خاص: الحرية أولاً
يتحدث المجرم الأول بشار الأسد عما يسميه مكافحة الفساد في جسم السلطة السورية، في سياق متابعة المتاجرة بقيم ومبادئ طالما اشتغل عليها، عبر سنوات طويلة من الكذب والنهب والفساد والإفساد الذي كان ولم يزل سياسة ممنهجة مشى فيها حافظ الأسد الأب ثم تبعه الوريث بشار، لكن الوقائع التي يعرفها السوريون سابقًا ولا حقًا والقصص الحقيقية التي يروونها لا تقبل التغطية أو التطمير، حيث يتحدث إلينا في جزئية منها الأستاذ محمد عمر كرداس المعارض السوري العتيق عن بؤرة صغيرة من بؤر الفساد الأسدي، وتبعاته من أدوات عَمِلَ على انتاشها خرابًا في البنية المجتمعية السورية، وكذلك بناءات الدولة السورية؟
يتحدث أبو محمود/ عمر كرداس فيقول: ” في عام 1975تأسست في مدينة دوما جمعية تعاونية سكنية تحت اسم “الجمعية التعاونية السكنية لمنطقة دوما” وأسس مجلس إدارتها الأول المرحوم محمد ديب آدم، رئيس بلدية دوما في حينها لمدة دورتين وأربع سنوات. وقد سلمت الجمعية خلال ثماني سنوات من عمرها 72 شقة سكنية للأعضاء المستفيدين.
بعد ذلك تم انتخابي رئيساً لمجلس الإدارة مع أكثرية من أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي العربي كانوا أعضاء في الجمعية، وبقيتُ حتى عام 1990، ارتفع الأعضاء خلال هذه الفترة من 600 عضو إلى 5700، وسلمنا خلالها حوالي 700 شقة للأعضاء؛ وكانت بذلك أكبر جمعية سكنية في القطر، واعترافاً بإنجازاتنا تم اختياري لأكون عضواً في المؤتمر العام للاتحاد التعاوني السكني، دون رغبة منا في هكذا مهرجان. عقد المؤتمر في قاعة السابع من نيسان لحزب البعث في مقر فرع دمشق جانب جامع الإيمان ومشفى الحياة.” ثم أضاف ” حضر وزير الإسكان ووزير التربية ومحافظ دمشق وأعضاء قيادات الفروع للحزب، كانت سورية حينها تعيش أزمة شح في المواد التموينية بعد أن سرق رفعت الأسد موجودات البنك المركزي، وانهار سعر صرف الدولار من 5 ليرات سورية إلى حوالي 60 ليرة، ليستقر بعدها بحدود 50 ليرة- ترضية له ليغادر البلاد بعد محاولته الفاشلة بالانقلاب على أخيه- مع بدء الاحتفال بالخطابات الرنانة التي تشيد وتمجد الحزب “القائد”، وفي المؤتمر طُلب من الجميع إخفاء علب المحارم المهربة من أمامهم لأن التلفزيون سيقوم بالتصوير، وانتهى الاجتماع “بانتخاب” المكتب التنفيذي للاتحاد العام ولجنة الرقابة والمحاسب القانوني، وطبعاً وزعت الأوراق التي يجب وضعها بالصندوق على الأعضاء، مع تنبيهات صارمة بأن لا يترشح أحد إلا الذي تطلب منه القيادة الرشيدة ذلك، وانتهت الانتخابات (بكل شفافية وديمقراطية) ومعها انتهى المؤتمر بعشاء فاخر انضم إليه كل (المحاسيب) والأزلام الدائمون، كونه على حساب صندوق الاتحاد العام الممول من أموال الجمعيات وذلك في نادي الشرق الأرستقراطي المعروف.” ثم تحدث كرداس عن حال الجمعيات بقوله” تخضع الجمعيات لنظام صارم من خلال هيمنة الحزب الحاكم فأي اجتماع أو هيئة يجب أن يحضرها مندوبان، مندوب الاتحاد السكني في المحافظة وغالباً يرفع تقريره إلى حزب البعث، ومندوب المحافظة وغالباً ما يكون من مكتب المحافظ، وفي لجان تقييم المنازل يحضر مندوبين عن الاتحاد العام، وغالباً ما يكون رئيس الاتحاد العام أحدهم، باعتبار أن لها عوائد مادية مجزية من مالية الجمعيات.
