
محمد المنشاوي *
تصور بعض العرب أن الشعب الفلسطيني عليه أن ينتظر الكثير من الإيجابيات من إدارة جو بايدن، إلا أنه وبعد مرور عام ونصف العام على وصول بايدن للبيت الأبيض، يتأكد أنه لا يوجد لدى إدارة بايدن ما يمكن أن ينصِف، ولو حتى بالقدر الضئيل الجانب الفلسطيني.
بعد وصوله الحكم في كانون الثاني/ يناير 2021، تعهد بايدن بإعادة المبادئ الحاكمة التي وجهت السياسة الأمريكية نحو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويشمل ذلك تقليدياً دعم حل الدولتين، ومعارضة أي أنشطة إسرائيلية لضم الأراضي وبناء المستوطنات. لكن بايدن أكد كذلك أنه لن يتراجع عن قرار ترامب نقل سفارة واشنطن إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
وقبل ذلك وخلال حملته الانتخابية، تعهد الرئيس جو بايدن بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، وكرر وزير الخارجية تونى بلينكن عدة مرات القول إن بلاده «ستمضي قدماً في عملية فتح قنصلية القدس الشرقية في إطار تعميق هذه العلاقات مع الفلسطينيين». ويبرر أنصار بايدن عدم تحركه تجاه إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس إلى تعمق الانقسامات السياسية داخل إسرائيل والانتخابات المتكررة التي أفضت لتشكيل حكومة يمينية في حزيران/ يونيو الماضي 2021، وهو ما يحد من قدرة بايدن على تنفيذ وعده بإعادة افتتاح القنصلية بالقدس الشرقية حتى الآن.
* * *
تتجاهل إدارة بايدن أي حديث عن خططها لإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، ويرجع ذلك بصورة كاملة إلى إدراكها أن الحكومة الإسرائيلية لن تدعم مثل هذه الخطوة، ولن تعطي واشنطن الضوء الأخضر لأي خطوة من هذا القبيل. وبدلاً من ذلك تماطل إدارة بايدن وتركز على دعم مبادرات وخطوات اتفاقيات أبراهام التطبيعية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية والتي تم التوصل إليها في عهد الرئيس السابق ترامب.
ويؤمن بايدن أنه يمكن شغل الفلسطينيين بموضوعات ومبادرات لتحسن حياتهم اليومية اقتصادياً ومعيشياً، وتجاهل قضية الاحتلال أو المسائل السياسية التي لا ترغب إسرائيل في التطرق إليها، ولا تجد نفسها مضطرة لذلك في غياب رغبة أو ضغط من جانب واشنطن، وتجاهل من جانب العواصم العربية.
ولا يضع بايدن أي أولوية عالية للقضية الفلسطينية، ويسهل ذلك قفز الجمهوريين في الكونجرس بمشروع قرار يهدف إلى منع إدارة بايدن مستقبلاً مما يعتبرونه استرضاء للشعب الفلسطيني وتقسيم القدس عن طريق إعادة فتح قنصلية بلادهم بها.
ولا يجب القبول في عالم اليوم بذريعة أن اللوبي المؤيد لإسرائيل يتمتع بنفوذ هائل في الكونجرس، وهو ما يكفي لتحدي أو حتى تقييد يديّ الرئيس بايدن بصورة جدية.
* * *
وقبل أسابيع من زيارة الرئيس جو بايدن المرتقبة إلى الشرق الأوسط، غيرَ البيت الأبيض منصب السيد هادي عمرو، الذى يشغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشئون الإسرائيلية والفلسطينية منذ كانون الثاني/ يناير 2021، ليصبح منصبه الجديد «المبعوث الخاص إلى الفلسطينيين».
وتأتي ترقية عمرو، الأمريكي صاحب الجذور اللبنانية، كجزء من جهود الإدارة لإعادة ضبط علاقتها مع القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية.
واعتبر بعض الخبراء أن الخطوة الأمريكية الجديدة تتناسب مع توجهات إدارة بايدن المختلفة عن الأجواء العدائية التي ميزت توجهات الإدارة السابقة لدونالد ترامب تجاه الشعب الفلسطيني.
إلا أنني أعتبر هذه الخطوة دليلاً إضافياً على عجز إدارة بايدن، وتهربه من التعهدات الكبيرة التي كررها أثناء حملته الانتخابية خاصة تجاه إصلاح ما قام به ترامب من خطوات عدائية سافرة تجاه الشعب الفلسطيني في خروج صريح عن خط كل الرؤساء الأمريكيين السابقين سواء الجمهوريين منهم والديمقراطيين.
* * *
وبعيداً عن سجل بايدن الطويل المناصر لإسرائيل على طول الخط، اتخذ بايدن خلال رئاسته مواقف سلبية غالباً وعدائية أحياناً تجاه الشعب الفلسطيني. فبعد العدوان الإسرائيلي على غزة العام الماضي، قال بايدن إنه يأمل أن «يتم إنهاء التوتر في الشرق الأوسط عاجلاً لا آجلاً»، إلا أنه أكد وكرر ما اعتبره «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في وجه آلاف الصواريخ التي تسقط عليها»، وفي حين تجاهل هجمات إسرائيل على الكثير من المناطق السكنية الفلسطينية وهو ما أدى لمقتل العشرات من المدنيين والمدنيات الأبرياء.
وبعد مقتل الصحفية الفلسطينية «شيرين أبو عاقلة»، والتي تحمل الجنسية الأمريكية، تتجاهل واشنطن عملية القتل بمطالبتها بإجراء تحقيق سريع وشفاف دون أن تضغط بأي صورة على الجانب الفلسطيني، ودون أن تطلب إدارة بايدن بالمشاركة في التحقيقات وتجاهل أن الضحية مواطنة أمريكية.
ويمثل استمرار دعم بايدن لأكثر الحكومات يمينية وتطرفاً في التاريخ الإسرائيلي بمثابة توفير غطاء لما نشهده من أعمال عدوانية إسرائيلية جاءت عقب صمت واشنطن وفشلها في إدانة أعمال العنف من المستوطنين واليمينيين المتطرفين الإسرائيليين في ساحة المسجد الأقصى خلال الأيام الأخيرة.
لكن الحقيقة المُرة التي يدركها بايدن ويختار تجاهلها هي أن بلاده ليست دولة متفرجة في صراع الشرق الأوسط، فهي تضر بشكل غير عادل بأحد الطرفين منذ عقود لصالح الطرف الآخر مما جعل تحقيق السلام مستحيلاً. ويتهم أركان حزب الرئيس بايدن الديمقراطي الفلسطينيين بأنهم ليسوا شريكاً جاهزاً للسلام، ويرون في الوقت ذاته أن الإسرائيليين على ما يرام بدون عملية السلام. وبدلاً من استغلال زيارته لإسرائيل والمناطق المحتلة للتأكيد على موقف واضح للرئيس بايدن من مستقبل القدس، ذكرت شبكة سي إن إن CNN أن بايدن قد يزور مستشفى جمعية المقاصد الإسلامية بمدينة القدس الشرقية.
* كاتب صحفي مصري
المصدر: الشروق
التعليقات مغلقة.