معقل زهور عدي
نهاية الخلافة الأموية :
بدأت الخلافة الأموية مع معاوية بن أبي سفيان عام 40 للهجرة واستمرت اثنتان وتسعون سنة حتى العام 132 للهجرة حين استولى العباسيون على الحكم وقُتل مروان بن محمد آخر خليفة أموي.
وقد كانت الخلافة الأموية حافلة بالإنجازات الكبرى, كما كانت حافلة بالصراعات الداخلية العنيفة, وفيها تمكن العرب لأول مرة في التاريخ من تأسيس امبراطورية عالمية امتدت من تخوم الصين شرقاً الى جبال البيرينيه غرباً والتي تفصل فرنسا عن إسبانيا الحالية .
وفيما أسفرت تلك الفتوحات الكبيرة التي تمت في فترة زمنية قصيرة عن اتساع رقعة الدولة وتدفق الثروات نحو خزائنها في دمشق, وتوجيه الطاقات العسكرية للقبائل العربية نحو الخارج بدلاً من الاقتتال فيما بينها, فقد أدت أيضاً إلى تبعثر قوى الدولة وخلق فرص لدعوات التمرد والثورة خاصة في المناطق البعيدة عن المركز مثل خُراسان .
وفي المراحل الأولى من عمر الدولة الأموية، فقد تمكنت بحيويتها وبفضل قادة امتازوا بالقدرة السياسية والحنكة والعزيمة أمثال معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان من صنع إنجازاتها الكبرى، في ذات الوقت الذي واجهت فيه الثورات الداخلية التي لم تهدأ قط, فاستمرت الفتوحات عبر شمال أفريقيا وصولاً للأندلس, وفي الشرق نحو السند وما وراء النهر, واستطاعت الدولة إحباط الغارات المستمرة للإمبراطورية البيزنطية التي هدفت لاستعادة ما فقدته تلك الإمبراطورية في بلاد الشام على يد العرب المسلمين. بل إن جيوش الدولة الأموية اقتحمت أراضي الامبراطورية البيزنطية واستولت على عدد من الحصون والمدن داخلها وطرقت أبواب القسطنطينية في عهد معاوية ثم في عهد سليمان بن عبد الملك قبل أن تتراجع عنها نحو شمال بلاد الشام .
لكن الأمور اختلفت في السنوات السبع الأخيرة من عمر الدولة الأموية فقد ازدادت الصراعات الداخلية بين الأمويين على السلطة مما أضعف مركز الدولة وحط من هيبتها, خاصة بعد وفاة هشام بن عبد الملك آخر الخلفاء الأقوياء عام 125 للهجرة .
وترسخت أقدام المعارضة للأمويين في خراسان بعد أن انتقلت إليها من الكوفة, وبرز من تلك المعارضة فريق رفع راية آل البيت كدعوة لإعادة السلطة لأصحابها ممن سلبها منهم حسب اعتقادهم والانتقام لمقتل الحسين وزيد بن علي، وحشدَ ذلك الفريق خلفه مختلف الناقمين على بني أمية من العرب لأسباب قبَلية ومن الفرس الذين قضى الفتح الاسلامي على مجدهم القومي وأثار حفيظتهم الطابع العربي للحكم الأموي, ومن العبيد الأرقاء, والفلاحين الذين أثقلت الضرائب كاهلهم, والطامعين في السلطة والمجد.
وشهدت تلك السنوات السبع بعد وفاة هشام بن عبد الملك تنظيم تلك المعارضة التي بدأت بدعوة محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ثم انتقلت الى أخيه ابراهيم ثم الى أبي العباس عَبْد الله بن محمد بن علي بن عَبْد الله بن العباس بن عَبْد المُطَّلِب والذي لُقب بالسفاح, لكن القائد الميداني لتلك الحركة كان أبا مسلم الخراساني الذي تمكن من بسط نفوذه على خراسان وانتقل إلى الكوفة مع أبي العباس ليأخذ البيعة له خليفةً للمسلمين. في زمن خلافة مروان بن محمد الأموي .