وكانوا يطلبون تسجيل المهمات بالجلسة لتكون 5 جلسات كي يتضاعف العائد المادي، وعند جلسات تخصيص المساكن تكون الجلسات متعددة أكثر والعوائد كبيرة.” ثم قال:” الطامة الكبرى عندما تلجأ الجمعيات لشراء الأراضي من القطاع الخاص، عندها يتحكم المشتري بالنسبة التي يريدها لجيبه.” ويتابع قائلا:” لجأت جمعيتنا للشراء المباشر من القطاع الخاص مرة واحدة لعدم تخصيصنا بأراضي من البلدية أو دوائر الإسكان، كان البائع وكيل أصحاب الأرض وصهرهم وهو العميد عبد الله مينة، مدير مكتب علي دوبا رئيس شعبة المخابرات العسكرية في حينها، وكانت الأرض في بلدة (الشيفونية) المجاورة لمدينة دوما، طلب العميد عشرة ملايين ثمن الأرض المؤلفة من 22 مقسما يقام عليها 240 شقة سكنية وذلك عام 1988، وقال أنه باعها لجمعية القنوات في دمشق بهذا المبلغ، على أن يدفع منه مليون لمجلس إدارة جمعية القنوات، ولكن مجلس إدارتها اختلف مع رئيس المجلس على القسمة ولم تتم البيعة إلى الآن، وهو مستعد أن يدفع لي نفس المبلع وأنا أوزعه بمعرفتي على المجلس، أجبته أننا لا نريد رشوة أو عمولة أو حصة، ونحن درسنا المشروع ونحن جاهزون لدفع مبلغ ثمانية ملايين ونصف ثمن الأرض، فقال لي: هل هناك في هذه البلد من لا يقبض رشوة؟ قلت له كما ترى. وافق على البيع وأتممنا عملية الشراء وطبعًا لا نستطيع الدفع حسب النظام إلا بعد اجتماع هيئة المستفيدين والموافقة على الشراء. في اليوم التالي جاءني إلى البيت مساء رئيس بلدية الشيفونية وطلب مني حصة اثنان ونصف بالمئة كومسيون نظامي لأنه شريك بمكتب الشيفونية المسؤول عن بيع الأرض، فأجبته أننا لا نستطيع الدفع لأن النظام المالي للجمعيات لا يتيح ذلك، في اليوم الثاني طلبني العميد نزيه اسماعيل إلى مكتبه وكان رئيس قسم أمن الدولة في دوما، وطلب مني أن أدفع للوسيط الكومسيون النظامي، فقلت له لم يكن هناك وسيط ونظام الجمعيات لا يسمح، وجاءني أناس آخرون وقالوا إن أصحاب الأرض وكلوهم ببيع الأرض ويريدون حصة المكتب.” ويتابع كرداس بقوله:” اتصلت بالعميد وطلبت منه رفع هذه الأيدي القذرة عني، فطلبني إلى ركنه الدائم في مطعم الدوار مقابل مدارس دار السلام وأتى برئيس البلدية وشركائه وقال لهم أمامي: أنا المسؤول والجمعية لن تدفع.”
وقال أبو محمود ” في أواخر عام 89 أصبح عندنا مشروع مؤلف من 250 شقة في دوما جاهز للتسليم، فطلب مني رئيس الاتحاد التعاوني أن يوضع حجر أساس ويدشن المشروع تحت رعاية محافظ ريف دمشق الفاسد على زيود، بمناسبة الثامن من آذار/مارس فرفضت ذلك مع كل الإغراءات بدعم الجمعية، كانت النتيجة حل مجلس الإدارة ومصادرة مقر الجمعية، ولم يراعوا الشكليات في الحل لأن نظام الجمعيات يسمح بحل مجلس الإدارة في حالتين: أن يكون المجلس قد تجاوز مدته ولم يدع لانتخابات، أو فيه شبهة فساد وهدر أموال نتيجة تحقيق، ونحن لا ينطبق علينا أي من الحالتين”. ويقول كرداس: ” جاء الحل بكل وقاحة كما يلي: (إن وزير الإسكان، بناء على توجيهات شعبة الأمن السياسي، يحل المجلس ويعين مجلس مؤقت.) تركنا الجمعية عام 90 وفي حسابها ثلاثة عشر مليون ليرة، وبعد عشر سنوات من قيادة كوادر الحزب “القائد” للجمعية، كان رصيدها أقل من مليون ليرة كما قيل لنا، مع عدم قيامها ببناء أي شقة. وهذا غيض من فيض ونموذج من نماذج فساد صغير، وهو يقع ضمن حصة الصغار من الكعكة. فما بالك بنهب الوطن بقضه وقضيضه”.
التعليقات مغلقة.