الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

المؤرخون الجدد في إسرائيل وولادة مسألة اللاجئين الفلسطينيين

نبيل السهلي *

ثمة دراسات وتحليلات سياسية أشادت بأفكار المؤرخين الجدد في إسرائيل؛ وفي هذا السياق كشفت إسرائيل عن أرشيفها في العام 1988، أي بعد أربعين عاماً من إنشائها، من خلال إصدار قانون يسمح بذلك، ليصبح أمام جيل جديد من الباحثين الإسرائيليين إمكانية الاطلاع على وثائق رسمية “إسرائيلية” عما حدث قبل سنوات من إنشاء إسرائيل والأعوام التالية، وأدى ذلك إلى مراجعة بعض المؤرخين الرواية الإسرائيلية حول تهجير اللاجئين الفلسطينيين عام 1948بقوة المجازر؛ لتبرز ظاهرة المؤرخين الجدد في إسرائيل، الذين تناسوا فكرة حق عودة المهاجرين اليهود إلى بلدانهم ودول المنشأ في العالم ؛ وهو متاح بكل تأكيد.

ملفات هامة:

رغم كشف بعض الباحثين الإسرائيليين عن مجازر ضد الشعب الفلسطيني مثل مجزرة قرية الطنطورة في قضاء مدينة حيفا على الساحل الفلسطيني، فإن مئات الملفات الإسرائيلية لا تزال مغفلة خاصة تلك المتعلقة بالتخطيط الصهيوني لاحتلال المدن والقرى الفلسطينية وطرد أهلها بقوة المجازر، ناهيك عن إغفال الملفات التي تشير إلى عملية التفاوض بين الحركة الصهيونية والقوى العظمى قبل وبعد إنشاء إسرائيل في مايو/ أيار 1948.

ومن أهم الكتب الصادرة عن المؤرخين الجدد في إسرائيل كتاب “ولادة مسألة اللاجئين الفلسطينيين” لبني موريس، وكتاب “ميلاد إسرائيل: الأسطورة والحقيقة” لسمحا فلابن، وكتاب “بريطانيا والنزاع العربي الإسرائيلي” لإيلان بابيه، بالإضافة إلى كتب وأبحاث أخرى لكل من توم سيغيف وباروخ كيمرلنغ وآفي شلايم.

وفي قراءة لمحتويات بعض الكتب، وبشكل خاص كتاب المؤرخ بني موريس المشار إليه سابقاً يمكن إيجاز وجهات نظر أصحاب الظاهرة الإسرائيلية المذكورة بقبول الحوار مع الفلسطينيين بوصفهم ذوي هوية وتاريخ في فلسطين، كما تتضمن أفكار أصحاب الظاهرة الإسرائيلية إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالدرجة الأولى، وهذا لا يتم على المستوى السياسي إلا بإعادة الاتفاق على تفاصيل التاريخ، أي إقامة إسرائيل ونكبة الفلسطينيين التي أدت إلى تهجير 61 في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني عام 1948؛ وقد تركزت أطروحات المؤرخين الجدد في إسرائيل حول نقاط جوهرية يمكن إجمالها بالتالي:

الرواية الإسرائيلية الرسمية حول حرب عام 1948؛ مشروع بناء إسرائيل والأسس التي أرست صوغ ما يسمى بالهوية اليهودية.

ظهور الحقيقة:

يعتبر “بني موريس” مؤسس حركة “المؤرخين الجدد” وهو من المؤرخين المعروفين وأستاذ التاريخ في “جامعة بن غوريون” وكذلك “يوسي بيلين” و”إسرائيل شاحاك” و”ايلان بابيه” و”زئيف ستيل نهيل” و”موشي سميش” و”سيمحا فلابان” و”بار يوسف” و”أروي رام” و”سامي سموحا” و”باروخ كيمرلنغ” و”تامار كارتيال” و”سارا كازير” و”جيرسون شافير” و”بارون أزراحي” و”شلومو سويرسكي” و”توم سيغيف” و”يناثان شابيتر” و”يورين بن اليعازر” و”باجيل وايلا شوحات” و”آفي شلايم” وغيرهم.

