عمر علي الحسين *
انهمرت دموع الأم جميلة 70 عاماً، عندما اجتمع أولادها وبناتها في غرفتها قاصدين معايدتها. يقومون بتقبيلها وتقديم الهدايا، ويذهب الجميع للغرفة المجاورة حيث المائدة التي توجد مرة كل عام في منزلهم، فيها بيتزا وكاتوا ومكسرات وعصائر بأنواعها.
كاد أن يغمى عليها حين بدأ أحمد 33 عاماً بفتح كرتونة زيت ONA، داخل الكرتونة ست قناني زيت ذرة سعة كل منها 1 لتر، وكيس سكر 5 كغ.
الأم جميلة نازحة من مدينة كفرنبل، كغيرها من الأمهات المهجرات من ريف ادلب الجنوبي، تسكن مع أولادها في مدينة ادلب، تقول “سعر لتر زيت الذرة 25 ليرة تركية لكن قنينة الزيت أغلى على قلبي من 100 ليرة، أشعر عند شرائها أن قيمتها أكبر من سعرها، وهي كغيرها من مواد الغذاء الأساسية كالأرز والسكر والسمن الخ”.
يقول أحمد “كل شيء متوفر وبكثرة، لكن غلاء الأسعار كارثي، فعند هبوط الليرة التركية أمام الدولار يتسابق أصحاب المحال التجارية لرفع أسعار المواد الموجودة عندهم وعند ارتفاعها مقابل الدولار تبقى الأسعار كما هي، فأحببت وبطريقة ساخرة إهداء كرتونة زيت لأمي بعيدها، وهي فرحت بها أيضاً بطريقتها الساخرة، فضحكنا جميعًا على الموقف الذي حصل وهو بالأساس واقعي”.
أما أشرف 22 عاماً فقد صنع قالب حلوى وكتب اسمه عليه بالكراميل والشوكولا وقدمه لأمه كهدية بعيدها، وبعد أن قام بتصويره أكله عن بكرة أبيه، وشرب بعده كأسين من عصير البرتقال الطبيعي وقال كلمات راقية لأمه غير معتادة على سماعها منه في الأيام العادية، ناهيك عن احتضانها وتقبيلها، وهنا انهارت دموع الجميع ضاحكين على موقف أشرف بعيد أمه.
اكتفت غزالة 40 عاماً بتقبيل رأسها وتقديم قطعة قماشية لأمها قائلة: “سوف تضعها مع 22 قطعة في الخزانة أهديتها إياها مسبقاً، ولم تقم بقص وخياطة أياً منها حتى اليوم”.
تختلف مظاهر الاحتفال بعيد الأم من بلد إلى آخر، ويتنوع وفقاً لعادات الشعوب.
في أكثر بلدان العالم يكون بتقديم الهدايا وتجهيز حفلة رمزية صغيرة للتضحيات التي قدمتها ومازالت تقدمها من أجل أبنائها، فلا الهدايا ولا أي شيئ في الدنيا يعادل تضحيات الأم، لكن لابد من وجود شيء يذكرنا ويطيّب خاطرها.
بعض المصادر تقول: “يُنسَب الفضل بظهور الاحتفال بعيد الأم في الولايات المُتّحدة إلى امرأة تدعى آنا جارفس، إلا أنَّ الفكرة بدأت في الحقيقة مُنذ عام 1872، ففي تلك السّنة اقترحت المُؤلّفة الأميركيّة جوليا وورد هوي اعتماد هذا العيد الوطنيّ،
ولم يكُن الهدف الأصليّ الاحتفال بالأمّهات بقدر ما كان إيجاد وسيلة للتّرويح عن النّاس من مآسي الحرب الأهليّة الأميركيّة التي كانت قد وضعت أوزارها مُنذ سنوات قليلة آنذاك. دعت جوليا هوي الأمّهات إلى الاحتفال بهذا العيد بعدّة مظاهر، مثل التجمّع في الكنائس والسّاحات، وإلقاء الخطب والمواعظ وغير ذلك”.
أمّا آنا جارفس فقد دعت إلى الاحتفال بعيد الأم كمُناسبة وطنيّة للمرّة الأولى في الثاني عشر من مايو سنة 1907، حيث أقامت تجمُّعاً عامّاً في كنيسة ببلدة غرافتون في ولاية فرجينيا الغربيّة، وبفضل جُهودها الحثيثة وخلال خمس سنوات من ذلك التّاريخ فحسب أصبحت جميع مُدن الولايات المُتّحدة الكُبرى تحتفل بمظاهر عيد الأم في كلّ عام، وفي سنة 1914 أعلن الرّئيس الأميركيّ وودرو ويلسون عن تحويل عيد الأم إلى عطلة وطنيّة رسميّة في أميركا، وانتشر بعدها التّقليد ليصل مُعظم بلدان العالم.
أما بالنسبة للوطن العربي فإنّ عيد الأم يحل يوم 21 آذار/ مارس، وكان أوّل من فكّر فيها الصحفي “علي أمين” وهو مؤسّس جريدة الأخبار المصرية. وكانت القصّة أنهُ أتت امرأة إليهِ وقد أخبرتهُ عن حياتها بعد أن توفّي زوجها وقد قامت بتربية أبنائها لوحدها وتعليمهم، وقد شعر علي أمين بروعة القصّة وقام بكتابتها وطرحَ فكرة أن يكون هناك عيد للأم تقديساً لها. وكل عام وأنت بألف خير يا أمي.
* كاتب سوري
المصدر: اشراق
التعليقات مغلقة.