الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

ترامب وغزو روسيا لأوكرانيا

محمد المنشاوي *

أخيراً انضم الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الرئيس جو بايدن فى إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، ووصف حرب روسيا فى أوكرانيا بأنها «إبادة جماعية». وجاءت كلمات ترامب خلال مقابلة تليفزيونية مع شبكة فوكس الإخبارية مساء الأربعاء الماضي، ومثلت هذه الكلمات تطوراً كبيراً فى موقف ترامب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن روسيا. وكرر ترامب قوله إن «الرئيس بوتين لم يكن ليغزو أوكرانيا لو كان ترامب فى منصبه كرئيس أمريكي».

وتشير مبررات روسيا الرسمية لغزو أوكرانيا إلى رفض موسكو لرغبة كييف فى الانضمام لحلف الناتو، مع وجود رغبة أمريكية أوروبية بضم أوكرانيا فى المستقبل للحلف العسكري الأكبر فى العالم. وخلال سنوات حكمه، تحفظ ترامب على علاقة بلاده مع حلف شمال الأطلسي- الناتو- وقال إنه «بعد 100 عام سينظر الناس إلى الوراء وسيقولون كيف وقفنا خلف حلف الناتو الذى دفع بنا إلى الوراء».

                                                                                      *            *             *

تذبذب موقف ترامب من غزو أوكرانيا، ففي مفاجأة بلغت حد الصدمة لملايين من الأمة الأمريكية، أشاد ترامب قبل غزو روسيا لأوكرانيا بتحركات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه أوكرانيا، واصفاً إياه بـ«الدهاء» و«بالذكاء»، فى الوقت الذى نعتَ فيه الرئيس جو بايدن «بالضعف» وبأنه «لم يكن ليصبح رئيساً لولا تزوير الانتخابات». ثم وفي عدد من المداخلات الإذاعية والتلفزيونية، كرر ترامب ما هو معروف عنه من إعجاب بالرئيس بوتين، وبدا متفهماً لغزو أوكرانيا، مرجعاً ذلك إلى ضعف الرئيس بايدن وعدم تركيزه.

وتعليقاً على الاعتراف الروسي بإقليمي دونيتسك ولوجانسك كجمهوريتين مستقلتين وطلبهما مساعدة عسكرية من روسيا، قال ترامب «شاهدت ذلك أمس، وقلت: هذه عبقرية، بوتين يأخذ جزءاً كبيراً.. من أوكرانيا ويعلن أنهما جمهوريتان مستقلتان».

وأضاف ترامب أن ذكاء بوتين ليس محل تساؤل، وأنه يعرفه جيداً، مؤكداً أن هذا هو نوع استعراض القوة الذى يمكن للولايات المتحدة استخدامه على حدودها الجنوبية عند المكسيك (فى إشارة إلى رغبته فى وقف الهجرة غير النظامية).

ثم عاد ترامب ليشيد مرة أخرى بمكر بوتين، فى حين انتقد طريقة أداء الرئيس بايدن، وقال ترامب فى لقاء مع مانحين ومشرعين جمهوريين فى منتجعه «مار لاجو» بولاية فلوريدا «يستولي بوتين على دولة مقابل عقوبات بقيمة دولارين، أود أن أقول إن هذا رجل ذكى جداً».

ثم كانت تصريحات الأربعاء الماضي والتي أدان فيها بوتين وروسيا، وهو ما يعكس رغبته فى اتباع خط الحزب الجمهوري والخط الأمريكي العام المعادي لروسيا ولبوتين، خاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس فى نوفمبر القادم.

ومع التعاطف الشعبي الواسع الذى تحظى به أوكرانيا، كان من الصعب على ترامب الاستمرار على موقفه المتمثل فى إدانة بايدن ووصف بوتين بالقائد القوى.

