محمد عايش *
ما زال شبح المجاعة والأزمة الغذائية يُهيمن على عالمنا العربي، وما زلنا لم نتحرك من أجل منع الانزلاق إلى هذه الهاوية، كما لا يوجد لدى أي من بلادنا العربية، أية خطط أو تحركات بديلة لتأمين رغيف الخبز والحفاظ على كرامة الناس، على الرغم من مرور عدة شهور على الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي يُشكل أكبر تهديد للأمن الغذائي العربي منذ عقود، بل ربما منذ قرون.
خلال العام الحالي 2022 سجلت أسعار القمح أكبر ارتفاع في تاريخها، إذ قفزت خلال الشهور الثلاثة الأولى من الحرب في أوكرانيا بنسبة 40%، والأهم من ذلك أن بعض الدول مثل الهند، وضعت قيوداً على تصدير الحبوب، ما يهدد بتفاقم أكبر لهذه الأزمة قد لا يتوقف عند الأسعار المرتفعة وإنما قد تعاني بعض الدول من شح القمح، حتى إن وافقت على أن تدفع ثمناً مرتفعاً له.
لم يسبق أن شهد العالم هذا الارتفاع في أسعار القمح، حيث أصبح اليوم يُباع بنحو خمسة أضعاف ما كان عليه في عام ألفين، كما أنه قد يُنهي العام الحالي عند ضعف ما كان يُباع به العام الماضي، في حال استمرت الحرب في أوكرانيا لمدة أطول، وفي حال دخلت بعض العوامل الأخرى مثل الطقس السيئ وبعض القرارات السياسية كقرار حظر التصدير الذي اتخذته الهند الشهر الماضي. وبينما يعاني العالم بأكمله من أزمة الحبوب والقمح وارتفاع أسعارها، إضافة الى ارتفاع أسعار النفط والغاز، وتقلبات العُملات الرئيسية، فان من بين أكبر عشرة مستوردين للقمح الأوكراني يوجد ست دول عربية، ما يعني أن الدول العربية هي أكبر المتأثرين بالأزمة الغذائية التي تلوح في الأفق على مستوى العالم. لا تتوقف الكارثة عند هذا المستوى، وإنما يظهر من الأرقام والبيانات والاحصاءات الرسمية أن العرب يستهلكون أكثر من 20% من الحبوب في العالم، لكنهم ينتجون أقل من 2% فقط منها، كما أن مصر وحدها تستحوذ على أكثر من 5% من إجمالي القمح الذي يتم بيعه في العالم، أما الجزائر فتشتري نحو 4% من القمح المباع في العالم، وهذا يعني أنَّ عالمنا العربي هو مركز الأزمة الغذائية العالمية بلا منازع. وبينما يخشى العربُ اليوم من أزمة جوع مرعبة، فإنَّ المفارقة هو أنَّ ثلاث دول عربية من بين أكبر عشرة مشترين للأسلحة في العالم، بحسب ما أورد معهد استكهولهم في أحدث تقاريره، وهذا يعني أن الدول العربية لديها الكثير من المال والكثير من السلاح، بينما لديها القليل من الطعام والخبز، كما أن مخزونها من السلاح والذخيرة أكبر من مخزونها من القمح والغذاء والدواء، وهذا ما يفتح أمامنا الكثير من الأسئلة عن كيفية إدارة هذه البلاد بما فيها من ثروات وأموال؟!
ما يحتاجه العرب اليوم هو البحث في كيفية الحفاظ على الأمن الغذائي، عبر خطط عاجلة للتنمية وتطوير الصناعة والزراعة والإنتاج، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، أو على الاقل الاكتفاء الذاتي في بعض المجالات الحيوية المهمة مثل إنتاج القمح والحبوب. كما أن الإنفاق بإسراف على الأسلحة لا معنى له بالنسبة لدول لا تخوض أية حروب، وليس لديها النية ولا القدرة على أن تخوض أية حرب، لا بل تتسابق لإبرام اتفاقات السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي اعترافاً منها بأنها لا يُمكن أن تحارب في المستقبل. كما أنَّ سياسات الاستثمار في الدول العربية الغنية يجب أن يُعاد النظر فيها أيضاً، إذ لا معنى للاستثمار في السندات الأمريكية، وأسهم «وول ستريت» وبورصات الذهب والمعادن والعملات المشفرة، بينما لا تستطيع كل هذه الأموال أن تؤمن لشعبكَ طناً من القمح إذا أصبح العالم يعاني شحاً في الإنتاج، أو أزمة الإمدادات أو المخزونات.
وهنا فلماذا لا تفكر الدول العربية في استثمارات جماعية أو فردية كبرى في القطاع الزراعي، كأن تتم زراعة آلاف الدونمات من أراضي السودان الخصبة بالقمح والمواد الغذائية الأساسية، وأن تصبح بعضُ بلادنا العربية خزاناً لهذه السلع وصمام أمانٍ لرغيف الخبز الذي يحتاجه الإنسان العربي؟
* كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي
التعليقات مغلقة.