هذه هي نفس النخبة بمعنى أنه إذا لم تكن من مجموعة ذات دخل مرتفع، فمن الصعب جدًا الوصول إلى هذه النخبة، ولكن من حيث الخطاب تحاول تقديم نفسها على أنها تعتمد على الجدارة.
سافاج: يختلف هذا عن النخبة القديمة، حيث توجد مساحة مميزة للمكانة ولا يمكنك الانضمام إلى تلك النخبة إذا لم تكن قد ولدت فيها على ما أعتقد. أعني أن نخبة الكفاءات هي اصطلاح، هي الأيديولوجية وليست الحقيقة. لكن هذه نقطة مثيرة للاهتمام لأنك تستخدم فكرة الجدارة في كتابك، وإحدى قراءاتك تقول إن التفاوتات في سوق العمل، والتفاوتات في الدخل شيء معقول لأنها تؤثر على طريقة عمل سوق العمل وسوق المهارات. عندما تصبح قضايا الميراث والثروة مهمة، تتلاشى قيمة الجدارة، هل يكون ذلك عادلاً في رأيك؟
بيكيتي: هذا ما يحاول المنتصرون التظاهر به دائمًا. لكن هل هو مبرر؟ أعتقد أن كل أنواع الخطاب الشعبي حول عدم المساواة يخدم مصالح ذاتية جزئيًا ويحتوي جزئيًا على بعض عناصر الحقيقة أو على الأقل من الخبرة، وهي مثيرة للاهتمام. على الأقل، أعتقد أنهم يخدمون مصالحهم إلى حد كبير، ففي الكتاب أشير إلى هذا على أنه تطرف الجدارة. هذه طريقة متطرفة للغاية لعرض مخرجات سوق العمل على أنها عادلة. هناك عدة طرق لكشف النقاب عن الخطاب. تتمثل إحدى الطرق في إظهار التفاوت الكبير للغاية في الوصول إلى مسارات تعليمية أكثر امتيازًا، لذلك تُظهر البيانات في كتابي أنه إذا أخذت متوسط الدخل لأولياء أمور جامعة هارفارد الآن في الولايات المتحدة، فستجد أن متوسط الدخل لهذه المجموعة يعادل متوسط الدخل لأعلى اثنين في المائة من توزيع دخل الأسرة في الولايات المتحدة. وهذا لا يعني أنه لا أحد من خارج هذين المركزين الأولين سيذهب إلى هارفارد، ولكن هذا يعني أن أولئك الذين يأتون من خارج المركزين الأولين قليلون جدًا وأولئك الذين يأتون من أعلى اثنين يحتلون مرتبة عالية جدًا في المركزين الأولين حيث أن المتوسط الكلي يبدو كما لو أن جميع الطلاب قد تم اختيارهم عشوائيًا ضمن أفضل اثنين. بالنسبة لـ Science Po في فرنسا، أستخدم نفس البيانات، أحصل على أعلى 9 في المائة، وهي قاعدة اجتماعية أكبر للتوظيف، ولكن لا يزال الأمر يتعلق بتكافؤ الفرص. لذلك لا أعرف ما هو الرقم في كلية لندن للاقتصاد، ولكن …
سافاج: سيكون أشبه بالنموذج الأمريكي.
بيكيتي: نعم، ربما بين هذا وذاك. ربما أقرب إلى Science Po من هارفرد، لا أعرف، سيكون الأمر ممتعًا. لذلك أعتقد أنه من المهم دراسة هذا الأمر لأنه أحد المجالات التي تكون فيها الفجوة بين خطاب الجدارة الرسمي وحقيقة ما نراه مدهشة بشكل خاص. لذا فإن الجدارة بالنسبة لي هي خطاب يستخدم لتبرير عدم المساواة لا الواقع. من الناحية النظرية، يمكنك تخيل عالم يختار فيه الناس وظائف مختلفة بينما لا يمكنك اختيار مستوى مختلف من الثروة الموروثة. باستثناء أنه من أجل اختيار مهنتك، فإنك تحتاج إلى الوصول إلى التعليم، فأنت بحاجة إلى الوصول إلى نفس الشبكة، وعمليًا أنت لا تصل إليها.
◉ ◉
سافاج: عندما تتحدث في كتابك عن عدم المساواة في الدخل، تتحدث بوضوح عن أن دفع رواتب كبار المدراء التنفيذيين توجهه المعايير المؤسسية حول الرواتب العليا، من قبل الذين يحددون أعلى الرواتب. وأنت تتحدث عن الحد الأدنى للأجور في الأسفل؛ لكنك لا تتحدث كثيرًا عما يحدث في الوسط، والتمايز بين الرواتب والأجور في النصف الأوسط، وتوزيع الدخل. هل لديك نظرية حول ذلك لأنهم في الواقع يتفرعون أيضًا أليس كذلك؟ لا يتعلق الأمر فقط بتمايز الجزء العلوي والسفلي؟
بيكيتي: لا، أنت محق تمامًا. هذا أحد أوجه قصور الكتاب عندما أتحدث عن عدم المساواة في دخل العمل، أوضح الحد الأدنى والأعلى للأجور، لكن سلم الأجور بالكامل لا يزال غير مكتمل. بشكل عام، إن كتابي هو في أفضل الأحوال مقدمة لدراسة رأس المال وعدم المساواة في القرن الحادي والعشرين، ويحتاج إلى متابعة في اتجاهات كثيرة. من المستحيل التعامل مع كل هذه الجوانب من تاريخ عدم المساواة على مدى ثلاثة قرون، 30 دولة في كتاب واحد فقط. لذا يعطي الكتاب عددًا من البؤر الخاصة وأجزاء مختلفة من توزيع دخل العمل، وتركيزًا أقوى على توزيع الملكية والثروة ورأس المال. ولكن هناك الكثير مما يجب فعله حقًا.
