ميشيل كيلو *
لا يسعني إلا أن أهنئ حزب الله وجمهورية إيران الإسلامية والنظام الأسدي بالظاهرة الطرزانية الخارقة، كما مثلها المجاهد سليم عياش الذي تواصل مع مئات الأشخاص، وجند عشرات منهم، ووزّع عليهم أدوارا متشعّبة درسها وأدار خيوطها لأشهر، من دون أن يكتشف أحد منهم أنه مقدمٌ على اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق، رفيق الحريري، لأسباب عجز القضاء والقدر الدولي عن معرفتها، على الرغم من تحقيقاته التي استمرّت 15 عاما، ومداولاته قرابة سبعة أعوام شارك فيها عشرات من جهابذة القانون، وأُنفقت خلالها قرابة سبعمائة مليون دولار، ممن راودهم إحساس غامض باحتمال وجود خلفيات سياسية وراء الاغتيال، ترجع صعوبة تحديدها إلى قدرة طرزان حزب الله على حجب نواياه عن الحشد الذي برّأته المحكمة، مع أنه شارك في المؤامرة “المزعومة”، حسب وصفها، على الرغم من ثبوت إجرائه مئات آلاف المخابرات الهاتفية حول موضوع وحيد: اغتيال رفيق الحريري.
بهذه المهارات التي أبرزتها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لدى طرزان حزب الله، لا أسمح لأحد باستنكار إعجابي بالمجاهد المقدس، بلغة أمين عام الحزب، حسن نصر الله الذي نجح في إخفاء فعلته عن الأجهزة، بما فيها التي كلفته بالاغتيال، واعترف الحكم بأنها كانت تسيطر على لبنان سياسيا وأمنيا، طوال فترة الإعداد للجريمة، من دون أن تلاحظ ذلك مخابرات نصر الله التي لم تلاحظ أيضا تخزين آلاف الاطنان من المواد المتفجّرة ستة أعوام في مرفأ بيروت، الذي تسيطر عليه، لضرورات تتعلق بحتمية انفرادها بحماية لبنان. شارك عشرات في الفعل التآمري، فلم يشكّ أحد منهم في أهدافه، ولم يمتلك أي منهم قدرا من الولاء للحزب، يدفعه إلى إخباره بما يفعله. هذا ما تريد المحكمة لنا تصديقه.
هذا المجاهد/ الطرزاني، تعتبره المحكمة المسؤول الوحيد عن عملٍ اتسم بقدر هائل من التعقيد والتشابك، لكن طرزان جمع خيوطه في يديه وحده، وخطّط المؤامرة “المزعومة” ونفّذها، وجند هذا العدد الكبير من المغفلين الذين لم يسأله أحد منهم عن هدف الدور الذي يُطلب منه تأديته، فاستحقوا جميعهم التبرئة، بقوة نهج قانوني مبتكر، ألصق الجريمة بسليم عياش مسؤولا وحيدا عنها، وبرّأ المشاركين لأنهم غير مسؤولين، وتعرّض بعضهم للخداع، مثل أحمد أبو عدس، ضحية عياش الذي تلاعب به وبالمتعاونين معه طوال أشهر، وحرّكهم كدمى لا إرادة لها، الأمر الذي أقنع القضاة بأن من الظلم إدانتهم أو اتهامهم، ومن العدل تبرئه ساحتهم.
قالت المحكمة إن اغتيال الحريري كان جريمة رجلٍ لا شريك له، فهل، بربكم، يحق لنا أن نضن عليه بالإعجاب، بوصفه أول شخص في تاريخ الإجرام السياسي نجح في إشراك مئاتٍ في اغتيال رجل ملأ الدنيا وشغل الناس، بين نجاحاته إقناع المحكمة ومحققيها بأن من تعاونوا معه لم يكونوا شركاء له في جريمته.
إذا كان صحيحا ما نشر عن وجود قرار دولي بمنع المحكمة من إدانة الدول والأحزاب، لماذا تم تشكيل المحكمة أصلا، أمن أجل تبرئة الحزب والنظام الأسدي، وإهدار سبعمائة مليون دولار، من دون جدوى؟ وهل حشد العالم أجهزته القضائية والقانونية من أجل إدانة شخص واحد باغتيال رفيق الحريري، لم تؤكد المحكمة، فضلا عن ذلك، أنه فعل فعلته بأمر من الحزب الذي هو عضو فيه، ويأتمر بأوامره؟
بما أن المحكمة ألمحت من بعيد إلى حزب الله والنظام الأسدي، من دون أن تدينهما، ألم يكن من واجبها إصدار توصية بإقامة تمثال لطرزان العصر الذي حوّلته تربيته الحزبية من شخصٍ عادي إلى عبقريٍّ نجح بمفرده في اغتيال زعيم اسمه رفيق الحريري، على أن يوضع (التمثال) أمام مبنى المحكمة في لاهاي، ليذكّر البشرية بما يفعله اغتيال العدالة بالقضاء، وبها.
* كاتب ومفكر سوري
المصدر: العربي الجديد
التعليقات مغلقة.