أحمد مظهر سعدو
أثار ملف الفصائل السورية المدعومة أميركياً اهتماماً متزايداً، خاصة بعد الحديث عن انسحابات روسية من سوريا، عقب غزو أوكرانيا، وتزايد الدور الإيراني نتيجة تلك الانسحابات.
وبدأ الدعم الأميركي السياسي واللوجستي لفصائل المعارضة المسلحة منذ عام 2013. ففي أوائل شهر آذار/ مارس 2013 تحدث مصدر أمني أردني عن أن “الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تعمل على تدريب الثوار غير الإسلاميين في الأردن، في محاولة لتقوية العناصر العلمانية في المعارضة، باعتبارِ ذلك حصناً ضد التطرف الإسلامي، وضرورياً للبدء في بناء قوات الأمن، للحفاظ على النظام في حال سقوط الأسد”.
ثم أعلنت الولايات المتحدة، في نيسان/أبريل من العام نفسه، أنها “موّلت، بمبلغ سبعين مليون دولارا، برنامجا لتدريب الثوار وتأمين الأسلحة في سوريا”. وتم بعدها إنشاء غرفتي الموم والموك. والغرفة الأخيرة هي غرفة تنسيق عسكري، تحوي مندوبين عن الاستخبارات الأميركية والبريطانية والفرنسية، إضافة لممثلين عن استخبارات بعض الدول العربية. وقامت الموك، التي اتخذت من الأردن مقرا لها، بتقديم الدعم العسكري لفصائل ما كان يعرف بـ”الجيش الحر”، وبالأخص في المنطقة الجنوبية. أما غرفة موم فاتخذت من تركيا مقرا لها، وقامت بدعم الجيش الحر في الشمال السوري.
استمر وجود الفصائل السورية المدعومة أميركيا حتى صدور قرار من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2017 بإيقاف الدعم. ولم يكن إيقاف الإدارة الأميركية السابقة برنامج المساعدات، المتعلقة ببعض فصائل المعارضة المتسمة بالاعتدال، أمرا مفاجئا، لأنه كان من وعود حملة ترامب الانتخابية، بتخفيف الإنفاق العسكري الأميركي في الخارج.
وحمل هذا الأمر في حينه دلالات وإشارات عديدة، فقد جاء بالتوازي مع تفاهمات روسية-أميركية في الجغرافيا السورية، وخاصة بعد اللقاء الثنائي بين ترامب والرئيس الروسي بوتين في مدينة هامبورغ الألمانية.
وجاء توقف الدعم عن الفصائل السورية عبر تقليص تدريجي، وعلى دفعات، منذ مطلع 2017. ليتحول فيما بعد إلى دعم مشروط من أجل قتال تنظيم داعش. في حين تم إيقاف تدريب المقاتلين في تموز/يوليو 2017، ورفع الدعم عن فصيل لواء “شهداء القريتين”، وسحب الأسلحة الثقيلة منه، بعد مخالفته تعليمات الداعمين.
ومع ذلك ما تزال هناك بعض الفصائل السورية المدعومة أميركيا، وخاصة تلك الموجودة قرب قاعدة التنف الأميركية. فما أهم تلك الفصائل؟ وأين تتموضع؟ وما مدى قوتها؟ وهل يمكن أن تلعب دورا أكثر أهمية في المستقبل، مع احتمالية ازدياد دور قاعدة التنف الأميركية، بالتزامن مع الانسحابات الروسية والتمدد الإيراني؟
وكلاء إيران في سوريا يغزون الأردن بالمخدرات(https://www.youtube.com/watch?v=BGbH_BCM2c8&t=8s)
ماذا تبقّى من الفصائل السورية المدعومة أميركيا؟
الرائد يوسف الحمود، الضابط السوري المنشق، يؤكد “وجود فصائل سورية مدعومة أميركيا على جبهتين أساسيتين: الأولى هي، بطبيعة الحال، شمال شرق سوريا، حيث تدعم واشنطن قوات سوريا الديمقراطية، والتي تضم كلا من: جيش الثوار، جبهة الأكراد، لواء الشمال الديمقراطي، وحدات حماية الشعب PYD، وحدات حماية المرأة YPG، قوات السوتورو السرياني، قوات الصناديد، المجلس العسكري الآشوري، لواء جند الحرمين، قوات المجلس العسكري الباب/ وهمي، وحدات الحماية الجوهرية، قوات مكافحة الإرهاب؛ الجبهة الثانية تقع شرقاً، حيث يتلقى فصيل مغاوير الثورة دعما أميركيا. وهو فصيل قام على أنقاض جيش العشائر، الذي تشكل عام 2015 في منطقة القلمون، وضم كلا من فصيل أسود الشرقية، كتائب أحمد العبدو، لواء شهداء القريتين، شهداء مغاوير الثورة”.
ويضيف الحمود في حديثه لـ”الحل نت”: “تلقى فصيل جيش العشائر دعما من البنتاغون الأميركي لقتال داعش. إلا أن الفصيل انتهى تدريجيا، بسبب المعارك مع التنظيم، وتعرضه لانشقاقات عديدة. فقد انشق عنه فصيل أسود الشرقية، وكذلك كتائب أحمد العبدو، التي عادت إلى القلمون. ومن ثم أعيد تجميع كل من فصيل شهداء مغاوير الثورة، الذي يبلغ تعداده حوالي ثلاثة آلاف مقاتل؛ وما تبقى من لواء شهداء القريتين، البالغ تعداده حوالي ستمئة مقاتل. وهكذا نشأ فصيل جديد في منطقة التنف، تحت مسمى مغاوير الثورة، بقيادة مهند الطلاع”.