سافاج: بالتأكيد، لقد أنجزت الكثير. أنا مهتم بعلاقتك بنظريتين محددتين، النظرية الماركسية ونظرية بورديو Bourdieu، فأنت تستشهد بهما وتشير إليهما، وتوضح بالتأكيد أنك لست ماركسيًا، ومن الواضح أنك لست كذلك. ولكن كيف تصف علاقتك بالتقاليد الماركسية؟ هل تعتقد أنك تعلمت منها؟
بيكيتي: نعم، كما قلت في المجلة البريطانية لعلم الاجتماع، علينا أن نجمع بين ماركس وبورديو، أعتقد أن هذا ما أحاول القيام به. ما أعنيه بهذا هو أن ماركس أكد على كيفية تشكل علاقة القوة بين المجموعات الاجتماعية المختلفة من خلال ملكية رأس المال، وملكية وسائل الإنتاج، وكذلك ملكية المكان الذي تعيش فيه، والإسكان، والعلاقة بين الملاك وأولئك الذين يمتلكون وسائل الإنتاج والأيدي العاملة، هذا هو مركز عدم المساواة في القوة بين الفئات الاجتماعية التي درسها ماركس. عندما بدأ بورديو الكتابة عن اللامساواة الاجتماعية في الستينيات، بدأ في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، يكتب عن منتصف الفترة بالضبط، والتي أعرّفها على أنها فترة من تدني الثروة المالية، وانخفاض قيمة العقارات. لذا فإن جميع الأشكال القديمة لملكية رأس المال كما كانت موجودة في القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الأولى قد أضعفت إلى حد كبير، بعضها عن طريق التأميم، والبعض الآخر عن طريق التحكم في الإيجارات، والبعض الآخر بسبب الدمار الناجم عن الحرب، لذلك فهي ناتجة عن السياسة والحرب معاً. لكن إحدى رسائل بورديو هي أن يقول، حسنًا، ربما يكون هذا قد انتهى أو أنه ليس تمامًا كما كان عليه من قبل، ولكن في نفس الوقت لديك الآن أشكال جديدة من رأس المال الرمزي ورأس المال الثقافي، التي تشكل علاقات القوة بين المجموعات الاجتماعية، وهذا لا يعني أن العلاقة العدائية بين المجموعات الاجتماعية القائمة على السلطة والهيمنة لم تعد موجودة. وأعتقد أن جزءًا من رسالتي في كتابي هي أنه ربما من أجل التفكير في علاقات القوة وعدم المساواة في القرن الحادي والعشرين، نحتاج إلى الجمع بين الاثنين. لأن لدينا عائد رأس المال بمعنى رأس المال النقدي، ورأس المال العقاري، بالمعنى الذي كان ماركس يدرسه، والذي يلعب دورًا كبيرًا جدًا اليوم، أكبر بكثير من الخمسينات والستينات والسبعينات. عندما روضت المؤسسات الجديدة والتغييرات في النظام القانوني والنظام الضريبي علاقات الملكية قليلاً بالمعنى القديم. وفي نفس الوقت، بالطبع لا يزال لدينا رأس المال الرمزي، عدم المساواة في رأس المال الثقافي الذي كان بورديو يشدد عليه. لذلك أعتقد أننا بحاجة إلى التفكير في نموذج جديد للنظر إلى التفاوتات التي تجمع بين الاثنين في نسق الخطاب بقدر نسق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.
سافاج: أنا متعاطف جدًا مع طريقتك، وأحد الأشياء التي تفعلها -وأنا أتحدث هنا كعالم اجتماع- فعالة جدًا، يتحدث بورديو عن أهمية رأس المال الاقتصادي لكنه قليلاً ما يتحدث عنه في أعماله، في حين أنه يكتب كتبًا ضخمة عن رأس المال الثقافي ورأس المال الاجتماعي.
بيكيتي: أعتقد أن هذا يرجع جزئيًا إلى أنه يكتب في وقت كان فيه رأس المال الاقتصادي ضعيفًا بالفعل. هناك اقتصاديون مثل موديلياني Modigliani كتبوا عن الثروة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، والذين لاحظوا أن وراثة الملكية الخاصة قد ضعفت، ثم اخترعوا نظرية دورة حياة تراكم رأس المال، والتي تتوافق مع رؤية متجانسة للعالم الاجتماعي. يقولون أن ملكية السلالات القديمة قد اختفت والآن دخلنا عصر دورة حياة رأس المال، لذلك يصبح الجميع أغنياء مع تقدمك في السن لأن تراكم رأس المال يدور حول التقاعد. لذلك لدينا حرب الفئات العمرية بدلاً من حرب الطبقات، وهي أقل ضررًا لأن الجميع يكونون صغار ثم يصبحون كبار السن، لذا فهي مجرد حرب ضد دورة الحياة ولكنها أقل ضررًا بكثير من الحرب بين الطبقات. وهناك رد فعل آخر، وهو رد فعل بورديو، والذي يرقى إلى القول بأنه ربما تم إضعاف رأس المال السلالي في شكل حقوق ملكية رسمية على الأصول المالية أو العقارات ولكن لديك كل هذا رأس المال الرمزي. الناس دائمًا يتأثرون كثيرًا بالعالم الذي تعيش فيه، أنا نفسي نتاج عالم حيث كانت أسعار العقارات مرتفعة للغاية وأسعار النفط مرتفعة للغاية وأسعار البورصة كذلك. كل أسعار الأصول المزدهرة في الثمانينات والتسعينات والألفينات وعام 2010، هذا هو العالم الذي كبرت فيه. وعندما تسمع كل صباح على أجهزة الراديو أن العقارات أو البورصة ارتفعت بنسبة خمسة أو ستة في المائة عندما ارتفعت الأجور بنسبة واحد في المائة، ويستمر هذا عامًا بعد عام، في مرحلة ما تسأل نفسك، إلى أين ستتجه الأمور وهل هو طبيعي أم ما الذي يحدث؟ أعتقد أن الجزء الأكبر من تساؤلاتي جاء من هذه التجربة العملية مع الدخل والثروة بنفس الطريقة التي تأثر بها بورديو وآخرون بخمسينات وستينات القرن الماضي.