وثمة مصطلحات تطلق على ظاهرة المؤرخين الجدد؛ منها مدرسة “التاريخ الإسرائيلي الجديد” مصطلح “ما بعد الصهيونية” وكل ذلك يشير إلى مجموعة من المؤرخين والأكاديميين والكتاب والمثقفين وعلماء الاجتماع النقديين الذين أخذوا وبدأوا في استحضار الملفات الإسرائيلية ومراجعة الرواية الأكاديمية اليهودية للصراع الفلسطيني – الصهيوني، وعلى وجه الخصوص حرب 1948.

ورغم أن بعض المؤرخين الجدد استطاع فتح بعض ملفات الأرشيف الإسرائيلي حول الرواية التاريخية للنكبة وغيرها، لكنهم لم يحمّلوا العصابات الصهيونية وبريطانيا مسؤولية تاريخية وسياسية وأخلاقية عن بروز قضية اللاجئين وتداعياتها على الشعب الفلسطيني وأرضه التاريخية. وبالتالي لم تتم عملية إحالة وربط عمليات الترانسفير الكبيرة التي لحقت بالشعب الفلسطيني في العام 1948 وبعده بسياسات العصابات الصهيونية وبمخططات الحركة الصهيونية بشكل عام، حيث تم طرد نحو 850 ألف فلسطيني من 532 مدينة وقرية فلسطينية تحت وطأة المجازر الصهيونية في ظل الاحتلال البريطاني لفلسطين وبعده. كما لم تسلط بحوث المؤرخين الإسرائيليين الجدد الضوء على دور بريطانيا في نقل ملكيات أراضي الشعب الفلسطيني إلى الوكالة اليهودية وإسرائيل، وكذلك فتحها لأبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مصراعيها حتى وصل عددهم في فلسطين عشية النكبة الكبرى إلى 650 ألف يهودي، وتبعاً لذلك تمّ إقامة إسرائيل في الخامس عشر من أيار/ مايو 1948 على 78 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27009 كيلومترات مربعة. وكذلك لم تطرح تلك الظاهرة تصورا للكيفية التي يستطيع الشعب الفلسطيني بها أن يحصل على حقوقه في أرضه التي اقتلع منها، بل أشار بني موريس في كتابه “ولادة مسألة اللاجئين الفلسطينيين” إلى أن الحاجة لإنشاء إسرائيل أهم من الظلم الواقع على الفلسطينيين نتيجة اقتلاعهم، وبذلك تضمنت بحوث المؤرخين الجدد في إسرائيل رغم سردهم بعض تواريخ الصراع نفحات عنصرية ضد الفلسطينيين وعملية تغييب مبرمجة لحقوق الفلسطينيتين في أرضهم، والأهم من ذلك لن تكتمل الحقيقة دون أن يطرح المؤرخون الجدد فكرة العودة للجذور وحق عودة المهاجرين اليهود إلى فلسطين المحتلة الى أوطانهم ودولهم الاصلية ويصل عددها الى أكثر من (100) دولة في العالم؛ ويجب الانطلاق بدايةً من المؤرخ إسرائيل شاحاك وهو من مواليد بولندا في الثاني من نيسان/ ابريل 1933 في بولندا؛ يجب القيام بدعوة عائلته للعودة اليها وكذلك باقي المؤرخين الجدد وعلى رأسهم بني مورس الذي أشار في كتابه ”ولادة مسألة اللاجئين الفلسطينيين” إلى أن الحاجة لإنشاء إسرائيل أهم من الظلم الواقع على الفلسطينيين نتيجة اقتلاعهم، كما انه من الضرورة بمكان أن يطرح المؤرخون الجدد فكرة حق عودة المهاجرين اليهود الذين أتوا الى فلسطين عبر ست موجات من الهجرة للعودة الى أوطانهم الاصلية في جهات الارض الاربعة؛ وهنا نستحضر قول الشاعر محمود درويش الراحل الحاضر دائماً فينا:

نحن الباقون وهم العابرون .. هذه الأرض لا تتسع لهويتين إما نحن أو نحن “.

* كاتب فلسطيني

المصدر: القدس العربي

التعليقات مغلقة.