ابتهال أحمد عبدالغني *
نشر موقع Eurasia Review مقالين بتاريخ 5 آذار/ مارس 2022 للكاتب “شابير كازمي”(**) والكاتب “فيجاي راشاد”(***) تناولا فيه ما أظهرته الحرب الأوكرانية من نفاق القيادات والحكومات ووسائل الإعلام الغربية فى تناولها للحروب والمعاناة الإنسانية حول العالم.. نعرض منهما ما يلى:
يشير الكاتبان- شابير كازمي وفيجاي راشاد- إلى ازدواجية المعايير التي أظهرها الغرب فى الحرب الأوكرانية، وهي الحقيقة التي يريان أنها تسللت إلى النور خلال الأيام الماضية، وأوضحت الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى الحرب فى أوكرانيا والحروب الأخرى التي يشنونها وتُفاقم فى بشاعتها الحرب فى أوكرانيا.
ذكر الكاتبان النقد الذى وجهه الكثيرون إلى الإعلام العنصري والنقاد والمراسلين على المنصات الأمريكية والبريطانية الذين أعربوا عن قلقهم من الصراع الدائر فى أوكرانيا بسبب قربها من الغرب وبياض بشرة اللاجئين الأوكرانيين. قال مراسل شبكة «سي بي إس» فى كييف، تشارلي داجاتا، أن «هذا ليس مكاناً، مع كل الاحترام الواجب، مثل العراق أو أفغانستان، اللذين شهدا صراعاً مستعراً لعقود.. هذه مدينة أوروبية بشكل كبير.. حضارية بشكل كبير.. مكان لا تتوقع فيه أو تأمل أن يحدث فيه حرب». يقول كازمي إنه أيضاً مع كل الاحترام الواجب، الصراع فى العراق وأفغانستان نتج عن غزو أمريكي ومحاولات «تحضير» هذه الدول، انطلاقاً من أن دولة مثل العراق غير حضارية!.. العراقيون كانوا يُعلِّمون العالم العلوم والجبر فى وقت كان الغرب يلوّن فيه وجهه باللون الأزرق ويعيش فى الغابة.
غادر نحو نصف مليون أوكراني منازلهم وعبروا إلى البلدان المجاورة وفقاً لرئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندى. صُدم الصحفي دانيال حنان الذى يكتب لأكبر صحيفة بريطانية محافظة، تلغراف، لأن أوكرانيا دولة أوروبية وشعبها يبدو مثلنا. بالطبع صدم دانييل حنان بنشوب صراع فى أوروبا، لأنه ربما نسى أن الحرب العالمية الأولى والثانية اندلعت فى أوروبا.
لم تتردد مراسلة «إن بي إس» هالي كوبيلا بقول «بصراحة، هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا، إنهم مسيحيون، إنهم بيض، إنهم يشبهوننا كثيراً». وبالتالي، وبكل بساطة، إذا كنت سورياً ولست أبيض أو مسيحياً، فأنت لست مهماً فى هذا العالم.
تناول مذيع إخباري آخر، بيتر دوبي، ما يلبسه الأوكرانيون من ملابس قائلاً: «هؤلاء أناس مزدهرون من الطبقة الوسطى. من الواضح أن هؤلاء ليسوا لاجئين يحاولون الهروب من الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا. إنهم يبدون مثل أي عائلة أوروبية».
أما عن سوك المجتمع الدولي فأضاف براشاد بيان الأمين العم للأمم المتحدة قبل الحرب بيوم- وهو بيان صادق حول التدخل العسكري الروسي فى أوكرانيا- «باسم الإنسانية، لا تسمحوا بأن تبدأ فى أوروبا ما يمكن أن يكون أسوأ حرب فى هذا العقد». أدانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هذا «الهجوم الهمجي»، وقالت إن: «الرئيس بوتين يجلب الحرب مرة أخرى إلى أوروبا». يقول براشاد إن «إعادة الحرب إلى أوروبا» ذكّره بخطاب إيمي سيزير حول الاستعمار، حيث تحسر الشاعر والشيوعي العظيم على نسيان أوروبا المعاملة الفاشية لشعوب إفريقيا وآسيا من قبل القوى الاستعمارية. كتب سيزير أن الفاشية هي التجربة الاستعمارية التي أعيدت إلى أوروبا.