سافاج: هذا مثير للاهتمام. أعتقد أن قراءة عملك جنبًا إلى جنب مع أعمال بورديو يمنحنا كلا الجانبين، فهو يمنحنا نتائج الأبحاث في في رأس المال الاقتصادي، والذي يمكنك بعد ذلك ربطه برأس المال الثقافي، والتي وضعها بورديو تحت الدراسة. نفس الشيء ينطبق في السياق البريطاني حيث يميل معظم علماء الاجتماع البورديوسيون (نسبةً إلى بورديو) إلى النظر إلى رأس المال الثقافي. سيكون من المثير للاهتمام التفكير في كيف يمكن لعملك أن يلهم نهجًا متعدد الأبعاد، لذلك أعتقد أن هناك بعض أوجه التعاون المثيرة للاهتمام حول ذلك. هل يمكنني التحدث قليلاً عن بياناتك، جزئيًا لأنك خبير اقتصادي، ومع ذلك فأنت في هذا الكتاب تبحث عن جمهور أوسع، وتسعى إلى معالجة العلوم الاجتماعية ككل، وأنت توضح تمامًا أنك لا تريد تبني وجهة نظر اصطلاحية للاقتصاد. لذا بطريقة ما أديت حركات ماهرة للغاية بين الاقتصاد والعلوم الاجتماعية الأوسع. يمكن القول إن استمرار التحرك على هذا النحو سيكون أكثر صعوبة في المستقبل لأن الاقتصاديين سيريدون منك معالجة المزيد من القضايا ذات التوجه الاقتصادي، والقضايا التقنية للغاية، والقضايا المنهجية، والقضايا النظرية باستخدام مصطلحاتهم. وستكون هذه قضايا لن يتمكن مجتمع العلوم الاجتماعية الأوسع من التعامل معها. لذلك أتساءل عما إذا كنت ستحاول وتتحرك أكثر نحو موقف علمي اجتماعي أوسع أو ما إذا كنت لا تزال ترغب في الانخراط في المجال الاقتصادي السائد. هل يمكنك القيام بالأمرين أم عليك اختيار أحدهما؟
بيكيتي: أعتقد أنني أتجه أكثر فأكثر نحو نوع أوسع من الكتابة في العلوم الاجتماعية، وأنا أحقق تقدمًا في هذا الاتجاه، ربما لا يزال الكتاب ذو طابع تقني للغاية أو موجه للاقتصاديين أكثر مما أوده أن يكون. أعتقد أنني سأحقق تقدمًا في المستقبل، أو على الأقل سأحاول إحراز تقدم في اتجاه نهج علوم الاجتماع الأوسع أو نهج تاريخي أوسع. في الوقت نفسه، سأستمر في كتابة مقالات تقنية من 20 إلى 30 صفحة للمجلات الاقتصادية للانخراط في مهنة الاقتصاد. لأكون صريحًا، لست متفائلًا بشأن إمكانية تغييرهم حقًا، أعتقد أن بعض المشتغلين بمهنة الاقتصاد يتبعون أسلوبًا تقنيًا للغاية في التعامل مع كل شيء إلى حد كبير لدرجة أنه من الصعب جدًا محاورتهم. لا يقتصر الأمر على عدم تأليفهم للكتب، بل أيضًا لأنهم لا يقرؤون الكتب، لذلك يكون من الصعب جدًا مناقشتهم. وجهة نظري هي أن المقالات القصيرة يمكن أن تكون مفيدة. لكنني أعتقد أنك في النهاية تفهم الكثير وتطرح أسئلة أكبر بكثير عندما تكتب الكتب. عندما كتبت هذا الكتاب، شعرت أنني وضعت الكثير من الأفكار في الكتاب، لقد أمضيت وقتًا أطول في التفكير بجدية أكبر مما قضيته في أي وقت مضى في السنوات العشر التي أمضيتها في كتابة مقالات للمجلات الاقتصادية أو كل المجلات الاقتصادية التي يُفترض أنها الأفضل، بينما في الحقيقة أنت تهرب من الأسئلة الكبيرة والصعبة لأن لعبة الطرح الاقتصادي هو أنك ستعيد صياغة سؤالك بطريقة تجعلك تجيب عليه وفقًا لمعايير ما تعنيه المهنة بالإجابة على الأسئلة. لذا في النهاية عليك الهروب من الأسئلة الكبيرة والصعبة. الاقتصاديون مهووسون قليلاً بالطرق وما إذا كانت النمذجة الرياضية تثبت فقط النظريات أو طرق الاقتصاد القياسي، في محاولة لتحديد الروابط السببية الحقيقية بين هذا وذاك؛ وأحيانًا ينسون ولا يهتمون بأنهم أثناء العملية يطرحون أسئلة غير مهمة أحيانًا أو ضيقة جدًا، فأنت تضيف فقط نظرية صغيرة وكومة من النظريات، أو تضيف بعض استبانات الاقتصاد القياسي أو كومة كبيرة من استبانات الاقتصاد القياسي، فهم يهربون من الأسئلة الكبيرة . لذلك أعتقد أنني سوف أتحرك أكثر في هذا الاتجاه ولكن في نفس الوقت سأستمر في كتابة الأوراق الاقتصادية.
سافاج: بالتأكيد، قبل بضع سنوات، لست متأكدًا مما إذا كان هذا لا يزال مستمراً ولكن كانت هناك محاولة لتطوير ما يسمى بالاقتصاد غير التوحدي، وهناك المزيد من الاقتصاديات غير التقليدية، وبالتالي يمكنك التفكير في الاقتصاديين الراديكاليين، من الواضح سيكون أنتوني أتكينسون أو ستيجليتز Atkinson or Stiglitz جزءًا من هذا المجتمع. هل تعتقد أن الطريق إلى الأمام هو إنشاء مجموعة اقتصادية بديلة ممن هم على هذا النحو، نوعاً ما ينتقدون الأجزاء الاصطلاحية للاقتصاد ولكن أيضًا تقليديون يعرفون كيفية عمل تلك المدرسة. أو هل تعتقد أن المحاولة يجب أن تكون أوسع من ذلك، لمحاولة إنشاء مجموعة أوسع من علماء الاجتماع، بما في ذلك علماء الأنثروبولوجيا والمؤرخين، إلخ؟
بيكيتي: أنا أؤمن بشدة بهذا النهج الأوسع. لهذا السبب أنا مهتم بمركز عدم المساواة الدولي في كلية لندن للاقتصاد. أؤمن بمحاولة جمع المزيد من علماء الاجتماع والمؤرخين وعلماء السياسة مع الاقتصاديين والمساهمة في علم اجتماع أشمل. أعتقد أن الحدود بين تخصصاتنا ليست واضحة على الإطلاق في معظم الأوقات وأننا نفقد الكثير من الوقت في مناقشة هذه الحدود، بالنسبة لي يبدو الأمر أشبه بسياسات الهوية. ضمن علم الاقتصاد، تكمن المشكلة في أن الاقتصاد التقليدي يميل إلى توليد معارضته الخاصة في شكل اقتصاديات غير تقليدية، والتي تخسر أحيانًا الكثير من الوقت لمجرد محاولة تعريف نفسها ضد الاقتصاد التقليدي، من الأفضل مناقشة وتناول القضايا الكبيرة حول تاريخ الطبقة الاجتماعية، وسوق الأوراق المالية، ونظام المعاشات التقاعدية، أية قضية مركزية، والنظر فيما يمكن فعله، أشعر أحيانًا بإضاعة الوقت في محاولة تعريف أنفسنا.
سافاج: لقد كنت أقرأ بعض الأعمال الأخرى لأشخاص مثل ستيجلتز Stiglitz الذي من الواضح أنه يقوم بأشياء مشابهة لك، ومن الواضح أنهم يتفقون مع المنحنى U، وهو يتفق مع الكثير من تحليلك. أتحدث أيضًا مع زميلي ديفيد سوسكيسي David Soskice الذي كتب الورقة في عدد المجلة البريطانية للجراحة، والتي رددت عليها، وتحدث أيضًا في كلية لندن للاقتصاد قبل وصولك إلى يوروستار. وإحدى النقاط التي يشيرون إليها هي أنك بحاجة إلى التمييز بين مختلف رؤوس المال والثروة، أنواع معينة من رأس المال المرتبطة بالإسكان والأصول لها وظائف مختلفة تمامًا عن رأس المال الذي تستثمره الشركات أو المستثمرون المباشرون. أعتقد أنهم يناقشون نهجًا أكثر دقة لاستثمار رأس المال، كيف ستجيب على هذا النوع من الأسئلة.
