الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

أمريكا لن تنقذ تايوان!

ياسمين عبداللطيف زرد *

نشرت صحيفة The New York Times مقالا بتاريخ 27 مايو للكاتبة “أوريانا إسكايلار ماسترو”، تقول فيه إنه رغم تصريحات بايدن المهددة للصين دفاعاً عن تايوان الديمقراطية، إلا أن الحقيقة القاسية تقول إن الجيش الأمريكي سيُمنى بهزيمة عسكرية ساحقة أمام نظيره الصيني حال نشوب حرب بشأن تايوان، ذلك وفقاً لتقرير صادر عن الكونجرس الأمريكي.. نعرض من المقال ما يلى:

كادت رحلة الرئيس بايدن الأخيرة إلى آسيا أن تنتهي دون عوائق لولا الحديث عن تايوان. فعندما سُئل بايدن عما إذا كانت الولايات المتحدة سترد «عسكرياً» إذا سعت الصين إلى استعادة الجزيرة بالقوة، جاء رده: «نعم. هذا هو الالتزام الذى قطعناه على أنفسنا».

كان هذا أحد أكثر الضمانات الدفاعية وضوحاً التي أطلقتها الولايات المتحدة منذ عقود. وإذا كان من الواضح أن الولايات المتحدة تبتعد عن سياسة «الغموض الاستراتيجي» القديمة، إلا أنه من غير المؤكد على الإطلاق أن الولايات المتحدة يمكن أن تمنع الصين من استعادة تايوان للدولة الأم.

ببساطة شديدة، الولايات المتحدة وإن كانت متفوقة بالسلاح فعلى أقل تقدير ستكون المواجهة مع الصين بمثابة استنزاف هائل للجيش الأمريكي دون أي نتيجة مؤكدة بأنها يمكن أن تصد جميع القوات الصينية. فالصين تمتلك أكبر قوة بحرية في العالم. يُعتقد أيضاً أن القوة الصاروخية الصينية قادرة على استهداف السفن في البحر لتحييد الأداة الرئيسية للقوة الأمريكية وهي حاملات الطائرات.

على الجانب الآخر، تمتلك الولايات المتحدة الطائرات المقاتلة الأكثر تقدماً فى العالم، ولديها إمكانية الوصول إلى قاعدتين جويتين أمريكيتين فقط في اليابان، مقارنة بـ39 قاعدة جوية صينية تقع على بعد 500 ميل من تايبيه!. لذلك، قد يكون الغرض من تصريحات بايدن هو مجرد ردع أي هجوم صيني.

                                                                         *            *            *

إذا قرر قادة الصين أنهم بحاجة إلى استعادة تايوان وكانوا مقتنعين بأن الولايات المتحدة سترد، فقد لا يرون أي خيار آخر سوى توجيه ضربة استباقية للقوات الأمريكية في المنطقة؛ يمكن للصواريخ الصينية أن تقضى على القواعد الأمريكية الرئيسية في اليابان، وقد تواجه حاملات الطائرات الأمريكية صواريخ «قاتل الحاملات» الصينية. في هذا السيناريو، لن يكون للتدريب والخبرة الأمريكية المتفوقة أي أهمية تذكر.

كما أن قيام الولايات المتحدة بإبراز قوتها ستجعل قواتها عرضة لقدرات الصين في الحرب الإلكترونية. قد يكون لدى الصين أيضاً القدرة على إتلاف الأقمار الصناعية وتعطيل الاتصالات والملاحة وجمع المعلومات الاستخباراتية. يمكنها كذلك استخدام أنظمة أكثر أماناً مثل كابلات الألياف الضوئية لشبكاتها الخاصة.

لكن بموجب سيناريو «المعركة الأفضل» للولايات المتحدة، ستهاجم الصين تايوان فقط وستمتنع عن ضرب القوات الأمريكية لتجنب جذب القوة العسكرية الأمريكية. سيتيح ذلك بالطبع للولايات المتحدة الوقت لجلب قواتها إلى المنطقة، ونقل الآخرين إلى بر الأمان واختيار أين ومتى تتعامل مع الصين. لكن عند تدخلها قد تحتاج إلى حلفاء إقليميين لتوفير المطارات والموانئ ومستودعات الإمداد. لكن هؤلاء الشركاء قد يُحبذون البقاء بعيداً عن مرمى النيران.