يذكر براشاد أيضاً فى مقاله بموقف المجتمع الدولي من حرب العراق. عندما غزت الولايات المتحدة العراق فى عام 2003، لم يتقدم الأمين العام للأمم المتحدة ولا رئيس المفوضية الأوروبية لإدانة تلك الحرب بالسرعة التي حدثت فى حرب أوكرانيا. ساقت المؤسستان الدوليتان الحرب، وسمحتا بتدمير العراق، التي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص. فى عام 2004، بعد عام من الحرب الأمريكية على العراق، ظهرت تقارير عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وما يحدث فى سجن، وصف الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان الحرب بأنها «غير شرعية»، ووصف رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي- الذى كان رئيس المفوضية الأوروبية- الحرب فى عام 2006 بأنها «خطأ جسيم». فى حالة التدخل الروسي، سارعت هذه المؤسسات إلى إدانة الحرب، وهو أمر جيد للغاية. لكن هل هذا يعنى أنهم سوف يسارعون فى إدانة الولايات المتحدة عندما تبدأ حملة القصف التالية؟.. يعتقد فيجاي براشاد فى مقاله أن المفاجأة والرعب الذى حدث مع التدخل الروسي فى أوكرانيا، نتج لأن العالم تعود على التدخلات العسكرية الأمريكية، وبالتالي التدخل الروسي شكل قطيعة مع الماضي. فهذه المفاجأة حيرت المراسلين والمحليين على حد سواء.
- • •
يقول براشاد إن الحروب قبيحة وخاصة حروب العدوان، ويتمثل دور المراسل فى شرح سبب خوض دولة ما للحرب، ولا سيما الحرب غير المبررة. ويقول كازمي إن اللاجئين هم لاجئون بغض النظر عن لبسهم وشكلهم والمكان الذى يعيشون فيه، والتعصب العنصري أثناء النزاعات هو أمر مخزٍ تماماً. والفكرة القائلة بأن الصراع داخل أوروبا المتحضرة هو أمر مقلق للغاية؛ لأن الحروب تحدث فقط فى البلدان غير المتحضرة، هو أسلوب يُظهر ازدواجية المعايير والتحليلات المنافقة؛ لأن جميع الحروب التي حدثت خارج أوروبا، والتي وقعت الغالبية العظمى منها فى غرب آسيا وأفريقيا، نتجت عن الإمبريالية والمؤامرات والمغامرات العسكرية الغربية، ولم تشعلها شعوب هذه المناطق. ويستطرد راشاد قائلاً: إن الحرب فى أوكرانيا تنضم إلى سلسلة من الحروب الموجودة على هذا الكوكب الهش. الحروب فى أفريقيا وآسيا لا نهاية لها، ونادراً ما يتم التعليق عليها. على سبيل المثال كان من المستحيل جذب اهتمام وسائل الإعلام العالمية الكبرى بالصراع فى كابو ديلجادو فى موزمبيق، والذى نشأ نتيجة استيلاء الشركة الفرنسية «توتال إنيرجيز» والشركة الأمريكية «إيكسون موبيل» على الغاز الطبيعي، وتتبعه نشر الجيش الرواندي المدعوم من فرنسا فى موزمبيق. يروي الكاتب ما حدث معه فى قمة المناخ كوب26 عندما أخبر مجموعة من المسؤولين التنفيذيين لشركات النفط عن هذا التدخل وأجاب أحدهم «أنت محق فيما تقوله، لكن لا أحد يهتم بهذا». القوى السياسية فى الغرب لا تهتم بمعاناة الأطفال فى أفريقيا وآسيا، لكنهم فقط مهتمون بالحرب فى أوكرانيا. هي بالفعل حرب مهمة وتزعجنا جميعاً، لكن لا يجب أن ننسى أن هناك صراعات أخرى أسوأ وأكثر وحشية منها تحدث فى جميع أنحاء العالم، ومن المرجح ألا يتذكرها أحد بسبب أن قادة العالم ووسائل إعلامهم لا يهتمون بها.
