ياسر الحسيني *
منذ بداية الربيع العربي الذي انطلق من تونس في نهاية عام 2010 ليشمل ليبيا ومصر واليمن وسورية وبشكل أقل دراماتيكية في العراق ولبنان والسودان، أخذت بعض الدول في المنطقة تلعب دوراً استقطابياً متعدد الأوجه فمنها من كان حاضنة لمعارضة البلد الذي اجتاحته أمواج التسونامي الشعبي ولم تنجز الثورة أهدافها بعد، مثل المعارضة السورية واليمنية وقد انضمت إليها المعارضة المصرية بعد نجاح الثورة المضادة التي جاءت بالجنرال السيسي ليعود حكم العسكر في مصر من جديد 2014عام .
أما الإستقطاب المالي فكان من حصة دولة الإمارات العربية حيث لجأت إليها رؤوس الأموال والأرصدة المشبوهة وبدا ذلك جلياً في الحالة السورية، فكانت معظم الشخصيات المرتبطة بالفساد الأسدي من رجال أعمال وعوائل مسؤولين في السلطة الأسدية وفناين قد نقلوا نشاطهم إلى دبي ولعبوا دوراً كبيراً في تمويل النظام المجرم في دمشق وآلته الحربية المتوحشة في مواجهة الشعب السوري الأعزل فجميعنا يعلم بأن بشرى الأسد شقيقة المجرم بشار وأرملة الجنرال آصف شوكت الذي اغتيل في عملية تفجير “خلية الأزمة” في بدايات الثورة التي انطلقت من درعا منتصف شهر آذار/ مارس 2011، وكذلك أرصدة رامي مخلوف وأولاده الذي عملت “أسماء الأسد” على تنحيته جانباً ومصادرة جميع ممتلكاته في سورية بما فيها شركة الإتصالات “سيريتيل” ، وهناك المليارات غير المنظورة التي هربت من لبنان إلى الأمارات خلال السنوات الثلاث الماضية بعد أن تبيّن أن لبنان ذاهب إلى حالة من الإفلاس على جميع الأصعدة لن يستطيع انتشاله منها حتى البنك الدولي بسبب الإستعصاء السياسي والموت السريري لما يعرف باتفاق الطائف.
جاءت زيارة بشار الأسد اليتيمة إلى دولة الأمارات العربية في 18 آذار/ مارس المنصرم والتي لم أجد تفسيراً لها وخاصة أنها كانت سريعة وبلا هدف “معلن” مقنع، وضمن أجواء تخلو من البروتوكول حتى أن البعض تحدث عنها بسخرية وبأن اللقاء مع محمد بن زايد جرى في الهواء الطلق في مرآب السيارات. وحده صديقي الذي قدم تفسيراً يبدو أنّه أقرب إلى المنطق حين أسرّ لي بأنّ الزيارة كانت من أجل أن يحوّل عدة مليارات لصالح بوتين لتمويل حربه ضدّ أوكرانيا، ومثل هذه المبالغ الضخمة لا يمكن تحويلها إلا إذا حضر ووقع شخصياً على أمر الصرف أو التحويل.
ظلّت دبي اللاعب الأكثر إشكالية ووقاحة في التدخل بشؤون المنطقة من ليبيا ودعمها اللامحدود للجنرال المتقاعد حفتر وصولاً إلى اليمن وانقلابها على حليفها السعودي، ولكن يبقى ارتباطها بالحلف الإيراني السوري الروسي هو الأقوى والأكثر تهديداً لمنطقة الشرق الأوسط برمّته، والأمر اللافت هو جرأتها اللامتناهية في تحدي العالم أجمع في كسر طوق العزلة عن النظام السوري المجرم وبدلاً من المطالبة بمحاسبته عمدت إلى فتح سفارتها بدمشق تمهيداً لإعادة تسويقه من جديد من خلال جامعة الدول العربية والمطالبة بعودته إلى حضنه العربي، ضاربة عرض الحائط بآلام ملايين السوريين ومعاناتهم في الداخل أو في بلاد اللجوء والإستيلاء على ممتلكاتهم وطردهم من البلاد مثلما فعلت إسرائيل بالشعب الفلسطيني من قبل، وهاهي تهرول للتطبيع معها وتدعوا باقي الدول العربية للإنضمام إلى قطار التطبيع الذي يقود قاطرته محمد بن زايد وبحماس غريب.
تهبط طائرات “الأوليغارشية” الروسية اليوم 2022/04/09 في مطار دبي الهاربة من العقوبات الغربية، التي لم تجد لها ملجأً آمناً غير تلك الأمارة الشاذّة التي نصّبت نفسها أو أنّ “هناك من نصّبها” لتكون وكراً لكلّ الخارجين عن القانون من مافيات السلاح ومافيات الإتجار بالمخدرات أو بالبشر أو بكلّ ما لا يخطر ببال بشر. كلّ ذلك يبدو أنّه يحصل بمباركة الصهيونية العالمية التي تحمي مشايخ الأمارات من أي عواقب مستقبلية لكلّ هذه الممارسات التي تجعلها تبدو كآلة عملاقة لغسيل الأموال، ومطبخ متقدم للدسائس والمؤامرات على شعوب المنطقة.
هبطت طائرات الأوليغارش الروس في نفس الوقت الذي هبطت فيه طائرة رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” في مطار كييف ليزور الرئيس الأوكراني “زيلينسكي” وليعلن للعالم من هناك بأنّ بريطانيا ستعمل على تزويد أوكرانيا بكل ما يلزم من السلاح لضمان عدم تعرّضها للغزو مستقبلاً. وبمعنى آخر فان جونسون يعبّر عن نيّة الغرب بأن يجعل من أوكرانيا أكبر قاعدة عسكرية للناتو على حدود روسيا. ذلك الذي كان يخشاه بوتين وقد جعله قيد التحقيق بحماقته.
* كاتب سوري
المصدر: اشراق
التعليقات مغلقة.