انتشرت الدعوة العباسية في البداية سراً في خراسان البعيدة عن مركز الخلافة الأموية والتي تسلم ولايتها نصر بن سيار, ورغم أن بعض أخبارها وصلت لهشام بن عبد الملك, لكنه كان مشغولاً بالثورات المشتعلة في شمال أفريقيا, ولم يكن لديه معلومات مؤكدة عن حجم المعارضة وخطورتها, والحق أن الدعوة العباسية أظهرت من الذكاء والحنكة وحسن التنظيم والتدبير ما لم تظهره أية دعوة أخرى معارضة للحكم الأموي. ومن ذلك السرية وقوة التنظيم ودمج الولاء لآل البيت من أحفاد علي بن أبي طالب مع الولاء لأبناء العباس واعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من آل البيت, واختيار خراسان قاعدة للدعوة, والتدرج في كسب الأنصار وتوسيع نطاق التنظيم, وحسن التعبئة والحشد بتصوير أنفسهم أصحاب الحق في السلطة الذين ظلموا بأخذ الحق منهم, وأنهم يمثلون الاسلام القويم, ويدعون للمساواة التامة بين العرب وغيرهم, مقابل اعتبار الأمويين مغتصبين للسلطة, طغاة, فاسقين, والتذكير بأخذ الثأر لدم الحسين ودم زيد بن علي .
لم يكن ينقص الخليفة الأموي مروان بن محمد الحزم والدهاء للتصدي للمعارضة العباسية الصاعدة, واستطاع حشد جيش للقضاء على تلك الحركة التي اتخذت من الكوفة مركزاً لها, لكن حظ ذلك الخليفة الشاب كان سيئاً, فسمعة وشعبية الخلافة الأموية كانت قد تدهورت بسبب الخلافات الداخلية عقب وفاة الخليفة هشام وبسبب فضائح الوليد بن يزيد الذي تولى الخلافة بعد هشام وأثار موجة عارمة من الاستياء لسلوكه المتهتك كما قيل, وقد وصل الأمر إلى قتله برضى من بعض إخوته وقُطع رأسه ووضع على رأس رمح عُلق بدمشق. إلا أن قتله أحدث المزيد من الانقسامات داخل البيت الأموي .
وتجلى تدهور شعبية الخلافة الأموية في تمكن الخوارج لأول مرة من إنشاء تنظيم لهم في دمشق عاصمة الأمويين التي احتضنتهم ودافعت عنهم دون كلل خلال كل فترة حكمهم .
وهكذا فحين التقى على ضفاف الزاب الكبير- أحد فروع دجلة- مروان بجيشه مع أبي مسلم الخراساني لم يلبث جيش مروان أن تفكك وخار أمام عزيمة وحماس جيش العباسيين, وانهزم مروان في انسحابات متتالية إلى الموصل التي لم تستقبله ثم إلى حمص فأقام فيها مدة قصيرة ثم غادرها، ولا بد أنه لم يجد ذلك الدعم المطلوب فيها, فدمشق وكانت فيها حامية للأمويين إلا أنها سقطت بيد العباسيين بعد حصار شهرين، ولم تنجدها قبائل الشام التي لم تعد متحمسة للأمويين, ثم الى فلسطين فمصر, وتتبَّعه جيش أبي مسلم الخراساني إلى مصر فقتله هناك وانتهت بمقتله الخلافة الأموية .
ويمكن بسهولة رؤية مدى الانحلال الذي أصاب الخلافة الأموية في المعارك الأخيرة لمروان بن محمد, فقد كان جيشه يفوق جيش العباسيين عدة مرات وبعض الروايات تذكر أن عدده بلغ 120000محارباً في حين لم يكن يزيد عدد جيش العباسيين عن 25000 محارب, وتذكر الروايات كيف أن قادة الفِّرق تخاذلوا وقت المعركة وأحجموا عن القتال حتى بعد أن قُدم لهم المال لإغرائهم بالقتال، كما تذكر كيف تلقى أهل الموصل مروان عند هربه إليها بالصد والتنديد ببني أمية والشماتة بهزيمته, وقريب من ذلك الاستقبال واجهه بحمص, وفي النهاية فبدلاً من اعادة تجميع قواته لقتال العباسيين فقد انفض جيشه عنه, والتحق قسم منه بالعباسيين, ولم يجد من يقف إلى جانبه خاصة بعد سقوط دمشق, فهرب وحيداً الى مصر.
لكن العباسيين لم يكتفوا بالانتصار على الأمويين وقتل خليفتهم, فأظهروا قدراً غير معهود من سفك الدماء والتشفي حتى لاحقوا كل الأمويين وقتلوا منهم من بلغ الثالثة عشر من عمره فما فوق, ولم يتركوا سوى الأطفال والنساء .
هكذا طويت صفحة الخلافة الأموية من التاريخ بما لها وما عليها. وفُتحت صفحة الخلافة العباسية .
سوى أن شاباً أموياً حديث السن فر من المذبحة الكبرى واستطاع أن يقيم مجداً للأمويين بعيداً في الأندلس. وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام الملقب بصقر قريش .
المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل
التعليقات مغلقة.