منى فرح *
بدأ جو بايدن ولايته الرئاسية مصمماً على إتباع إجراء معاكس لما بدأه دونالد ترامب، لناحية التودد من الديكتاتوريين. لكنه اليوم يُخاطر بتقليد نهج سلفه لناحية دعم الإستبداد وتعزيز التصور بأن السعوديين هم في قلب السياسة الأميركية في المنطقة، برغم أن زيارته المرتقبة إلى الرياض “لن تحقق أي قيمة مستدامة لمصالح بلاده”، كما تقول الباحثة “دالا داسا كاي” في هذا التقرير في “الفورين أفيرز”.
في شباط/ فبراير 2021، ألقى الرئيس جو بايدن اللوم في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان شخصياً، بعد أن رفع السرّية عن تقرير استخباراتي أميركي ربط حادثة الاغتيال بالأمير مباشرة. ولكن بعد مرور أكثر من عام، يبدو أن الرئيس الأميركي يُخطط لزيارة السعودية في أول رحلة له إلى الشرق الأوسط خلال رئاسته. وهذا يمثل خيبة أمل كبيرة بالنسبة لأولئك الذين رأوا في بايدن نصيراً لحقوق الإنسان: فمكافأة بن سلمان بمصافحة يده والتقاط صور معه على أرض منزله أمور بمثابة اعتراف بأن الحُكام المستبدين يمكن أن يفلتوا من أي حساب وعقاب، طالما أنهم يحافظون على تدفق النفط.
زيارة غير موفقة:
لكن المشكلة ليست فقط في المبادئ. فبايدن ربما لن يكسب أي شيء ذي مغزى مقابل الزيارة الرئيسية التي ينوي القيام بها. قد يكون تحقيق خفض أسعار النفط أمراً رائعاً، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان السعوديين فعل الكثير (https://www.foreignaffairs.com/articles/saudi-arabia/2022-01-27/mbs-economy) حتى لو أرادوا ذلك، بالنظر إلى ضيق سوق النفط في خضم الحرب في أوكرانيا. ولا يبدو كذلك أن هناك اختراقاً وشيكاً في شأن تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية. كما أنه ليس من الواقعي أن أن تؤدي هذه الرحلة إلى تغيير علاقات السعوديين الوثيقة مع كل من الصين وروسيا. فإذا مضى بايدن في خططه لزيارة الرياض، فسوف يعقد فقط صفقة سيئة: مبادلة الضرر شبه المؤكد بالسمعة مقابل انتصارات متواضعة. إنها زيارة ما كان يجب التخطيط لها أبداً.
الجزء الأول من رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط (في تموز/ يوليو المقبل) هو الأقل إثارة للجدل: زيارة إسرائيل مقررة على جدول أعمال كلُ رئيس أميركي، وسيكون من الصعب تخيل بايدن يرفض دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت. لكن التوقيت غير مناسب لهكذا زيارة تقليدية. فالتوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أشده منذ شهور، خصوصاً بعد مقتل الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة في أيار/مايو المنصرم. وإذا لم يعالج بايدن الأدلة المتزايدة على أن الجيش الإسرائيلي هو المسؤول المباشر عن مقتل أبو عاقلة، ويضغط على إسرائيل من أجل المساءلة والمحاسبة، فإن زيارته إلى تل أبيب يمكن أن تؤجج التوترات بدلاً من تهدئتها. من جهتها، تتوقع إسرائيل أن تؤكد زيارة بايدن أن الالتزام الأميركي بأمنها لا لبس فيه، وأن تساهم في تحويل الانتباه بعيداً عن المظالم الفلسطينية والتركيز على التحديات التي تمثلها إيران.
السعودية فعلت كل ما في وسعها:
ومع ذلك، كان الخطأ الحقيقي هو إضافة السعودية إلى خط سير الرحلة. وبالنظر إلى الارتفاع الحاد في أسعار النفط؛ بسبب الحرب في أوكرانيا؛ فإن زيادة إنتاج النفط تتصدر قائمة رغبات بايدن من هذه الزيارة بالتأكيد (سعر البنزين في الولايات المتحدة وصل إلى مستويات قياسية هذا الشهر). لذلك كان تطوراً مرحباً به عندما أعلنت منظمة “أوبك” وحلفاؤها؛ وهي مجموعة تُعرف باسم “أوبك +”؛ في 2 حزيران/ يونيو، أنهم سيزيدون إنتاج النفط في تموز/ يوليو وآب/أغسطس. وليس من الواضح بعد ما إذا كان سيكون لهذا القرار تأثير يُذكر على الأسعار في المضخة الأميركية، ولا إذا كان بايدن سيستطيع تقديم تنازلات إضافية تفيد الأميركيين.