بيكيتي: في كتابي، طورت نهج متعدد الأبعاد لملكية رأس المال والثروة، مما جعل الكتاب طويل جدًا. الفصل الثالث والرابع والخامس والسادس من الكتاب، عمومًا يبلغ طوله 200 أو 250 صفحة، تدور تمامًا حول تاريخ هذه الأشكال المختلفة للملكية وأُظهر بالفعل أن تاريخ الأصول العقارية مهم جدًا وهو يختلف عن تاريخ الأراضي الزراعية، والذي يختلف عن قصة الدَين العام، والذي يختلف عن تاريخ رأس مال العبيد، والذي يختلف عن الاستثمار الأجنبي، لذا فإن كل هذه الأشكال المختلفة من الأصول تتضمن حل وسط، قوى مؤسسية وقانونية محددة، مساومة محددة بين المالكين والعاملين. لذلك حاولت أن أفعل ذلك بقدر ما أستطيع لأن هذا أمر أساسي تمامًا بالنسبة لي لفهم ما يحدث. على وجه الخصوص، يعد جزءًا كبيرًا مما يحدث في العديد من البلدان بالنظر إلى تطور القيمة الإجمالية للأصول مقارنة بالدخل. الطاقة أيضًا مهمة، وتلعب دورًا كبيرًا وأنا أتحدث عن النفط في الكتاب كثيرًا في مواضع مختلفة. والآن أصبح رأس المال غير المادي، رأس المال الفكري، مهمين أيضًا. في المستقبل، يمكن أن يصبح شكلاً من أشكال الملكية وشكلاً من الأصول، ويصبح مهمًا بشكل متزايد، وفي الوقت الحالي هو القطاع الأكثر أهمية لرأس المال، أكثر من القطاعات التقليدية مثل الإسكان أو الطاقة، ولكن في المستقبل سيصبح أكثر أهمية. لذا نعم، أنا أتفق تمامًا.
سافاج: بالنسبة لي، تعجبني الطريقة التي قسمت بها رأس المال بأشكاله المختلفة، وخاصة إبراز أهمية السكن وثروة الإسكان في الأزمنة المعاصرة لأن الأشكال الناشئة من الصراع السياسي يبدو أنها تدور حول السكن والمساحة الحضرية، إنه أمر مهم للغاية-، كان هناك تركيز كبير على النضالات العمالية، والتي كانت مفهومة، ولكن بطريقة تعيد مسالة الإسكان إليها. وكذلك إمكانية التفكير في المناطق الحضرية، لأن الكثير من ثروة الإسكان مرتبطة بالممتلكات الحضرية بدلاً من الممتلكات الريفية. وبالعودة إلى ما قلناه سابقًا حول كيفية اختلاف النخبة الجديدة عن النخبة القديمة، إن أحد الاختلافات أيضًا هو أن النخبة القديمة كانت في الغالب نخبة ريفية زراعية، على الرغم من أنه غالبًا ما كان لديهم منازل في المدينة أيضًا، ولكن كانت قوتهم وثروتهم تمتد من الريف. في حين أن النخبة اليوم هي من طبقة حضرية، فهذا تغيير مهم حقًا، وأعتقد أن عملك يؤكد ذلك.
بيكيتي: نعم، هذا صحيح تمامًا إذا ما قورنت بأوائل القرن التاسع عشر أو القرن الثامن عشر. إذا ما قورنت بـالعهد الجميل، فإن جزءًا كبيرًا منها موجود بالفعل في المدينة ولكن مع تركيز على العقارات السكنية. في باريس حتى الحرب العالمية الأولى، لا يسمح لك السجل العقاري بامتلاك شقق، إما أن تمتلك المبنى بأكمله أو لا تمتلك أي شيء، مما يعطينا فكرة عن العلاقات الاجتماعية المقترنة بالملكية. في باريس عام 1913، يموت 70% من السكان بلا ثروة، أو يملكون فقط ملاءاتهم وعدة أطباق وبعض الأثاث البسيط ويموتون في بعض الأحيان مع عدم وجود ما يكفي لدفع ثمن جنازتهم مثل بيري جوريوت Pere Goriot عام 1820. مر قرن، ولكن عام 1913 لا يزال لديك 70% من سكان باريس يموتون بلا ثروة. ثم لديك واحد في المائة من السكان يموتون وهم يملكون نسبة 70 % من الثروة. وكنت أرى أنه ليس من المستحيل أن يكون لديك استثمار أجنبي أو أصول مالية أجنبية، ولكن إذا نظرت إلى استهلاك المساكن اليوم في لندن، سترى العقارات الكبيرة التي يشتريها المليارديرات في لندن، الأمر مختلف عن باريس عام 1913.
◉ ◉ ◉
سافاج: أحد الأشياء المثيرة للاهتمام بالنسبة لي، نجاح كتابك، والذي من الواضح أنه كان له تأثير كبير أفضل مما كنت تعتقد، من الواضح أن هناك الكثير من الأسباب بما في ذلك حقيقة أن المساواة هي قضية كبيرة ومؤثرة وستصبح أكثر أهمية. لكنني أعتقد أيضًا أن هناك نموذجًا معينًا لكيفية طرح علوم اجتماعية بطريقة ميسّرة في الكتاب، وهو أمر مثير للاهتمام. لا أعرف ما إذا كنت تعرف كتاب The Spirit Level، بيع الكثير من نسخه وكان منتشرا جدًا، ويشبه إلى حد ما كتابك، يبدو لي أن الجمهور يحب البيانات، فهم أقل حرصاً على النظريات هذه الأيام، إنهم لا يحبون أن تخبرهم بأشياء مثل أحوال العالم. إنهم يحبون الآن الكتب الكبيرة التي تحتوي على رسوم بيانية وأشياء يمكن الاستفادة منها عمليا، وهذا جزئيًا هو التحدي المتمثل في “البيانات الضخمة”، ولكن المشكلة هي كيف تبني سردية واضحة من البيانات الضخمة أو البيانات المعقدة؟ ومن الواضح في the Spirit Level، أن بيكيت وويلكينسون فعلوا ذلك من خلال الجدل حول مجتمع غير متكافئ يعاني فيه الجميع وأيضًا باستخدام أنواع مماثلة من الرسوم البيانية مرارًا وتكرارًا. يمكنك القيام بذلك جزئيًا من خلال الرسومات البيانية على شكل U والتي تظهر مرارًا وتكرارًا في الكتاب، وجزئيًا من خلال الصيغة الخاصة بك –R أكبر من G– فحتى لو لم تكن خبيرًا اقتصاديًا، يمكنك فهم معنى ذلك.([1]) هذا نموذج مثير للاهتمام حقًا حول كيفية ممارستك العلوم الاجتماعية الشائعة، والتي لا تعني تقديم نظريات مجردة ولكن توفير بيانات ثم إعطاء معالجة مباشرة للبيانات. الأمر الذي يقودني إلى التساؤل عن صيغة (R أكبر من G)، لأنه من السمات المثيرة للاهتمام في كتابك وعملك أنك تؤكد في كثير من الأحيان على أهمية المؤسسات السياسية وكل شيء يختلف باختلاف السياق، لكنك تناقش أيضًا القوانين الأساسية للرأسمالية، مثل R أكبر من G، وأنا أتساءل ما هي صفة هذه الصيغة في عملك، في فكرك؟
