ياسمين عبداللطيف زرد *
نشرت صحيفة The guardian مقالاً بتاريخ 3 تموز/ يوليو للكاتب “سيمون تيسدال”، تحدث فيه عن أبرز التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في العلاقات بين دولها، كما تناول أبرز القضايا على أجندة بايدن في زيارته المرتقبة للسعودية، وأخيراً ذكر أن الخاسر الأكبر من هذه التحولات هو الشعب الفلسطيني ونشطاء الحقوق والحريات.. نعرض من المقال ما يلي:
استهل الكاتب حديثه قائلاً إنه رغم ساحات القتال الكثيرة في الشرق الأوسط، بدأت الأوضاع تتغير على أرض الواقع؛ ظهرت تحالفات جديدة لتخفف العداوات القديمة، وجددت كل من حسابات المصالح والأولويات الوطنية وبناء الجسور الدبلوماسية الحذرة- آمال السلام المحيرة على جبهات متعددة.
لكن هذا التغيير يقوده الخوف بدلاً من الإيمان بأي رؤية أوسع. السياق، كما هو الحال دائماً، هو صراع شرس على الهيمنة بين روسيا، والصين التوسعية، والولايات المتحدة المصممة على العودة إلى قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
في كل الأحوال، يُعد تزايد التوافق الأمني والاقتصادي بين (إسرائيل) من ناحية والدول العربية من ناحية أخرى أحد أكثر التحولات إثارة للجدل، خصوصا ما أكد عليه بيني جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، بشأن إنشاء تحالف عسكري إقليمي لردع الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية.
وبحسب ما ورد يضم هذا التحالف المحتمل والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية كلاً من الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة الأردنية الهاشمية ومصر وقطر، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية التي لا تربط إسرائيل بها أي علاقات دبلوماسية رسمية حتى الآن. ولا شك يغذي هذا التقارب بين العرب وإسرائيل القلق المشترك بشأن طموحات طهران لامتلاك أسلحة نووية، والتي تكتسب زخماً إضافياً في الوقت الذى تتأرجح فيه المحادثات النووية مع إيران حتى وصلت إلى حافة الانهيار.
- • •
ذكر الكاتب أن التحول الثاني في المنطقة والذي لا يقل إثارة عن التحول المذكور أعلاه هو لقاء بايدن المُخطَطْ مع محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي الذي اعتبره «منبوذاً». هذا اللقاء يثير انتقادات حادة بالفعل، بالرغم من أن هذا الفعل البراجماتي مفترض في السياسة الواقعية.
سوف يشجع بايدن تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية ويسعى إلى تخفيف التوترات الفلسطينية، ومن المقرر أيضاً أن يزور الضفة الغربية المحتلة. لكن الزيارة، وهي الأولى له إلى الشرق الأوسط كرئيس، تهدف بشكل أساسي إلى إعادة تأكيد نفوذ الولايات المتحدة بعد إهمال سنوات حكم ترامب.
كما أن هجوم روسيا على أوكرانيا له ضلع في الزيارة. حيث سيضغط بايدن على الجانب السعودي والمنتجين الآخرين لزيادة إنتاج النفط لتخفيف أزمة الطاقة العالمية وتقليل عائدات موسكو. في غضون ذلك، يظل بايدن متيقظاً للتحدي الكبير الآخر الذى يواجهه في الشرق: احتواء الصين، الحليف الاستراتيجي لروسيا وصديق إيران النفطي.
من جانبه، حذر “كينيث روث”، المدير التنفيذي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، من أنه: «إذا اختصر بايدن الحرب في أوكرانيا إلى مجرد صراع جيوسياسي، فسيكون لدى الحكام المستبدين في العالم سبب للفرح وتنفيذ ما يريدون. متذرعين بأن الديمقراطيات أعلنت عن قيمها ومستعدة أن تبيعها مقابل خزان أرخص من الغاز (في إشارة لزيارة بايدن للسعودية وتجاهل مقتل خاشقجي)».
- • •
الكاتب أضاف أن الزيارة لها آثار كبيرة على اليمن وسورية أيضاً. فيَعدْ إنهاء حرب اليمن، التي أنتجت أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم بعد التدخل السعودي عام 2015 ضد الحوثيين المدعومين من إيران، هدفاً رئيسياً لبايدن. والأمل هو أن يجعل ولي العهد بن سلمان الهدنة الحالية دائمة.
وفي تحول كبير آخر، قد تُقَدم الولايات المتحدة حوافز اقتصادية لمنبوذ ثانٍ في المنطقة، الرئيس السوري بشار أسد، في محاولة لمواجهة النفوذ الروسي في سورية. يمكن أن تشمل حتى تخفيف العقوبات لمساعدة دمشق على استيراد النفط الإيراني.
