الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

القوة الناعمة والحرب الروسية الأوكرانية

ياسمين عبداللطيف زرد *

نشر موقع Eurasia Review مقالًا بتاريخ 3 أيار/ مايو للكاتبة “نادين جليفا”، تناولت فيه المفهوم والفكرة الأساسية للقوة الناعمة، ثانياً الفرق بين القوة الناعمة والعقوبات الناعمة، وأخيراً إلى أي مدى يمكن أن يكون للعقوبات الناعمة دور فعال في تحقيق الأهداف السياسية فى الأزمة الأوكرانية؟.. نعرض من المقال ما يلي:

ورد أن السوبرانو الروسية (آنا نتريبكو) اُستُبدلت، قبل أسبوعين، بالسوبرانو الأوكرانية (ليودميلا موناستيرسكا) في أوبرا بولاية نيويورك في الولايات المتحدة. وفي وقتٍ سابق من الشهر الماضي، انتشرت قصص على وسائل التواصل الاجتماعي عن قيام بعض «الإنفلونسر» الروس بقطع حقائبهم من العلامة التجارية الفرنسية شانيل احتجاجاً على «رهاب روسيا». توضح هذه الأمثلة تطبيق العقوبات «الثقافية»، إلى جانب العقوبات السياسية والاقتصادية كرد فعل على الحرب الروسية الأوكرانية أو الصراع بين روسيا والغرب.

بكلمات أخرى أقل، اعتمد الصراع في أوكرانيا على الأدوات الثقافية، بما في ذلك الموضة والموسيقى والفن، بجانب الأدوات السياسية والاقتصادية.

لكن مشكلة القوة الناعمة تكمن دائماً في كيفية قياسها، بمعنى أنه قد يتساءل المرء إلى أي مدى قد تكون عقوبات القوة الناعمة فعالة في تحقيق الأهداف السياسية في سياق الأزمة الأوكرانية.

بداية، تم تقديم مفهوم القوة الناعمة من قبل المُنظِر الأمريكي “جوزيف ناي” أثناء تحليل محاولات أمريكا للتركيز على «الجذب، بدلاً من الإكراه». ‘ناي’ قدم أمثلة على القوة الناعمة التي كان لها دور فعال في انهيار الاتحاد السوفييتى وما تلاه من تربع الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم.

لكن في حين أنه يوجد بعض أوجه التشابه بين التسعينيات والمواجهة الحالية، إلا أن هناك بعض الاختلافات المهمة، ليس أقلها الترويج الذاتي الإيجابي والعقوبات الناعمة التي تسعى إلى إلحاق الضرر بالجانب الآخر.

الفكرة الأساسية وراء القوة الناعمة تقوم على الفوز بقلوب وعقول الآخرين. فالقوة الناعمة تتكون من ثلاثة مصادر: القيم السياسية، الثقافة، والسياسة الخارجية. وبالفعل، نجحت الولايات المتحدة في استخدام جامعة هارفارد، وماكدونالدز، وآبل كقوة ناعمة في جميع أنحاء العالم وانتصرت بالأفكار والحداثة والتميز والتفرد، مما جعل الدول الأخرى ترغب في محاولة تقليد هذه الأفكار.

‘ناي’ شرح كيفية عمل القوة الناعمة، هو جادل بأن «القوة الناعمة- أي القدرة على تشكيل ما يريده الآخرون- يمكن أن ترتكز على جذب ثقافة الفرد وقيمهِ»، مما يعنى أن الدولة يجب أن تجذب الآخرين بمنتجاتها الثقافية أو قيمها. مثلاً، عندما افتتح ماكدونالدز أول فرع روسي له في موسكو عام 1990، اصطف مئات الأشخاص للحصول على أول وجبة (بيج ماك).

قد يبدو للبعض أن هذا المثال ينطوي على تقديم شيء مرغوب فيه، إلا أنه يخدم أغراض التدمير والإكراه، والتي ترتبط عادة بالقوة الخشنة، أي أن القوة الناعمة تنقلب إلى عقوبات ناعمة. بعبارة أخرى، القوة الخشنة- بما في ذلك العقوبات الاقتصادية- تعمل على تقليل والإضرار بالقوة الناعمة، أي تُضر بالإقناع وجذب الآخرين، وتساهم في خلق الانقسامات وزيادة التطلع إلى رؤية عالم متعدد الأقطاب من أجل تمكين الدولة المستهدفة من الاستفادة مما يتم إنتاجه في الداخل أو في «الدول الصديقة»، وهذا بالضبط ما تُحدثه العقوبات الناعمة. إذن، العقوبات الناعمة لا تعمل على كسب القلوب والعقول.

ظهرت هذه الأزمة بشكل جلي عندما تقلصت القوة الناعمة تجاه منطقة الشرق الأوسط. حيث تناقض الترحيب الممنوح للاجئات واللاجئين الأوكرانيين في أوروبا بشكل حاد مع المعاملة السابقة لطالبي وطالبات اللجوء من سورية وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط. فمنذ أزمة اللاجئين واللاجئات عام 2015، حاول أكثر من مليون طالبة وطالب لجوء دخول أراضي الاتحاد الأوروبي عبر الحدود البيلاروسية مع بولندا والمجر. لكن الحكومتين البولندية والمجرية أقامتا الأسوار ورفضتا أخذ نصيبهما. نتيجة لذلك، أصبح العديد من طالبي وطالبات اللجوء (معظمهم من الشرق الأوسط) عالقين في الغابة بالقرب من الحدود في درجات حرارة تحت الصفر وبدون مساعدة طبية كافية.

نعود الآن لسؤالنا: هل يجب أن يكون للقوة الناعمة، بما في ذلك الفنون والموسيقى والتعليم والأزياء والأفلام والمتاحف والقيم، دور في هذا الصراع الروسي الأوكراني؟ ربما، وإن لم يكن بالشكل الذى شهدناه حتى الآن. فالمفترض أن الثقافة تساعد الفنانين والفنانات والموسيقيين والموسيقيات في التعبير عن آرائهم، المفترض أن دورها عادة ما يكون في توحيد الناس والجمع بينهم، جنباً إلى جنب مع مشاركة كل ألوان الجمال، والذى ينبغي أن يجلب رسائل الأمل والسلام.

ونظرا لأن مفهوم القوة الناعمة مرتبط بالجذب لا الإكراه. ففي المرحلة التي يتحول فيها العالم نحو مواجهات أكثر شراسة، بما في ذلك الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية، تكمن فعالية القوة الناعمة في إيجاد حل وليس تعزيز الانقسام. هذا هو السبيل الوحيد من أجل تهدئة هذا الصراع.

خلاصة القول، صحيح قد يكون للعقوبات الناعمة تأثير قوي بحيث تجعل شعب بلد ما كالعدو السياسي لشعب دولة أخرى، لكن هذا يختلف تماماً عن التعاون والحوار؛ واللذين لن تحققهما بالطبع العقوبات الناعمة.

النص الأصلي:

https://www.eurasiareview.com/03052022-role-of-soft-power-in-ukraine-conflict-oped/

ــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.