بيكيتي: بالنسبة لي، تصف هذه الصيغة علاقة سياسية، بمعنى أن كلا من R و G محدَّدتان سياسيًا واجتماعيًا ولا يأتيان من أي قانون مجرد. ربما كان علي أن أكون أوضح بشأن هذا. لكن بالنسبة لي من الواضح أن معدل العائد يعتمد على التنظيم الاجتماعي وعلى المؤسسات التي تنظم العلاقة بين الملاك والعاملين. نفس الشيء ينطبق على معدل النمو أيضًا. لا يوجد شيء طبيعي في معدلات النمو، فهو يعتمد على المؤسسات التي يتم تنظيمه من خلالها، العلم والاختراعات، والتي من خلالها يتم تنظيم استراتيجيات الخصوبة والأسرة. يلخص هاذان المؤشران الكُليّان – R و G – الكثير من المؤسسات والملايين من السلوكيات الفردية والخيارات الإستراتيجية وبالتالي لا يوجد شيء طبيعي هناك. أعتقد أنها طريقة مفيدة لتسليط الضوء على علاقة اجتماعية مثيرة للاهتمام. كل هذه المفاهيم، معدل العائد، معدل النمو، معدل الادخار، نسبة دخل رأس المال، كلها هياكل اجتماعية تم تحديدها تاريخيًا. إن فكرة دخل رأس المال مقابل دخل العمل هي فكرة مجردة للغاية لأنه في العالم الحقيقي يوجد دائمًا بعض دخل العمل في دخل رأس المال وبعض دخل رأس المال في العمل. وعلى مر القرون، ترى مالكي رأس المال الذين يستمرون في إخبارك أن الأمر يتطلب الكثير من العمل لتصبح مالكًا جيدًا، حتى ملاك الأراضي في القرن التاسع عشر يقولون: “إذا لم أكن أنا متواجد لرعاية الفلاحين وإخبارهم ما يتوجب عليهم فعله بالأرض، ماذا سيحدث للأرض؟” هذا هو العمل، وليس رأس المال. أحيانًا يكونون على حق، وفي بعض الأحيان يكونون أنانيين بعض الشيء كالمعتاد. لذا فإن فكرة رأس المال والعمل فقط هي مجرد مفاهيم مجردة لأن العلاقات في العالم الحقيقي بين البشر متعددة الأبعاد ومعقدة بلا حدود ولا يوجد علاقة ملكية خالصة مقابل علاقة عمل خالصة أو علاقة عاطفية بحتة. كل شيء سياسي، عاطفي، فهي مسألة نِسب وعلاقات متبادلة. لذا لا يوجد ماهو أكثر تجريدًا من فكرة معدل النمو لأن العالم الحقيقي مرة أخرى متعدد الأبعاد. عندما نضاعف الناتج المحلي الإجمالي في عشرة لا يعني ذلك أنك ستستهلك عشرة كيلوغرامات من الجزر بدل كل كيس بوزن كيلوجرام واحد، بل بأنك ستقوم بتنويع ما تستهلكه، مما يعني أنك ستنوع أسلوب حياتك، ستتمتع بإمكانية الوصول إلى التعليم والصحة والنقل والثقافة وليس الطعام فقط. لذلك عندما نلخص كل شيء برقم واحد، فإن معدل النمو أو معدل العائد يكون مجرّدًا للغاية. لذلك أعتقد أنه من المفيد أن يبقى المرء بعيدًا عن هذا المفهوم. وحاولت أن أفعل ذلك في كتابي. حاولت أن أقول أن هذا النوع من اللغة يكون مفيدًا فقط إذا اعترفنا بأنها تصنيفات مبنية اجتماعياً وتاريخيًا وأنها تصنيفات إحصائية. فقط القيم الأسية تكون ذات الصلة، الأرقام الدقيقة دائمًا ما تكون مضللة بعض الشيء. وهذا أيضًا مجرد شكل واحد من أشكال اللغة، والذي، جنبًا إلى جنب مع أشكال التعبير المختلفة تمامًا، تعبيرات أكثر أدبية يمكن أن يساهم في إعادة تشكيل فهمنا للعالم.
سافاج: هذا مفيد جدًا. مرة أخرى، لنعد إلى المسألة المتعلقة بكيفية اختلاف عدم المساواة الجديدة- رغم تشابهها أيضًا- عن عدم المساواة في العهد الجميل. أحد الاختلافات هو أنه في تلك الفترة كان هناك نهوض كبير في السياسة الاشتراكية وكان هناك المزيد من المعارضة العلنية للرأسمالية وتراكم الثروة والمطالب بدولة الرفاه وخدمات الرفاهية. قد تجادل بأن العشرين عامًا الماضية لم تشهد تلك الحركات السياسية المكافئة ضد الرأسمالية – كما رأينا في الانتخابات الأخيرة في بريطانيا، ولكن أيضًا على نطاق أوسع – أعتقد أن اليونان مثال مضاد مثير للاهتمام. أين التناقضات السياسية أو التوترات لتتماشى مع التناقضات أو التوترات حول تراكم عدم المساواة. هل ستكون هناك حركة ضد تراكم الثروة أم ماذا ترى؟
بيكيتي: نعم، هناك طرق مختلفة لتحليل هذا التناقض. إحدى الطرق هي أن نقول إن ظهور رأسمالية الرفاهية لم يحدث إلا بعد الحرب، وبعد الثورة البلشفية، وبعد الصدمات الكبيرة في القرن العشرين، وحتى عام 1914 تمكنت النخبة من رفض التغييرات. أعتقد أن هذا صحيح جزئيًا فقط. هناك العديد من الحركات الاجتماعية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لم تكن لتكسب زخماً لولا هذه الصدمات العنيفة. التفسير الآخر لهذا التناقض هو بالطبع حتى لو رأينا اليوم عودة شكل من أشكال عدم المساواة والثروة، والتي تشبه بعضًا من العهد الجميل، فإن متوسط مستويات المعيشة، ومتوسط الوصول إلى الخدمات الاجتماعية، والتخصيص أفضل بكثير من قرن مضى. لذلك كان هناك الكثير من التقدم، والذي ربما لا يرقى إلى مستوى التوقعات، وبالتأكيد ليس على مستوى ما يمكن القيام به من حيث المبدأ، ولكن لا يزال لديك تقدم، مما يحدث فرقًا كبيرًا. وأخيرًا أعتقد أن السمة الرئيسية للأشكال الجديدة من عدم المساواة اليوم هي أن قدرة النخبة على محاولة إعطاء معنى وإعطاء تبرير لنظام عدم المساواة هذا قد نمت كثيرًا. إن خيال النخبة لتبرير عدم المساواة لا حدود له، ولا سيما في الولايات المتحدة. ربما يكون الاختلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا هو أننا في أوروبا نربط عدم المساواة المفرطة بمجتمعات الماضي، كما تعلمون، إما العهد الجميل أو النظام القديم، ولا نرى ذلك جيدًا. هذا من الماضي ولم يكن مفيدًا للغاية، تم تقليل عدم المساواة بشكل كبير خلال القرن العشرين وهذا لم يمنع حدوث النمو. لذلك حتى تاتشر وكاميرون Thatcher and Cameron لا يريدان العودة إلى عالم عام 1910 أو إلى مجلس اللوردات في القرن التاسع عشر. بينما في الولايات المتحدة لم يكن لديهم أبدًا، باستثناء زمن العبودية، أي خبرة مع أنظمة عدم المساواة المتطرفة التي كانت في أوروبا. لذلك أعتقد أن هذا يجعلهم أقل مناعة تجاه خطاب الترويج الذاتي للنخبة التي تريد تبرير عدم المساواة، والتي تكون قادرة في بعض الأحيان على وصم الخاسرين والفقراء على أنهم غير مستحقين لدرجة أنه لا ينبغي عليهم الشكوى ويجب أن يتقبلوا الأمر فقط. أعتقد أننا في أوروبا اليوم لدينا هذا التاريخ الحافل من عدم المساواة، والذي لا نريد العودة إليه. لكن في الوقت نفسه، مع النظام القانوني الذي يروج له الاتحاد الأوروبي، نميل إلى وضع الأمل في قوى المنافسة وقوى المنافسة بين الأفراد، بين المجموعات الاجتماعية، بين المناطق، بين البلدان، نضع الأمل في قوة المنافسة إلى حد يفوق أي أمل معقول يمكن أن نضعه في المنافسة. يصبح هذا من الجنون أحيانًا.
