ياسمين عبداللطيف زرد *
نشر موقع “بلومبيرج” مقالاً بتاريخ 29 حزيران/ يونيو 2022 للكاتب “بوبى جوش”، يقول فيه إنه وإن كانت هناك أسباب وجيهة لإنشاء تحالف عسكري شرق أوسطي على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمواجهة التهديدات الإيرانية، إلا أن الفكرة تتجاهل تماماً عدة عوامل عربية ستحبط مثل هكذا تحالف.. نعرض من المقال ما يلى.
عادت فكرة إنشاء تحالف أمنى إقليمي ضد الأعداء المشتركين إلى الظهور قبل زيارة الرئيس جو بايدن المزمعة إلى جدة الشهر المقبل (تموز/ يوليو)، وسط تقارير عن وجود تعاون أمنى وثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج العربية ضد تهديدات إيران.
وفي الأسبوع قبل الماضي، قال العاهل الأردني الملك “عبدالله الثاني” إنه سيدعم تشكيل نسخة شرق أوسطية من حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأضاف محذراً فى مقابلة تلفزيونية مع قناة سي إن بي سي: «يجب أن تكون مهمة الحلف واضحة جداً جداً. وإلا فإنه سيربك الجميع».
في العموم، الجانب الإسرائيلي حريص على مثل هذا التحالف، ومن المرجح أن توافق إدارة بايدن على الأقل من أجل حماية الرئيس من الانتقادات في الكونجرس لكونه أكثر تصالحاً تجاه طهران.
وبناءً على ما سبق، تبدو الحجة حول إنشاء حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط منطقية تماماً، في ضوء الحقائق السياسية والعسكرية للمنطقة. لكن وبنظرة بسيطة على المسألة، سنجد أن الدول التي ستشكل مثل هذا التحالف كافحت لتحديد أهداف أمنية مشتركة، بغض النظر عن الخصوم المشتركين. وفي الواقع معظمهم لديهم جيوش مصممة لحماية أنظمتهم من التحديات الداخلية، ولكن ليس الأعداء الخارجيين. صحيح قد يكونون بارعين في ضرب النشطاء العزل والاحتجاجات ضد أنظمتهم غير الديمقراطية، إلا أن لديهم سجلاً ضعيفاً في المعارك الحربية.
بسبب هذه العوامل أُحبطت عدة محاولات سابقة لبناء تحالفات عسكرية في المنطقة. منها محاولتان في السنوات السبع الماضية: أولاهما خطة جامعة الدول العربية لعام 2015 لإنشاء قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب؛ والثانية اقتراح عام 2017 لتحالف أمنى للشرق الأوسط (ميسا) الذى اقترحته السعودية، وحصل على دعم كامل من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (كان يطلق عليه الناتو العربي).
لقد حدث تطوران مهمان منذ تلك الإخفاقات. أولاً، قامت إسرائيل بتطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية وتتجه نحو ترتيبات مماثلة مع دول أخرى، مما يعنى أن جيش الدفاع الإسرائيلي سيكون على الأرجح جزءاً من أي تحالف جديد. ثانياً، الخطر الذى تمثله إيران أوضح وأقوى من أي وقت مضى.
إيران، اليوم، على وشك امتلاك القدرة على صنع الأسلحة النووية، حيث قامت ببناء مخزون كبير من اليورانيوم المخصب متخطية نقطة الاستخدام المدني. وإدارة بايدن تعتقد أنه يمكن تخفيف التهديد من خلال إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذى أبرمته إيران مع القوى العالمية. لكن الاتفاق النووي من شأنه أن يزيل العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، ويمكنها- بالتبعية- من ضخ مئات المليارات من الدولارات في بناء كل من قواتها التقليدية وشبكتها من الميليشيات والجماعات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة.
قد نعتقد جميعاً أن هذا سبباً كافياً للدول التي تهددها إيران لتصبح جادة بشأن تحالف عسكري إقليمي. لكن على الرغم من تعاونهم الوثيق في القضايا الأمنية، فإن لدى الجانبين الإسرائيلي والعربي تصورات مختلفة عن التهديدات بشأن إيران بالإضافة إلى استراتيجيات مختلفة حول كيفية التعامل مع طهران. وهذا يربك أي آمال فى مهمة الحلف التي يجب أن تكون «واضحة جداً جداً» على حد قول الملك “عبدالله الثاني”، كما ذكرنا أعلاه.
بكلمات أكثر تفصيلاً للعبارة السالفة، قطر وسلطنة عمان تتمتعان بعلاقات جيدة مع إيران، بينما تحافظ الكويت على علاقات حذرة مع طهران. أما السعودية والإمارات المتحدة فهما حذرتان من إيران بعد أن تلطخت أيديهما بالدماء فى الصراع مع الميليشيا العميلة لطهران في اليمن، إلا أنهما الآن أكثر حرصاً على التوفيق أكثر من المواجهة؛ وأخيراً بدأت الرياض وأبو ظبي تجريان مفاوضات مفتوحة إلى حد ما مع النظام في طهران. هذا بالإضافة إلى أن مملكة البحرين الصغيرة تميل إلى مسايرة السعودية في قضايا الأمن والسياسة الخارجية.
على كلٍ، تمتلك دول الخليج العربية نموذجا لقوة عسكرية مشتركة: المعروفة باسم «درع شبه الجزيرة»، يبلغ قوتها 40 ألفاً ومجهزة تجهيزاً جيداً، وذلك بفضل دولارات النفط للدول المشاركة. لكن ما لا تملكه هو أي خبرة قتالية جادة. وبالتالي لن يؤدى ذلك إلى تقوية عصب أي تحالف مناهض لطهران ولن يرسل حتى أي رعشات في العمود الفقري الإيراني.
وبخصوص الدول العربية في بلاد الشام، أصبحت سوريا ولاية إيرانية ويبدو أن لبنان والعراق يسيران في هذا الاتجاه. وبالرغم من تحذير ملك الأردن باستمرار من تنامي نفوذ إيران في المنطقة، لكن قوته العسكرية الصغيرة يمكنها في أحسن الأحوال أن تلعب دوراً بسيطا في أي تحالف، كما فعلت في التحالف المناهض للحوثيين في اليمن.
نأتي إلى أكبر القوات العسكرية العربية في شمال إفريقيا، مصر، والتي كانت تنظر تاريخياً إلى تهديد طهران بدرجات من التردد نظراً إلى بعدها عن إيران جغرافياً. مصر كانت أول من انسحب من مشروع (ميسا) المشؤوم.
كل ما سلف يقودنا إلى حقيقة واحدة وهي أن مهمة كبح إيران، مهما كانت نتيجة المفاوضات النووية، ستقع بشكل أساسي على عاتق الولايات المتحدة وإسرائيل. وأي اقتراح لحلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط هو حبر على ورق.
…………………..
النص الأصلي:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق
التعليقات مغلقة.