- • •
يذكر كازمي ما تقوم به وسائل الإعلام البريطانية أيضاً من تمجيد للأوكرانيين الذين يقاتلون الروس وانحياز لن يجرؤوا على تبنيه فى أي من الصراعات الأخرى فيقول: «تخيل أن يحظى الفلسطينيون الذين يقاومون قوات النظام الإسرائيلي بمثل هذه التغطية.. عرضت قناة سكاي نيوز البريطانية مقطعاً يوضح كيفية صنع القنابل وجعلها فعالة قدر الإمكان. لو كان هؤلاء الأشخاص الذين يصنعون العبوات الناسفة فلسطينيين لكانوا وُصفوا بأنهم إرهابيون. ظهرت العديد من الأمثلة على هذا النفاق خلال الأيام القليلة الماضية وتطول القائمة بطريقة تصعب تغطيتها كلها».
يشير كازمي أيضاً إلى ماكينة نشر الأخبار المضللة التي تعمل فى الدول الغربية لنشر أكاذيبها على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وتكرر نفس الأخطاء. فى المملكة المتحدة، النقاد الذين اتهموا نايجل فاراج وموقفه بتأييد البريكست قائلين: إنه يرغب فى ترحيل البولنديين، يطالبون الآن بترحيل الروس من بريطانيا. دائماً ما تعظ الدول الأوروبية حول كيفية وضرورة الفصل بين الرياضة والسياسة، لكن فى نفس الوقت انطلقت دعوات تحرم الروس الذين يمتلكون أسهما فى تشيلسي من ممتلكاتهم وتدعو إلى ترحيلهم. هذا فى وقت تمتلك السعودية فيه ناديين لكرة القدم فى بريطانيا وتمتلك الإمارات نادى مانشستر سيتي على الرغم من الحرب فى اليمن، كما سمح الاتحاد الأوروبي بدخول إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على الرغم من احتلالها لأراض فلسطينية بشكل غير قانوني وارتكابها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا حصر لها لأكثر من نصف قرن.. ولكن روسيا تم طردها فجأة. لم يذكر أحد نادي كرة القدم البريطاني مانشستر يونايتد الذى يملكه أمريكيون، على الرغم من عمليات احتلال وحروب وغزوات واشنطن التي لا تعد ولا تحصى.
يقول كازمي أيضا إن الاتحاد الأوروبي الذى يدعي دفاعه عن حرية الرأي والتعبير حظر وسائل الإعلام الروسية، ليقدم رواية واحدة محدودة عن الأحداث الجارية لشعوبهم. أعلنت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس أنها ستدعم بشكل مطلق الأشخاص الذين يريدون السفر إلى أوكرانيا والقتال فيها، على الرغم من أن هذا غير قانوني فى بريطانيا؛ حيث قامت الحكومة البريطانية بسجن الأشخاص الذين ذهبوا للقتال والدفاع عن المسنين والنساء والأطفال ضد جماعة داعش الإرهابية فى العراق وسوريا، وأولئك الذين احتجزتهم السلطات البريطانية ما زالوا يقضون عقوبتهم بالسجن. يتساءل كازمي هل يمكن تخيل ذهاب شخص ما للقتال من أجل الفلسطينيين ضد النظام الإسرائيلي، فهل ستدعمهم ليز تروس تماما؟ تذكر أنه تم حظر التلويح بالأعلام الفلسطينية فى ملاعب كرة القدم البريطانية؛ لأنه لا يجب خلط السياسة بالرياضة، هذا بينما تم خلال الأيام القليلة الماضية توزيع الأعلام الأوكرانية فى ملاعب كرة القدم.
الشيء الأكثر إثارة للقلق فى كل هذا هو قيام الغرب بضخ المزيد من الأسلحة لأوكرانيا، وهو ما يعين إطالة الصراع. وبدلاً من طرح مبادرات سلام لحل الأزمة، يبدو أن الغرب يريد أن يستمر القتال.
(**) النص الأصلي لـ “شابير كازمي“:
https://www.eurasiareview.com/05032022-western-hypocrisy-over-ukraine-oped/
(***) النص الأصلي لـ “فيجاي راشاد“:
ــــــــــــــــــــ
* كاتبة صحفية ومترجمة مصرية
المصدر: الشروق
التعليقات مغلقة.