سافاج: نعم، مما يتصل بالموضوع أيضاً مسألة الطبقة الاجتماعية. لأنه في فترة العهد الجميل – جزء من معلوماتي الأساسية عن التاريخ، ودرجتي الدكتوراه تبحث في تطور سياسات الطبقة العاملة في أوائل القرن العشرين – تلك الأسئلة حول السياسة وكيف يمكنك اختبار عدم المساواة كانت مرتبطة بأسئلة حول إلى أي طبقة تنتمي، إلى الطبقة العاملة، تشعر أنك تنتمي إلى الطبقة العاملة – كما هو الحال مع إدوارد بالمر تومبسون EP Thompson وكل تلك المناقشات حول تاريخ العمل. قد تجادل، وفي الواقع قد يُرى أنها فكرة يطرحها كتابك بطريقة ما، أن رسم الحدود الطبقية أصبح الآن أقل سهولة – لم يكن من الواضح أبدًا التمييز بين الطبقة الوسطى والطبقة العاملة، لكن يمكنك فعلها. ولكن بسبب الطبيعة متعددة الأبعاد للثروة، فإن الحدود أصبحت أقل وضوحاً. لذلك في لندن، الحالة الكلاسيكية، يمكن أن تكون عاطلاً عن العمل أو يمكن أن تعمل بشكل عرضي ومن المحتمل جدًا أن يكون لديك منزل باهظ الثمن كنت قد ورثته. وبالتالي، يمكن لمصادر رأس المال المختلفة أن تخلق مواقع طبقية معقدة، والتي ليس من السهل تصنيفها إلى “الطبقة العاملة” أو “الطبقة الوسطى” أو “الطبقة العليا”. وبقدر ما يكون هذا صحيحًا، يمكن القول إن هذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للأحزاب السياسية في التعبئة على أساس الطبقات. أتساءل نوعًا ما، لقد استخدمت مفهوم الطبقات قليلاً في كتابك، لكن إحساسي هو أنك لا تعتقد أنه مهم إلى هذا الحد، فهل هذا هو ما تراه؟
بيكيتي: لا، أعتقد أنه مهم. لذا أستخدم في الكتاب كثيرًا مفهوم الفئات العشرية للدخل والثروة من أجل وصف الفئات الاجتماعية المختلفة. لذلك عادةً ما أميز بين النصف السفلي من التوزيع والعشرة الأعلى والأربعين في الوسط التي أسميها الطبقة الوسطى. المجموعات الثلاث ليست هي نفسها بالنسبة إلى توزيع الدخل، وتوزيع الثروة، لذلك في الحقيقة لديك تسع مجموعات. في الواقع، ضمن العشرة الأعلى، نستطيع التمييز بين الأربعة الأعلى ثم الواحد الأعلى وضمن القمة ربما أعلى 0.1. لذلك يمكنك بسهولة الحصول على 15 أو 20 مجموعة. الآن، هل هذه هي الطريقة الصحيحة للنظر إلى الطبقات؟ أنا لا أقول أنه ينبغي استبدال لغة البرجوازية والبروليتاريا بلغة التوزيع العشري المتقاطع. لكنني أعتقد أن هذا يوفر طريقة مجدية للنظر، في نفس الوقت للتعرف على تعدد أبعاد ومسامية حقيقة أنه هيكل طبقي مستمر، وفي نفس الوقت لإدراك أن الطبقات موجودة بالفعل، بمعنى حجم الاختلاف بين ما يمتلكه 50 في المائة الأدنى وما يمتلكه أعلى 10 في المائة.
في النهاية، فإن فكرة رأس المال أو الثروة هي فكرة مجردة جدًا بالنسبة إلى نصف السكان لأن الثروة بالنسبة لهم تعني أن لديهم حسابًا جاريًا ربما لشهر قادم أو شهرين على الأكثر. لذلك في مرحلة ما هناك فرق كمي في حصص الثروة، تصبح حصص الدخل ذات مغزى من حيث الاختلافات الاجتماعية من حيث المكانة ومن حيث الوصول إلى عدد من السلع والمؤهلات الأساسية. ولذا أعتقد أنه من المهم نوعًا ما تجديد منهج الطبقات. ميزة لغة الفئات العشرية هذه هي أنه يمكنك مقارنة المجتمعات التي لا يمكن مقارنتها بخلاف ذلك. إنه نفس الشيء قليلاً كما هو الحال مع R و G وما إلى ذلك، إلى حد ما هو وهم، إنه وهم فيما يخص المقارنة لأنه في النهاية، ما الذي يمكن مقارنته بين واحد بالمائة في فرنسا عام 1879 والواحد بالمائة في الصين اليوم أو الولايات المتحدة اليوم، هذان عالمين مختلفين تمامًا. وما زلت أعتقد أن هذا الوهم ليس وهمًا بالكامل، أعتقد أنه مفيد لأنه يوفر شكلاً من أشكال اللغة، يمكن للناس إجراء المطابقات، ويمكنهم مقارنة المجتمعات والتعلم من هذه المقارنة، وأحيانًا يدركون أن العالم الذي نعيش فيه ليس تمامًا كما نعتقد. هذه طريقة لمحاولة تجديد نهج الطبقات الاجتماعية.
