الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

17 نيسان عيد الجلاء.. الحلم الذي لم يكتمل

محمد عمر كرداس

خاص «الحرية أولاً»:

    في 17 نيسان عام 1946 جلا المستعمر الفرنسي عن سورية بعد احتلال دام ربع قرن، ومنذ اليوم الأول لدخوله سورية وُجه بثورات وانتفاضات شملت البلاد من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها.

    ورث الحكم الوطني بعد الاستقلال مشاكل بنيوية في النظام أولها كانت تغيير الدستور من أجل التجديد لشكري القوتلي برئاسة الجمهورية مع عدم أحقيته بذلك عند انتهاء ولايته عام 1948 وبذلك فتح باب لمشاكل لا حصر لها، كما انه ورث المصالح المشتركة مع لبنان التي أثقلت الجمهورية الوليدة حتى استطاع التخلص منها على يد زعيم وطني ولكنه يريد سورية وطننا نهائيا فلا وحدة عربية ولا هم يحزنون هذا الزعيم هو الاقطاعي خالد العظم الذي كان يسمى المليونير الأحمر الذي وزع أراضي العائلة على الفلاحين قبل أن يأتي قانون الإصلاح الزراعي وأنشأ مرفأ اللاذقية كأول مرفأ سوري للاستغناء عن مرفأ بيروت وأقام العديد من الصناعات كمعمل دمر للإسمنت وشجع تجار دمشق وأقرضهم المال ليقيموا صناعة النسيج المتميزة كالخماسية وشركة دياب وغيرها.

    إلاّ أن المشكلة بل المعضلة التي لم تجد حلا لها هي ما ورثه الحكم الوطني في الجيش، فقد شكلت فرنسا وبريطانيا في عام 1916  ما سمي فيلق الشرق من سوريين ولبنانيين وأرمن نازحين وغيرهم من الأقليات لمحاربة الدولة العثمانية والذي تسلمته سورية عام 1946 وكان هو نواة الجيش السوري بعدد سبعة الاف عسكري كان واضحا فيه اختلال التمثيل الاجتماعي فالأقليات في سورية تشكل ربع السكان ولكن في الجيش كانت تمثل حوالي 60 بالمائة من أفراد الجيش…وعندما جاء عام 49 جاء معه الانقلاب الأول على يد ضابط كانت خدمته في الجيش الفرنسي وتبعه ثلاثة انقلابات حتى عام 54 حتى عاد الحكم المدني ،كانت الانقلابات التي جرت جميعها بترتيب خارجي وبفعل داخلي من ضباط هذا الجيش ولخدمة مصالح خارجية ،بعد ذلك أصبحت سورية في مهب الاستقطابات الإقليمية بين محور سعودي- مصري ومحور هاشمي أردني-عراقي بدعم تركي إيراني إنكليزي أميركي كادت أن تودي بكيانها لولا أن بعض الضباط الوطنيين بدعم من كتلة وازنة في البرلمان ذهبوا إلى الوحدة مع مصر التي كانت مطلب جماهيري مُلِح.. وتوجت هذه الوحدة باستفتاء شعبي لتقوم في 22 شباط 1958.

    ومرة أخرى بعض الضباط العملاء والمغامرين ينقلبوا على الوحدة في 28 آذار 1962 ويفصموا عراها في انقلاب غادر وممول من الخارج لتعود سورية إلى التخبط مرة أخرى.

    لم يستطع حكم الانفصال البغيض الاستمرار أكثر من عام ونصف فجاءت حركة 8 آذار التي استقبلها الشعب بالترحاب لأنها جاءت كما أعلنت  لإنهاء الانفصال وإعادة الوحدة ،إلاّ أن الحقيقة كانت حركة جاءت لتكريس الانفصال والقضاء على أي أمل بالوحدة ولتقيم حكم طغمة عسكرية لاوطنية بعد تفرد حزب البعث بالحكم، ليقيم تجربته الخاصة والتي استقرت بعد سلسلة من الانقلابات ضمن الحزب الواحد إلى حكم عائلة مافيوية حكمت بالحديد والنار وكان منهجها في الحكم الفساد والنهب وتكميم الأفواه على كل الصعد والتفريط بحقوق الوطن وأراضيه وعندما شعرت باهتزاز سلطتها أارتكبت المجازر بحق مواطنيها في حماة وحلب وجسر الشغور وفي كل المحافظات ومارست الاعتقال التعسفي بحق عشرات الالاف وحتى الآن لا يعرف مصير الكثير من المعتقلين منذ عام 1980 والالاف ممن تم تصفيتهم داخل سجن تدمر وصيدنايا والاعدامات الميدانية الأسبوعية التي كان يوقعها وزير دفاع النظام المأفون مصطفى طلاس باعترافه.

    عانى الشعب ما عاناه من ظلم واضطهاد ونهب وسلب وتجويع إلى أن جاء الاستحقاق الأكبر يوم فجر الشعب ثورته السلمية المجيدة في آذار 2011 مطالبا بالحرية والعدالة والكرامة، والتي تصدى لها النظام بكل جبروته واوغل في الشعب قتلا وتهجيرا وتغييبا وجلب كل شذاذ الافاق ليكونوا معه ضد شعبه من مليشيات طائفية ومن دول مارقة مثل ايران حتى جاء المجرم بوتن ليكمل ما بدأه النظام من قتل وتشريد وتدمير وبعد عجزه هو وحلفاؤه عن تدمير الثورة والانتصار عليها ،كل ذلك أمام بصر العالم ومباركته ،لذلك ستبقى الثورة اليتيمة حتى ينال شعبنا حقه بيده ويتخلص من هذه الطغمة ويقيم دولته الوطنية لكل الشعب بمختلف فئاته.

    كان الجلاء عام 1946 حلماً ببناء دولة وطنية حديثة ومازال هذا الحلم قابل للتحقيق بسواعد السوريين الأبطال.

التعليقات مغلقة.