الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

نكسة حزيران 1967 أمام محكمة التاريخ

حيدر زكي عبدالكريم *

تناولت العديد من الدراسات والكتب، تاريخ العرب المعاصر وفيما يخص نكسة حزيران/ يونيو 1967 بالتحديد تناولتها ايضاً مختلف المصادر والمراجع الشرقية العربية والاجنبية الغربية . نحاول طرح مقالنا المُسترّسل.

إن من يقف في وجه التاريخ سيتحطم حتماً ومن يُغير الحقائق لا بد يوماً ما ستنكشف الخبايا، الجميع يعرف ما حدث في 5 حزيران/ يونيو  ولازال ما هو مخفي من الأمور، والتاريخ تحكمه الأدلة والوقائع بالوثائق ولم تُكشف جميع الوثائق ويقال أنّ الوثائق لديها فترة زمنية، ليتم الكشف عنها وتصبح متاحة للجميع وريثما يتم الكشف عن ما كانّ مخفي أو مجهول على الأقل يصبح لكل حادث حديث.

أكثر من نصف قرن على النكسة وأكثر من جيل جاء بعد النكسة ولا يمكن ان يمْر/5/ حزيران/ يونيو دون أن يُروى ما جرى وكيف كان وقع هذه الايام بعد سنوات من الاستقلال والتحرر ونشوة السعادة التي ارتسمت في ملامح الانسان العربي حينذاك. فكانت تلك اللحظات من النكسة المؤلمة- نكسة لكل مواطن في كل بيت على امتداد الوطن العربي.

بدءاً من عبارة في كتاب ”سنوات الغليان” للأستاذ محمد حسنين هيكل، تقول: ” كل حرب في التاريخ بقية مُعلقة من حرب سبقتها، والنتائج التي انتهت إليها معركة السويس سنة 1956 هي بذاتها مقدمات الإعداد لمــــــــــــــــعركة سيناء سنة 1967”.

ونقلاً عن كتاب ”تاريخ العرب المعاصر” 1999 لمؤلفهِ د. محمد علي القوزي، ص269: ” حققت مصر في ثورتها من عام 1952 وحتى 1967 تقدماً هائلاً في مشاريعها الانتاجية ولكن الانفاق الهائل على أغراض الدفاع وأعباء الجيش المصري في اليمن، بالإضافة إلى عمل الدول الغربية المتواصل للإطاحة بحكم جمال عبدالناصر ففي 7 نيسان/ إبريل 1967 وقع اشتباك على الحدود السورية الاسرائيلية، وأعلنت الجمهورية العربية المتحدة/ مصر وقوفها إلى جانب سوريا مهددةً بالقيام بعمليات كبيرة، وبالمقابل طلب عبدالناصر سحب القوات الدولية من مضيق تيران ومنع مرور السفن في ميناء إيلات الإسرائيلي، مما جعل أمريكا وبريطانيا تعتبران التصرف المصري مضاد للمصالح الإسرائيلية، وطلبت فك الحصار عن مضيق تيران وتحركَ الاسطول السادس الامريكي لمساعدة إسرائيل.. ” انتهى الاقتباس .

