ابتهال أحمد عبدالغنى *
نشرت صحيفة “ذا جارديان” البريطانية مقالاً بتاريخ 24 نيسان/ إبريل للكاتب “سيمون تيسدال” تناول فيه التناقض فى موقف القادة الأوروبيين من الحرب فى أوكرانيا وتخاذلهم عن وضع حد لانتهاكات روسيا وتقديم دعم قوي لأوكرانيا… نعرض منه ما يلي:
كان التناقضُ مذهلاً؛ أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش فى نيويورك، مبادرة متأخرة، ولكن الحاجة ماسة إليها، لوقف الحرب في أوكرانيا. وقال المتحدث باسم الأمين العام: «فى هذا الوقت الذى تتزايد فيه المخاطر والعواقب، يود (جوتيريش) مناقشة الخطوات العاجلة لإحلال السلام». وكشف أن الأمين العام للأمم المتحدة اقترح إجراء محادثات شخصية فورية مع “فلاديمير بوتين” فى موسكو و”فولوديمير زيلينسكي” فى كييف.
في نفس الوقت تقريباً الذى حدث فيه هذا التطور المأمول، كان رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، يستقل طائرة إلى الهند، ليهرب بها من فضيحة «بارتي جايت» ويدمر جهود السلام. ادعى جونسون أن بوتين مفترس لا يمكن الوثوق فيه، قائلاً «أنا حقاً لا أرى كيف يمكن للأوكرانيين الجلوس بسهولة مع الروس والتوصل إلى شكل من أشكال التسوية. كيف يمكنك أن تتفاوض مع تمساح عندما تكون ساقك بين فكيه؟».
هذه الفجوة مقلقة؛ فهي تشير إلى غياب التنسيق بين الأمين العام للأمم المتحدة ودولة عضو دائم فى مجلس الأمن حول حل الأزمة، كما تسلط الضوء على مشكلة أكبر وهي تباين- وأحياناً تعارض أو التركيز على خدمة المصالح الذاتية- نهج القادة الغربيين الذين مازالوا يُعلنون حتى الآن وحدة هدفهم.
الغضب في الدول الغربية الذى أشعله غزو بوتين فى 24 شباط/ فبراير بدأ فى التلاشي، كما الحال مع التفاؤل الذى أعقب نجاح أوكرانيا فى صد التقدم الروسي حول كييف. بينما تبدأ موسكو الآن هجوماً ضخماً بطيئاً فى الشرق، يتزايد القلق من أن هذا الصراع ليس له نقطة نهاية وأن الضرر الاقتصادي والبشرى الهائل الذى ينتج عن هذه الحرب قد يكون دائماً وعالمياً.
* * *
لا ينظر جونسون عادة إلى ما هو أبعد من اللحظة الحالية، وقال إن المملكة المتحدة وحلف شمال الأطلسي سيواصلان «استراتيجية» فرض عقوبات على روسيا وتزويد كييف بالأسلحة. يدعم جونسون حرية واستقلال أوكرانيا، ولكن، مثل قادة حلف الناتو الآخرين، يبدو أنه يفتقر إلى خطة مدروسة وطويلة الأجل لتحقيق ذلك… فماذا لو بدأت القوات الأوكرانية في الخسارة؟ ماذا لو انقسمت أوكرانيا أو بدأت في الانهيار؟
قد يكون ثمن الفشل- التكلفة الحقيقية لانتصار بوتين- باهظاً على أوكرانيا، فمن المحتمل أن تفشل الديمقراطيات الغربية المتصدعة والبلدان الفقيرة، التي تعاني من أزمات الأمن والطاقة والغذاء والتضخم والمناخ والجائحة، في دعمها. وحتى بعيداً عن حسابات المصلحة الذاتية وقصّر النظر فيما يتعلق بقضايا مثل واردات النفط والغاز الروسي، والخوف من تصعيد أوسع، تجنب القادة الغربيون الخيارات الصعبة التي من شأنها أن تضمن لأوكرانيا البقاء وتساعد فى تخفيف حدة الأزمة.
قدم الأسبوع الماضي لمحة قاتمة عن المستقبل الذى ينتظرنا إذا توفرت القدرة لبوتين على الاستمرار فى شن حرب مع الإفلات من العقاب، وارتكاب مزيد من الجرائم، والتهديد باستخدام الأسلحة النووية والكيميائية، وتجاهل وثيقة الأمم المتحدة. خفض صندوق النقد الدولي بشكل كبير توقعاته للنمو بسبب الصراع، وتوقع تجزئة الاقتصاد العالمي إلى تكتلات جيوسياسية، وزيادة الديون والاضطرابات الاجتماعية.
