
عزت الشيخ سعيد
في البدءِ كان حلماً، ثم تواعداً فوعداً، أتبعَ جهداً استغرق أشهراً كي يصبح واقعاً.
فما أن انطلقت الثورة في ربوع الوطن السليب سورية، حتى بادر النظام بمواجهة المتظاهرين الثائرين، طلباً للحرية والكرامة، واستعادة الوطن من براثن الوحوش التي استمرأت نهبه وقهره وإذلاله، وإخراجه من دائرة الفعل التاريخي، على مدى عقود خمسة؛ مستخدماً بحربه ضد الشعب السوري كافة أنواع الأسلحة، ومستهدفاً المدن والقرى والأحياء؛ فكان كل هذا الكم الكبير من الشهداء والجرحى، والمعتقلات/ـين والمغيبات/ـين في سجون لا يعرف إلا الله، جلَّ في علاه، مصيرهن/ـم. وأصابت الحرب بيوت الناس وممتلكاتهم، لتبلغ نسبة الدمار مراحل لم تشهدها سوى الحرب العالمية الثانية.
وكان أن تداعيّنا، لفيف من كوادر حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، في محاولة لجمع وثائق الحزب ومنشوراته، والبدء في محاولة لكتابة تاريخه أيضاً، حتى لا يتقول عليه مُتقول، أو دعيّ متسول على مائدة نفاق أو بغضاء متأصلة، يحوم حول الحمى، ملتقطاً خبراً مجتزأً أو مصطنعاً أو مفبركاً في حوانيت مظلمة، بُنيت على مداخل التاريخ ومنعرجاته، يتسكع فيها عابرو سبيل مشبوهون، يخلطون الحابل بالنابل، والغث بالسمين، هدفهم تشويه التاريخ وحقائقه؛ فتتيه دروب الباحثين عن مخرج أو مخارج لأمة تتطلاطم بها أمواج مجنونة، وتحّدق بها كوارث تكاد تودي بها في غياهب الضياع والانصياع، لصالح من يسعون للسيطرة عليها وعلى مقدراتها، ومنعها من بلوغ أهدافها التي رفعتها منذ انطلاقة ثورات التحرر الوطني، بُعيّد الحرب العالمية الأولى؛ والتي تبلورت بُعيّد تحقق الاستقلالات العربية، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، بشعارات تدعو للحرية والتحرر، وتحقيق الوحدة العربية، وإقامة نظام للعدالة في ربوع الوطن العربي.
أشهراً عديدة كنا نلتقي فيها، ونحاول البحث في كيفية جمع وثائق الحزب، وثائق المؤتمرات، المنشورات، مقالات الأمين العام الراحل الدكتور جمال الأتاسي، النشرات الداخلية، وكل ما انجزه الحزب على مدى خمسة عقود منصرمة.
كانت العملية صعبة للغاية؛ فقد استشهد من استشهد من كوادر الحزب، واعتقل من اعتقل، وهجّرَ من هجّرْ، والبيوت التي كانت تُحفظ بها الوثائق، أصابها الخراب والدمار، وأصبح الوصول إليها كمحاولة جلجامش الوصول إلى عشبته.
كان التصميم والإصرار هو المبدأ الذي عملنا عليه، واستمر العمل وتم جمع العدد الأكبر من وثائق المؤتمرات، وقسم لابأس به مقالات الراحل الدكتور جمال الأتاسي.
كانت الفكرة في البداية هي جمع ما تيسر لنشره في كتب وعلى أجزاء متتالية، ثم انتقلت الفكرة إلى إنشاء موقع الكتروني، يكون في متناول الجميع، سواء أعضاء الحزب، أو الباحثين في التاريخ السياسي والحزبي والنضال الشعبي في سورية. وكانت هناك دعوة لكتابة تاريخ الحزب منذ نشأته وانطلاقته عقب المؤتمر التأسيسي في بيروت في 18 تموز/ يوليو 1964.
ثم تطورت الفكرة ليكون موقعاً عاماً ينشر الوثائق، بالإضافة لأبواب مختلفة، تتابع أهم ما يُنشر في الصحافة العربية والعالمية، من مقالات ودراسات وتحقيقات، تعنى بالشأن السوري والعربي والعالمي أيضاً.
لم يكن اختيار عنوان الموقع واختيار يوم إطلاقه سهلاً، فقد كانت أمامنا خيارات عدة، وتم الاتفاق على إطلاق اسم «الحرية أولاً» كعنوان للموقع، وتاريخ تأسيس الحزب كيوم لإطلاقه.
تمر اليوم الذكرى الثانية لانطلاقة موقع «الحرية أولاً»، منارة أو شعلة أو شمعة، إن شئتم، في درب من يتوقون للحرية، ويسعون إليها، ويعملون جاهدين لتحققها، في سورية وفي أرض العرب بل وفي كل مكان من هذه الأرض، التي تكتوي بنيران الحروب والصراعات، وحماقات من يديرون شؤون شعوب الأرض، ممن عيونهم على المال والسلطة، وظهورهم لشعوب الأرض وأحلامها وتطلعاتها.
وثمة أمل يجب ألا يغادر عقول وبرامج من يسعون إلى الحرية، ولا يجوز أن يتنازلوا عن دورهم في نشر الوعي والتنوير، والتلاقي والعمل، للدفع باتجاه تحقق الحرية.
فالحرية أولاً، وعندما تتحقق تنفتح الأبواب أمام تحقق ما يتبعها من أهداف.

التعليقات مغلقة.