وللتفصيل عن الضربة الجوية الأولى يذّكر السيد اللواء الركن الدكتور علوان حسون العبوسي قائد القوى الجوية العراقية الأسبق ما يأتي: ” وصلّ العدو إلى القواعد الجوية المصرية على شكل موجات متتالية في تشكيلات رفوف جوية كان الرف يقوم بعمل 3-4 هجمة Attakes متتالية بفاصل 20-30 ثانية بين كل طائرة وأخرى، وكانت أسبقية الهجوم  تدمير عُقد تقاطع المدارج الرئيسية عدا قاعدة العريش الذي لم يتم تدمير المدرج لكي يتم استخدامه بعد الاستيلاء عليه، وقد تم استخدامه فعلاً منذ السابع من حزيران/ يونيو بواسطة الطائرات الإسرائيلية، ثم تلى ذلك مهاجمة الطائرات الجاثمة بقرب المدرج كحالات استعداد قصوى . ثم مهاجمة وتدمير باقي الطائرات وتم ذلك التركيز في الضربة الجوية الشاملة الأولى والتي استغرقت حوالي 75 دقيقة ثم تكرر نفس التركيز في الضربة الجوية الشاملة الثانية إضافة إلى تدمير المعدات الفنية الموجودة بالقواعد والمطارات- ويضيف- كما لوحظّ  تنوع الطائرات التي كانت تهاجم كل مطار والتنسيق غير العادي بينها أثناء الهجوم من اتجاهات مختلفة ولم يستخدم العدو الإسرائيلي مظلات جوية لحماية طائراته المهاجمة إلا فوق قاعدة بني سويف الجوية وغرب القاهرة . وفى الضربة الجوية الشاملة الثانية فوق بعض مطارات سيناء لأن الطائرات المهاجمة كانت ذات كفاءة محدودة مثل الأورجان  والفوجا ماجيستر وهي طائرات تدريب أساساً، أما عودة طائرات الضربة الجوية إلى إسرائيل كان فوق سيناء لكونه الطريق الأقصر مسافة والأقل خطورة على الطائرات الإسرائيلية لأن سيناء بالكامل لم تكن مغطاة بأي صواريخ مضادة للطائرات. وبهذا تمت الضربة الجوية الشاملة الأولى والثانية ونجحت إسرائيل فيهما بتدمير معظم طائرات وقواعد ومطارات مصر خلال ساعتين ونصف. وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ الحروب التي تَحّسم فيها الطائرات نتيجة المعركة…

ثم تحول العدو الإسرائيلي بعد ذلك طوال يوم 5 حزيران/ يونيو1967 إلى مهاجمة محطات الرادار وكتائـــب الصواريخ أرض/ جو بتشكيلات صغيرة 2-4 طائرة . وتكرر ذلك في الأيام التالية بعد السيطرة الجوية التامة التي تحققت لإسرائيل مع تخصيص الجزء الأكبر من الطائرات لمهاجمة القوات البرية المصرية المُنسحبة في سيناء، إضافة إلى مهاجمة بعض القواعد والمطارات بصورة متفرقة “. انتهى الاقتباس .

استيقظت مصر في صبيحة 5 حزيران/ يونيو على هجوم مؤلم، الكُل يسأل ما هو السبب سياسي أم عسكري أم شيء آخر، وقبل الخوض بالتفاصيل السببية يلاحظ القارئ أنه أمام كثير من المتناقضات في قضية من أصعب القضايا كحدث نكسة  حزيران/ 5يونيو، وهذا ما لوحظ عليه أيضاً من اطلاعنا البسيط على بعض ما كُتب عن تلك الفترة من شخوص الحدث ورواد كتابة التاريخ، لكن الجميع يتفق على أنّ ما حدث نكسة بكل ما تحمل الكلمة من معنى؟؟ .

وبإيجاز نطرح رؤية بالمنظار العربي:

ان نكسة حزيران/ يونيو 1967 كانت جزءاً من شوط المباراة أو جولة إن جاز التعبير حُسمت لصالح الطرف المعادي في البداية فقط .

كانت بداية لمُحاربة نمو التحرر العربي أو إيقاف تمدده متمثلاً بنظرية القومية العربية التي حققت نجاحات واسعة على أرض الوطن العربي تحمل معها رياح الاستقلال والعدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي بمختلف أشكاله إضافة لتطور التعليم .

الغاية المخفية من ما وراء الحرب هي تدمير وقتل ورهائن أسرى وتفكك اجتماعي واقتصادي يلحق بالطرف الآخر أو الخاسر وتحطيم الروح المعنوية التي اكتسبها المواطن المصري خصوصاً والعربي عموماً . إذن كان الهدف من النكسة هو سحب الثقة من النفوس وتحطيم المعنويات بأمل مُشرق ينتظر الإنسان على امتداد هذه المساحة من الأرض .

يحدث دائماً ما يُعرف عدم تقدير موقف لتداخل القرارات السياسية والعسكرية معاً، أحياناً بالرغم من دور جهاز المخابرات العامة الذي كان مُشرفًا، وحددت موعد الهجوم قبل أيام على حد وصف البعض.