سافاج: جيد، أريد أن ننعطف مرة أخيرة إلى الجانب السياسي. من الواضح أنك معروف جيدًا بعملك مع الحزب الاشتراكي في فرنسا، ولكن قد يقول البعض أنه يجب إعادة التفكير في الفكرة الاشتراكية والسياسة الاشتراكية بطريقة جذرية مما قد يجعل المصطلح بلا معنى تقريبًا بعد الآن. من الواضح أننا حصلنا على مثال لمشروع الطريق الثالث Third Way بأكمله، ومشروع العمل الجديد وما شابه. كيف ترى أن للسياسة الاشتراكية مستقبل؟ هل ما زلت تشعر بالالتزام تجاه راية الاشتراكية، وإذا كان الأمر كذلك، فما نوع الاشتراكية؟
بيكيتي: لم أكن أبدًا عضوًا في أي حزب سياسي ولا أعرف ما إذا كنت سأكون يوماً ما، ربما لا. أعتقد أن الطريقة التي أنظر بها إلى الأمر هي أنني ولدت في عام 1971، فقد بلغت الثامنة عشرة مع سقوط جدار برلين. لذلك ولدت متأخرًا جدا لتغويني الشيوعية أو على الأقل الشيوعية على النمط السوفيتي. وأعتقد أن أحد الأسئلة الكبيرة التي أتحرى إجاباتها منذ أن بلغت الثامنة عشرة من عمري وأصبحت راشداً هو محاولة التفكير في طرق جديدة لتجاوز رأسمالية عدم التدخل التي من شأنها أن تمنعنا من ارتكاب الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي. قادنا سقوط جدار برلين إلى موجة جديدة من مرحلة لامحدود من سوق منظم ذاتيًا، وقوى تنافسية، وملكية خاصة، وأعتقد أننا بحاجة حقًا إلى إعادة التفكير في طريقة جعل الملكية الخاصة والرأسمالية عبيدًا للديمقراطية بدلاً من العكس. بالنسبة لي، كل الطرق المختلفة لتجاوز الملكية الخاصة، لتنظيم الملكية الخاصة ضرورية ومتكاملة. في بعض الأحيان، لا يريد المفكرون المتطرفون أن يسمعوا عن الضرائب التصاعدية لأنهم يقولون، “حسنًا، إنها مجرد إعادة توزيع، إنها ليست عميقة بما يكفي.” لكن بالنسبة لي، لو فكرنا بالضريبة التصاعدية على رأس المال، أعتقد أنه إذا كان معدل الضريبة مرتفعًا بدرجة كافية على حيازات ممتلكات كبيرة جدًا، فهذا سؤال عميق تمامًا عن حقوق الملكية لأنها طريقة لجعل الملكية مؤقتة بدلاً من أن تكون سمة دائمة. إذا كان لديك ممتلكات بقيمة مليار جنيه إسترليني وعليك أن تدفع خمسة أو عشرة في المائة كل عام، فعليك أن تعيد خمسة أو عشرة في المائة كل عام إلى بقية المجتمع، أنت المالك ولكنك لست المالك حقًا فأنت تدفع للمجتمع. وعلى أي حال، أنا بالتأكيد لا أعتقد أن هذه هي نهاية القصة، أعتقد أن هذا مُكمِّل لأن التقدم في الضرائب يمكن أن يجلب الشفافية المالية والشفافية حول من يملك ماذا في الشركات، وهذا يسير بشكل جيد مع أشكال أخرى من لوائح أكثر ديمقراطية للممتلكات بما في ذلك ملكية العمال، الملكية التعاونية، الحقوق المعنوية وحقوق اتخاذ القرار للعمال. أعتقد أننا نحتاج أيضًا إلى الملكية العامة في بعض القطاعات، المزيد من ممتلكات العمال التعاونية والضرائب التصاعدية على الممتلكات، أعتقد أن كل هذه الطرق المختلفة لتنظيم الملكية لها مستقبل. وإذا نظرت إلى القطاعات الجديدة التي ستصبح أكثر أهمية في المستقبل، ستجد أنها ليست إنتاج السيارات، فإن عدد العاملين في إنتاج السيارات لن ينمو في المستقبل. لذلك إذا فكرت في القطاعات الأخرى، قطاعات التعليم، القطاعات الثقافية، الإعلام، إنتاج المعلومات، اقتصاد المعرفة بشكل عام. أعتقد أن الرأي القائل بأن الشركة المساهمة مع جميع الصلاحيات للمساهمين هي الطريقة الوحيدة لتنظيم النشاط البشري خطأ بشكل عام ولكنه خطأ بشكل خاص في هذه القطاعات. حتى في الولايات المتحدة، إذا كانت الجامعات أو الصحف ستحاول طرح أسهمها للتداول العام والذهاب إلى سوق الأوراق المالية، لكانت كارثة وسيهربوا جميعًا بسرعة. لذلك أنا لا أقول أن الطريقة التي تنظم بها جامعة هارفارد أو نيويورك تايمز هي أفضل طريقة لكنها لا تزال شكلًا مختلفًا من الأملاك وهناك الشركة المساهمة، وهناك أشكال جديدة من الأملاك لابتكارها. لذلك أعتقد أنه يتعين علينا اختراع نوع من التفكير الراديكالي الجديد حول علاقات الملكية وفشل الاشتراكية، ولا سيما فشل الاتحاد السوفيتي، إنها ليست نهاية التفكير، إنها بداية التفكير. بالنسبة لي، هذا بعيد عنا.
سافاج: فقط بضعة أسئلة أخرى. يعود أحدهم إلى ما قلته في البداية، حول كيفية محاولة تطوير عملك الجديد، لزيادة نطاق بياناتك في البلدان المختلفة والناشئة. أردت أن أسألك عن الكيفية التي ترى بها عملك مرتبطًا بالناقشات حول العولمة لأن هناك جدل كبير في العلوم الاجتماعية حول القومية المنهجية وما إذا كنا بحاجة إلى تجاوز التحليلات المبنية على الدولة القومية باعتبارها الوحدة الأساسية للتحليل. وعلى أحد المستويات، يمكنك القول إن عملك قومي نوعًا ما من حيث أنك تجمع قواعد بيانات على المستوى الوطني وتقارنها، وبهذه الطريقة تستخدم إطارًا مرجعيًا وطنيًا. ولكن بعد ذلك بالطبع، على مستوى آخر، قد تجادل بأنك تنظر إلى الحوالات بين البلدان وحركات رأس المال. كيف تفكر حول المدى الذي تتطلبه العولمة منا لتطوير أنواع جديدة من ذخيرة البحث، والتي تتجاوز الدولة القومية أو القومية؟