ويشير الحمود إلى أن “الجانب الأميركي قدم الدعم لكل من قوات سوريا الديمقراطية وفصيل مغاوير الثورة ضمن برنامج دعم محاربة الإرهاب. مع تمسك ملحوظ من واشنطن بفصيل مغاوير الثورة، إذ تقوم بالحفاظ على قوته، وتقدم له الدعم بكل أشكاله، المادي واللوجستي والعسكري. ولاحظنا مؤخرا إجراء تدريبات مشتركة بين الفصيل والقوات الأميركية، شارك بها الطيران الحربي والمسير”.
وبناء على هذا يرجح الحمود أنه “سيكون لفصيل المغاوير مهام مستقبلية، بوصفه أحد أهم الفصائل السورية المدعومة أميركيا. ومن أبرز تلك المهام خوض المعارك على محورين: شرقا وشمالا في منطقة التنف، باتجاه الميادين والبوكمال، والمناطق الحدودية بين سوريا والعراق؛ والمحور الثاني سيكون باتجاه الجنوب والغرب، للدخول في عمق البادية السورية، وصولا لبادية حمص”.
إمكانيات تمدد قاعدة التنف والفصائل التي تدعمها:
وحول الدور المتوقع لفصيل المغاوير، وغيره من الفصائل السورية المدعومة أميركيا، بعد تراجع الوجود الروسي، يقول العقيد السوري المنشق عبد الباسط الطويل إن “الموضوع مرتبط بتطور دور قاعدة التنف الأميركية. فعلى الرغم من أن القاعدة تحتل مساحة صغيرة الحجم، مقارنة بحجم القواعد العسكرية الأميركية بشكل عام، لكن من المهم أن نعرف أن نطاق السيطرة والتحكم والرصد لهذه القاعدة كبير جدا، إلى درجة أنه يمكنها التمدد بسرعة كبيرة إلى معظم البادية السورية، الممتدة من غرب وجنوب غرب نهر الفرات، وصولا للحدود الإدارية لمحافظات الرقة وحلب وحمص ودمشق. ويساعد القاعدة في تحقيق هذا ما يمكن أن تتلقاه من دعم ناري كبير جدا، من القواعد والأساطيل الأميركية المنتشرة بالمنطقة، إضافة للقواعد الأميركية شرقي الفرات”.
ويضيف المقدم المنشق في حديثه لـ”الحل نت”: “وكذلك فإن مما يسهّل تمدد قاعدة التنف المحتمل عدم وجود قواعد عسكرية كبيرة للقوات النظامية والإيرانيين في تلك المنطقة. إذا استثنينا مطار السين ومطار T4، فمعظم النقاط العسكرية المنتشرة في المنطقة بقايا مليشيات غير منتظمة وغير مدربة، استقدمتها إيران من دول أخرى، خاصة العراق وأفغانستان”.
العقيد الطويل يشير إلى أن “الهدف الأساسي من إنشاء الأميركيين لقاعدة التنف كان منع التمدد الإيراني في البادية السورية، والسيطرة على الطرق والمحاور البرية التي تربط العراق بسوريا لمنع استغلالها من قبل الإيرانيين، لنقل السلاح والعتاد إلى الداخل السوري. وكانت هناك استراتيجية أميركية لإعادة تفعيل عمل القاعدة بشكل واسع، بحيث توكل لها مهام السيطرة على مساحات كبيرة من البادية السورية غربي الفرات، وطرد الإيرانيين من تلك المنطقة، والسيطرة على كل المحاور والطرق البرية في البادية السورية، وحتى الحدود الإدارية لمحافظات الرقة وحلب وحمص ودمشق”.
مستدركا: “هذا المشروع كان يتقدم ببطء، وبلغ مراحل متقدمة مع نهاية العام الماضي. لكنه توقف بشكل مفاجئ بسبب المتغيرات الدولية التي حصلت، ومنها الغزو الروسي لأوكرانيا”. ويختتم حديثه بالقول: “أعتقد أن المشروع لم ينته، ولكنه ربما توقف مؤقتا، وقد يعاد إحياؤه قريبا. وهنا قد يبرز دور الفصائل السورية المدعومة أميركياً، فهذا هو الخيار الوحيد المتاح لوجستياً لواشنطن بالوقت الحاضر، إذا أرادت مواجهة التمدد الإيراني في سوريا”.
توسيع الفصائل السورية المدعومة أميركيا:
المعارض السوري قاسم الخطيب يدلي برأي مشابه حول الفصائل السورية المدعومة أميركيا. إذ يؤكد، في حديثه لـ”الحل نت”، أنه “من المعلوم أن الولايات المتحدة الأميركية لم تنسحب من سوريا إلا بقدر ما يسمح بإغراق خصومها، مع الإبقاء على القدرة على التحرك والمناورة العسكرية والدبلوماسية. وهي ما تزال تدعم قوات سوريا الديمقراطية وفصيل مغاوير الثورة. وبرأيي فإن إبقاء الدعم للفصيل الأخير له أهداف واضحة، ربما أصبح الوقت مناسبا للعمل عليها، وعلى رأسها مواجهة النفوذ الإيراني”.
مضيفاً: “هنالك إمكانية لتوسيع فصيل المغاوير، وغيره من الفصائل السورية المدعومة أميركيا، لأن معظم هذه الفصائل تمرست في قتال قوات الحكومة السورية والميليشيات الموالية لها، وهي تأتي من بيئة اجتماعية رافضة للتواجد الإيراني في سوريا، ومعارضة جذريا لنظام الحكم في دمشق”.
المصدر: (الحل نت)
التعليقات مغلقة.