ففي نهاية المطاف، سيضع السعوديون، وغيرهم من أعضاء “أوبك +”، في اعتبارهم مصالحهم الخاصة عند النظر في الزيادات المستقبلية في إنتاج النفط؛ بما في ذلك حوافزهم الخاصة؛ من أجل تجنب انخفاض الطلب العالمي على النفط، بغض النظر عن الضغوط الأميركية. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن ينفصل السعوديون عن الروس، الذين يشاركون في رئاسة مجموعة “أوبك +”. لقد حصد السعوديون مكاسب وفوائد كبيرة من ارتفاع أسعار النفط. وفي الربع الأول من هذا العام، سجلت شركة “أرامكو” السعودية قفزة بنسبة 82% في الأرباح مقارنة بالعام الماضي، مع ارتفاع الدخل الربع سنوي من 22 مليار دولار إلى 40 مليار دولار. أضف إلى ذلك أن السعوديين أوضحوا في أكثر من مناسبة أنهم يربطون ارتفاع أسعار النفط بعوامل أخرى غير مساهمتهم في العرض؛ مثل الاستثمار غير الكافي في طاقة التكرير؛ ويؤكدون على أنهم غير مهتمين بالإفراج عن المزيد من الإمدادات. وكما صرح أمير سعودي أمام جمهور في منتدى دافوس (على هامش أعمال قمة العشرين) في أيار/ مايو: “السعودية فعلت كل ما في وسعها”.
في ضوء هذا الواقع، لا يمكن لبايدن أن يتأمل من زيارة الرياض زيادة الإمدادات. ومن الممكن أيضاً أن السعوديين، وبعد أن يضمنوا الزيارة الرئاسية، إما أن يعكسوا مسارهم بعد الصيف، أو عندما تطلب واشنطن إمدادات إضافية؛ إذا لم تنخفض الأسعار؛ ويقولون إنهم لا يستطيعون فعل المزيد. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن بن سلمان غير مهتم بتقديم أي خدمات لبايدن (https://www.foreignaffairs.com/articles/persian-gulf/2022-04-01/america-and-saudi-arabia-are-stuck-each-other)، خاصة عندما يرى أن الحزب الجمهوري الصديق للسعودية من المحتمل أن يتولى رئاسة الكونغرس في العام المقبل؛ وربما حتى عودة أكبر حليف سياسي له، دونالد ترامب، في عام 2024.
صفقات لا تبرر الحج إلى الرياض:
من غير الواضح أيضاً ما إذا كان التوقف في الرياض سيساعد كثيراً في تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية. صحيح أن بن سلمان حريصٌ على بناء علاقات أفضل مع إسرائيل، ويدعم “اتفاقات أبراهام”، لكن القضية الفلسطينية لا تزال تقيده، ومقتل شيرين أبو عاقله زاد الطين بلّة. لا تزال القضية الفلسطينية تلقى صدى لدى الجمهور العربي، ولا يزال الموقف السعودي الرسمي، وانسجاماً مع مبادرة السلام العربية لعام 2002، يشترط التطبيع مع إسرائيل إقامة دولة فلسطينية (الأرض مقابل السلام والتطبيع).
قد تروّج إدارة بايدن لانتزاع تنازل أصغر من بن سلمان باعتباره فوزاً في السياسة الخارجية. فوفقاً لصحف إسرائيلية، يستعد بايدن للإعلان عن اتفاق سعودي يسمح لشركات طيران إسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية، وهو ما يسعى إليه الإسرائيليون كخطوة نحو التطبيع. لكن، من وجهة نظر المصالح الأميركية، فإن مثل هذه الصفقة المتواضعة غير كافية لتبرير زيارة رئاسية، الأمر الذي يُهدد مصداقية بايدن الذي يدعي أنه يضع حقوق الإنسان في قلب سياسته الخارجية. في الواقع، الزيارة الرئاسية إلى الرياض ليست ضرورية في هذا الوقت لتسهيل التطبيع الكامل بين إسرائيل والسعودية، ناهيك عن خطوة أصغر مثل اتفاق بشأن المجال الجوي. فالدول العربية تنتهج هذه السياسات لأن ذلك يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية. وإدارة بايدن (https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2021-03-30/united-states-last-check-mbss-power) لا تحتاج إلى مواصلة ما بدأت به إدارة ترامب لتلطيف هذه الاتفاقيات بتنازلات، مثل مبيعات الأسلحة أو زيارة رئاسية سابقة لأوانها.