الشيء المقلق في هذه المعادلة العسكرية هو أن تقييماً كان قد صدر عام 2018 بتكليف من الكونجرس حذر من أن أمريكا قد تواجه «هزيمة عسكرية حاسمة» في الحرب على تايوان، مشيراً إلى قدرات الصين المتقدمة بشكل متزايد والصعوبات اللوجيستية التي لا تعد ولا تحصى للولايات المتحدة. كما توصل العديد من كبار مسؤولي الدفاع الأمريكيين السابقين إلى استنتاجات مماثلة.

                                                                         *            *            *

جاءت تصريحات بايدن في سياق أوكرانيا، وربما كان فشل أمريكا في منع تلك الحرب هو الدافع وراء تفكيره بشأن تايوان. ربما يرى بايدن أن النكسات الروسية في أوكرانيا قد تمنع الصين من الاستيلاء على جزيرة تايوان وأن تدخل الولايات المتحدة في الصراع سيكلف بكين الكثير.

لكن مقارنة أوكرانيا وتايوان أمر إشكالي، ومن ثم هناك بعض النقاط التي ينبغي أن تستقر فوق حروفها. الصين تعّتبر جزيرة تايوان- المتمتعة بالحكم الذاتي منذ عام 1949- جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية منذ العصور القديمة، وهو ارتباط أعمق بكثير من هوس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأوكرانيا. إعادة توحيد الجزيرة مع البر الرئيسي هو أحد أهم أهداف الحزب الشيوعي الصيني، وستعّتبر الصين تدخل الولايات المتحدة بمثابة خيانة مريرة لمبدأ «الصين الواحدة» والذى يعني أن الصين وتايوان تنتميان إلى بعضهما البعض، وهو ما اعترفت به واشنطن منذ السبعينيات.

ناهيكم عن أن جيش الصين أكبر وأقوى من جيش روسيا، واقتصادها أكبر بكثير وأكثر مرونة وتكاملاً عالمياً من نظيره الروسي. وسيكون حشد الدعم للعقوبات الاقتصادية ضد الصين أثناء الصراع أكثر صعوبة من عزل روسيا، في ضوء حقيقة أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للعديد من البلدان.

على كل حال، تراجعَ البيت الأبيض عن تصريحات بايدن قائلاً: إن «السياسة الرسمية لم تتغير». وإذا كان الأمر كذلك، فيجب على بايدن التوقف عن إثارة البلبلة والتركيز بدلاً من ذلك على تعزيز مكانة أمريكا في مسرح تايوان. هذا لا يعني فقط المزيد من الأسلحة لتايوان ووجود عسكري أمريكي أكثر قوة في المنطقة، لكن يعني أيضاً استخدام الدبلوماسية الفطنة. يحتاج بايدن إلى الوقوف بحزم ضد التخويف الصيني لتايوان، بينما يعمل على تخفيف مخاوف بكين من خلال إظهار التزام أمريكي أقوى بالحل السلمى لقضية تايوان. يجب على بايدن أيضاً إقناع الأصدقاء الإقليميين بتوفير المزيد من القواعد التي تستخدمها الولايات المتحدة، فهذا لا يؤدى إلى زيادة المرونة العملياتية للولايات المتحدة فحسب، بل يزيد أيضا من قوة الردع.

                                                                         *            *            *

باختصار، ومهما كانت حسابات بايدن، فإن الخروج عن سياسة «الغموض الاستراتيجي» الذى ساعد في الحفاظ على السلام لعقود من الزمان قد يكون خطوة خاطئة. والسؤال الرئيسي الذى يجول ببال الرئيس الصيني “شي جين بينج” الآن ليس ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقّدم على خطوة الحرب، ولكن ما إذا كانت الصين قادرة على هزيمة الولايات المتحدة في معركة من أجل تايوان. فقبل عشرين عاماً، لم يكن لدى جيش الصين السيئ التدريب والقوات البحرية والجوية أي فرصة. لكن كان ذلك حينها، أما الآن فلا أحد ينكر الحقيقة.

صحيح سوف يصفق الكثير في العالم لجو بايدن لدفاعه عن تايوان الديمقراطية في مواجهة التهديدات الصينية، إلا أنه قد يُعرّض الجزيرة لخطر أكبر، وقد لا تكون الولايات المتحدة قادرة على إنقاذها.

() النص الأصلي:

https://www.nytimes.com/2022/05/27/opinion/biden-taiwan-defense-china.html

ــــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.