قال رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، إن «كارثة إنسانية» تلوح في الأفق مع زيادة غير مسبوقة تقدر بنحو 37٪ في أسعار المواد الغذائية، بعدما قطعت الحرب الإمدادات، لتدفع الملايين نحو الفقر مع زيادة سوء التغذية وانخفاض الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية للأقل ثراء.
فر أكثر من 5 ملايين شخص من أوكرانيا في غضون شهرين، وسيتبع ذلك المزيد، مما يؤدي إلى تفاقم علميات الهجرة الدولية التي تمتد من أفغانستان إلى منطقة الساحل الإفريقى. يشير برنامج الغذاء العالمي إلى أن نحو 20 مليون شخص فى منطقة شرق أفريقيا التي ضربها الجفاف قد يواجهون المجاعة هذا العام. لم تتسبب حرب بوتين فى الجفاف، لكن الأمم المتحدة تحذر من أنها قد تضر بالجهود المبذولة للحد من الاحتباس الحرارى، مما يؤدى إلى مزيد من النزوح والهجرة.
إن التأثير السياسي الأوسع والسلبي للحرب، إذا استمرت إلى ما لا نهاية، لن يُحصى، وحذر أكثر من 200 مسئول سابق “جوتيريش” الأسبوع الماضي أن مستقبل الأمم المتحدة كمنتدى عالمي موثوق ومشرع وقائد لحفظ السلام فى خطر. وتتعرض مصداقية محكمة العدل الدولية للخطر أيضاً، التي استهزأ بوتين بأوامرها بالانسحاب وبنظامها فى محاكمة جرائم الحرب بأكمله.
* * *
الإخضاع الكامل أو الجزئي لأوكرانيا من شأنه أن يضرب المعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان فى مقتل، ويؤدي إلى كارثة للنظام الدولي القائم على القواعد، وانتصار الحكام المستبدين فى كل مكان. تخيل محتوى الرسالة التي يرسلها الإخضاع الروسي لأوكرانيا إلى الصين بشأن تايوان على سبيل المثال، أو إلى بوتين الطامع في ضم جمهوريات البلطيق الضعيفة أو إلى الإرهابيين الذين يخططون الآن بشكل خفي لاستغلال الأزمة في أوكرانيا وانشغال الغرب ويستمتعون بانتصار العنف.
إن الفشل في وقف الحرب وإنقاذ أوكرانيا وإيقاع أقصى العقوبات الممكنة على نظام روسيا المارق سيكون له ثمن باهظ، خاصة بالنسبة لأوروبا والاتحاد الأوروبي… العالم على أبواب نشوب حرب باردة جديدة مع وجود قوات وقواعد دائمة للناتو على حدود روسيا، وزيادة الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، وتسارع السباق النووي، والحرب الإلكترونية والمعلوماتية التي لا تتوقف، ونقص إمدادات الطاقة، وارتفاع تكلفة المعيشة، وتصاعد الحركات اليمينية المتطرفة المدعومة من روسيا كما حدث فى فرنسا.
باختصار، نحن نشهد فجر عصر جديد من عدم الاستقرار. لماذا قد يتسامح سياسيون مثل جو بايدن من أمريكا، و”أولاف شولز” من ألمانيا، وإيمانويل ماكرون في فرنسا مع مستقبل محفوف بالمخاطر وخطير للغاية.. فاتخاذهم موقف أكثر قوة الآن قد يمنع ظهور الكثير من تلك التهديدات. تجنب المخاطر الموجودة اليوم هو ضمان لوجود غد أكثر خطورة.
إرسال الأسلحة وأفضل التمنيات لا يكفي.. ناقش الزعماء الغربيون الأسبوع الماضي تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد الحرب. كل هذا يُعد جيداً. لكن الحرب مشتعلة الآن. من الذي سيضمن بقاء أوكرانيا فى الأسابيع القليلة المقبلة التي قد تكون حاسمة؟ من، إذا حان الوقت للحسم، سيتجاوز مرحلة التدريب ويقدم دعماً عسكرياً مباشراً على أرض أوكرانيا؟
لنكن واقعيين. على الرغم من البطولة والتضحيات، قد تخسر أوكرانيا هذه الحرب. وعلى الرغم من أن ذلك يبدو مخيفاً، إلا أن بوتين من الممكن أن يفوز. إذا تخلى الغرب عن مبادئه وقيمه وسمح بذلك، فإن الثمن الذى سيدفعه الجميع، ولفترة طويلة، هو وجود عالم جديد مليء بالألم.
…………….
النص الأصلي:
ــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق
التعليقات مغلقة.