يشير البعض إلى مقتضيات التنافس بين القوى العظمى لتبرير الحج إلى الرياض. ويُقال إن بايدن يجب أن يذهب إلى هناك لإبقاء السعوديين إلى جانب واشنطن وخارج الفلك الصيني والروسي. لكن من غير الواقعي أن نتوقع أن زيارات أميركية رفيعة المستوى، أو صفقات (https://www.foreignaffairs.com/articles/saudi-arabia/2021-03-10/saudi-test-case) بيع أسلحة بمليارات الدولارات ستُبعد دول الشرق الأوسط عن الصين أو روسيا، نظراً للعلاقات التي تطورت بينهم خلال السنوات الأخيرة. فالصين تواصل توسيع استثماراتها الاقتصادية وتجارتها مع المنطقة لأنها ترى الشرق الأوسط كمكون رئيسي في مبادرة “طريق الحرير”. في الوقت نفسه، نجحت روسيا في كسب موطئ قدم إقليمي مهم جداً (خصوصاً بعد تدخلها عسكرياً في الحرب السورية)، وسيكون من الصعب التراجع عنه، حتى مع تزايد الضغوط الناجمة عن حربها المكلفة في أوكرانيا. لا يزال شركاء الولايات المتحدة في المنطقة مترددين في اتخاذ موقف ضد روسيا والانضمام إلى العقوبات الدولية رداً على غزوها لأوكرانيا. إن التحوط هو الاتجاه السائد في الشرق الأوسط اليوم. ومن غير المرجح أن تؤدي مجرد زيارة رئاسية إلى تغيير هذه الوقائع.
بدائل لجعل الزيارة مفيدة:
تولى بايدن منصبه وهو مهتم حقاً بعكس سياسات سلفه المدمرة في الشرق الأوسط. سيكون من المفارقات، إذن، أن ينتهى به الأمر بأجندة تبدو مشابهة بشكل ملحوظ لأجندة ترامب. إدارة بايدن لم تتورط في الفساد الذي غرسته سياسة ترامب الإقليمية. ولكن من خلال تهميش حقوق الإنسان، ودعم الإستبداد، ومضاعفة الالتزامات العسكرية، وتعزيز التصور بأن السعوديين هم في قلب السياسة الأمنية الأميركية في المنطقة، يُخاطر بايدن بتقليد نهج ترامب. فإذا كان بايدن ذاهباً إلى الشرق الأوسط (https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2021-02-22/stability-middle-east-requires-more-deal-iran)، فعليه أن يجعل الأمر مهماً من خلال وضع توقيعه الخاص على الدبلوماسية الإقليمية بدلاً من الاستمرار في السياسات المتهورة لسلفه.
هناك ثمة بدائل. لا يحتاج بايدن للقاء بن سلمان في الرياض. إذا أراد أن يضيف بُعداً إقليمياً إلى رحلته إلى إسرائيل، فسيكون من الأفضل للمصالح الأميركية عقد اجتماع إقليمي في دولة خليجية عربية أكثر حيادية مثل عُمان. يمكن لمثل هذا التجمع أن يركز على الجهود المبذولة لتهدئة الصراع، بما في ذلك، على سبيل المثال، تحويل تمديد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في اليمن إلى اتفاق سلام دائم. ومهما كان الأمر مقيتاً، يمكن لبايدن أن يلتقي بن سلمان على هامش منتدى متعدد الأطراف، أي بإشراك شركاء آخرين، وإلغاء الخلافات الشخصية والمقايضات الثنائية، والتركيز بدلاً من ذلك على المصالح المشتركة لدعم إنهاء النزاعات الدموية في المنطقة. هناك مجموعة واسعة من القضايا التي تؤثر على حياة الناس في الشرق الأوسط يمكن (بل وينبغي) أن تكون مطروحة على الطاولة، مثل الأمن الغذائي، والتأثير الخطير لتغير المناخ، والتنمية الاقتصادية المُستدامة.
أي زيارة رئاسية لدولة أجنبية هي شأن محفوف بالمخاطر، ولا يمكن أن تكون المخاطر في السعودية أكبر. السؤال الرئيسي هو ما إذا كان بايدن سيحقق أي شيء ذي قيمة مستدامة لمصالح بلاده لتبرير مثل هذه التسوية الشفافة بحق المبادئ. هناك طرق أخرى لتحقيق أهداف الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك هدف إقامة علاقة عمل مع الرياض، دون الإضرار بمصداقية الرئيس وتقويض القيم الأميركية.
(-) النص بالإنكليزية على موقع “الفورين أفيرز“:
https://www.foreignaffairs.com/articles/saudi-arabia/2022-06-03/bowing-prince
ــــــــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحافية ومترجمة لبنانية
المصدر: 180 بوست
التعليقات مغلقة.