ولا داعي للقول إن هذا التحول يرتبط باحتمال آخر وهو إنقاذ اللحظات الأخيرة للاتفاق النووي مع إيران. صحيح فشلت المحادثات الإيرانية- الأمريكية غير المباشرة في قطر الأسبوع قبل الماضي، إلا أنه يبدو بشكل جلي أن طهران، التي تسعى بشدة إلى تخفيف العقوبات حتى مع تطوير قدراتها النووية، تصر على أن الاتفاق لا يزال ممكناً.
وبحسب ما ورد تُجادل شخصيات عسكرية إسرائيلية بارزة الآن، على عكس الموقف الذي اتخذه رئيس الوزراء السابق ورئيس الوزراء المستقبلي المحتمل “بنيامين نتنياهو”، بأن صفقة إيران السيئة أفضل من عدم وجود صفقة على الإطلاق. ناهيكم عن أن الولايات المتحدة لديها حافز إضافي، فالاتفاق يمكن أن يُضاعف كمية النفط الإيراني في الأسواق العالمية ثلاثة أضعاف.
- • •
على الجانب الآخر، يشن “فلاديمير بوتين”، حملة تأثير موازية. فلقد قام الرئيس الروسي الأسبوع قبل الماضي بأول رحلة له إلى الخارج منذ الغزو الأوكراني، التقى فيها بالرئيس الإيراني المناهض للغرب، “إبراهيم رئيسي”، في تركمانستان.
ووفقاً للكرملين، أشاد بوتين بالتوسع السريع في التجارة الثنائية مع طهران منذ 24 شباط/ فبراير، لحظة انطلاق العملية العسكرية ضد أوكرانيا. وقال لرئيسي: «لدينا علاقات استراتيجية عميقة حقاً.. ونعمل سوياً في مناطق ساخنة مثل سورية». ومثل الصين، رفضت روسيا إدانة منع إيران الأخير لعمليات التفتيش النووي التي تديرها الأمم المتحدة.
لكن كعادتها تبدو نوايا إيران غامضة ومتناقضة. ولأنها منزعجة من التحالف العسكري العربي- الإسرائيلي الجديد، فإنها تتغاضى عن تحول جيوسياسي زلزالي حقيقي متمثل في انفراج العلاقة بين إسرائيل والسعودية التي تُعَد منافستها الكبرى في المنطقة، وقالت طهران الأسبوع قبل الماضي: إنها مستعدة لاستئناف المحادثات المباشرة مع السعودية بوساطة عراقية.
رغم أنه من غير المحتمل في هذه المرحلة عودة العلاقات بين السعودية وإيران، فإن نزع فتيل التوترات النووية الإيرانية- السعودية يمكن أن يكون له تداعيات إيجابية هائلة على علاقات طهران مع أوروبا والولايات المتحدة وجميع جيرانها العرب. فإذا قللت إيران من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وأثبطت الزحف الروسي والصيني، فسيكون لذلك موضع ترحيب في واشنطن.
ومع ذلك، فإن احتمال إعادة إدماج إيران في المنطقة يُنذر بالخطر بالنسبة لإسرائيل، فلا تزال طهران تنظر إلى إسرائيل على أنها تهديد وجودي، لا سيما من خلال دعمها لحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة. لذلك تواصل إسرائيل اغتيال شخصيات النظام ومهاجمة المنشآت الإيرانية، وكثفت أخيراً ما يسمى بـ «حرب الظل» في سورية. وهذا من المحتمل أن يضعها على خلاف مع أجندة بايدن.
- • •
ما نريد قوله إنه مهما كانت النتائج المأمولة التي قد تظهر أو لا تظهر مع زيارة بايدن المرتقبة للسعودية خلال أيام معدودة، فمن الواضح أنه سيكون هناك الكثير من الخاسرين، من بينهم أكراد شمال سورية المحاصرون من قبل نظام تركي لا تقاومه واشنطن، وعدد لا يحصى من الضحايا الآخرين لانتهاكات حقوق الإنسان على أيدي مستبدين ودكتاتوريين في الشرق الأوسط مدعومين من الغرب.
لكن الشعب الفلسطيني هو من سيخسر أكثر من هذا السلام الجزئي والانتقائي للغاية. فقضية الاستقلال الفلسطيني، التي تخلى عنها الحلفاء العرب، وتلاعبت بها إيران، وتجاهلتها أوروبا والولايات المتحدة، واستغلتها إسرائيل، لم تبدُ قط أكثر قتامة كاليوم.
…………….
النص الأصلي على الرابط:
ــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق
التعليقات مغلقة.