محمد عمر كرداس
قامت ثورة 23 يوليو/تموز عام 1952 والوطن العربي ودوله في أسوء حال، وأكثر دوله مستعمرة، فمصر والسودان والعراق ومحميات الخليج واليمن الجنوبي تحت الحكم الإنكليزي؛ والمغرب العربي تحت الحكم الفرنسي، وكانت حرب فلسطين التي خسرها العرب عام 1948ماثلة، بل وكانت هي المحرض الأساسي للثورة، فضائح الأسلحة الفاسدة ودخول الجيوش العربية الحرب تحت قيادة جنرال إنكليزي بصفته قائدًا للجيش الأردني التي تولى ملكها قيادة العرب ومن المعروف أن الانكليز هم الذين أعطوا فلسطين لشذاذ الآفاق منذ وعد بلفور عام 1917، الذى أعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق فكان عدد قليل من الصهاينة قد حشدوا 90 ألف مقاتل بأسلحة حديثة عكس العرب حيث لم يتجاوز تعداد مقاتليهم الخمسون ألف بأسلحة قديمة وتدريب ضعيف، حتى أن الجيش المصري المشارك بحرب فلسطين اكتشف أن الذخيرة المعطاة له لا تطابق الأسلحة التي يملكها.
كان البيان الأول للضباط الأحرار الذين قاموا بالثورة واضحاً في ما يسعى إليه الجيش والشعب من إنهاء الرشوة والفساد وعدم الاستقرار التي أدت إلى الهزيمة في حرب فلسطين حيث تولى أمر البلاد إما جاهل أو خائن أو فاسد ولخصوا أهداف الثورة كما يلي:
1 _ القضاء على الاقطاع (صدر قانون الإصلاح الزراعي في أيلول/ سبتمبر 1953).
2 _ القضاء على الاستعمار وأعوانه من الخونة المصريين (تم جلاء الإنكليز في 26 تموز/ يوليو 1954 وأصبح هذا اليوم عيد النصر).
3 _ القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم؛ وقد تم تمصير المؤسسات المالية لتنهي سيطرة المؤسسات الأجنبية على الاقتصاد وسوق المال.
4 _ إقامة حياة ديمقراطية سليمة؛ فقد حُلت الأحزاب الفاسدة بعد أن رفضت تطهير نفسها وأقيم التنظيم الشعبي الذي تدرج من هيئة التحرير إلى الاتحاد القومي وأخيراً الاتحاد الاشتراكي العربي.
5 _ إقامة جيش وطني قوي.
6 _ إقامة عدالة اجتماعية؛ وهذه لا تقوم إلاّ على التنمية، فأقامت الثورة السد العالي الذي خلص مصر من الفيضان وحماها من الجفاف وأدخل الكهرباء لكل منزل ومنشأة، ثم بناء مئات المصانع، وتعميم التعليم المجاني وتطويره بمختلف المجالات، إلى إنجازاتٍ لا يمكن حصرها هنا.
وإذا كانت هذه بعض العناوين في عملها الداخلي فقد كان عملها على الصعيد العربي هو الأبرز من دعم ثورات المغرب العربي لنيل استقلالها إلى دعم ثورة اليمن وتحرير الجنوب اليمني إلى إسقاط حلف بغداد وكل الأحلاف التي تستهدف بقاء الوطن العربي تحت نير الاستعمار. ولا ننسى في هذا المجال إقامة أول وحدة عربية في العصر الحديث بين سورية ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة التي سرعان ما تآمر عليها الغرب والرجعية العربية التي خافت على عروشها من هذا المد القومي الشعبي الجارف.
أما على الصعيد العالمي فقد ساهم جمال عبد الناصر مع جواهر لال نهرو “الهند” وأحمد سوكارنو “أندونيسيا” وجوزيف بروز تيتو “يوغسلافيا” وأحمد سيكوتوري “غانا _ أفريقيا”، بإقامة أكبر تجمع عالمي مناهض للأحلاف والتكتلات الشرقية والغربية، أقيم تجمع عدم الإنحياز والحياد الإيجابي واسمه يدل عليه فليس بحاجة لأي شرح أو توضيح. لقد ساهم هذا التجمع في حل الكثير من المشاكل الكبرى وانضمت إليه كل الدول حديثة الاستقلال في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
في تأييدنا وانتمائنا لهذه الثورة لا نقدس فرد أو نقف على الأطلال، بل نقف مع مشروع سعى لنهضة الأمة وخلاصها من عثراتها وضعفها بعد ظلام الاستعمار الطويل التي رزحت تحته، وتعرضت للنهب والسلب والفُرقة، فشعار الإنكليز فرق تسد كان هو السائد قبل الثورة، وجاءت ثورة تموز/يوليو لتجمع وتنهض وتنمّي، إلاّ أن قوى الردة أوقفت مسيرتها بعد غياب قائدها، ولكن لا بد من متابعة المسير لتحقيق الأهداف التي رفعتها الثورة لأنها مازالت راهنة.
تحية لثورة 23 تموز/يوليو في عيدها، تحية لقائدها وزعيمها جمال عبد الناصر.
التعليقات مغلقة.