إن الرابح الأساسي من المعركة ليست إسرائيل- نعم- على أرض الواقع هي التي كسبت، لكن بتفحص من يقف خلفها وما طبيعة العلاقات الدولية القائمة في تلك الفترة وصراع الحرب الباردة على المحك كما يقال، بين ثنائيّ القطبية الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفييتي- سابقا فأمريكا داعم مستمر لديمومة إسرائيل إلى يومنا هذا، أما السوفييت فبعد نهاية ستالين وإقالة خروتشوف ومجيئ ليونيد بريجنيف واتباعه سياسة جديدة . فقد أصبح الاتحاد السوفييتي مسانداً لمصر بعد نكستها سنة 1967 وأخذ يدعمها بمختلف المجالات . لكن هل يمكن القول إن السوفييت سبباً من أسباب النكسة بشكل غير مباشر سياسياً وعسكرياً بالرغم من إدانتهم إسرائيل؟، لكنهم أي السوفييت حققوا تواجد استراتيجي بمنطقة الشرق الاوسط أكثر من ذي قبل ولسنوات مُقبلة أخرى .

سياسة عربية:

الاختلاف والاتفاق في السياسة العربية؛ فقُبيل النكسة كان هناك اختلاف بين مصر والأردن  وبالمقابل تنسيق كبير مع سوريا، وبعد سحب قوات الطوارئ الدولية أواخر أيار/ مايو 1967 بطلب من قيادة مصر والملاحظ انها غادرت فوراً !، وأُغلقت مضايق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية وتحول الأردن إلى موقف آخر بالتحالف مُجدداً مع مصر، حتى أن القوات الأردنية وُضّعت تحت القيادة المصرية .

مسألة الضربة الجوية الأولى في السياق العسكري تَحسم المعركة لصالح الطرف المُهاجم، لم تبادر قيادة مصر في الهجوم لكي لا يفسح المجال بأنها دولة مُعتدية من وجهة نظرنا المتواضعة وإن كلّفها الشيء الكثير. خاصةً وكان هناك اجتماع مهم في قاعدة ابو صويرة العسكرية بين القيادة السياسية والطيارين قبيل المعركة في 5 حزيران/ يونيو لتدارك الأمور .

عنصر المباغتة الإسرائيلية  في الضربة الجوية من الغرب وليس من الشرق وهناك بعض التسريبات تثبت بوصول أخبار الضربة الجوية عن طريق الإشارة، إشارة عجلون التي أرسلها الفريق محمد فوزي من الأردن إلى القيادة العامة في القاهرة، وهناك عدة آراء بخصوص هذه الاشارة؟

الموقف السياسي الداخلي لأقطار المواجهة؛ بالنسبة لمصر: ” يرى الكاتب الصحفي العربي عبدالله إمام أن مراكز القوة تُهيْمن على الموقف الداخلي، لم يستطيع عبدالناصر التخلص منها إلا بعد النكسة، وعندما أراد عبدالناصر أن يُغير بعض القيادات العليا عن طريق مجلس الرئاسة- قبل النكسة- اعترض المشير ‘عامر’ وقدم استقالته إلى جمال عبدالناصر واختفى في مرسى مطروح وفي الوقت الذي اختفى فيه المشير كانت كل القيادات تضغط من أجل عودته حتى استطاع “صلاح نصر” مدير المخابرات أن يعثر عليه، ولم يُنفَذ قرار مجلس الرئاسة وظلّت القيادات تحتل مواقعها حتى نكسة 1967?. مقتبس عن مجلة روز اليوسف، مصر، العدد 2557 في 13/6/1977? ص13.

