الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

أولوية بايدن خليجياً تفكيك “أوبيك +”.. لكن بأي ثمن؟

سميح صعب *  

جولة الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع المقبل في الشرق الأوسط تأتي قبل ثلاثة أشهر من الإنتخابات التشريعية المبكرة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر في إسرائيل. بعدها بأيام تجري الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة، وهما استحقاقان قد يحملان تغييراً سياسياً لا يصب في مصلحة بايدن.  

معظم التوقعات في إسرائيل تُرجح عودة زعيم تكتل ليكود “بنيامين نتنياهو”، بينما تظهر استطلاعات الرأي في أميركا أن الجمهوريين في طريقهم للسيطرة على مجلسي الكونغرس، كمحطة مهمة تعطي زخماً للرئيس السابق دونالد ترامب للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2024.

هذان التطوران من شأنهما تكبيل يدي بايدن وإصابة ما تبقى من ولايته بالشلل. وعليه تفتقر جولة الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط إلى عناصر التشويق، ولا يكون مُعوّلاً عليها كثيراً، لأن الجميع في المنطقة، من خصوم وأصدقاء، يستعد لعودة ترامب ونتنياهو، ولن يكون لديه الحوافز لتقديم تنازلات في الملفات الساخنة، من المفاوضات النووية غير المباشرة مع إيران التي تراوح مكانها، إلى عملية التسوية المجمدة بين الفلسطينيين وإسرائيل منذ عام 2014، إلى حرب اليمن.

وهنا يدفع بايدن ثمن تأخره خمسة أشهر لبدء المفاوضات مع إيران الرامية إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة التي تعرف اختصاراً بالاتفاق النووي لعام 2015. إن التوصل إلى إتفاق مع إدارة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، كان أسهل بكثير من التوصل إلى صفقة مع حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، كما يتبين من مجريات التفاوض الشاقة، التي تكاد تصل إلى طريق مسدود.

اليوم، بايدن عالق بين شروط الحرس الثوري وشروط إسرائيل على ما تستنج مجلة “فورين أفيرز” الأميركية. ويُجمع الديموقراطيون والجمهوريون على رفض أي تنازل جوهري لإيران، سواء في ما يتعلق بشطب بعض فروع الحرس الثوري عن لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية أو بالنسبة إلى منح ضمانات بعدم انسحاب أي رئيس أميركي من الإتفاق النووي. والضمانات التي تطالب بها إيران لن يكون في متسع بايدن منحها لها.

ومن الجهة المقابلة، تضغط إسرائيل لعدم العودة إلى إتفاق 2015، تحت أي مسوغ من المسوغات. لذا، الأرجح أن تبقى حالة اللّاإتفاق مع إيران هي السائدة. وبعيداً عن لعبة الشروط والشروط المضادة، باتت مفاوضات فيينا أسيرة مضاعفات الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وموسكو، منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط/ فبراير الماضي. وهذا يُسلّط الضوء أكثر على الخطأ الكبير الذي وقع به بايدن نتيجة تأخره في الشروع بمفاوضات العودة إلى الإتفاق النووي.

أما بالنسبة إلى المسألة الفلسطينية، فإن سياسة بايدن لم تختلف كثيراً عن سياسة ترامب. فقد امتنعت الإدارة الديموقراطية عن إتخاذ أي مبادرة لمعاودة المفاوضات، تحت إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على غرار نتنياهو، على عدم مقاربة “حل الدولتين” تحت أي مسوغ من المسوغات. ومن المماطلة في معاودة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية إلى عدم الحسم في التحقيق بمصدر الرصاصة التي قتلت الصحافية في قناة “الجزيرة” الفضائية القطرية “شيرين أبو عاقلة”، فشلت إدارة بايدن فشلاً ذريعاً.

وبعد ذلك، ماذا يمكن أن يقدم بايدن للفلسطينيين في جولته. ربما كلام مكرور عن “حل الدولتين”، من دون أي مبادرة فعلية، خصوصاً أن حكومة يائير لابيد هي حكومة انتقالية، فضلاً عن أنها غير مقتنعة بعملية التفاوض مع الفلسطينيين. وعندما يتحدث لابيد عن إمكان لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يتبع ذلك بالقول إن ذلك مستبعد قبل الإنتخابات الإسرائيلية، بينما كل طموح السلطة الفلسطينية لا يتعدى ما تسميه “فتح أفق سياسي” أمام الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يذكر ببداية الاتصالات الأميركية-الفلسطينية في أواسط السبعينيات الماضية.

وبالنسبة لحرب اليمن، من الواضح أن التهدئة التي مضى عليها ثلاثة أشهر، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاتصالات السعودية- الإيرانية، التي يرعاها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أكثر مما هي نتيجة لجهود المبعوث الأميركي “تيم ليندركينغ”.

وإذا كان أي اختراق في هذه الملفات بات أمراً مستبعداً، فإن الملف الوحيد الذي يعول عليه بايدن، هو أن تتخذ دول مجلس التعاون الخليجي ولا سيما السعودية، قراراً بزيادة إنتاج النفط، للجم ارتفاع الأسعار وموجات التضخم التي تجتاح العالم، بفعل خطة الغرب الاستغناء عن استيراد الطاقة الروسية، بهدف الحد من الموارد المالية للكرملين.

وقد تكون الغاية الأساسية من فتح صفحة جديدة مع السعودية واللقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هي الدفع في اتجاه تفكيك تحالف “أوبيك بلاس” الذي يتحكم بأسعار الطاقة منذ سنوات، والذي كان الأساس في تعزيز العلاقات بين موسكو والرياض، لا سيما بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض وتعهده “إعادة ضبط” العلاقات مع السعودية.

والجدير بالذكر في هذا السياق أن علاقات دول مجلس التعاون الخليجي قد تعزّزت في الأعوام الأخيرة مع روسيا والصين، على نحوٍ لم يعد من السهل التراجع عنه. حدث ذلك، في الوقت الذي كانت تضعف فيه الثقة بين دول الخليج والولايات المتحدة، التي قررت التركيز على احتواء الصين، وشرعت في تخفيف وجودها العسكري في المنطقة.

مهمة بايدن في الخليج ليست سهلة، لا سيما أن الجميع يتابع استطلاعات الرأي التي تتوقع عودة الجمهوريين للإمساك بالكونغرس تمهيداً لعودة ترامب إلى البيت الأبيض. وهذا من بين العوامل التي تجعل الخليجيين ليسوا في عجلة من أمرهم لإبرام صفقة مع بايدن.

الشرق الأوسط ليس مفصولاً عن الحرب الباردة الجديدة. لا بل أنه يعيش في خضمها ويتلقى انعكاساتها من طهران إلى بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت.

وفي الحرب الباردة السابقة، وقف الخليج مع الولايات المتحدة، وكان سداً منيعاً في مواجهة الإتحاد السوفياتي. الوضع مختلف اليوم. والخليج وقف على الحياد حيال الحرب الروسية-الأوكرانية. موقف، ساعد روسيا كثيراً في استيعاب موجات غير مسبوقة من العقوبات الغربية السياسية والاقتصادية.

السؤال المطروح بقوة، هل في إمكان بايدن أن يغير هذا الاتجاه وبأي ثمن؟

* كاتب وصحافي لبناني

المصدر: 180 بوست

التعليقات مغلقة.