الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

الصين تحاول التقرب من الهند.. والأخيرة ترفض

ابتهال أحمد عبدالغني *

نشر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية مقالاً(1) بتاريخ 30 آذار/ مارس للكاتب “جايمس كرابتري” تناول فيه تدهور العلاقات الصينية الهندية، ومحاولات الصين تحسين العلاقات، إلا أن الكاتب يرى أن هذه المحاولات ستواجَه بتحديات يصعب حلها… نعرض منه ما يلي:

كانت زيارة “وانج يي”، وزير خارجية الصين، إلى الهند، إشارة مهمة إلى رغبة الصين فى تخفيف التوترات فى العلاقات الصينية- الهندية التي نتجت عن اشتباكات عام 2020 فى جبال الهيمالايا. كانت الزيارة التي تمت يوم 25 آذار/ مارس الماضي ذات أهمية خاصة، حيث جاءت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وقرار الهند اللاحق بعدم الانضمام إلى حملة الغرب لإدانة الرئيس فلاديمير بوتين.

تأمل موسكو وبكين أن تتذكر دلهي كراهيتها التاريخية للغرب، وأن تعكس خطواتها الساعية للتقرب من الولايات المتحدة. بينما فى الإمكان حدوث تقدم بسيط فى العلاقات الصينية الهندية، إلا أنه مازال هناك حواجز كبيرة أمام تطبيع العلاقات بينهما على نطاق واسع. فيبدو أن الهند ستواصل تعميق علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة وشركائها.

                                                                                      *          *           *

وصل وانج إلى نيودلهي بعد رحلة استغرقت يومين فى باكستان لحضور اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، وبعد توقفه فى أفغانستان ونيبال. لوحظ فى زيارة وانج إلى الهند التي استمرت لأقل من 24 ساعة إيجازها وبرودتها. لم يعلن أي من الجانبين عن زيارة وانج، على الرغم من أنه التقى بوزير الشؤون الخارجية “سوبرامانيام جايشانكار” ومستشار الأمن القومي “أجيت دوفال”. ووجهت الهند انتقادات إلى الصين بشأن التصريحات التي أدلى بها وانج فى باكستان حول منطقة كشمير المتنازع عليها.

أشار وانج فى حديثه خلال المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني الأخير فى بكين إلى «النكسات» فى العلاقات الصينية الهندية التي لم تخدم «المصالح الأساسية للبلدين»، فى إشارة إلى مقتل 20 هندياً وأربعة جنود صينيين على الأقل فى وادى جلوان فى منطقة “أكساي تشين” المتنازع عليها فى حزيران/ يونيو 2020. فشلت المحادثات على المستوى العسكري منذ ذلك الحين فى تخفيف التوترات، واستمر البلدان فى نشر قواتهما على حدودهما المشتركة التي يبلغ طولها 3500 كيلومتر. فرضت الهند عقوبات اقتصادية تستهدف الشركات الصينية، وعمقت علاقاتها مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان فى إطار الحوار الأمني الرباعي (كواد).

قد يكون السبب وراء هذه الزيارة هي قمة بريكس القادمة (التي تضم البرازيل والهند وروسيا والصين وجنوب أفريقيا)، والتي ستستضيفها الصين فى وقت لاحق من هذا العام. يُعد حضور رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودى أمرا” مهماً لنجاح القمة، خاصة إذا انضمت الهند إلى اجتماع (ريك ــ RIC) الثلاثي المكون من روسيا والهند والصين. ألمح بيان بكين عقب زيارة وانج إلى أهمية القمة، مشيراً إلى أنه «يجب على الجانبين.. المشاركة فى العملية متعددة الأطراف وإظهار تعاونهما».. ولكن رفضت الهند تأكيد حضور مودي للقمة.

من الواضح أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد غير سياق زيارة وانج؛ دعمت الصين روسيا، وألقت باللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، مما عزز ميل بكين إلى النظر إلى الصراعات العالمية من منظور المنافسة الأمنية مع واشنطن. وقد ثبت أن الحرب معقدة بالنسبة لنيودلهي أيضاً، مما يبرز حدود شراكاتها الجديدة مع القوى الغربية. من غير المرجح أن تتخلى الهند عن علاقاتها الوثيقة مع روسيا، ولكن المقلق بالنسبة لدلهي أن تدفع الحرب روسيا إلى التقرب من الصين، ويتزايد القلق الهندي حين تنظر إلى بيان التعاون الصيني الروسي الأخير المؤلف من 5000 كلمة، والذى نُشر فى شباط/ فبراير الماضي. من المرجح أن يقلل غزو أوكرانيا من قيمة روسيا كشريك أمني طويل الأمد، تستورد منه الهند نحو نصف أسلحتها.