وعلى صعيد آخر، الذين يهاجمون الزعيم جمال عبدالناصر مُنطلقين من تضرر مصالحهم بعد ثورة تموز/ يوليو 1952- وبالرغم من الانجازات الجبّارة التي حققتها الثورة على مختلف الصُعد من تطور ونمو وقرارات عادلة- مُستغلين شيء اسمه النظام، ونحن نقول “ إن النظام شيء وجمال عبدالناصر شيءٌ آخر” فقيادة الرئيس الراحل لا غُبار عليها وحُبه لوطنه وأمته لا شك فيها . ولكن للنظام أخطاء كأي نظام آخر آنذاك حتى أن “صلاح نصر” مدير المخابرات المصرية لعشرة سنوات ولا يمكن أن يدعي أحد أنه يحابي عبدالناصر، وخاصة بعد أن حُكم عليه بأطول حكم سجن ربما في العالم كله، فقد حُكم بالسجن عليه 45 عاماً.. قال في حوار مكتوب للصحفي عبدالله امام بهذا الصدد: ” إن عبدالناصر نظيف اليد وكان يمارس الحكم من مكتب بيته، حتى أنه في إحدى المرات دخل فندق “شبرد” لأول مرّة في حياته يوم أقيم احتفال لاستقبال الأسقف مكاريوس فيه، ونظر إلى نهر النيل من روف الفندق وقال: “ لم يقل لي احد أنّ القاهرة فيها اماكن جميلة بهذا الشكل ”- ويضيف نصر- لم يكن جمال عبدالناصر ساعياً إلى مُتعة أو لذّة ولكنه كان يجدها في البسمة عندما تعلوّ شفاه الملايين، وكان يرصدها حتى في ملابس الناس.. عندما يراها جديدة، ونظيفة، وزاهية ” انتهى الاقتباس .

وأثبتت الأيام فيما بعد النكسة ومُحاسبة من ارتكب فعل التقصير العمّد الذي ترافق مع مظاهرات شعبية لعُمال معامل حلوان بمصر واضرابات طلابية جامعية سنة 1968 تُطالب بتشديد العقوبة على من قام بهذا الفعل/ النكسة، واستجابة القيادة السياسية لمتطلبات الجماهير في حينها، ومتوجسة بالوقت ذاته من أن تتشكل بعض المتاعب من قبل ممّن يُعرفون بالإخوان المسلمين ومتضرري الثورة معاً وبمساعدة الأجهزة المخابراتية الأجنبية التي قد تدعم هذه الجهات وتُعزز وجودها داخل مصر، لكن الأهم تيّقن الأجهزة الامنية المصرية ودورها الوطني والقومي في التصدي لها بمختلف أشكالها وأساليبها في تلك الفترة .

ومن الحوادث الأخرى على سبيل المثال ما ذكره السيد أحمد ابو الغيط وزير خارجية جمهورية مصر العربية الأسبق في كتابه ”شهادتي؛ السياسة الخارجية المصرية”، ص 59-62: ” فقد جاء نشوب حرب 1967 وما زلت في إدارة الصحافة بالوزارة.. تمكنتُ من الاطلاع على الكثير من الوثائق والنشرات والدراسات الصحفية عن هذه الحرب وأبعادها.. وكنتُ أعدها في نشرات مع زملائي بالإدارة، للتوزيع على بقية أعضاء الوزارة، وأخذتُ أتحدث بما قرأته أو بما كونته من معلومات عن هذه الحرب.. كانت صدمة هزيمة 1967 تفوق أي شيء شهدته في حياتي حتى هذا الحين.. ويضيف أيضاً، وقع بالقاهرة حدث، إذ قُبضَ على عدد كبير من ضباط الجيش المصري بتهمة اتصالاتهم بحزب البعث العراقي وإعدادهم مؤامرة للتخلص من جمال عبدالناصر بسبب هزيمة حزيران/ يونيو 1967 ” . انتهى الاقتباس .

ونظرية داخلية أخرى حاولتْ بعض الأوساط تسويقها داخلياً، من المسؤول عن النكسة ولماذا لم  ننتصر.. ونقول إن من يتكلم عن المسؤولية فالكُل شركاء في إدارة الوطن، والمعروف دائماً أنه عندما تقع مُشكلة أو حدث يضّر بمصلحة الوطن يتخلى الشركاء عن مواقعهم والكل يُلقيّ باللوْم على الآخر إلا ما ندّر وفي بعض الحالات، أنّ الرئيس جمال عبدالناصر أعلنَّ في خطاب مُتلفز في حينها أنه يتحمل المسؤولية كاملةً، ليقطع الطريق على الآخرين الذين تنصلوا عن مسؤولياتهم وأثبتت المواقف الصعبة حقيقتهم؟ ولنا وقفة مع الاقتصاد المصري في حينها وإصابته بالعجز أواسط الستينيات من القرن الماضي بسبب حرب اليمن والإنفاق الحربي التي تطلبت جميعها رؤوس أموال، ففقدان مصر لمئة مليون جنيه من دخل القناة وما يعادله من السياحة والبترول بعد النكسة بالإضافة إلى أزمة الحبوب- القمح- شكلّ صعوبات مادية خطيرة وضائقة حاول أن يستغلها العدو للضغط على قيادة مصر لتقديم تنازلات .