                                                                                      *            *             *

لم يتذبذب موقف ترامب فقط من غزو أوكرانيا، فقد تذبذب من قبل موقفه من حلف الناتو خلال سنوات حكمه الأربع، وتبنى ترامب موقفاً صادماً للحلفاء الأوروبيين، واصفاً الحلف فى تغريدات له بأنه «عفا عنه الزمن» ولم تعد له حاجة.

ثم انتقل ترامب لموقف أكثر عقلانية فى نهايات حكمه من خلال مطالبته أعضاء الناتو بزيادة مساهماتهم المالية مع التأكيد على أهمية الحلف.

وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول فى نسبة الإنفاق العسكري بين دول الحلف، وتبلغ مساهمتها 3.5% من قيمة الناتج القومي الإجمالي، وتنفق أغلب دول الحلف نسباً أقل من 2%، مع تعهد بأن تصل إلى نسبة 2% بحلول عام 2024.

وتبنى ترامب سياسة خارجية قومية اعتبرها أكثر إنصافا للمصالح الأمريكية، من هنا شكك ترامب فى دور وجدوى حلف الناتو، وفى الالتزامات المالية للدول الأعضاء فيه والعبء الواقع على واشنطن بدفاعها عن القارة الأوروبية.

وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليؤكد اعتماد القارة الأوروبية عسكرياً على الولايات المتحدة، ويؤكد أن المظلة الأمنية الأمريكية لا تزال حجر الأساس للأمن الأوروبي.

                                                                                      *            *             *

صدمت كلمات ترامب المؤيدة لبوتين فى بداية الغزو الكثير من الجمهوريين، إذ جاءت كلمات المدح التي أطلقها الرئيس السابق ترامب على خصم أجنبي يخوض مواجهة جيوسياسية مع بلاده بمثابة عمل غير مسبوق بكل المعايير، إلا أن نظرة سريعة على تاريخ ترامب تشير إلى تكرار إشادته ببوتين فى السنوات الماضية.

ولطالما أعرب ترامب عن إعجابه بالرجال الأقوياء الأجانب، وبالرئيس بوتين على وجه الخصوص، لا سيما خلال حملته الرئاسية عام 2016. وفى تلك الحملة، ناشد ترامب الروس مباشرة اختراق رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، منافسته الديمقراطية. وبالفعل حاول «هاكر» روس اقتحام الخوادم التي استخدمها مكتبها الشخصي فى اليوم نفسه.

وبمجرد انتخابه، تخلى ترامب عما دأبت عليه الإدارات الجمهورية والديمقراطية فى طريقة التعامل مع روسيا، وأظهر مراراً احتراماً غير عادى تجاه روسيا.

وفى نهاية قمة جمعت بوتين بترامب فى مدينة هلسنكي فى 2018، وقف ترامب إلى جانب بوتين، وطعن علنا فى استنتاج وكالات الاستخبارات الأمريكية بأن موسكو تدخلت فى انتخابات عام 2016 لمساعدة ترامب.

فى الوقت ذاته التزم كبار قادة الحزب الجمهوري الصمت، وتجاهلوا التعقيب على ما قاله ترامب.

                                                                                      *            *             *

قبل سبعين عاماً، قال الأمين العام الأول لحلف الناتو اللورد هاستينج إيسمي، إن الحلف يهدف إلى «بقاء روسيا خارج أوروبا، وأمريكا داخل أوروبا، وألمانيا داخل حدودها».

وبعد مرور أكثر من سبعين عاماً على تأسيس الحلف ومرور أكثر من ثلاثين عاماً على انتهاء الحرب الباردة، لن يتوقف السؤال فى واشنطن عن جدوى وأهمية بقاء التحالف العسكري الذى يجمع الولايات المتحدة بجارتها الشمالية كندا، و26 دولة أوروبية، خاصة مع عدم اليقين بالمستقبل القريب الذي قد يشهد عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض.

* كاتب صحفي متخصص في الشؤون الأمريكية، يكتب من واشنطن

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.