فكرة التقارب الصيني الهندي المحدود يمكن تصديقها؛ فالعلاقات بين العملاقين الآسيويين لطالما كانت معقدة، يعود تاريخها إلى الحرب الصينية الهندية عام 1962. اتخذ كلا البلدين خطوات لتقليل التوترات على مدى التاريخ، ويُعد الحدث الأقرب هو اجتماع “شي جين بينغ” و”مودي” فى مدينة ووهان الصينية فى عام 2018 بعد التوترات الحدودية فى منطقة دوكلام. تشترك نيودلهي مع الصين فى نظرتها الجيوسياسية العالمية، وتُفضل نظاماً عالمياً متعدد الأقطاب فى المستقبل تقل فيه بشكل كبير سيطرة الولايات المتحدة، وتُمثَل فيه الهند الصاعدة بشكل عادل فى المؤسسات الدولية.

وصلت العلاقات الثنائية الآن بين الدولتين إلى أسوأ مستوياتها منذ عقود؛ إلا أنه يوجد مجال لتحسين العلاقات. تفهمت الصين مخاوف الهند بعد زيارة وانج وأشارت إلى أن الصين «لا تتبع ما يسمى بـ«آسيا أحادية القطب» وتحترم دور الهند التقليدي فى المنطقة».

ومع ذلك، لا تزال هناك ثلاثة عوائق رئيسية على الأقل أمام تطبيع العلاقات بالكامل بين البلدين؛ أولها الحدود. تهدف الصين إلى فصل المحادثات الحدودية عن التحركات الرامية إلى تحسين العلاقات بشكل عام. تُواصل الهند المطالبة بالفك الكامل للقوات الصينية من على الحدود الهندية قبل مناقشة أي قضايا أخرى. حتى إذا تم إحراز تقدم فى قضية الحدود، فإن هناك حاجز ثانٍ؛ فالمؤسسة السياسية فى نيودلهي موحدة الآن إلى حد كبير فى رؤيتها للصين باعتبارها أهم تحدٍ أمني للهند.

أثارت الإجراءات الصينية الأخيرة مجموعة من المخاوف، لا سيما الوجود الدبلوماسي والعسكري لبكين حول المحيط الهندي. والرأي العام فى الهند يعادي الصين بشكل كبير.

أخيراً، تواصل الهند تعميق شراكاتها المختلفة مع دول أعضاء الحوار الأمني الرباعي والقوى الغربية الأخرى. عقدت الهند خلال شهر آذار/ مارس قمم مع كل من اليابان وأستراليا، وسيلتقى مودي بقادة الرباعية فى طوكيو الشهر المقبل. وصلت “فيكتوريا نولاند”، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، إلى نيودلهي مباشرة قبل وانج، والعلاقات العسكرية الهندية مع الولايات المتحدة تستمر فى التعمق.

من المرجح أن يؤدي غزو أوكرانيا إلى دفع نيودلهي إلى تنويع اعتمادها على الأسلحة الروسية، مما يفتح إمكانية تعاون أعمق مع دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة.

                                                                                      *          *           *

إن التحسينات التدريجية فى العلاقات بين الصين والهند ممكنة خلال الأشهر المقبلة، وقد يمثل التقدم فى المحادثات الحدودية تحسن محدود. قد يحضر مودي قمة مجموعة بريكس أيضاً. لكن حسابات الهند ومصالحها الأمنية تشير إلى أن احتمالات حدوث تقارب أوسع مع الصين لا تزال ضئيلة، واحتمالات إعادة الاصطفاف الحضاري الأوسع المعادي للغرب، كما تروج لها بكين وموسكو، بعيدة.

بعد زيارة وانج، أشار جايشانكار إلى أن تدهور العلاقات مع الصين يعنى أن الهند بحاجة إلى تطوير قدرات وقوة ردع جديدة. سعت الهند على مدى السنوات الأخيرة إلى القيام بذلك من خلال شراكات جديدة، خاصة مع القوى الغربية، تهدف إلى موازنة وردع القوة الصينية. من غير المحتمل أن تكون زيارة وانج والأحداث الأخيرة فى أوكرانيا، قد فعلت الكثير لتغيير هذه الحسابات.

(1) النص الأصلي بالإنكليزية:

https://www.iiss.org/blogs/analysis/2022/03/china-signals-desire-to-improve-ties-with-india-but-is-that-what-new-delhi-wants

ــــــــــــــــــ

* كاتبة ومترجمة مصرية

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.