أما سوريا فكانت الانقلابات العسكرية تتجاذبها والمواقف المتناقضة تعتري سياستها وكان اقتصادها في ركود حيث كانت تشتري من العالم أكثر مما تُصدر أو تنتج، وعجزٌ كبير في ميزان مدفوعاتها كان سبب من أسباب نكستها، وضياع اراضي الجولان بدون قتال تقريباً، ونقلاً عن كتيب بعنوان ”إلى أين يسير النظام السوري؟” وزارة الإعلام العراقية، منشورات مديرية الإعلام العامة، ط1، 1977، ص 7 : ” كانت مزايدات النظام السوري بقضية التصدي للكيان الصهيوني والكفاح من أجل التحرير جزءاً من مسيرة التضليل والذي كان له الدور في دفع مصر في حرب 1967 دون تحضير جدي” انتهى الاقتباس .

ضائقة اقتصادية:

بالنسبة لإسرائيل كانت تعاني من ضائقة اقتصادية داخلية أيضاً فوجدت مُتنفسها الوحيد هو الحرب والاعتداء على الآخرين . لكن بالمقابل تُشير بعض الوثائق العربية في أيلول/ سبتمبر 1967: ” إن اسرائيل قد انتعشت الآمال فيها بشكل لا مثيل له من قبل وانقلب الشعور بالاختناق إلى شعور بالنشوّة والغرور والتفوق وازدهرت أحلام الإسرائيليين أمام انهيار العرب السريع بإمكانية تحقيق حلمها القديم بإقامة دولة اسرائيل من الفرات إلى النيل، إذ لم تكن ردود الأفعال الدولية والعالمية بمستوى هذا الحدث، بفضل الدعاية الاسرائيلية الواسعة وسيطرتها على مفاصل الإعلام والاقتصاد في الغرب وكذلك بضآلة المقاومة العربية وتدني ردّ الفعل العربي وتردد الاتحاد السوفييتي وعلاقاتهم بإسرائيل “.

كذلك كان النموذج العسكري في قيادة بعض الأقطار العربية  السائد حينذاك، أعطى دفعة إيجابية في انضباط الشعوب وتقدمها وإن كان لا يخلو من بعض الأخطاء وهو شيء طبيعي لأنّ الانسان يُصيب ويخطأ بطبعه، والِعبرّة فيمن يُصحح الاخطاء .

ما نريد ذكرهُ هٌنا، إلى أن جميع الأقطار العربية أو دول المواجهة مع إسرائيل كانت قياداتها عسكرية بما فيها إسرائيل، أسهم بالتحدي وإعلان المواجهة، لكن المُشكلة الأساسية تكمُن في الكيان الصهيوني- الاسرائيلي وعدوانه واحتلاله  للأراضي العربية آنذاك .

وفي هذه المناسبة المؤلمة والتي فرح لها الأعداء، لا يسعنا إلا أن نذكر الدور البطولي للجيوش العربية وأقطار المواجهة وخاصةً الجيش المصري في حرب الاستنزاف 1967-1970 وكما يرى الدكتور والمؤرخ الكبير “عاصم الدسوقي”: ” إنّ هذه الحرب أجهدت إسرائيل واضطرتها إلى استدعاء قوات الاحتياط الأمر الذي أثر سلباً في مختلف المجالات بإسرائيل ” . انتهى الاقتباس .