بيكيتي: نعم، أريد بالتأكيد أن أفعل المزيد في المستقبل وخاصة فيما يتعلق بتغيير النطاق الجغرافي الذي ننظر فيه إلى القضايا. فعلت ذلك جزئيًا في الكتاب بمعنى أنني أؤكد على عدم المساواة الدولية وعلاقات الملكية الدولية ربما تكون أكثر علاقات عدم المساواة عدوانيةً. بالتأكيد في أوقات الاستعمار من قبل بريطانيا وفرنسا حيث كان جزء كبير من بقية العالم مملوكًا وكان يرسل تحويل دخل رأس المال إلى بريطانيا وفرنسا، وكان حجمهما كبيرًا لدرجة أن بريطانيا وفرنسا كان بإمكانهما تحمل تكاليف عجز تجاري دائم. وفي الوقت نفسه استمروا في شراء بقية العالم. وهذا شكل من أشكال العلاقة العدوانية للغاية. بالطبع دائمًا ما تكون علاقات الملكية عدوانية جدًا، ودائمًا ما يكون دفع الإيجار للمالك أمرًا معقدًا، ولكن عندما يكون هناك بلد يدفع إيجارًا لبلد آخر، فهذا شيء آخر. في تعاليم الاقتصاد من المفترض أن يكون هذا متناغمًا ومفيدًا للطرفين، ولكن في العالم الحقيقي، كل هذا يأتي مع الهيمنة السياسية، وإلا سيتم استملاكك. لذلك أعتقد أن هذا يمكن أن يحدث مرة أخرى في المستقبل وإلى حد ما يحدث بالفعل مع وجود دول مختلفة مالكة وممتلكة، وهذا جزء مهم مما أريد دراسته أكثر في المستقبل. البعد الآخر هو تغيير المقياس، هل يجب أن ننظر فقط إلى الدولة القومية أو يجب أن ننظر إلى عدم المساواة في مدينة لندن، أو مدينة باريس، أو مدينة نيويورك، أو يجب أن ننظر إلى عدم المساواة في أوروبا أم عدم المساواة في الشرق الأوسط مقابل مصر أو السعودية؟ وكان لدي ورقة بحثية حديثة حيث حاولنا على سبيل المثال قياس عدم المساواة في الشرق الأوسط مقابل مصر إلى إيران، لأن العديد من الأشخاص بعد الثورة في الدول العربية يقولون، “حسنًا، كما تعلمون، وفقًا لمعايير عدم المساواة الرسمية، لا يوجد هذا القدر من عدم المساواة في هذا البلد، فما الذي يشتكون منه؟” وإحدى الإجابات هي، حسنًا، أولاً، البيانات ليست جيدة جدًا، لذا نحن لا نعلم حقيقة الأمر، وبعد ذلك، حتى لو أخذنا في الاعتبار المقاييس المحلية لعدم المساواة في مصر والمملكة العربية السعودية، إذا قمنا بتجميعها على مستوى الشرق الأوسط، فإن عدم المساواة بين الدول كبير جدًا بين الدولة الغنية بالنفط والدول غير الغنية بالنفط – وإذا أخذت جميع المواطنين أو جميع الأفراد البالغين الذين يعيشون في الشرق الأوسط، فإن حصة إجمالي الدخل بين العشرة الأعلى لكل المائة ربما تكون أكثر من 60٪، وهي أكثر من البرازيل، وأكثر من جنوب إفريقيا، وتجعل الشرق الأوسط يبدو أكثر المناطق تفاوتًا في العالم بسبب النفط بالطبع. وربما لولا الحماية العسكرية من الغرب، لتم توزيع النفط منذ وقت طويل. ولذا فهذه إحدى الطرق لمحاولة رؤية الحدود بين الدول القومية التي يتسبب بها أحيانًا قرار تعسفي من قبل دول أخرى لحماية وجهة نظر مصالحها في وقت ما، على سبيل المثال وضع النفط في مناطق صغيرة بدون سكان، هذا مثير للاهتمام على المدى الطويل. لكن في هذه الحالة، يتم إعادة رسم حدودها، على سبيل المثال الآن. لنأخذ حالة أوروبا على سبيل المثال. جزء كبير من رأس المال في العديد من دول أوروبا الشرقية في الواقع مملوك إما لملاك ألمان أو مالكين من دول مختلفة، لذلك إذا نظرت إلى عدم المساواة، بالنظر إلى سلوفاكيا وكرواتيا والمجر وبولندا مع ألمانيا، يمكنك الحصول على صورة مختلفة لعدم المساواة عما لو كنت تأخذ ألمانيا أو النمسا أو فرنسا كوحدة أساسية. لذا فإن تغيير الوحدة المكانية للتحليل إلى دراسة عدم المساواة بهذه الطريقة هو بالتأكيد شيء أريد أن أفعله أكثر في المستقبل.
سافاج: أحاول فقط التفكير في كيفية تعامل تحليلك أو كيف سيتعامل تحليلك مع مكان مثل لندن، تقول التقارير إن ثلثي شراء العقارات الرئيسية في لندن هو من قبل أشخاص غير بريطانيين يوقفون ثرواتهم في المدينة. إذن في تحليلك هل ستُنسب تلك الثروة إلى المملكة المتحدة، أم ستُنسب إلى نوع الدولة التي يأتي منها المستثمر؟
بيكيتي: حسنًا، في التعريفات الرسمية والفئات الإحصائية، كل الأطر الإحصائية الحديثة مبنية على الإقامة. من المفترض أن تكون الإقامة هي المكان الذي تقضي فيه أكثر من ستة أشهر، لذلك من حيث المبدأ، إذا كان جزء من العقارات في لندن مملوكًا لأشخاص لا يقيمون أكثر من ستة أشهر في بريطانيا، فهذا مدرج في الثروة الأجنبية – بالعودة إلى البلدان التي يعيشون فيها. الآن هذه هي النظرية. من الناحية العملية، جزءًا كبيرًا من هذه الثروة مفقود من البيانات التي لدينا، وعمومًا، فإن قدرتنا على قياس وضع الأصول عبر الحدود اليوم محدودة للغاية وهذه مشكلة كبيرة.
هامش:
[1] – الحجة الرئيسية في كتاب بيكيتي هي أنه: بسبب ارتفاع عدم المساواة في الثروة تأتي من علاقة بسيطة هي: r> g؛ تنص هذه الصيغة على أن صافي معدل العائد إلى رأس المال (r) يتجاوز معدل نمو الإنتاج (g)، لكن هذا ليس جديدا على خبراء الاقتصاد؛ فالصيغة r> g هي خاصية قياسية لأسواق رأس المال الفعالة في معظم نماذج الاقتصاد الكلي الحديثة. (بل العلاقة العكسية (r <g) تعني أن الاقتصاد يدخر كثيرًا، وأنه سيكون من الممكن زيادة استهلاك كل شخص في كل نقطة زمنية عن طريق خفض مخزون رأس المال ورفع سعر الفائدة حتى r = g.) لكن ما يحاول بيكيتي بيانه هو أن صيغة r> g يمكن أن تكون عاملا قويا لتعميق عدم المساواة داخل الاقتصاد. نظريًا: إذا استثمر مالك رأس المال وحدة واحدة من رأس المال، وحصل على عائد بدون مخاطرة كل عام، وأعاد استثمار هذا العائد بالكامل (دون استهلاك أي من رأس المال أو التخلي عنه لورثته)، في حين يبدأ العامل بأجر يساوي وحدة واحدة، قد استهلكه بالكامل، ولكنه نما بمعدل g في المائة سنويًا = فإن نسبة ثروة الرأسمالي إلى أجر العامل ستنمو بمعدل r – g. لكن في الممارسة العملية يواجه الرأسماليون المخاطر، ويقسمون ثرواتهم بين أحفادهم، ويستهلكون على الأقل جزءًا بسيطًا من ثرواتهم. ومع ذلك، يوضح بيكيتي رياضيًا في إحدى أوراقه أنه طالما أنه يمكن تجميع رأس المال لأي فترة زمنية، وطالما أن هناك مصدرًا ما لعدم المساواة في الثروة في الاقتصاد= يجب أن تتزايد اللامساواة في الثروة مع زيادة الفارق r – g. لاحظ أنه بالنسبة لبيكيتي، فإن صيغة r> g تعني أن عملية الادخار والاستثمار (وربما الميراث) تعمل كآلية تضخيم لعدم المساواة القائمة، بما في ذلك عدم المساواة في دخل العمل. -الإشراف.
……………….
النص الأصلي باللغة الإنكليزية:
ـــــــــــــــــــــ
* عالم اجتماع وأكاديمي بريطاني
** كاتبة ومترجمة عراقية
المصدر: أثارة
التعليقات مغلقة.