فيصل عكلة *
عند اشتداد الحرّ ظهرًا، تستقبل أم عبد الله ضيفاتها من نساء المخيم وتوزع عليهن قطعًا كرتونية مربعة، وتطلب منهن تشغيل التهوية الطبيعية وهزّ هذه المرواح يمنة ويسرة أمام وجوههن لتحريك الهواء الحار الذي يلفح الوجوه، وتضحك أم عبد الله وهي تردد: هذه المروحة بسيطة ولا تحتاج إلى طاقة لتشغيلها، كما أنها تعمل في الليل والنهار، وهي تعدّ رياضة للأيدي، وتختم حديثها بالقول: (ما جبرك على المرّ إلا الأمرّ منه).
البعض الآخر يستخدم الماء للتخفيف من درجات الحرارة أوشراء قطعة (بوظ) بخمس ليرات للحصول على الماء البارد والتي تكفي فترة الظهيرة فقط وليتمّوا باقي النهار والليل بشرب الماء الساخن.
تيسير اليوسف مريض بإلتهاب الكبد الوبائي ويسكن إحدى مخيمات كفردريان وعنده عدد من الأطفال الصغار، وعندما سألناه عن الوسائل التي يستخدمها للتخفيف من موجة الحر، أكدّ أن الصغار وكبار السن لايتحملون ارتفاع درجات الحرارة لذلك نلجأ إلى رش الماء من حولنا وتبليل الثياب ورشّ الماء على الأطفال، والآن وبعد مرور ثلاث سنوات على أكبر موجة نزوح إلى المخيمات، إعتمد الناس على الطاقة الشمسية في الإنارة لتعذر وجود الكهرباء النظامية، وقد اشتروا يومها ألواح الطاقة الشمسية وما يلحق بها من بطاريات ومنظم جهد، وبمرور الوقت جفّت البطاريات وتوقفت عن تخزين الطاقة وحان وقت تبديلها.
أبو أحمد يسكن أحد مخيمات غرب سرمدا، قال لصحيفة إشراق: عدت من نوبتي في المرابطة، لأتفاجأ أن عائلتي تنام على (العتم) لأن البطارية تعطلت، والمروحة الأرضية الصغيرة التي أملكها توقفت أيضًا، ذهبت لتبديلها فطلبوا مني خمسين دولار إضافة للبطارية التالفة، وكنت قد قبضت راتبي الشهري من الكتيبة ٢٠٠ ليرة تركية وبدلت أسطوانة الغاز بمبلغ ١٨٢ ليرة وبقي من الراتب ١٨ ليرة وهو لا يكفي لشيئ!
أسعار البطاريات ارتفعت في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع غلاء الأسعار العامة، وقد أصدر معبر باب الهوى تعميمًا منع بموجبه استيراد المنتجات ذات المنشأ الهندي ومنها البطاريات الهندية الواسعة الإنتشار وطويلة العمر حسب ما شرح لنا عبدالله الأحمد(بائع أنظمة الطاقة): أسعار البطاريات تبدأ من حدود المائة دولار وتصل إلى ٢٥٠ دولار، ويختلف السعر حسب المصدر وحجم البطارية، ويعتمد سكان المخيمات على البطاريات الصغيرة نسبيًا لإنخفاض سعرها، كما أنهم يسألون عن البطاريات المستعملة بحثًا عن الرخص، رغم أن البطاريات المستعملة تكون مستهلكة ولا تعمر طويلاً، بل بعض النازحين يشترون بطارية دراجة نارية صغيرة ويستخدمونها لإنارة خيمهم، ويعيدون شحنها عند الجيران لأنهم لا يملكون لوحًا للطاقة الشمسية.
الحَر القادم فرض على سكان الخيام البحث عن تخفيفه، وتوجه البعض ممن يملك المال لشراء المرواح الأرضية، وهنا بدأت معاناة جديدة، بضرورة شراء لوح طاقة شمسية إضافي لتشغيل المروحة، وذلك عبء جديد يحتاج إلى ما يقرب من خمسة عشر دولارًا.
ونسبة قليلة جدًا من النازحين وتحت ضغط الحرارة وللحفاظ على الطعام والخضار والحصول على الماء البارد، اشتروا ثلاجات صغيرة تستهلك طاقة كهربائية قليلة، حيث في هذه السنة وردت إلى المحرر كمية كبيرة من الثلاجات الأوربية المستعملة ومن كافة الأحجام والأشكال، وأسعارها متهاودة نسبة إلى الثلاجات الجديدة، كما أنها تستهلك تيارا كهربائيا قليلا، وهو ما دفع بعض النازحين للإقدام على هذه الخطوة.
أبو العبد من نازحي إدلب الجنوبي ويسكن مخيمات أطمة الحدودية، ومعه عائلات ابنيه الشهيدين وابنته الأرملة، شرح لنا أسباب شرائه للثلاجة بقوله: جاءتني ابنتي يومًا تقول أننا نشتري بما يعدل عشرين ليرة يوميًا(بوظ) للماء البارد والكثير من الخضار والطعام يفسد بسبب الحرارة، وعليه ما رأيك أن نشتري ثلاجة صغيرة، قلت لها لا مانع إن كان سعرها مناسبًا، قالت ١٥٠ دولار فقط، اشترينا الثلاجة ولكنها لم تعمل، جئنا بالمصلّح فأجاب أننا بحاجة إلى رافع جهد جيبي لأن رافعنا قديم وموجته مربعة وأننا بحاجة إلى مائة دولار جديد، ولم تعمل الثلاجة أيضًا وقال المصلّح أننا بحاجة إلى لوح طاقة ثالث، وإلى قاعدة حديدية لتثبيت الألواح وتحريكها وعليه يتوجب دفع مائة دولار أخرى، وكما ترى تورطت ورطة لا أعرف سبيل الخروج منها!
صحيفة إشراق سألت الإعلامي محمد البلعاس وهو من المتابعين للحالات الإنسانية في المخيمات عن الوسائل التي لجأ إليها سكان الخيم لمواجهة حرارة الشمس فأجاب: مع بدء كل موسم صيف تبدأ معاناة سكان الخيام في إدلب، فتكون الخيمة عبارة عن بيت بلاستيكي وترتفع الحرارة بداخلها أكثر من حرارة الجو خارجها، وسبل الوقاية من الحرارة تكاد تكون معدومة أو بدائية بأفضل الأحوال.
وعدّد البلعاس بعض تلك الطرق: يلجأ الأهالي إلى رش المياه فوق الخيمة، أو الجلوس تحت الأشجار أحياناً وبأفضل الأحوال يلجأ سكان الخيمة للطاقة البديلة لتشغيل مروحة صغيرة تعمل على البطارية والتي تعتبر من الرفاهية نظراً لغياب الكهرباء عن المخيمات، كما أن الإكثار من شرب الماء ورش الأطفال بها والإحتماء تحت السيارات سبيل آخر قد يلجأ إليه بعض الأهالي للحماية من ضربات الشمس.
ويأتي صيف جديد على المخيمات حاملاً معه الكثير من المآسي التي تحيط بسكان الخيم ويبقى انتظار الفرج والعودة للديار القاسم المشترك الذي يرددونه ليل نهار ولا يكاد يفارقهم.
* كاتب سوري
المصدر: اشراق
التعليقات مغلقة.