وفي الشأن ذاته يذكر السيد “صبحي ناظم توفيق” عميد ركن عراقي متقاعد يحمل دكتوراه بالتاريخ العسكري، عن ما اطلّع عليه في تلك الأيام قائلاً: ” كُنا نتناول طعام الغذاء بمطعم كلية الأركان عندما صاح أحدهم أن حرباً جديدة تبدو أنها اندلعت بين العرب واليهود، قدرناها في أولى ساعاتها نوعاً من الاشتباكات بالمدافع والطائرات والرشاشات، والتي تنـدلع بين هذا وذاك في أحيــان كثــيرة وسط عاميّ 1969-1970 وخصوصاً قبل الاتفاق على قبول مشروع روجرز، وذلك في خروقات موضعيّة- خنادقية لوقف إطلاق النار، أطلقّــت عليها حرب الاستنزاف ”. انتهى الاقتباس .

لكن الدور القيادي للرئيس جمال عبدالناصر لم  يتغير لدى شعبه ولدى الجماهير العربية عندما هبّت هبةَ رجلٍ واحد في التاسع والعاشر من حزيران/ يونيو 1967 تُطالب بالعودة واستمرار المعركة وإجراء التصحيح والتطهير معاً.

ويقول السيد “أمين هويدي” رحمهُ الله، رئيس جهاز المخابرات العامة المصـــــرية بعد النكسة 1967-1970 عن الزعيم جمال عبدالناصر رحمهُ الله: ” ووسط الحطام الذي تناثر من حوله بدأ في محاولاته لإزالة آثار العدوان تحت ضغط ظروف قاسية وشبح الهزيمة/ النكسة لا يفارقه لحظة واحدة وكان كل ما يتمناه أن يظل حياً حتى إزالة آثار العدوان ” .

لقد قال المدعو بن غوريون أمام الكنيست البرلمان الإسرائيلي: ” أنه كان أعظم هدف نوّد تحقيقه، أن نُضعف من شخصية عبدالناصر” .

ونوضح هُنا للقارئ؛ بما معناه أن اسرائيل تواجه أي قيادة عربية حسّنة التنظيم ولديها ديناميكية في الحركة سواء كانت سياسية أم عسكرية وأن تُقلل من شأنها وتحاول القضــــاء عليها بمختلف الطرق ! .

ضحايا النكسة:

اما فيما يتعلق بعدد القتلى من العدو الإسرائيلي في حرب الأيام الستة قد بلغ 770 جندياً إسرائيلياً وبالمقابل كان ضحايا النكسة الشهداء من الأقطار العربية أكثر بكثير، تحمّلت الجمهورية العربية المتحدة/ مصر النصيب الأكبر فيه . وبعد مرور اشهر صدر قرار من مجلس الأمـــــن الدولي رقم 242  في تشرين الثاني 1967 ينص: ” على انسحاب دولة إسرائيل من اراضِ احتلتها خلال العمليات العسكرية الاخيرة ”  أي بعضْ الأراضي وليس جميع الأراضي العربية، حتى أنه قد أحدّث اختلاف ما بين الرأي العام العربي ومشروعية القرار والموافقة عليه في حينها . وأدخل حكومات الأقطار العربية في خلافات، فقد وافقت مصر على القرار ولم توافق سوريا عليه- فقد أبرز حقيقة أن بعض الأنظمة العربية تسيرُ نحو العزّلة إن صح التعبير..

واخيراً: لذلك لا نجد في ختام هذه السطور إلا أن نكون قد مارسنا نقداً موضوعياً لحدث مؤلم لنا جميعاً، وبالنسبة للمُهتمين لهكذا قضية ما عليهم إلا ان يستنطقوا محكمة التاريخ وأن يُراجعوا الكثير من الأصول ليصلوا عموماً إلى من هو المتهم وما قاله القضاء بالاستناد إلى أقوال الأدلة والشهود، وأنّ الموضوع يحتاج إلى المزيد من التقصي والتحري باستخدام المنهج التاريخي البحت، لتتضح الرؤية، وهذا لا يعني وصولنا إلى الحقيقة المُطلقة، وبالوقت ذاته لا تخفيّ حُبنا لكتابة التاريخ ..

* كاتب ومدرّس عراقي

المصدر: الزمان العراقية

التعليقات مغلقة.